تعرف على أنور رسلان شخصيا بأنه عذّبه : “الاعتقالات التعسفية ممنهجة في سوريا وتُمارس دائماً من جهة النظام السوري”.
08 / آب / أغسطس / 2021
*المصدر: “المركز السوريّ للدراسات والأبحاث القانونية”
في تاريخ 14/07/2021 حَضر شاهدٌ كان يتوقع أن المحكمة ستبقي هويته مجهولة ولن يُعلن اسمه أمام الحضور في قاعة المحكمة، ولكن عكس ذلك هو ما حدث.
كما هو الحال، بعض الشهود ليس لديهم أي خبرة بالمحاكم الألمانية، ولا يمثلهم أي محامٍ، وعندما لا يتابع الشاهد جلسات المحكمة من خلال التقارير المكتوبة عنها، لا يمكنه معرفة الإجراءات المُتَّبعة من أحد.
منذ أن بدأت محاكمة المتهمَين إياد الغريب و أنور رسلان،رفضت هيئة القضاة عدة مرات طلب بعض الشهود عدم ذكر معلوماتهم الشخصية في قاعة المحكمة، وعزت ذلك إلى عدم وجود تهديد حقيقي أو يمكن إثباته على الشاهد. بمرور الوقت أصبحت هيئة القضاة أكثر مرونة من هذه الناحية، وسمحت بالفعل لعدة شهود عدم ذكر معلوماتهم الشخصية في المحكمة، إلا أن ذلك مرهون غالباً بوجود محامٍ للشاهد يوضح للمحكمة أسباب أهمية إبقاء موكله مجهول الهوية للحضور والصحافة، والسماح بإعطاء معلوماته لأطراف الدعوى فقط. الأمر الذي يصبح أشبه بالمستحيل عند عدم حضور محامٍ، أو عندما لا يستطيع الشاهد وحده تبرير سبب مخاوفه بشكل مقنعٍ لهيئة القضاة.
ما ميَّز شهادة هذا الشاهد أيضاً أن اعتقاله جاء قبل بداية الثورة من قبل فرع الخطيب، حيث بدأ بسرد قصته للقضاة فقال: ” في أحد أيام نهاية العام 2010 قُرع باب منزلنا الساعة الرابعة فجراً بشدة. استيقظت قبل إخوتي وسألت: من الطارق! أجابوا بصوت حاسم: افتح الباب! عندما فتحت لهم الباب، اقتحم شقتنا عدة ضباط مسلحين ببنادق “كلاشينكوف” وأمروني فوراً بالاستلقاء على الأرض. تم تكبيل يدي إلى الوراء ورفع قميصي الداخلي على رأسي ومن ثم بدأ كل عنصر أمن يسلمني إلى آخر وكل واحدٍ منهم يقوم بضربي على رأسي أو على ظهري. كنت يافعاً حينها أبلغ من العمر فقط 17 عاماً. وضعوني في سيارة وأمروني أن أُبقي رأسي منخفضاً، وعندما حاولت رفعه قليلاً ضربني أحدهم بالبندقية على رأسي، لقد كان ذلك رعباً حقيقياً لي”.
بعد وصول الشاهد إلى فرع الأمن واستقباله كما العادة بالضرب والتفتيش الجسدي، اُخِذ إلى غرفة المحقق، وهنا أضاف: “عندما دخلت إلى المكتب لم أكن معصوب العينين بل كنت أرتدي فقط ملابسي الداخلية، حينها رأيت أنور رسلان داخل مكتب التحقيق، لم أكن أعرف شكله أو اسمه”. ثم أضاف: “أمرنا هو أن نستدير، وعندما فعلت ذلك رأيت أخي الكبير، لم أعلم أنهم اعتقلوه أيضاً! كان هناك معتقلون آخرون أيضاً”. بعد ذلك أمر المحقق-أي رسلان بحسب الشاهد- عناصره بفصل المعتقلين إلى مجموعتين واقتيادهم إلى الزنزانات، ثم بدأوا باستدعائهم واحداً تلو الآخر للتحقيق معهم في ذات المكتب الذي كانوا فيه كما قال، و عندما جاء دوره أخذه سجان إلى غرفة المحقق أنور رسلان مرة أخرى وبقي واقفاً ورائه آمراً إياه أن يبقي رأسه منخفضاً.
قال الشاهد: “لا أستطيع تذكر كل الأسئلة التي طرحها عليَّ، ولكن أستطيع أن أتذكر سؤالًا واحدًا جيدًا: “أنت كردي من كوباني؟” ربما أراد المحقق معرفة ما إذا كنت كرديًا أو أنتمي إلى المجتمع الكردي. أجبته: لا أنا من عين العرب، الكلمة التي أنت قلتها “كوباني” هي اسم كردي وليس عربي‘‘
في كل مرة أجبت فيها بالنفي على أحد أسئلته، كان يشير إلى الضابط خلفي، ثم يبدأ الأخير بضربي، لقد تعرضت للضرب المبرح، حتى أنه ركلني وسقطت على الأرض. بعد ذلك، أمر الحارس بإدخالي إلى الردهة. في ذلك الوقت لم أكن أعرف ما يعنيه، لكنني اكتشفت بعد ذلك. في الردهة وضعني على الأرض وضرب قدمي بكابل رباعي. كانت يداي مقيدتين إلى الوراء. ثم أعادوني إلى الزنزانة واستدعوا أخي ومعتقلين آخرين بعدي، لقد كنت أصغر السجناء في زنزانتي”. وعن سؤال المدعي العام له إن كان اعتقالهم له قانونياً لأنه حدث قبل بداية الثورة، أجاب الشاهد: “لقد درست الحقوق في سوريا، اعتقالي كان تعسفياً وخارج إطار القانون ولم يكن هناك حتى مذكرة اعتقال! كنت لا أزال قاصراً! الاعتقالات التعسفية ممنهجة في سوريا وتُمارس دائماً من جهة النظام السوري”. وهنا توجه الشاهد بقوله للمتهم وأضاف: “أريد ان أطرح سؤالاً على رسلان!”. عند هذه النقطة وضحت القاضية كيربر للشاهد أنه من الأفضل ألا يفعل ذلك الآن، وإنما أن يتابع سرد ما حدث معه، وبعد ذلك إن كان هناك ما يريد قوله للمحكمة فإنه يستطيع فعل ذلك.
أخبر الشاهد القضاة أن أخاه تعرض للتعذيب أكثر منه بعدة طرق منها الدولاب والصعقات الكهربائية والضرب بالكابل، ولم يطلق سراحه إلا بعد الشاهد بمدة وبقيت آثار تعذيب على جسده نتيجة الصعقات الكهربائية. وعن هذا قال الشاهد: ” لا نعلم لماذا تم اعتقالنا ولكن وجهت لنا تهمتان: الأولى أننا نتعلم اللغة الكردية، والتهمة الثانية لأخي أنه لم يؤدي خدمة العلم بعد وبالتالي هو ينوي الانتماء لتنظيم حزب العمال الكردستاني، أريد أن أوضح هنا أننا انتقلنا من عين العرب إلى دمشق بسبب وضعنا المالي لا أكثر، ولهذا السبب لم يؤدي أخي خدمة العلم، لقد كان المعيل لنا. التفسير الوحيد لاعتقالنا كما أراه هو أن دولتنا ونظام البعث هو نظام أمني وقمعي حتى قبل أن تبدأ الثورة في سوريا. لقد كانت بدايات الربيع العربي ولأجل ذلك قاموا بعدة حملات أمنية ليرهبوا الشعب السوري”.
ذكر الشاهد أنه لم يتحدث مع المعتقلين الآخرين -وكانوا قرابة الثلاثين معتقلاً- عن أسباب اعتقالهم أو طرق تعذيبهم بسبب الخوف من وجود مخبر بينهم ولكنه قال للقضاة: “عندما يعود أحدهم من التحقيق، لا داعي لتسأله كيف تم تعذيبه، تستطيع أن ترى ذلك بوضوح على جسده”.
تم التحقيق مع الشاهد تقريباً سبع أو ثمان مرات، دائماً في المكتب ذاته وبالغالب من المحقق نفسه كما قال. عرضت الشرطة الجنائية على الشاهد صورة المتهم مع صور عدة أشباه له، ومع أن الشاهد لم يرى سابقاً صورة للمتهم ولم يسمع بالادعاء ضده إلا بعد أن أدلى بأقواله للشرطة الجنائية، وأيضاً رغم وجود بعض الاختلافات بين الصورة والشخص الذي رآه قبل 11 عاماً، إذ كان رسلان حينها بصحة أفضل ولديه شعرٌ أكثر كما وضَّح الشاهد، ويعتقد أيضاً أن الوحمة كانت أصغر ولكنه لا يذكرها كثيراً، إلا أنه وبسهولة استطاع تمييز صورته بين صور الأشباه عند الشرطة.
بالطبع تعرف عليه أيضاً في قاعة المحكمة عندما طُلب منه النظر حوله ومحاولة التعرف على أي أحد، أجاب بعد أن نظر في وجوه الأشخاص حوله: “إن كان هناك من تعرفت عليه هنا، فهو فقط أنور رسلان”.
وعن أوضاع السجن التي عاشها ذكر الشاهد موقفاً لا يستطيع نسيانه أبداً، فقال: “رأيت رجلاً يبلغ من العمر 75 عامًا أو أكبر، كان في زنزانة انفرادية في الزاوية. شخص كبير في السن وبالكاد يستطيع المشي فما الفائدة من سجنه؟ كانت هناك أنواع أخرى من التعذيب، عقليًا وجسديًا، فمثلاً سُمح لنا بالذهاب إلى الحمام للحظة. وهناك يقول لنا الحارس إنه سيبدأ العد حتى 10 وإذا لم نتمكن من الانتهاء فسوف يدخل ويضربنا. لهذا السبب كان علينا أن نخصص زاوية في مهجعنا كمرحاض، غطيناها ببطانية عسكرية. لقد كان الوضع سيئاً جداً في هذه الزنزانة، لم نستطع النوم إلا ظَهراً على ظهر لأن الزنزانة ممتلئة جداً، لقد أصابتنا أمراضٌ جلدية أيضاً مثل الجرب. في إحدى المرات أصبتُ بالتهاب اللوزتين الحاد. كان هناك طبيب في الفرع. قلت له إنني بحاجة إلى دواء. فأجاب بأنني يجب أن آكل الملح فقط. لم يتصرف الطبيب كطبيب بل مثل عنصر الأمن. لقد تلقيت كميات صغيرة من الملح أثناء تقديم الطعام. ومن أكل الملح أصبت بالنزيف”.
اعتقل الشاهد كما سبق وذُكر نهاية عام 2010 وتم إطلاق سراحه مطلع العام 2011، واستمر اعتقاله قرابة 45 يوم كما سبق وأخبر الشرطة الجنائية عام 2019.
سُئل أيضاً عمّا قصده عندما قال للشرطة الجنائية: “الشخص الذي يُعتقل مفقود والخارج مولود” فأجاب بأن هذه المقولة في سوريا تخص الأفرع الأمنية فقط لأن من يخرج منها هو كمن كُتبت له حياة جديدة.
في نهاية جلسته وانتهاء أسئلة أطراف الدعوى، طلب الشاهد الإذن بالتحدث ثم قال: “أتمنى منكم أن تحاكموا حتى مجرمي الحرب من المعارضة الراديكالية الذين يرتكبون الجرائم بحق الشعب السوري عموماً والكردي في عفرين خصوصاً. شكراً لكم”.