#########

العدالة والمساءلة

في الطريق إلى كييف.. لا شيء يشبه سوريا


في اليوم الثالث زرنا مركز دعم المرأة، وقابلنا مديرة المركز ماريا بيرلنسكا وتحدثنا عن أهمية الدعم المادي والمعنوي لنساء عناصر الجيش وأطفالهم، وعن حقوق المرأة التي تعمل في خدمة الوطن وحقوقها بالوصول إلى مراتب بالجيش كغيرها من المجندين.

07 / تموز / يوليو / 2023


في الطريق إلى كييف.. لا شيء يشبه سوريا

*مع العدالة: المصدر” تلفزيون سوريا” 

بمحاذاة سكة القطار في الطريق إلى العاصمة الأوكرانية كييف الذي استغرق قرابة 15 ساعة انطلاقا من بولندا؛ تنتشر أشجار باسقة، على جانبي الطريق، تفصل حقول القمح الممتدة نحو الأفق، وقرى صغيرة فقيرة متواضعة، حيث غالبية المنازل مغطاة بأسقف بسيطة مستعارة.

عندما أعلن سائق القطار وصولنا إلى كييف، دبت الحماسة فينا، نحن فريق مكون من نحو 20 صحفياً من شتى بقاع الأرض، جئنا نستطلع الوضع عن قرب لنقدم الصورة الحقيقية.

بدأت المهمة عندما  التقينا بمنظمي الرحلة الأوكرانيين، الذين اصطحبونا إلى الفندق في وسط العاصمة، للوهلة الأولى ومن خلال نظرات سريعة من نافذة الحافلة، لن تلاحظ آثاراً كثيرة للحرب في المدينة، إذ تشعر وكأن الحياة طبيعية، فالمقاهي تضج بالحياة، والشوارع تكتظ بالمشاة، والمحال التجارية تعمل بشكل طبيعي.

«نهار كييف.. حياة طبيعية»

بعد ساعة من وصولنا، انطلقنا لتسلّم معدات الأمان والسلامة، السترة الواقية من الرصاص والخوذة، ثم انتقلنا إلى المركز الأوكراني الإعلامي، للقاء ريمي دوفلوت نائب رئيس وفد الاتحاد الأوروبي في أوكرانيا ومجموعة من الصحفيين والناشطين، بهدف الحديث عن التضليل الإعلامي والدعاية الروسية، وعن تجربة الإعلام الأوكراني في حرب المعلومات.



خلال تجولنا في المدينة نهاراً، لاحظنا أن الحياة أقرب إلى حياة طبيعية يعيشها الأوكرانيون، لن تشعر بأجواء الحرب إلا عندما ترى الحواجز والسواتر الرملية، وحتى الوصول إلى ساحة كييف الرئيسية، حيث يعرض الأوكرانيون بعض ما دمروه من دبابات وسيارات وآليات تابعة للجيش الروسي.

أكثر ما يلفت انتباهك نظافة شوارع المدينة، ونظام قانون السير فيها وضيافة أهلها، وطبعاً انتشار واضح لعناصر الجيش والشرطة.

«أجواء الحرب تبدأ ليلاً»

حظر تجوال كامل يبدأ في الساعة 11 والنصف ليلاً وحتى الخامسة والنصف فجراً، ومع حلول ساعات الليل يتسرب إليك الإحساس بحالة الحرب في كييف، حيث تدوي صافرات الإنذار بأرجاء المدينة ويطلب من السكان النزول إلى الملاجئ. عبر نافذة الفندق شاهدت انتشاراً واسعاً للجيش في الشوارع، وخلال جلوسنا في الملجأ أخبرونا أن القصف صاروخي وليس بطائرات مسيرة كما يحدث عادة. جلسنا نترقب هدوء صفارات الإنذار، بعضنا غلبه النوم وبعضنا ظل مستيقظاً حتى الساعة 3 فجراً، حيث أبلغنا المسؤولون أن الوضع أصبح آمناً، وباستطاعتنا الخروج إلى غرفنا في الفندق لينتهي يومنا الأول في العاصمة الأوكرانية.

في السابعة صباحا من اليوم التالي انقسمنا إلى فريقين الأول ذهب إلى مدينة تشيرنوبل بالقرب من محطة تشيرنوبل النووية، في حين انطلق فريقنا إلى كل من بوشا وغوستوميل وإربن، وهي ثلاث مدن صغيرة كانت قد دمرت كلياً تقريباً، وارتكب فيها الجيش الروسي مجازر كبيرة. التقينا برئيس بلدية بوشا الذي تحدث لنا عن تفاصيل دخول الجيش الروسي إلى المنطقة وما سببه من خسائر بشرية ومادية فيها، تذكر رئيس البلدية كيف قتلت القوات الروسية جيرانه وكيف دمرت غوستوميل، مشيراً أنه حتى وإن أعيد إعمارها بسرعة فإن “ذاكرة الألم لن تمحى”.

«إعادة إعمار سريعة للمدن المدمرة»

دهشتنا مدينة بوشا للوهلة الأولى إذ توقعنا أن نجد مدينة مسواة بالأرض وذلك من خلال ما سمعناه وقرأناه، إلا أنني فوجئت بسرعة إعادة الإعمار وعودة الحياة والسكان إلى منازلهم، ستجد بوشا مدينة جديدة بشوارعها النظيفة وبنائها، مع وجود كثير من عمال البناء هنا وهناك إضافة إلى فرق إصلاح الشوارع، ورغم أن الدمار لم يمض عليه عامان فإن حركة المقاهي والمطاعم والمحال التجارية والفسحات العائلية موجودة، كما أن العودة إلى الحياة العملية كانت واضحة في شوارع ومصانع المدينة. ويظهر الفيديو إعادة إعمار بناء قصفته القوات الروسية كما توضح الصور أدناه.



أما في طريقنا إلى إربن فكان الجسر الواصل بين بوشا وإربن مدمراً تماماً، ويطلق عليه اسم جسر رومانوفيسكي إلا أن هناك كثيراً من العمال يصلحون ما دمرته آلة الحرب الروسية.

عدنا إلى كييف، وبالتحديد إلى المركز الإعلامي لمقابلة حقوقيين وصحفيين، للنظر عن قرب كيف يوثق الصحفيون جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا لتحقيق العدالة، من أجل تقديمها إلى المحاكم الدولية، وهو ما فعله ويفعله صحفيون وناشطون ومنظمات حقوقية سورية، لكن العمل التوثيقي في سوريا يبدو أطول وأكثر صعوبة.

في الليل تشن القوات الروسية غارة جديدة، وتدوي صفارات الإنذار ويتكرر المشهد، إلا أن الوضع لم يهدأ هذه المرة قبل السادسة من صباح اليوم التالي، وكان قد قتل ثلاثة مدنيين من جراء قصف العاصمة كييف.



في اليوم الثالث زرنا مركز دعم المرأة، وقابلنا مديرة المركز ماريا بيرلنسكا وتحدثنا عن أهمية الدعم المادي والمعنوي لنساء عناصر الجيش وأطفالهم، وعن حقوق المرأة التي تعمل في خدمة الوطن وحقوقها بالوصول إلى مراتب بالجيش كغيرها من المجندين.



«حرب واحدة في سوريا وأوكرانيا»

لا توجد في العالم حرب عادية وأخرى شرسة، لذلك لا مجال للمقارنة بين الغزو الروسي لأوكرانيا والحرب في سوريا المستمرة منذ 11 عاماً، ورغم أن القوات الروسية تشن غارات وتقصف المدن هنا وهناك، فإن الفروق واضحة، من خلال ما تلاحظه من دعم مادي كبير وطريقة ترجمته على أرض الواقع وسرعة البناء والعمل بنظام ودقة. وكانت وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام، روز ماري ديكارلو، قالت إن تدمير سد كاخوفكا في 6 من حزيران/يونيو الماضي، هو “أكبر دمار يطول البنية التحتية المدنية حتى الآن”.

تقارير أممية قالت إن القوات الروسية ارتكبت جرائم حرب، محددةً هجمات متعمدة على المدنيين والبنية التحتية للطاقة، وقتل المدنيين أو العاجزين عن القتال، والحبس غير المشروع، والتعذيب، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، فضلاً عن عمليات النقل والترحيل غير القانونية للأطفال. ووصل عدد القتلى والجرحى بين اليافعين إلى أكثر من 1500 طفل.

وأضافت الأمم المتحدة في 21 من شباط الفائت أن “الحرب الروسية في أوكرانيا خلفت ما لا يقل عن 8,006 قتلى من المدنيين و13,287 جريحاً، خلال الاثني عشر شهراً الماضية ونزوح نحو 14 مليون شخص من ديارهم”.

«بوتين وبشار الأسد»

في العاصمة كييف، شاهدنا مشروعاً صغيراً لمنظمة اليونيسيف ضمن محطة القطار الرئيسية، والتي كانت تضم مئات العائلات في الأيام الأولى من الغزو الروسي، صممت اليونيسيف فسحة للأطفال فيها قطار كبير للعب ومساحة للعب “الليغو” وكرة الطاولة وكرة السلة، وضمنها مكتبة كبيرة فيها شاشة تلفاز، ولم نرها تعمل ضمن مخيمات متناثرة، وهنا تساءل صحفيون عرب وسوريون: ألا تعمل اليونيسيف أيضاً في بلادنا؟

رغم الحرب لم تتوقف قطارات البلاد ولم تتأخر عن مواعيدها قط، وذلك بسبب تنظيم العمل والعدد الكبير من المتطوعين والذي تجاوز أكثر من ألفي شخص، ولم نسمع عن حوادث سرقة، ولم يغب الأمان عن المدينة، كما أن كثيراً من المدنيين أكدوا لنا أن الكهرباء والمياه وشبكة الإنترنت تعمل بشكل طبيعي، ولم يتم رفع الأسعار أو احتكار البضائع، كما أن المواد الطبية والأدوية متوافرة إضافة إلى وجود مساعدات مادية تصل إلى الأوكرانيين الذين نزحوا إلى مناطق أخرى في أوكرانيا مع محاولات لتبني الأطفال الذين فقدوا أهلهم ومساعدتهم نفسياً لتخطي الصعاب والاستمرار في التحصيل العلمي. ربما لم نر ذلك في سوريا، لأن مسؤولاً أوكرانياً لم يشن الحرب على مواطنيه ولم يستعن بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على عكس ما حدث في بلادنا..