#########

العدالة والمساءلة

عبد الإله بلقزيز: الفكر المنحاز للقتلة


إخفاء الدور الإيراني، يتصل ربما بمواقف بلقزيز القومجية، فقد يثير عبر تمجيده لدور النظام الفارسي بعض أصحاب القرار ضده، لكنه بدلاً من ذلك يكرس الوجود الروسي، بوصف نتاج التحالف بين الدولة البعثية وبين "صديق"!

21 / كانون الثاني / يناير / 2022


عبد الإله بلقزيز: الفكر المنحاز للقتلة

المصدر: تلفزيون سوريا | علي سفر


ليس أمراً جديداً أن يخط الكاتب المغربي عبد الإله بلقزيز، زاوية رأيٍ أخرى، في جريدة الخليج الإماراتية، يُظهر فيها اصطفافه إلى جانب أنظمة مستبدة، لقد فعلها سابقاً، ولكنها المرة الأولى التي يعلن فيها بوضوح، أنه واحد من مؤيدي أشد الأنظمة وحشية في المنطقة العربية، هو نظام الأسد.

الأمر عادي على ما يبدو في عرف المفكر القومي، ويشبه مثلاً كتابة الأدب، في أوقات إجازته من أعماله الترويج للممانعة، وشحذ الهمم في مواجهة الإمبريالية، والإسهاب في فضائل القومية العربية ذات الوجه السلطوي.

ويمكنه تكراره، مثل جمعه مقالاته في كتب يروجها له قومجيون، يتوسلون عودة أنظمة بائدة، مضى تاريخها إلى غير رجعة، إذ لم يترك حكامها من أثر، سوى البؤس لبلاد دمروها باسم الأيديولوجيا، وذبحوا شبابها في الأقبية، بحجة الدفاع عنها في وجه الأعداء.

ويستطيع أن يقفز فيما يكتبه على هامش أشغاله، فوق كل القضايا التي تهم الشعوب المنكوبة، ليتماشى مع مزاج قادة الثورة المضادة في المنطقة، فيمدح على سبيل المثال، رئيس تونس قيس سعيد بُعيد انتخابه، مانحاً إياه بعضاً من العظمة، قائلاً فيه ما “لم يقل قائل”، ويستطرد في الحديث عن مثالب “النظام التركي”، وعنجهيته، وحده دون غيره، كرمى لعيون أعداء أردوغان، ويسهب في تقريظ السياسة الروسية البوتينية المافيوية، وحقها في التمدد، وأن يكتب غير ذلك الكثير.

لكن ما لا يمكنه فعله هو إقناع القارئ بأن زاويته المنشورة بتاريخ 10/01/2022 التي حملت عنوان “سوريا ومثلث الإرهاب والاحتلال والانفصال” ليست موقفاً صريحاً في تأييد النظام!

السطور التي تشف عما بينها، تقول بأن ما كان صاحبها يخفيه مضطراً، أي دعمه للنظام الأسدي، بدواعي ادعاء تعالي “المُفكر” عن تأييد حاكمٍ بعينه، بات الآن غير مهم، أو بالأحرى لم يعد مضطراً لأن يفعله، خاصة وأن الفضاء العام المحيط بالقضية السورية كلها، صار يعلن بشكل واضح رغباته العارمة، في إعادة نظام البراميل المتفجرة، إلى أحضان الجامعة العربية!

محاولة بلقزيز، إيهام القارئ بحياديته أمام معادلة (نظام، معارضة) عبر حديثه عن البلد المنتصر بوصفه “شعباً وجيشاً ودولةً” لا تذكرنا بشيء إلا العبارة التقليدية التي تتردد في إعلام النظام عن سوريا بوصفها شعباً وقيادة وجيشاً”!

وسرعان ما تُسقطه في حفرة مليئة بالقذارة، لا يمكن للاغتسال بالشعارات أن يمحي آثارها، فهو لا يرى في كل ما حدث، ومازال يحدث على الأرض السورية، سوى أن إدلب هي “جيب إرهابي”، يتفهم اضطرار النظام القادر إلى تركها على حالها، كي لا يُحرج حليفه الروسي، المكبل بالالتزامات!

هنا، لا يمكننا تجاهل الرغبة الدموية المكبوتة لدى بلقزيز، وتحريضه من أجل أن يقوم النظام بالقضاء على “الإرهابيين”، الذين تم تجميعهم في هذه المنطقة، فكل ما تقوله زاويته، يؤكد أن منطق تفكيره يتطابق ليس مع إعلام الشبيحة فقط، بل مع أشدهم تطرفاً، الذين يريدون إبادة سكان المنطقة، دون تمييز بين مدنيين وبين مسلحين!

ولعل الملفت قبل كل هذا، أن شخصية الباحث العلمي تتلاشى فجأة، حينما يذكرُ في سياق تمجيد انتصارات الأسد، أن هذا قد واجه في سوريا “أزيد من ثلاثمئة ألف إرهابي”! فتظهر علامة استفهام كبيرة عن مصدر الرقم، الذي يذكره، والذي لم نعثر على شيء مشابه له، سوى في ادعاءات رددها مركز “فيريل” الذي يعتمده مدعو الموضوعية من الممانعجيين كمصدر “غربي” لمعلوماتهم، بينما يستمرئ عتاة المؤيدين الادعاء بأن هذه الأرقام منسوبة لتقارير منظمات الأمم المتحدة، رغم أن أوساط المحللين والباحثين تعرف أن هذه الأرقام مزيفة، وأن المؤسسة المذكورة إنما هي مجرد بوق للنظام، تحت غطاء كونها منظمة ألمانية!

لا يتجاهل بلقزيز فقط ممارسات الحل الأمني العنيفة التي صنعت الكارثة السورية الكبرى، فيلقي على الآخرين المسؤولية عن استمرارها، بل إنه ومن أجل إثبات نظريته عن أن “الدولة السورية وجيشها” هي المنتصرة، لا يأتي على أي ذكر للميليشيات الإرهابية المتحالفة مع الأسد، فلا وجود لحزب الله، ولا أثر للميليشيات العراقية والأفغانية، وبالتالي فإن السياق الذي يبنيه بعد أن أسس له طويلاً، ستغيب عنه إيران، بوصفها قوة حاضرة عسكرياً في غالبية مناطق سيطرة النظام.

إخفاء الدور الإيراني، يتصل ربما بمواقف بلقزيز القومجية، فقد يثير عبر تمجيده لدور النظام الفارسي بعض أصحاب القرار ضده، لكنه بدلاً من ذلك يكرس الوجود الروسي، بوصف نتاج التحالف بين الدولة البعثية وبين “صديق”! وعلى هذه الأرضية لن نعثر في “قائمة الاحتلالات” سوى على الـ”التركي” و”الأميركي”!

وهو إذ يأخذ على بعض الحركات السياسية السورية أنها “لا تستفيد من أخطائها” وأنها “تحالف الأجنبيّ وتتوسّل حمايتَهُ”، فإنه، وبصفاقة لا يمكن أن نعثر عليها إلا لدى الأبواق والمرتزقة، يتجاهل أن كل ما يطنب في الحديث عنه من انتصارات للنظام، لم يحدث على أرض الواقع، إلا من خلال تحالفه مع الإيرانيين والروس الأجانب، الذين يتحملون مسؤولية مباشرة عن عشرات المجازر، التي ارتكبت بحق المدنيين السوريين، تحت شعار “الحرب على الإرهاب”!

كتب البعض عن مواقف بلقزيز السياسية المفضوحة من ثورات الربيع العربي، وعن تماهي تفكيره، مع كارهيها، الذين قاموا بسلب الشعوب حقها، ورغباتها بالتخلص من الاستبداد، بحجة رفضهم للإسلام السياسي.

لكن ما يفصح الرجل عنه هنا، يتعدى النقاش السياسي، ليصبح خللاً تكوينياً في شخصية الكاتب، فبينما يُحمّل بعض من يشبهونه في الموقف، مسؤولية ما جرى ويجري على طرفين هما النظام والمعارضة، ارتكبا الأخطاء في صراعهما، يذهب صاحب المؤلفات الفكرية يميناً أكثر فأكثر، ملتصقاً بمن يمتلك سطوة القتل والإبادة، ليكون مجرد واجهة له، أو طبل يدوّي بصوته العالي، فينفي مسؤولية النظام، ويحمل الضحية الأوزار كلها، بعد أن يجعلها مجرد عصابات إرهابية، محاولاً لي عنق الحقيقة، مثله مثل أي مريض بالإنكار!

ولعل المضحك المبكي في مثل حالته أنه في ذات المنبر، وقبل ما يقارب العام، من ارتكابه لهذه الفضيحة الفكرية الأخلاقية، كان قد كتب زاوية بعنوان “عنف الإنكار” قال فيها: “وأسوأ أنواع الإنكار، وأشدها إيذاء لمن يقترفها، هو إنكار الواقع والتعامل معه بما هو مرتفع، أو معدوم، ثم الانصراف -بدلاً من ذلك- إلى الانغماس في “واقع” افتراضي متخيّل، أو مُتوهم، وحسبانه الواقع الفعلي الموضوعيولنتخيل، لحظة، إلى أي مدى يأخذ المرء، أو المجتمع، مثل هذا النوع من الإنكار للواقع: إما إلى انشطار الشخصية، في حالة الفرد المصاب به، وإما إلى التخبط في مواجهة المشكلات المجتمعية، في حالة المجتمع الذي لا يعترف بمشكلات واقعه”!

وبدورنا، ربما يمكننا أن نضيف إلى ما قاله بلقزيز، في توصيف حالته، أنه ومن المفجع أن يقترن هذا السلوك المرضي، لدى مفكر مثله، بالكذب، والنفاق، وادعاء الموضوعية، بينما تتسرب دماء السوريين من كلماته وتعابيره، وجمله المرصعة بالعار!