#########

العدالة والمساءلة

ما يمكن أن تتعلمه ألمانيا والولايات المتحدة من بعضهما البعض عند مقاضاة الجرائم الدولية


تمكّن بعض أفراد الأسر من الانضمام كمدعين، مما منحهم الحق في أن يمثلهم محام وأن يتابعوا الجلسات في المحكمة باستخدام الترجمة الفورية باللغة العربية.

24 / أيلول / سبتمبر / 2021


ما يمكن أن تتعلمه ألمانيا والولايات المتحدة من بعضهما البعض عند مقاضاة الجرائم الدولية

*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة


تابع المركز السوري للعدالة والمساءلة عن كثب تطورات قضية الولايات المتحدة ضد أليكساندا كوتي والشافعي الشيخ كجزء من عمله في مراقبة المحاكمات التي تقاضي الجرائم المرتكبة في سوريا، وهي قضية مرفوعة أمام المحكمة الفدرالية الأمريكية لشرق فيرجينيا تتعلق بـ”بيتلز” داعش. ففي 2 أيلول/سبتمبر اعترف المدعى عليه كوتي بأنه مذنب في ثماني تهم، بما في ذلك احتجاز رهائن مما أسفر عن مقتل جيمس رايت فولي وكايلا جان مولر وستيفن جويل سوتلوف وبيتر كاسيج بالإضافة إلى تهم تتعلق بالإرهاب.

وحدد المركز السوري للعدالة والمساءلة من خلال حضور كل من الجلسات في الإسكندرية فرجينيا وكوبلنتس تناقضاً حاداً بين الإجراءات القانونية الأمريكية (القانون العام) وتلك الخاصة بالعديد من الدول الأوروبية (القانون المدني)، بما في ذلك ألمانيا حيث رفع المدعون قضايا تحت بند الولاية القضائية العالمية للجرائم المرتكبة في سوريا. وفي حين لا يتفوق أي من النظامين تماماً على الآخر، يعتبر تسليط الضوء على التجارب المختلفة للمركز السوري للعدالة والمساءلة في مراقبة الإجراءات القانونية الأمريكية والألمانية أمراً مهماً، بالإضافة إلى التركيز على الدرجات المتفاوتة لمشاركة الضحايا، وذلك لخلق توقعات واقعية للسوريين الذين يسعون لتحقيق العدالة والمساءلة من محاكم محلية.

التعاون مع الادعاء العام

قدم أليكساندا كوتي العديد من التنازلات المهمة في اتفاق الإقرار بالذنب إلى جانب الإقرار بالذنب في جميع التهم الثماني التي أسندها إليه المدعون العامون الفدراليون. وتنازل عن حقه تحديداً في استئناف الإدانة والحكم الصادر ضده، ووافق على نقله إلى المملكة المتحدة بعد أن يكون قد أمضى 15 عاماً من محكوميته. كما وافق على تقديم معلومات عن جرائم أخرى مهمة للحكومة الأمريكية أو الحكومات الأخرى. وقد تكون هذه التنازلات سبباً لعدم إلزام كوتي بالشهادة ضد زميله في بيتلز داعش الشافعي الشيخ، إضافةً لكونها سبباً لاحتمال نقله إلى وطنه المملكة المتحدة بعد أن يمضي 15 عاماً من محكوميته [على الرغم من اعترافه بالذنب لارتكابه جرائم ضد ضحايا بريطانيين بمن فيهم ديفيد هينز وجون كانتلي]. ولكن ذلك لم يحل دون أن يجيب كوتي على أسئلة القاضي المحددة حول إدانته لكل تهمة، كما طُلب من كوتي أن يشرح سبب اعترافه بالذنب. ثم صدرت تعليمات للادعاء بتقديم أدلة تدعم إدانة كوتي.

وفي المقابل، كان أحد الانتقادات الرئيسية لمحاكمة أنور رسلان وإياد الغريب أمام المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس بألمانيا هو أن التعاون بين مكتب المدعي العام الاتحادي (GBA) والشهود المطلعين لم يكن متسقاً. بل وقام إياد الغريب في الواقع بإبلاغ سلطات الهجرة الألمانية طواعيةً عن دوره في قمع المظاهرات واعتقال المتظاهرين ونقلهم إلى معتقلات إدارة المخابرات العامة السورية. واستجوبت الشرطة الجنائية الاتحادية إيادا أولاً كشاهد ثم كمشتبه به. وبالتالي، فإن شهادة إياد نفسها قامت بتجريمه على الرغم من أن أجزاءً منها كانت غير مقبولة لدى المحكمة بسبب عدم قيام الشرطة بإبلاغه بشكل صحيح بتغيير وضعه وحقوقه عند استجوابه.

ومن المؤكد أنه لا ينبغي أن يتمتع المشتبه بهم الذين لديهم معلومات داخلية بالجرائم والمنظمات الإجرامية بالحصانة الكاملة في مقابل المعلومات. ومع ذلك، تُظهر اتفاقات مثل تلك التي تم التوصل إليها بين كوتي والادعاء العام أن مرتكبي الجرائم الدولية يمكن أن يساهموا في جهود العدالة والمساءلة من خلال توفير المعلومات ذات الصلة بالملاحقات القضائية المستقبلية، لا سيما من خلال التفاعل مع الضحايا وعائلاتهم. ويُسمح أيضاً بإبرام اتفاقات الاعتراف بالذنب من هذا النوع بموجب القانون الألماني، ولكن نادراً ما يتم الاحتجاج بها.

الأدلة الرقمية

بينما أقر كوتي بالذنب خلال جلسة الاستماع في 2 أيلول/سبتمبر، قام الادعاء بتقديم أدلة على كل تهمة. وكانت الكثير من الأدلة التي استشهد بها الادعاء مفتوحة المصدر. وقد تضمنت مقطع فيديو تم تصويره ونشره من قبل كوتي نفسه. وعلى غرار ذلك، كان الدليل الرقمي أيضاً حاسماً في قضية الادعاء في كوبلنتس حيث تم فحص ملفات قيصر (انظر ص 23) من قبل المحكمة لأول مرة. وتطلّب مصادقة الأدلة تحليلاً للجوانب التقنية للمعلومات والبيانات الوصفية، فضلاً عن تقييم الأدلة المؤيدة المستخدمة للتحقق من سلسلة الحيازة. وبالإضافة إلى ذلك، استمعت المحكمة إلى شهادة مفصلة حول تحليل الطب الشرعي لمحتوى الملف.

وتمثل كلتا القضيتين مثالاً على الأهمية المتزايدة للأدلة الرقمية في المحاكمات المتعلقة بالجرائم الدولية. في حين أن القاضي لم يكن بالضرورة بحاجة إلى تقييم الأدلة بشكل مباشر إلى حد ما في قضية الولايات المتحدة ضد كوتي، فإن طلبه من المدعين بتقديم الأدلة ذات الصلة اتبع إجراءً مشابهاً لتقديم الأدلة الرقمية في كوبلنتس. ولذلك توفر كلتا المحاكمتين إرشادات مهمة وممارسات فضلى حول كيفية استخدام الأدلة الرقمية في المحاكمة، كما ويوضح هذا أهمية الشهود المطلعين. وساعدت الاعترافات التي أدلى بها كوتي على التحقّق من صحة مقاطع الفيديو دون الحاجة إلى شهادة الخبراء التي تُعتبر باهظة الثمن وتستغرق وقتاً طويلاً.

الشفافية

كان وصول الجمهور إلى جلسات المحاكمة جزءاً لا يتجزأ من قضية الولايات المتحدة ضد كوتي. وبموجب التعديل السادس لدستور الولايات المتحدة، فإن أي شخص متهم بارتكاب جريمة جنائية له الحق في محاكمة علنية. وبالإضافة إلى ذلك، ينص التعديل الأول على أن لعامة الجمهور ووسائل الإعلام مصلحة في جلسات المحكمة العلنية على الرغم من وجود استثناءات لهذه القاعدة وعلى الرغم من أن هذه الحقوق ثانوية بالنسبة لتلك المتعلقة بأطراف القضايا. ولذلك تم السماح لأفراد من الجمهور بالدخول إلى قاعة المحكمة في قضية كوتي، بما في ذلك موظفو المركز السوري للعدالة والمساءلة وإعلاميون، وقام كاتب المحكمة بأخذ الشهادة الحية بآلة كاتبة والتي أصبحت بعد ذلك نسخة رسمية متاحة للجمهور في غضون 90 يوماً من تاريخ إصدارها. وكان فنان الرسم الجنائي حاضراً أيضاً في جلسة استماع 2 أيلول/سبتمبر. ومن خلال اتباع هذه البروتوكولات بشكل عام، تأمل المحاكم الأمريكية ضمان محاكمات عادلة ومساءلة نظام العدالة الجنائية من خلال نظام من الضوابط والتوازنات المتجذرة في مشاركة الجمهور في قاعات المحاكم المدنية على الأقل. ومن المؤكد أن الحال يختلف في جلسات غوانتانامو التي تحكمها قواعد منفصلة للجان العسكرية. وتعتبر مسألة الشفافية محورية في المسألة المتعلقة فيما إذا كان ينبغي محاكمة المقاتلين الأجانب في المحاكم المدنية مقابل المحاكم العسكرية.

وفي المقابل، لا تسمح المرافعات الجنائية في ألمانيا بتسجيل محاضر المحاكمات الحرفية. وبدلاً من ذلك، يمكن تسجيل المحاكمات ذات الأهمية البارزة للتاريخ المعاصر للبلد للأغراض الأكاديمية وحفظها في الأرشيفات الرسمية لاستخدامها لاحقاً بمجرد الانتهاء من المحاكمة (§ 169 (2) GVG). وبناءً على ذلك، رفضت المحكمة في كوبلنتس طلبات منظمات المجتمع المدني والأكاديميين والمهنيين القانونيين لتسجيل المحاكمة بأكملها بناءً على الأساس المنطقي بأن الشهود قد يتعرضون للترهيب أو يقدمون شهادات مشوبة. كما رفضت المحكمة طلب تسجيل الأقوال الختامية للأطراف موضحة أن المحاكمة لم تكن ذات أهمية كبيرة، وأن السماح بتسجيل الأقوال الختامية في هذه القضية سيفتح الباب أمام جميع المحاكمات المتعلقة بالجرائم ضد الإنسانية ليتم تسجيلها.

وتوضح قرارات المحكمة أن قانون المرافعات الألماني يتطلب إصلاحاً لجعل المحاكمات متاحة على نطاق أوسع. وهذا أكثر أهمية بالنظر إلى العدد الكبير من الشهود المباشرين وغير المباشرين الحريصين على متابعة مثل هذه المحاكمات من خارج ألمانيا.

مشاركة الضحايا

كانت مشاركة الضحايا أيضاً أساسية في جلسات المحاكمة في قضية الولايات المتحدة ضد كوتي، وهو ما يتضح من دور عائلات فولي ومولر وسوتلوف وكسيج الذين كان بعضهم حاضراً في قاعة المحكمة والذين كانوا يناصرون لسنوات لمحاسبة بيتلز داعش علناً. وفي الواقع وكجزء من اتفاق الإقرار بالذنب، وافق كوتي على حضور اجتماعات تحت الإشراف مع عائلات الضحايا بناءً على طلب العائلات. ومن المهم أن نلاحظ أن نطاق الضحية في هذه القضية يقتصر على العائلات الأربع لأولئك الذين قُتلوا أو خُطفوا. ومع ذلك، تجدر الإشارة أيضاً إلى أن القاضي سمح بمشاركة الجمهور عن طريق الهاتف حتى بعد رفع قيود جائحة كوفيد-19 التي حالت دون الحضور الشخصي. وعلاوة على ذلك، ضمنت المحكمة توفير الترجمة العربية لأي شخص حاضر، على الرغم من أن إدلاء المدعى عليه بشهادته باللغة الإنجليزية والتي يجيدها.

يواجه أفراد عائلات الضحايا المباشرين الذين يسعون للمشاركة في جلسات المحاكمة في كوبلنتس عدة عقبات. الأولى هي أن العديد منهم لا يجيدون اللغة الألمانية بما فيه الكفاية، وهي اللغة التي تُعقد بها جلسات المحاكمة. كما أنه ليس لديهم معرفة كافية بالنظام القانوني الألماني. وتمكّن بعض أفراد الأسر من الانضمام كمدعين، مما منحهم الحق في أن يمثلهم محام وأن يتابعوا الجلسات في المحكمة باستخدام الترجمة الفورية باللغة العربية. ومع ذلك، فقد تم تهميش المجتمع السوري الأوسع، وهو كبير في ألمانيا وقد تأثر بالجرائم الهيكلية التي تقع في صلب القضية. فهم غير قادرين على حضور جلسات المحكمة بأنفسهم لأن الوصول إلى الترجمة محدود، ولم يزود الادعاء العام ولا السلطات الأخرى الجمهور بالكثير من المعلومات.

الخاتمة

في حين لا يتفوق أي من النظامين القانونيين على الآخر، يمكن لكل من الولايات المتحدة وألمانيا التعلم من الممارسات الفضلى لبعضهما البعض، بالإضافة إلى الدروس المستفادة خلال جلسات المحاكمة المحلية المتعلقة بسوريا. ومن منظور المركز السوري للعدالة والمساءلة كمراقب للمحاكمة، ينبغي على ألمانيا أن تتبنى إجراءات تسهل المشاركة الهادفة للضحايا وتسمح بوصول الجمهور إلى جلسات المحاكمة مع موازنة توقعات المشاركين. ومن ناحية أخرى، يجب على الولايات المتحدة أن تتبنى مفهوم الولاية القضائية العالمية وأن تعترف بالدور الذي يمكن أن تلعبه في بذل جهود المساءلة عن الجرائم الأكثر فظاعة في العالم. وينبغي أن تمثل بشكل كامل الأفعال الإجرامية للجناة من خلال توجيه الاتهام إلى السلوك وفقاً لقانون جرائم الحرب، بالإضافة إلى تهم الإرهاب، كما ينبغي أن يقتصر رفع هذه القضايا على المحاكم المدنية. ومن خلال الجمع بين أفضل عناصر كلا النظامين، قد يجد الضحايا السوريون الذين تضرروا بشكل مباشر وغير مباشر نوعاً من الخاتمة لمعاناتهم والتصالح مع الذات بشكل فردي وجماعي.