#########

العدالة والمساءلة

داخل محاكمة “علاء م #60”: العجي في وضعية الدفاع


بعد ذلك، افتتح فريق الدفاع استجوابَه باستحضار ما ذكره P26 عن مشاهدة مرضى مكبلين ومعصوبي الأعين في مشفى المزة. أراد محامي الدفاع بون أن يعرف إن تحدّث P26 مع زملائه عن ذلك الأمر وعن إساءة معاملة المرضى أو تعذيبهم في المشفى.

14 / كانون أول / ديسمبر / 2023


داخل محاكمة “علاء م #60”: العجي في وضعية الدفاع

*مع العدالة: “المصدر المركز السوري للعدالة والمساءلة

 

المحكمة الإقليمية العليا – فرانكفورت ألمانيا

موجز مراقبة المحاكمة الستون

تاريخ الجلسة: 7 و 9 تشرين الثاني / نوفمبر 2023

تحذير: قد تتضمن بعض الشهادات توصيفاتٍ للتعذيب

يُرجى ملاحظة أن هذا الموجز ليس نسخة حرفية لمحضر المحاكمة؛ بل مجرّد ملخّص غير رسميٍّ لإجراءات المحاكمة.

في هذا الموجز، [المعلومات الموجودة بين قوسين معقوفين هي ملاحظات من مراقبينا في المحكمة] و”المعلومات الواردة بين علامتي اقتباس هي أقوال أدلى بها الشهود أو القضاة أو المحامون”. كما تمّ حجب أسماء الشهود والمعلومات التي قد تحدّد هويتهم.

يسرد تقرير المحاكمة الستون الخاص بالمركز السوري للعدالة والمساءلة تفاصيل اليومين الأول والثاني بعد المئة من محاكمة علاء م. في فرانكفورت، ألمانيا. استُأنف في اليوم الأول استجوابُ الشاهد P26. بيّن القضاةُ أن بعض المستندات التي قدّمها الشاهدُ والمتهمُ طابق بعضُها بعضًا، ووضّح الشاهد والمتهم أن ذلك كان أمرًا شائعًا في سوريا. لم يكن الشاهدُ متأكدًا من وجود إساءة معاملة للمرضى في المشفى كما زُعم في وسائل الإعلام، وقال إنه كان محايدًا لا يحب السياسة. فاستجوبه القضاة حول عمّه المُدرج اسمه على قائمة العقوبات لزعم تلطُّخ يديه بقصف الغوطة بالسلاح الكيماوي، ونفى معرفته بمن كان مسؤولًا عن ذلك. لم تُثلج صدرَ فريق الدفاع شهادَتُه عن إساءة معاملة المرضى إذ صرّح عن جهله بها. وبعد أن سأل المتهمُ الشاهدَ بضعة أسئلة، أعلن رئيس المحكمة انتهاء استجوابه.

محاكمة
“علاء موسى” (إنترنت)

في يوم المحاكمة التالي، طلب القضاةُ من المتهم توضيحًا حول وثيقة تخص أحد المدّعين في المحاكمة (P4) وقدّمها الدفاع إلى المحكمة. ثم استُجوب محامي الدفاع العجي عن منشأ وثائقَ قدّمها إلى المحكمة وكيفية حصوله عليها. تبيّن أن العجي تباحث في سوريا أمرَ P4 مع محامٍ مثير للشبهة ووالد المتهم الذي قدّم شكوى تشهير ضد ذلك المدعي. لم يُعِدّ العجي عُدّته قبل أن يأتيَ إلى الجلسة، فأفضى ذلك إلى أداء هزيل في المحكمة وبّخه عليه رئيس المحكمة. فاتهمه تارة بالكذب حول مسألة معينة، وتارة بأنه يتواصل مع المخابرات السورية، وأخرى بأن تسريبه لمعلومات عن المحاكمة كان السبب وراء ترهيب الشهود فيها وتلقّيهم التهديدات، وهلمّ جرًّا. بدا غضبُ القضاة جليًّا أثناء الاستجواب الذي تخلله تقريعُ العجي ووصفُه بأنه مخيّبٌ للآمال. تعجّب القضاةُ من جهله بأساسيّات ينبغي على محامٍ أن يعرفَها. وبعد أدائه الرثّ الهزيل، اختتم القضاةُ استجواب العجي. ثم عرضوا وثيقة لترجمتها ومعاينتها في المحكمة وقرروا استكمال ذلك في جلسة لاحقة.

أبرز النقاط:

اليوم الأول بعد المئة – 7 تشرين الثاني / نوفمبر 2023

استُؤنف في هذا اليوم استجوابُ الشاهد P26. استهلّ رئيسُ المحكمة الجلسةَ بالإشارة إلى ما خَتم به الجلسة السابقة مشيرًا إلى أنه ما زال بإمكان P26 أن يصوّب أمرًا ما في شهادته. قال P26 إن ما لديه هو بالأحرى توضيحٌ لما أفاد به. بيّن P26 أنه لم يذكر في سيرته الذاتية أنه عمل في مشفى المزة العسكري واقتصر على ذِكر تشرين لأنه أراد أن تكون سيرته الذاتية مقتضبة ولأن الكثيرين الذين قدِموا إلى ألمانيا فعلوا الشيء نفسه. وعندما عرض القضاةُ على شاشات العرض في المحكمة السيرةَ الذاتيةَ لزميل P26 وخطابَي دوافعهما، تبيّن أن هذا الزميل فعل الشيء نفسه، فلم يذكر مشفى المزة العسكري وكان خطابُه نسخة طبق الأصل عن خطاب P26. فبرّر P26 بأن الجميع كانوا يذكرون تشرين فحسب لأنهم يتسلّمون شهاداتهم منها، وأن خطاباتهم موحّدة لأنهم كانوا يستخدمون النموذج ذاته. ثم بيّن P26 أن الأمر الآخر الذي كان يودّ توضيحه هو أن أباهُ ساعد علاءً في مشكلته مع بعض المستندات التي تتعلق بتأجيل الخدمة العسكرية.

بعد التأكّد من أن العلاقة بين P26 وعلاء ما زالت وثيقة، أراد رئيس المحكمة كولر أن يعرف كيف كان ردّ فعل P26 حينما علم بأمر الاتهامات ضد علاء. قال P26 إنه لم يأخذ الأمر على محمل الجد آنذاك لأن علاءً صديقُه ولم يسمع عن إساءة معاملة منه، وأضاف أنه صُدم عندما أرسل إليه علاءٌ فيديو قناة الجزيرة. أراد كولر أن يستوضح ما إن كان يقصد P26 أنه لم يسمع عن إساءة معاملة من علاء بشكل خاص أم في سوريا بشكل عام. ردّ P26 أن وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي كانت تنشر كثيرًا من المواد. تساءل كولر إن كان P26 يعرف صور ملفات قيصر، فأجاب P26بأنه رأى شيئًا منها إلًا أنه لم يُكملها كما لم يُكمل مشاهدة تقرير الجزيرة عن علاء. أراد كولر أن يعرف إن كان P26 يعتقد أن تلك الأمور غير صحيحة، فردّ P26 أنه لم يرَ شيئًا بشكل شخصي ولذلك لا يعلم إن كانت تلك الأمور حقيقيةً ولا إن كانت قد حدثت فعلًا في سوريا. تساءل القاضي كولر عن موقف P26 من نظام بشار الأسد، فقال P26إنه محايدٌ لا يحب السياسة، ولم يشارك في مظاهراتٍ تؤيّد النظامَ ولا في أخرى تعارضه.

بعد استراحة قصيرة تشاور فيها القضاة، أنبأ رئيسُ المحكمة القاضي كولر الشاهدَ أن من حقه الإعراض عن الإجابة عن الأسئلة إن كانت ستعرّضُه أو أحدًا من أقربائه لملاحقات قانونية، وفقًا للفقرتين 52 و 55 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني. قال كولر إن اسم عمّ P26 مُدرجٌ على قائمة العقوبات لأنه متورِّطٌ بقصف الغوطةبالصواريخ والأسلحة الكيماوية عام 2013 – حينما كان P26 ما يزال في سوريا – وخلّف ذلك ما يقرب من 1400 ضحية من المدنيين. تساءل كولر إن كان لدى P26 شيءٌ يقوله. أجاب P26″مالذي ينبغي عليَّ قولُه؟ لقد قيل الكثير”، وأضاف أنه لا يعرف كثيرًا من التفاصيل وأن الحكومة والمعارضة كان يتهم كلٌّّ منهما الآخر. أراد كولر أن يعرف إن كان P26سمع عن الأمر. ردّ P26 بأنه سمع لكنه لم يرَ [القصف]، وحين يسمع أحدهم إعلام المعارضة يرى رواية طرف واحد، ولكن حين يسمع إعلام الحكومة يرى رواية مختلفة. سلّم كولر بإمكانية أن يلتزم P26 الحياد حول ما جرى في سوريا، إلّا أنه لا يعتقد أن ذلك ممكنٌ حينما يتعلق الأمرُ بقصف مدنيين بالسلاح الكيماوي. أجاب P26 بأنه سمع عن الأمر في وسائل الإعلام، وكل واحد يلقي اللوم على الآخر. ذيّل P26 بأنه يأسف على من مات، ولكنه لا يعرف من كان المسؤولَ عن الأمر.

بعد ذلك، افتتح فريق الدفاع استجوابَه باستحضار ما ذكره P26 عن مشاهدة مرضى مكبلين ومعصوبي الأعين في مشفى المزة. أراد محامي الدفاع بون أن يعرف إن تحدّث P26 مع زملائه عن ذلك الأمر وعن إساءة معاملة المرضى أو تعذيبهم في المشفى. أجاب P26 بأنه لم يتحدث قط مع زملائه عن الأمر. ردّ بون بأنه لا يصدّق P26. وأراد أن يعرف موقفه مما رآه. تدخّل محامي الدفاع إندريس مضيفًا أنه يريد أن يعرف موقفه من الأمر بصفته طبيبًا. قال P26 إن لا شأن له بأولئك المرضى.  ورغم أن كولر ذكّر الشاهدَ بواجبه في قول الحقيقة والإدلاء بشهادة كاملة، إلّا أن لديه انطباعًا بأن P26 لم يؤدّ ما عليه. قال P26إنه لا يتذكر الكثير وإن على المحكمة أن تسأل من عمل مع علاء في نفس المشفى فقد يكون لدى أشخاصٍ كهؤلاء معلوماتٌ أكثر. ثم سمّى P26 أسماء أطباء عملوا مع علاء في سوريا ويعملون حاليًّا في ألمانيا، ودوّن القضاةُ أسماءهم.

في ختام الجلسة، استجوب المتهمُ الشاهدَ لأول مرة باللغة العربية. فطُلب من مترجم المتهم الشفوي أن يترجم أسئلة المتهم إلى الألمانية. سمّى علاءٌ أطباء وطلب من P26 أن يخبر المحكمة بما يعرفه عنهم. ثم ذكّر علاءٌ الشاهدَ بمناسبة معيّنة خلص منها إلى أن P26 وعائلته غادروا دمشق فيها، وشدّد على أن أخا الشاهد كان ممن غادر. فأقرّ الشاهدُ بتذكُّر تلك المناسبة. [ملحوظة: ارتكب مترجمُ المتهمِ الشفويُّ أخطاء كثيرة في الترجمة. وبدا مشتّتًا لدرجة أن المتهم كاد أن يغيّر رأيَه ويسأل أسئلته بالألمانية].

قبل أن يُنهيَ رئيس للمحكمة الجلسة، اعترف الشاهد أنه ناقش شيئًا من محتوى الجلسات مع أخيه [الذي سيَمثُلُ شاهدًا فيما بَعْد]، غير أنهما لم يتحدثا عن كل شيء. اعتذر P26 معربًا عن جهله بأنه لم يكن ينبغي أن يتحدث مع أحدهم عن الأمر إذ لم يُخبره أحدٌ عن ذلك. تفهّم رئيس المحكمة الأمرَ وقال إنه يعلم مسبقًا أنه من غير المنطقي ألّا يتحدّث الشهودُ مطلقًا عن الأمر، ثم رفع الجلسة.

اليوم الثاني بعد المئة – 9 تشرين الثاني / نوفمبر 2023

استهلّ القضاةُ جلسة هذا اليوم بعرض سيرتي P26 وزمليه الذاتيتن وخطابات دوافعهما ودوافع علاء، وأشاروا إلى أنهم متطابقون وطلبوا تفسيرًا من المتهم. قال علاءٌ إن هذا كان عملًا معتادًا ونموذجًا استخدمه جميع الأطباء. وضّح علاء أن على المرء آنذاك أن يدفع مبلغًا لمكتب يتعامل مع السفارات لكي يحصل على النموذج، ولكنه وآخرين فضّلوا أن يأخذوا النموذج من الإنترنت بالمجّان، إذ رفعه هناك أحدٌ قبلهم.

أشار القضاةُ إلى الوثيقة التي تفصّل حكمًا ضد P4 بإدانته بالسرقة وأرادوا أن يسمعوا من المتهم ما يعرفه عنها. وضّح علاءٌ أن أباه قدّم شكوى ضد P4 قبل أن يصدر أمرٌ بمثول علاء أمام القضاء [ملحوظة: يشير “أمر المثول أمام القضاء” إلى أمرٍ توجّهُه المحكمةُ إلى الوَصِيّ القضائيّ الذي يُنفّذُ الاستدعاءُ عن طريقه. فهو يحمي الشخصَ المحتجَزَ من السجن التعسفي أو لأجل غير مسمى]. التفت علاء إلى محاميه العجي واستأذنه في الإفصاح عن معلومة فأومأ إليه العجي إيجابًا. فوضّح علاء أن العجي أخبره أن المحاميَ طوني [ذُكر اسمُ المحامي في الجلسة وسيُشار إليه بهذا الاسم طَوال التقرير] اتصل به وأخبره أنه عثر على حكم إدانة ضد P4. وبعد يومين، أخبره العجي أن وثيقة الحكم باتت عنده. ثم تباحث محامو دفاعه الوثيقة قبل أن يرسلوها إلى قاضي التحقيق في محكمة العدل الاتحادية، د. شْتوم، ووجدوا فيها ما يُناقض شهادة P4في المحكمة.

المحاكمة
“علاء موسى في المحكمة” | الصورة إنترنت.

بعد استراحة قصيرة، جلس محامي الدفاع العجي على كرسي الشهود، وبيّن رئيس المحكمة كولر أن العجي قد أُعفي من السرّية المهنية التي بينه وبين المتهم علاء م. وفقًا للفقرة 53 من قانون الإجراءات الجنائية الألماني، وسَتَسْتَجْوبُهُ المحكمةُ بشأن “منشأ واستجلاب” مستندات قدّمها إلى قاضي التحقيق. وتضمّنت المستندات:

1- حكمًا ضد P4 في عام 2012، قدّمه العجي في 10 تشرين الأول / أكتوبر 2020

2- خطابًا من إدارة الهجرة والجوازات عن رحلات P4 خارج البلاد أُصدر بناء على طلب من المحكمة في سوريا في عام 2012، قدّمه العجي في 6 أيلول / سبتمبر 2023

3- مقتطفاتٍ لمستندات إلكترونية متنوعة، قدّمها العجي في 15 حزيران / يونيو 2022

باشر القضاةُ استجوابَ العجي بسؤاله عن منشأ الوثيقة التي تفصّل حكمَ الإدانة وكيف حصل عليها. فوضح العجي أنه لم يكن من المحامي طوني بل من عمّ المتهم. وعندما وصلته نسخة من الحكم، وجد اختلافات بين ما ذُكر فيها وبين ما أفاد به P4 في استجواب سابق، فطلب العجي نسخة مصدقة من المستند ووصلته لاحقًا عبر بريده الإلكتروني وأُرسلت نسخةٌ إلى مترجم. خابت مساعي محامي الدفاع إندريس في نجدة زميله العجي حينما أخبره أن ليس عليه أن يسرد تفاصيل ما حدث بعد تلقيه المستند، لأن القاضيَ كولر أخبره أن كل ذلك إضافة إلى ترجمة الوثائق هو جزء من جوهر الاستجواب. استغرب كولر كيف أن العجي تلقّى وثيقة رقمية غير مصدّقة وافترض صحة ما فيها رغم أنه لم يكن يملك الوثيقة الأصلية للمقارنة بينهما، وتعجب من أن محاميًا قد يفعل هذا.

أشار القاضي رودِه إلى أن مكتب المدعي العام الألماني سأله سابقًا عن كيفية حصوله على تلك الوثيقة فأجاب بأنه حصل عليها في سوريا. ارتبك العجي وأخبره رئيسُ المحكمة كولر أنه لا يقول الحقيقة إذ إنه أدلى بشهادة زور الآن في المحكمة. تلَجْلَج العجي وضحك ضحكةً صفراء وتساءل كيف ذلك، فزجره كولر عن الضحك وقال له إنه شهد في المحكمة أن الوثيقة أُرسلت إليه وهو في ألمانيا. فنفى العجي ذلك وافترّ ضاحكًا مرة أخرى. أثار ذلك غضبَ رئيس المحكمة الذي قرّع العجي مشيرًا إلى ضحكه مجدّدًا، وقال إن الأمر لا يدعو إلى الضحك وإن على العجي أن يكون حذرًا لأنه لا يعي خطورة الموقف الذي هو فيه. حاول العجي أن يبرر بأن هناك مشكلة في تأويل الموقف، فقاطعه كولر قائلًا: “لقد قلت، أُرسلت إليّ.”

استفسر القضاةُ عن الوثيقة الصادرة من إدارة الهجرة والجوازات، فوضّح العجي أن الوثيقة أُصدرت لأن المحكمة أرادت أن تبحث في أمر P4 وتستخرج معلومات عنه وتتحرى إن كانت هناك سوابق جنائية ضده. أراد القضاة أن يعرفوا متى شاهد العجي تلك الوثائق، فوضّح العجي أن المحاميَ طوني أراه نسخة عن ملف القضية ضد P4 عندما التقيا معًا في سوريا في منتصف شهر حزيران / يونيو 2020. وكان في الملف نسخٌ مصدّقةٌ وغير مصدّقةٍ عن الوثائق. وبعد لقائهما الذي استغرق أربع ساعات، بعث العجي إلى أبي علاء نسخًا للترجمة. وحين سأل القضاةُ الشاهدَ العجي متى وكيف أرسل أبو علاء النسخ المترجمة له، لا استطاع العجي أن يحدد بدقة الزمان، ولا جزم بأن أبا علاء أتاه شخصيًّا لتسليمها أم أرسلها إليه بالبريد. استشاط رئيس المحكمة غضبًا وطَفِقَ يخبطُ الطاولة بيده وهو يذكّر العجي بأنه أُنبأ بموعد استجوابه عن منشأ تلك الوثائق قبل أيام عديدة إلّا أنه أتى بلا استعداد. ردّ العجي بأنه لم يُسأل عن منشأ الوثائق بل عن وقت استلامها. بدا الإحباطُ على مُحَيّا القاضي كولر وهو يوبّخ العجي ويتساءل كيف لمحامٍ ألّا يفقه معنى كلمة “منشأ”، وأضاف أنه كان يجب عليه أن يطلب من مترجم المحكمة الشفوي أن يترجم للعجي في تلك الحال. لمح كولر المتهمَ علاءً يهزّ رأسَه، فقال كولر إن من حق علاء أن يهزَّ رأسه إن كان لديه محامٍ كهذا.

أشار القاضي رودِه إلى أن العجيَ التقى بالمحامي طوني في منتصف شهر حزيران / يونيو 2020، وأراد أن يعرف متى تواصل العجي مع طوني لأول مرة بخصوص قضية P4. قدّر العجي أن ذلك لا بُدّ وأنه كان في باكورة عام 2020. أراد رودِه أن يعرف سبب رحلة العجي إلى سوريا آنذاك، فوضح العجي أنها كانت رحلة خاصة. خلص رودِه إلى أن ذلك يعني أن العجيَ تباحث مع طوني أمرَ شاهدٍ محتملٍ في المحاكمة في الوقت الذي كان استدعاءُ P4 للمثول في المحكمة أمرًا مقررًا مسبقًا. ذكّر القاضي كولر الشاهدَ العجيَ بأن من واجبه أن يُدلي بأجوبة كاملة. لم يُنكر العجي وظلّ صامتًا يفكّر، فأعاد رودِه سؤاله. تفكّر العجي في صمت لوهلة ثم أقرّ بصحة استنباط رودِه. فسأله رودِه إن كان يعُدُّ ما فعله أمرا صائبًا. وعندما همّ العجي بالإجابة، قاطعه رئيس المحكمة قائلًا “أحسنت يا العجي، يا لك من شخص جدير بالثقة!” وأشار بتهكّم إلى أنه من الجيد أن يشاطر العجي معلومات من ملف القضية عن شهود استُدعوا للمثول في المحاكمة ويسرّبها إلى أشخاص في سوريا، مضيفًا أنه بات يعلم سبب التهديدات التي تلقّاها الشهود خلال المحاكمة. ومباشرة سأل كولر العجي بشكل حازم عما إن كان يتواصل مع المخابرات السورية. أنكر العجي وتلعثم ثم قال إن اتهامَه اتّهامًا كهذا هو أمرٌ غير مقبول. فألجمه كولر قائلًا إنه لا ينتظر من العجي أن يخبره ما هو المقبولُ وما هو دونه، وأضاف أنه يريد قول شيء ولكنه سيُسِرُّه في نفسه في الوقت الحالي. فردّ العجي بأن على كولر أن يصدع بما عنده لأنه كان مستعدًّا.

بعد استراحة قصيرة تشاور فيها القضاة، سلّم محامي الدفاع إندريس وثائق مصدّقة تخصّ P4 إلى القضاة مشدّدًا على أن فريق الدفاع تسلّم هذه النسخ المصدّقة في هذا اليوم قُبَيْل دقائق. طُلب من مترجم المحكمة الشفوي أن يدنوَ من منصة القضاة لقراءة بعض الأختام والمعلومات على المستندات وترجمتها.

آخرُ ما تناوله القضاةُ كان مقتطفات لوثائق إلكترونية يخصُّ بعضُها علاءً ودفترَ خدمته العسكرية. سأل القاضي رودِه كيف حصل العجي على تلك الوثائق، فأجاب العجي بأن أبا علاء سلمه تلك الوثائق كما هو مبيّنٌ فيها. أبدى القاضي رودِه استغرابه وقال إن الأمر يبدو له وكأن العجي بنفسه هو من استخرج تلك الوثائق. أردف القاضي كولر بقراءة جملة كُتب فيها “دون كلام مع الأب” [لا يدري مراقب المحاكمة إن كانت الجملة جزءًا مما كُتب في الوثيقة أم في البريد الإلكتروني الذي أرسله العجي إلى القضاة]. ردّ العجي بأن ليس لديه تواصلٌ مع الإدارة العسكرية. فأراد كولر أن يعرف أين كُتب أن الوالد هو من استخرج تلك الوثائق. قال العجي إنه كان إما أبا علاء أو عمّه، ثم أخذ العجي ينقّب في الأوراق التي أمامه على الطاولة. وبعدما استَيْأَسَ العجي وقنط من العثور على ما يؤيّد زعمه، ناوله كولر المستندات التي مع القضاة والتي سلمها العجي لهم بنفسه في وقت سابق، فلم يجد العجي مراده فيها. فاستنبط كولر أن والد علاء لم يكن من استخرج الوثائق، فحَصْحَصَ الحقُّ وأقرّ العجي بذلك. فبيّن كولر أن ذلك كان سؤالَه في الأساس، إذ كان يريد أن يعرف من الذي تواصل مع الإدارة العسكرية. استطرد كولر في الحديث قائلًا: “لقد خيّبت آمالنا. سأقول لك من استخرجها، لقد ذهبت أنت بنفسك إلى الإدارة العسكرية.” أنكر العجي ذلك وأخبر كولر أن ذلك غير صحيح مهما ردّد كولر ذلك.

حان بعد ذلك دور أسئلة الادعاء العام التي ركّزت فيها المدعية العامة تسابيك على المحامي طوني إذ كان أمرًا غير مسؤول أن يتباحث العجي أسماءَ شهودٍ ومعلوماتٍ حساسةً عنهم مع أشخاص مريبين ومشكوك في أمرهم. وأيّد المدعيةَ العامّةَ زميلا العجي، إندريس وبون، ووافقاها الرأي. أرادت تسابيك أن يُدلي العجي بما يعرفه عن طوني. قال العجي إنه يعرف مكتب طوني في حمص، وإنه علم لاحقًا من علاء أن طوني كان على علاقة بعائلة علاء الذي كان يعرفه قبل أن يأتي إلى ألمانيا. لخصت تسابيك الوضع بأن العجي التقى محاميًا في سوريا بنية أن يأخذ منه وثائق ليقدّمها إلى السلطات الألمانية. أرادت تسابيك أن تعرف إن قيّم العجي ما إذا كان ذلك الشخص أهلًا للثقة. افترض العجي أن طوني تحقق من الوثائق بنفسه. استنتجت تسابيك أن انطباع العجي هو أن طوني شخصٌ موثوق، فأقرّ العجي بذلك. اقتبست تسابيك من ملف القضية معلومات قدّمها مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية الألماني عن حساب طوني على فيسبوك، إذ تابع طوني شخصًا ما مؤيّدًا للأسد على فيسبوك وشارك منشورًا على الملأ نشره ذلك الشخصُ مدحًا للأسد. قالت تسابيك إن ذلك بليغٌ في وصف موثوقية طوني. تساءل العجي إن كانت تريد تسابيك منه أن يصف طوني بأنه امرئٌ سيئ، مضيفًا أنه لا يعلم عن آراء طوني السياسية.

ختم محامي الدفاع بون استجوابَ زميله العجي ببضعة أسئلة، سأله في أحدها إن كان يتذكر أن فريق الدفاع رأى أن عليه أخذ الحيطة والحذر لأنه لم يكن متأكدًا من كَون وثيقة الحكم موثوقة. فأجاب العجي أنه يتذكر نقاشهم عدة مرات عن الأمر. وحين انتهى استجوابُ العجي، صرفه رئيس المحكمة كولر وعاد العجي إلى دكة محامي الدفاع.

بعد ذلك، عُرضت وثيقةٌ تُظهر حكمًا ضد P4، وترجم الخبير اللغوي ما تيسّر منها حتى نهاية الجلسة. أشار الخبير اللغوي إلى أخطاء قواعدية وإملائية في الوثيقة، وأبدى القضاة اهتمامًا خاصًّا بالأخطاء التي لا يُفترض أن تكون شائعة في وثيقة رسمية لأنهم أرادوا تقييم مدى أصالة وموثوقية تلك الوثيقة ومعرفة مدى إمكانية أن تكون مزوّرة. وبيّنت الوثيقةُ أن المحكمة في سوريا أقرّت بأن P4 لم يعترف بتلك الاتهامات حينما عُرض على المحكمة، بل صرّح بأن تلك الاعترافات انتُزعت منه بالضرب والتعذيب. لم تُستكمل ترجمة الوثيقة ومعاينتُها في المحكمة هذا اليوم، وقرر القضاة تأجيل ذلك إلى الجلسة القادمة، ثم رُفعت الجلسة.