#########

العدالة والمساءلة

مقابر جماعية وجثث بالآلاف نحو المجهول.. محاكمة أنور رسلان تكشف جرائم بشعة!


جميع الأفرع الأمنية كانت ترسل جثثها إلى هذه الأماكن، باستثناء موقعين اثنين هما الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، حيث تدفن الجثث في مطار المزة العسكري، تحت مدرج الطيران، وفرع المخابرات الجوية حيث تدفن الجثث داخل الفرع نفسه ولا يتم ترحيلها.

16 / أيلول / سبتمبر / 2020


مقابر جماعية وجثث بالآلاف نحو المجهول.. محاكمة أنور رسلان تكشف جرائم بشعة!

*مع العدالة | شمس الحسيني


تستكمل محكمة “كوبلنز” الجلسات الخاصة بمحاكمة الضابط السوري المنشق عن النظام “أنور رسلان” و”إياد الغريب”. وخلال الجلسة الأخيرة تم الاستماع إلى شاهد، اعترف أنه شارك بدفن آلاف الجثث في منطقتي “نجها”و”القطيفة”.

وذكرت مصادر إعلامية أنه في جلسة المحكمة الثلاثين و الجلسة الحادية والثلاثين أيضاً استجوبت المحكمة، شاهد محمي الهوية بالكامل. حيث وافقت على تغطية وجهه بكمامة ولم تُذكر معلوماته الشخصية نهائياً، حرصاً على سلامة أهله وعائلته في سوريا.



ذكر الشاهد أنه كان عاملاً مدنياً في مجال دفن الموتى قبل بداية الثورة السورية. وفي تشرين الأول من عام 2011، تم جمع عشرة أشخاص من العمال المدنيين، وعينوا الشاهد المحمي مشرفاً عليهم، وذلك بأمر من ضابطين، أجبرا تلك المجموعة على الذهاب معهم إلى المشافي العسكرية، وهناك كانت تنتظرهم شاحنة براد كبيرة، في كل مرة، ليقوموا بمرافقتها إلى أماكن معينة ودفن الجثث الموجودة فيها ضمن مقابر جماعية.

كما تحدث الشاهد، الذي أُطلق عليه رمز (Z 30.07.2019)، إلى المحكمة، عن أنه عَمِل مع هؤلاء الضباط منذ عام 2011 وحتى عام 2017 دون السماح له ولمن معه بأخذ أي إجازة خلال تلك السنوات، وقال إن كل عملية دفن كانت تبدأ قرابة الساعة الرابعة فجراً، وتنتهي صباحاً حوالي الساعة التاسعة.

وتطرق الشاهد المحمي خلال حديثه أيضاً إلى المشافي المدنية، وسجن صيدنايا. وقال إن الجثث في كل شاحنة براد كان يصل عددها من 500 إلى 700 جثة، وأشار إلى أنه عرف ذلك من الضباط، عندما كانوا يطلقون الأوامر بتسجيل عدد الجثث من كل فرع أمني، ومن ثم إحصاء العدد الكلي للجثث.


ورغم معرفة الشاهد بهذه الأعداد إلا أنه لم يستطع تحديد أي فرع أمني مسؤول عن أكبر عدد من الجثث، ولكنه سمع الضباط كثيراً ما يتحدثون في ما بينهم عن نشاط أفرع أمنية في أيام معينة والتنافس في ما بينهم، فيقولون مثلاً: فرع أمن الدولة نشيط اليوم، الأمر الذي يعني أن الجثث القادمة منها أكثر من الجثث القادمة من الأفرع الأمنية الأخرى.

وأوضح الشاهد المحمي أن المستشفيات التي كان يتم نقل الجثث منها، هي مستشفى حرستا العسكري ومستشفى تشرين العسكري، ومستشفى المواساة ومستشفى المجتهد المدنيين. وعن المشافي المدنية قال إن هناك من أخبره من داخل مشفى المجتهد، أنهم لا يقومون فقط باستقبال الجثث من الأفرع، بل يقومون بعمليات قتل داخل المشفى أيضاً، لتصفية من يصل حياً من المعتقلين.


كما تحدث عن عدد مرات نقل الجثث، خلال الأسبوع الواحد، حيث أكد أنها لا تقل عن ثلاث أو أربع عمليات دفن، وقدم شرحاً مفصلاً أكثر بقوله:” مرة أو مرتان في الأسبوع للمشافي العسكرية، مرتان أو ثلاث منهم في الشهر لصالح المشافي المدنية، ومرتان أخريان أسبوعياً لصالح سجن صيدنايا بمقدار سيارتين إلى ثلاث لكل عملية نقل منه“.

و قال إن :”أماكن الدفن هما نجها، البعيدة عن دمشق حوالي 15 كم” والتي ذكرها سابقاً شاهد آخر، “والقطيفة” التي تُذكر لأول مرة خلال هذه المحاكمة، وتبعد عن دمشق حوالي 35 كم، وهما أراضٍ عسكرية يُمنع المدنيون من دخولها.

وأضاف أن جميع الأفرع الأمنية كانت ترسل جثثها إلى هذه الأماكن، باستثناء موقعين اثنين هما الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد، حيث تدفن الجثث في مطار المزة العسكري، تحت مدرج الطيران، وفرع المخابرات الجوية حيث تدفن الجثث داخل الفرع نفسه ولا يتم ترحيلها.


“مقبرة جماعية في سورية” أنترنت

وأضاف أن حجم المقابر الجماعية في منطقتي نجها والقطيفة كبير إلى حد ما، حيث تبلغ مساحة الحفرة الواحدة 5000 م² بعمق يصل لستة أمتار. وذكر أنه لا يتم إغلاق الحفرة مرة واحدة وإنما على دفعات، حيث يُردم جزء منها بحسب عدد الجثث في الدفعة الواحدة.

كما ذكر الشاهد أنه أثناء مشاركته في دفن جثث سجن صيدنايا “لم تنبعث منها رائحة لأنها جثث حديثة، أخبرنا الضباط أنهم أُعدموا في اليوم نفسه.” وتابع قائلاً:” غالباً يبدأ الإعدام الساعة 12 ليلاً، ويتم الدفن الساعة 4 صباحاً، ولكنني رأيتُ آثار الحبل الملتف على رقابهم وآثار التعذيب أيضاً، وعموماً كانوا يأتون مكبلي الأيدي مع أرقام ورموز مكتوبة على ملصقات وُضِعت على جبهات وصدور الجثث، وقد حدث ذات مرة أن أحدهم لم يكن ميتاً بعد بل كان يلفظ أنفاسه الأخيرة، فأمر الضابط أن تمر الجرافة فوقه”.


وتحدث أيضاً عن إخبار العمال له بوجود جثث نساءٍ وأطفالٍ، من الذكور والإناث أيضاً، وعن رفض الضباط السماح لهم بدفن النساء بأماكن مخصصة، بل تعدى الأمر رفض الطلب إلى التهديد بالاعتقال والتعذيب.

وأخبر المحكمة عن رؤيته شخصياً لجثة امرأة مقتولة تحضن رضيعها المذبوح بين يديها، الأمر الذي أدى لانهياره حينها، لكن كان عليه متابعة العمل على أي حال.


وعن شكل الجثث القادمة من الأفرع قال الشاهد إن:” ملامح الوجوه غائبة تقريباً والذي كان برأيهم نتيجة استخدام مواد كيميائية لإذابتها كالأسيد، لاستحالة تآكلها بطريقة طبيعية أو نتيجة تعذيب.”

وتحدث الشاهد إلى القضاة أيضاً عن عمليات دفن أخرى أُخذوا إليها وكانت سريَّة وخالية من الوثائق والأرقام تبدأ الساعة 12 ليلاً، ويتواجد خلالها ضباط من رتبة عميد وأعلى وعساكر مسلحين.

وأكد الشاهد المحمي أن فرع الخطيب أيصاً كان يرسل الجثث ليتم دفنها، ونوه قائلاً إن الأفرع الأمنية جميعها أرسلت جثثاً ويبلغ عددها تقريباً خمسة عشر فرعاً أمنياً وأن الخطيب كان من بينها. وقال إن عدد الجثث خلال الأعوام الست التي عمل فيها بلغ بتقديره الشخصي مليون، لمليون ونصف جثة، ثم قال: “ربما 2 أو 3 أو حتى 4 مليون جثة، لا أدري ولكن العدد كبير جداً”.

ويذكر أن هذه المحاكمة ستستأنف أعمالها لكشف المزيد من الحقائق، ومن أجل الاستماع لبقية الشهود، على أمل أن تثمر هذه المحاكمة ليس فقط بحكم عادل، بل بفتح ملفات كثيرة تكشف حقيقة النظام وأذياله، وتجرهم إلى المحاكمة في المستقبل القريب.


  


المزيد للكاتبة