تبدو الإمارات العربية كما لو أنها تقود الجهود العربية لإعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا، ما يفتح فرصاً تجارية جديدة، إذ تُعتبر سوريا اليوم سوقاً جيدة بعد الحرب سواء للشركات التي ستساهم في إعادة الإعمار أو صفقات الطاقة.
26 / نيسان / أبريل / 2022
*مع العدالة | المصدر: موقع درج -كارمن كريم
يأمل سوريون بأن تكون استعادة علاقات النظام مع الإمارات بوابة إلى طرد شبح الجوع الجاثم على ملايين السوريين، إذ تنتشر بين سوريّي الداخل صورة متخيلة عن “النعيم الإماراتي”. بات حلم كثيرين المغادرة نحو مدينة الأحلام دبي للعمل وبناء حياة مختلفة. وبينما ينتظر الآلاف فرصة الذهاب إلى الإمارات العربية المتحدة كان رئيس النظام السوري بشار الأسد أوفر حظاً، إذ تسنى له أن يزور الإمارات متصدراً الواجهة السياسية.
فبين شباب ينتظرون فرصة للخروج ورئيس يخرج ليبني علاقاته من جديد مع الدول العربية على نفس القاعدة التي سبقت الثورة ضده، فما الذي يجب أن يتوقعه السوريون اليوم؟
الجوع والفقر باتا عنوانين يتحكمان بخيارات وطموحات شرائح واسعة من سوريين الدخل الذين يتابعون زيارات سياسية تحدث للمرة الأولى منذ سنوات.
اسمه “التطبيع”!
عودة العلاقات السورية- العربية كما يسميها إعلام النظام، أو “التطبيع” والذي يعني تجاوز وحشية النظام التي تشتمل على أعداد مرعبة من المعتقلين والمغيبين قسراً، إضافة إلى جرائم نظام الأسد من قصفٍ للمدنيين بالكيماوي والتعذيب وقصف المنازل والتهجير القسري والتغيير الديموغرافي للبلاد… هذا التجاوز المتوقع للمأساة السورية، ساهم في استكمال وعي يبنيه السوريون رغماً عنهم، منذ اندلاع ثورتهم، وعي قائم على فهم جديد للعبة الدولية والعالمية، الاقتصادية منها بشكل أساسي، إذ إنهم يدركون اليوم أن الدول العربية التي طالبت بتنحي نظام الأسد، هي نفسها بدأت بتغيير نهجها في التعاطي مع هذا النظام.
أرست متغيرات السياسة الإقليمية في السنوات الأخيرة مع استمرار الانكفاء الأميركي وتغول الدور الروسي معادلات جديدة أنقذت نظام البعث مجددا من السقوط.
بعد البداية الخجولة لملك الأردن الذي اكتفى في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت باتصال هاتفي مع الأسد، ساد نوعٌ من الراحة في التعامل العربي مع واحد من أكثر الأنظمة ديكتاتورية، علماً أن السنوات الأخيرة كشفت في الأمراء الجدد في الخليج بين الإمارات والسعودية ميلاً لممارسة قسوة في الحكم وقمع للداخل وحروباً في الخارج يحاكي بعض الشيئ مع يفعله نظام الأسد.
لكن ليست السياسة وحدها ما فرض هذه التغيرات، فالاقتصاد متحكم أساسي، فالأردن مثلا يسعى إلى التقرب من نظام الأسد في منطقة غير مستقرة سعياً للتفاهم معه، لبسط نوع من الأمان والاستقرار على الحدود المشتركة، يقول الباحث السياسي جوزيف ظاهر لـ”درج”.
المسألة الاقتصادية تأتي كأولوية للدول الكبيرة والصغيرة، فهذه التطورات حدثت بالتزامن مع إعادة توجيه واشنطن سياساتها الخارجية في الشأن السوري، يتابع ظاهر، “تركز إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على ضرورة دعم القدرة التنافسية الأميركية لمواجهة التحديات التي تفرضها الصين أولاً وروسيا ثانياً، وفي الوقت نفسه يركز حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة على انتهاج سياسات أكثر استقلالية عن واشنطن مع الحفاظ على هذا التحالف، بخاصة مع عجز الولايات المتنامي عن الاضطلاع بدور الشريك والضمان الأمني على المدى الطويل كما شاهدنا في تطورات اليمن والسعودية أو إيران والسعودية”.
بالنسبة إلى الإمارات التي تسعى إلى لعب دورٍ حتى لو كان صغيراً في مستقبل سوريا في ظل أدوار كبيرة لروسيا وإيران وتركيا، فيشير ضاهر إلى اتجاه نحو ترسيخ شكل من أشكال الاستقرار الاستبدادي في المنطقة، وعلى رغم المشاحنات المستمرة بين دول المنطقة، إلّا أنها تتبنى موقفاً مشتركاً، يتمثل في رغبتها في العودة إلى الوضع القديم المتمثل والسائد قبل الانتفاضات العربية، ما يعني أن هناك شكلاً من العودة الشرعية للنظام السوري على الساحة الإقليمية”.
أسبابٌ هشّة للتطبيع
تبدو الإمارات العربية كما لو أنها تقود الجهود العربية لإعادة العلاقات الديبلوماسية مع سوريا، ما يفتح فرصاً تجارية جديدة، إذ تُعتبر سوريا اليوم سوقاً جيدة بعد الحرب سواء للشركات التي ستساهم في إعادة الإعمار أو صفقات الطاقة، في المقابل هناك نوع من تمثيل التعنت لدى بعض الدول، إذ ترفض دول كقطر والسعودية استعادة العلاقات مع سوريا إلا أنها في الوقت ذاته توافق على استضافة دمشق المؤتمر العربي للطاقة عام 2024 (بعد قطر)، بعد اتفاق جميع أعضاء منظمة البلدان العربية المصدرة للبترول (أوابك)، على ذلك، إلى ترؤس سوريا مجلس وزراء النفط العربي لمدة عام اعتباراً من 2022 خلفاً للرئاسة الحالية للسعودية وتوسط سوريا للدولتين هو محاولات لتمهيد الطريق نحو علاقات كاملة خلال السنوات المقبلة.
هذا التطبيع العلني مع سوريا تبرره الحكومات بأنه محاولة للسيطرة على النفوذ الإيراني في المنطقة، وهو خطوة لتخفيف الأعباء الاقتصادية التي يعاني منها السوريون في الداخل، كما أنه بوابة لإعادة اللاجئين السوريين، إذ هناك تأثير مزعوم لهذه العلاقات في مستقبل اللاجئين وبخاصة في ظل الظروف القاسية التي يعيشونها في لبنان والأردن وتركيا… وحتى بالنسبة إلى الدول المضيفة التي تتفاقم أعباء اللجوء عليها مع تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية. وتذهب بعض الدول بحججها نحو دفع النظام السوري إلى الانتقال السياسي الذي دعا إليه قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، وهو أمر محسوم لدى نظام الأسد إذ عمل على مدار 11 عاماً على ترسيخ حكمه، وعلى رغم الضغوط السياسية والدولية بقي صامداً، فهل التطبيع بداية لسقوطه أم تكريس لنفوذه؟
السوريون لن يستفيدوا من التطبيع
تبدو حجج الدول المطبعة واهية وغير مبنية على أرضية سياسية قوية، فاللاجئون في الحقيقة غير مستعدين للعودة، لأن الوضع الأمني لا يسمح لهم بذلك، فعلى رغم هدوء الجبهات القتالية، إلا أن بطش النظام مستمر، وقد تعرّض كثر ممن عادوا إلى العنف والاغتصاب والاعتقال التعسفي والاختفاء والتجنيد الإجباري.
فاللاجئون محاصرون بين الظروف القاسية في البلد المضيف وانعدام الأمن في سوريا ولا حلول جديّة، وحتى الحكومات الغربية التي تتوق إلى إيجاد حل لإيقاف الهجرة والضغط الذي تتسبب به على أوروبا، فهي تدرك أن ذلك مستحيل، فالعودة تطلب شكلاً من أشكال التواصل مع دمشق ومعظم الدول الأوروبية ليست مستعدة بعد لذلك.
الشعب السوري ببساطة ليس مستفيداً مِما يحدث على الساحة العربية من تقارب أو تطبيع، فالتحسن الاقتصادي لحياة السوريين بعد عمليات التطبيع هو مجرد وهم، إذ عمل النظام على مدار سنوات على التحكم في المساعدات الإنسانية التي دخلت البلاد كما قامت أذرعه القريبة والبعيدة بالنهب والاستيلاء على المساعدات، كما أن السوريين ليسوا من أولويات الحلفاء. على سبيل المثال، أدت سياسة الحكومة السورية إلى ظهور أزمة جديّة في حصول السوريين على الخبز، الطعام الأساسي للعائلات الفقيرة، في ظل النقص الحاد فيه، نتيجة عوامل عدة منها هجرة المزارعين وعدم شعور أصحاب الأراضي بالأمان، إلا أن روسيا الحليفة والتي كانت مورّداً رئيسياً للقمح، فرضت قيوداً على صادراتها من القمح، بما في ذلك إلى سوريا. وأزمة الخبز تفضي إلى معضلة أخرى، تدعي الدول العربية سعيها إلى حلها، وهي عودة اللاجئين، فإن عاد اللاجئون بالفعل على المدى الطويل، فهل تمتلك سوريا في الحد الأدنى القدرة على تقديم الخبز لهم؟
إذاً فالتطبيع مع نظام الأسد اليوم له حساباته الاستراتيجية والمصالح الجيوسياسية للاعبين الإقليميين، وإن كانت هذه التنازلات هي الحل الأخير والوحيد للمعضلة السورية فيجب أن تكون في مصلحة السوريين على الأقل، لكن لا يبدو ذلك ممكناً في الوقت الراهن، من جهة أخرى كل المؤشرات تقول إن نظام الأسد ضَمِن بقاءه ولا مخاوف كبرى عليه، إذ استطاع إسكات معارضيه وإخراجهم من سوريا، وباتوا منتشرين في العالم، من دون وجود هيئة توحدهم بشكل فعليّ كما ضمن تأييد دول ذات تأثير إقليمي وبخاصة دول الجوار كالأردن وفلسطين ودول ذات تأثير عالمي كالإمارات، في تأكيدٍ جديد لترسيخ الديكتاتورية السورية والعربية عموماً.