#########

العدالة والمساءلة

دولة القانون والحقوق في تحليل قانونيين سوريين


تُعنى هذه الدراسة بسبل بناء دولة القانون في سورية، مقرّةً بأنها الحل المثالي للصراع الجاري فيها وعليها؛ لأنّ دولة القانون الديمقراطية هي بناء مؤسساتي قانوني ديمقراطي يمكّن السوريين من حقوقهم الأساسية، ويتيح لهم، عبر آليات تمثيلية ديمقراطية، وقانونية، من تطويره وتحسينه بشكل مضطرد.

13 / تشرين أول / أكتوبر / 2022


دولة القانون والحقوق في تحليل قانونيين سوريين

 

*مع العدالة: المصدر | المركز السوري للدراسات و الابحاث القانونية


 

الفريق البحثي: يوسف فخر الدين، المحامية ليليت سليمان، لبنى حمشو.

 مراجعة قانونية: المحامي أنور البني – المحامية ورد مراد.

تحرير: ربيع الشريطي.

لا نستطيع أن ندّعي خطّاً تاريخياً واحداً لتطوّر الدولة، فدوننا وفعل ذلك براهين كثيرة، حتى ولو قصدنا أنه خطٌّ عامّ واحد بتنوّعات عدّة؛ رغم أن في القول الأخير ما يغري منطقياً، ولكننا في عصر وصل العلم بتطوره إلى حيث ما عاد يمكن التعميم من دون برهان جازم حتى لما يبدو منطقياً. ما ندّعيه فحسب هو أن دولة القانون، على وجه التخصيص، بنشأتها الأولى، كانت تمييزاً عملياً بين الدولة الخاضعة للقانون، والدولة الاستبدادية المطلقة حيث يتصرف الحاكم بالبلاد وسكانها كإله، أو نصف إله، دون قيد أو شرط؛ وأن ذلك جرى في كل دولة بلغَته عبر عملية صراعية لتقييد السلطة الحاكمة من قبل المجتمع وبمشاركة عناصر في الدولة. والقانون المقصود لا ينحصر بتلك القواعد القانونية الموضوعة للمحكوم ليتبعها، بل قبلها القواعد القانونية الموضوعة للحاكم ليخضع لها ولتقيّد حكمه. وهي بهذا منذ أول ظهور لنموذج منها كانت قيداً وشرطاً، ولم تكن خضوعاً اختيارياً إلا كإضافة شخصية، إن حصلت، على الإجبار.

ودولة القانون والحقّوق المعاصرة تطورت نوعياً منذ ولادتها، من تحقيقها الخضوع للقانون إلى حيث صارت دولة القانون والحقّوق وسيادة القانون والديمقراطية والشرعية، دولة القانون الموضوع لكل مؤسسات الدولة والمواطنين ليتبعوه، وحيث لا يُستثنى الحاكم من المحاسبة حتى على صعيد الجرائم الشخصية.

ويشكّل الوصولُ إلى دولة القانون والحقّوق الهدفَ الرئيس للمجتمع الدولي في ما يتعلّق بسورية، على صعيد الخطاب على الأقل، وذلك عبر الدعوة للعناصر المكوّنة لها إن لم يكن باسمها صراحة؛ للدرجة أنه تم إقرار “اللجنة الدستورية” (وهي تكتسب شرعيتها، بل مبرّر وجودها، من افتراض أنها تهدف إلى وضع الدستور الذي ستُبنى على أساسه دولة القانون والحقّوق في سورية) وقد عقدت ثماني جولات مفاوضات. وللأسف فإنّ هذه الأهمية المفترضة، أو المدّعاة، لم تترافق مع اهتمام معرفيّ موازٍ يقدّم تعريفاً لدولة القانون. ولا مع دعوةٍ لإشراك واسع، وضروري، للقانونيين السوريين، واقتصر التفاعل، مع ما هو مطلوب على هذا الصعيد، على اجتهادات غير رسمية (خارج النظام ومعارضاته السياسية) محدودة.

تُعنى هذه الدراسة بسبل بناء دولة القانون في سورية، مقرّةً بأنها الحل المثالي للصراع الجاري فيها وعليها؛ لأنّ دولة القانون الديمقراطية هي بناء مؤسساتي قانوني ديمقراطي يمكّن السوريين من حقوقهم الأساسية، ويتيح لهم، عبر آليات تمثيلية ديمقراطية، وقانونية، من تطويره وتحسينه بشكل مضطرد. وإذ تعتمد الدراسة المنهج التشاركيّ، فإنها تنطلق من أولوية فسح المجال للفئات المهمّشة من السوريين لتحليل واقعهم، كنوعٍ من المشاركة في توجيه مسار بناء دولتهم المنشودة. وحصل في سورية أن القانونيين الذين يشكّلون في العالم الديمقراطي جزءاً من النخبة، هم فئة مهمّشة حتى في ما يفترض أنه مجال اختصاصها، وبضمن ذلك وضعُ الدستور.

تعتمد دراستنا هذا المنهج لفسح المجال للمهمّشين من السوريين، وهم الأغلبية، لتحليل واقعهم كي لا يُترك الأمر للمسيطرين لتقريره عنهم. وقد أشركت الدراسة 31 قانونياً/ةً من داخل سورية، وخارجها، لتحليل الواقع السوري بمحورية دولة القانون والحقّوق الديمقراطية. وقمنا بذلك عبر منهج يمكّننا من إعادة ترتيب العلاقة بين الباحثين وموضوع البحث، بحيث نعطي الأهمية الرئيسة لوجهات نظرهم؛ وبهدف الخلوص إلى تحليل واستنتاجات تكون إشكاليات، وفرضيات، دراسات لاحقة على المنهج نفسه، ولكن تمثيلية، وتكون موضوعات دراسات نظرية.

ولقد تضمّن تحليل القانونيين المشاركين مفهوم دولة القانون وعناصره ومعايير العدالة ضمنه، ومقارنتهم واقع الدولة السورية، بوجهة نظرهم النظرية، بعد ما خاضوه من تجارب معها ضمن المنظومة القضائية والإدارية والسياسية السورية بمراحلها المختلفة، فقد تفاعلوا جميعاً مع مؤسّساتها، وعمل بعضهم ضمن مؤسّساتها القانونية، ودرسوا جميعاً في مؤسّساتها التعليمية،  وبضمنها جامعاتها؛ ومقارنة معرفتهم النظرية بتاريخ الدولة السورية الذي اطّلعوا عليه؛ واستعراض أهم العقبات والعوائق التي يعتقدون أنها قد تقف حائلاً دون الوصول إلى دولة سيادة القانون، تمهيداً، لما يرونه من خطوات جدّية وفاعلة ينبغي العمل عليها للوصول إلى إمكانيات سياسية وقانونية يستطيع من خلالها المجتمع السوري بكلّ أطيافه ونُخبهِ العمل عليها لبناء دولة قانون سوريّة ديمقراطية قائمة على الحقّوق والحريّات.

 وفي سياق التجهيز للدراسة توصّلنا، بعد مراجعة دراسات تتناول توضيح معنى هذا المفهوم وعلاقاته نظريّاً وعلميّاً، إلى حاجة الدراسة إلى مبحث نظري بهذا الخصوص لثلاثة أسباب: أوّلاً، ليتوصل فريق العمل إلى تعريفٍ يُركن إليه بشكلٍ مشترك يساعده في اشتقاق أسئلة الدراسة، ويؤهّله لفهم أفضل لما يقدّمه المشاركون، وتالياً يجعل الفريق قادراً على التعامل معه تصنيفاً، وتحليلاً حيث يحتاج الأمر، واستخلاص النتائج في نهاية الدراسة؛ وثانياً، كي يستطيع الباحثون الذين يطّلعون على الدراسة أن يبحثوا في مدى صحتها، بدايةً ممّا اعتمده باحثوها من تعريف نظري لدولة القانون؛ وثالثاً، هناك حاجة نعتقدها عند كلّ من يهتم بقراءة الدراسة إلى الاطّلاع على تعريف نظري لدولة القانون، قبل الاطلاع على تحليل القانونيين المشاركين حول دولة القانون. مع التأكيد أن المبحث النظري هو اجتهاد في القراءة في مفهوم دائم التطور، اجتهاد اُنتج بجهد جماعي على المنهج نفسه الذي اعتُمد في الدراسة برمّتها، أي عبر قراءة ونقاشات جماعية، وعبر امتحان نتائج فريق العمل بالتحليل الذي قدّمه المشاركون/ ات؛ وهو، كما بقية الدراسة، يغتني بالنقد الذي نأمله من قرائها.


للاطلاع والتحميل اضغط هنا