ينبغي الضغط علناً على روسيا للسماح بالمراقبة الدولية على إيصال المساعدات عبر دمشق، ولدعم إعادة إجازة جميع المعابر الحدودية الإنسانية – بما في ذلك تلك التي تم إغلاقها في عام 2020.
19 / نيسان / أبريل / 2021
*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
اختُتم مؤتمر بروكسل السنوي الخامس حول “دعم مستقبل سوريا والمنطقة” (بروكسل 5) في 30 آذار/مارس بنتائج مخيّبة للآمال. وعلى الرغم من أن المشاركين طرحوا رؤية جديرة بالاحترام لتحسين الآفاق الإنسانية في سوريا ودول الجوار، إلا أن المساعدات التي تعهّد بها المانحون شهدت تراجعاً. وعلاوة على ذلك، لم تأتِ المساعدة مع الالتزامات السياسية الدولية اللازمة لضمان وصول الأموال بشكل فعال إلى أولئك الذين يحتاجون إليها، وإنما وعد المؤتمر بتمديد النظام المثير للمشاكل المتعلق بإيصال المساعدات والإفلات من العقاب السياسي الذي ساهم في حدوث أزمات الغذاء والصحة العامة والوقود التي يواجهها السوريون اليوم لمدة عام آخر. وتطرّق أحياناً إلى موضوعات مثل مراقبة إيصال المساعدات الدولية أو إطلاق سراح المعتقلين، لكنه لم يفلح في ضمان وجود ثِقل سياسي وراء هذا النقاش. ويجب أن تكون الدورات المستقبلية لمؤتمر بروكسل مرتبطة استراتيجياً بالمفاوضات الدولية حول هذه المسائل إذا كان يهدف إلى تجنّب إطالة أمد نفس الأزمات الإنسانية التي يسعى إلى معالجتها. وتقع على عاتق الدول المانحة في الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة مسؤولية مواجهة هذه التحديات والتأكد من أن المساعدات التي تم التعهّد بها قادرة على إحداث تأثير حقيقي على الأرض.
وبصفته حدثا يحظى برعاية مشتركة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، كان بروكسل 5 يطمح إلى استطلاع الاحتياجات الإنسانية الأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي وطويلة الأجل التي تواجه سوريا والمنطقة اليوم، ومن ثم تأمين المِنح والقروض الدولية بغرض تلبية تلك الاحتياجات. وكانت هناك ست حلقات نقاش: حول التنمية الاقتصادية وسُبل العيش المستدامة؛ والأمن الغذائي؛ والمساءلة والمعتقلين والمفقودين؛ والحاجة إلى حل سياسي للنزاع؛ والقدرة الإقليمية على الصمود والتحديات التي تواجه دول الجوار؛ والمساعدات الإنسانية للتعليم والحماية. وعلاوة على ذلك، شاركت جهات الفاعلة في المجتمع المدني السوري ومنظمات المساعدات الإنسانية وممثلي الدول المانحة في العشرات من الفعاليات الجانبية على هامش المؤتمر لمناقشة قضايا تتراوح من حقوق الأطفال إلى تحديات تمويل العمليات الإنسانية في ضوء العقوبات. ومن جديد، سلّطت روابط الضحايا السوريين الضوء بشجاعة على أهمية الإفراج عن المعتقلين والوصول إلى معلومات حول مصير المفقودين. وأخيراً، أعرب ممثلو الدول المانحة وهيئات الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عن أسفهم للأوضاع الإنسانية الأليمة للسوريين والعبء الذي ألقاه النزاع على كاهل دول الجوار مثل لبنان. ومن الجدير بالذكر أن الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أقرّ صراحة بأصول النزاع والأزمة الإنسانية الحالية، الذي كان السبب وراءه، القمع العنيف الذي مارسته الحكومة السورية ضد الاحتجاجات المدنية السلمية قبل عقد من الزمن.
غير أن المؤتمر كان مخيباً للآمال حتى وفقاً للمعايير الخاصة به. وإن مبلغ 6.4 مليار دولار الذي تعهّدت به الدول المانحة هو أقل من إجمالي العام الماضي (7.3 مليار دولار) على الرغم من التدهور الملحوظ للأوضاع الإنسانية في سوريا في عام 2020. وإن هذا الرقم أيضاً أقل بكثير من العشرة مليارات دولار التي طلبتها وكالات المساعدات التابعة للأمم المتحدة قبل المؤتمر. وحافظ الاتحاد الأوروبي وألمانيا وغيرهما على مستويات التعهّدات السابقة، ولكن تميّزت المملكة المتحدة بخفض كبير في مستوى دعمها المالي. وفي حين أن التأثير الاقتصادي للوباء قد أثّر بلا شك على استعداد الدول في التعهّد بتقديم أموال، فمن المحتمل أن يكون لفتور همّة المانحين بسبب عدم إحراز تقدّم بشأن القضايا الرئيسية في النزاع السوري دور أيضاً. وبالتالي، فإن تراجع الدعم لمؤتمرات بروكسل يرجع جزئياً إلى حقيقة أن هذه الاجتماعات قدّمت باستمرار رؤى شاملة للمستقبل دون اتباع استراتيجية سياسية لتحقيق تلك الرؤى من خلالها.
وستخفّف أموال بروكسل 5 بلا شك من معاناة ملايين السوريين من خلال تيسير إيصال المساعدات الغذائية والطبية عبر الحدود وعبر خطوط النزاع. ومع ذلك، فإن حقيقة أن مؤتمر بروكسل يقدّم نفسه في نهاية المطاف على أنه مجرّد منصة تعهّدات منفصلة عن العمليات السياسية يعني أنه حتى المبلغ الأصلي المستهدف لم يكن كافياً لمعالجة الأزمات المتداخلة التي تواجه سوريا. وبينما ساهمت العديد من العوامل في النقص الحاد في الخبز والوقود والرعاية الطبية المتعلقة بجائحة كوفيد – مثل انهيار الليرة السورية، والتراجع طويل الأمد في إنتاج القمح، والعقوبات الدولية – فإن سياسات الحكومة السورية وحلفائها هي المحرك الرئيسي وراء ذلك. وعلى غرار ذلك، فإن ممارسة الحكومة السورية الموثقة جيداً لتحويل المساعدات إلى أيدي الأجهزة الأمنية، أو إيصالها بطريقة تمييزية، من شأنه أن يمنع المنظمات الإنسانية بشكل منهجي من الوصول إلى السكان الذين هم في أمسّ الحاجة إلى الإغاثة. وقد أدّى حق النقض الروسي ضد محاولات الإبقاء على المعابر الحدودية الإنسانية مفتوحة مع سوريا إلى تفاقم هذه المشكلة من خلال توجيه المساعدات عبر دمشق. ولم يقتصر الأمر على إخفاق بروكسل 5 في تحدي هذه الممارسات بعينها فحسب، بل وحافظ المؤتمر أيضاً على موقفه غير المتّسق بشكل عام تجاه الحكومة السورية: من ناحية، استبعد بروكسل 5 الحكومة السورية من مداولاته؛ ومن ناحية أخرى، لم يضغط على الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لوقف ترحيل اللاجئين السوريين، وبالتالي رفض وعود الحكومة السورية الكاذبة بتوفير الأمن للعائدين.
ويجب على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي إعادة ضبط الدورات المستقبلية لمؤتمر بروكسل للاعتراف بالواقع السياسي الذي تعمل فيه المساعدات الإنسانية. ولا يعني هذا اشتراط المساعدات الإنسانية بتحقيق النطاق الكامل لقرار مجلس الأمن رقم 2254. حيث أن بعض عناصره غير قابلة للتنفيذ حالياً، مثل الانتقال السياسي المتفاوض عليه مع المساءلة عن الانتهاكات التي ارتكبتها الحكومة السورية. وإن هذه المطالب غير الواقعية تحديداً هي التي أعطت دولاً مثل المملكة المتحدة ذريعة لخفض المساعدات للسوريين. وبالإضافة إلى ذلك، فإن حجب المساعدات على هذا الأساس لن يؤدّي إلّا إلى إلحاق الضرر بالسوريين بينما لن يفعل شيئاً لتغيير سلوك الحكومة السورية. وقد أظهرت الأخيرة مراراً أنها مستعدة لوضع مصالح نخبتها السياسية والاقتصادية الصغيرة فوق مصالح غالبية المواطنين.
وفي المقابل، يجب على الدول المانحة أن تربط بشكل استراتيجي تقديم المساعدات للأطراف ذات الصلة بالإجراءات المتخذة تجاه أهداف سياسات محددة تيسّر الأعمال الإنسانية. ويستلزم ذلك مناشدة الدول التي تدعم الحكومة السورية وكذلك دول الاتحاد الأوروبي التي تستضيف لاجئين سوريين. ومن الجدير بالذكر أن روسيا لديها مصالح جيوسياسية واقتصادية كبيرة في منع هذا النوع من عدم الاستقرار السياسي الذي قد ينشأ في سوريا إذا استمرت الأزمات الإنسانية الحالية في التدهور.
وعلى هذا النحو، ينبغي الضغط علناً على روسيا للسماح بالمراقبة الدولية على إيصال المساعدات عبر دمشق، ولدعم إعادة إجازة جميع المعابر الحدودية الإنسانية – بما في ذلك تلك التي تم إغلاقها في عام 2020. وفي حين اعتبرت الحكومة السورية مثل هذا النوع من الأعمال انتهاكاً للسيادة السورية، فقد سمحت لروسيا بالتفاوض أحادي الجانب على اتفاقيات عبر خطوط النزاع مع تركيا. وينبغي على الدول المانحة أيضاً الضغط على روسيا لضمان عدم شن مزيد من الغارات على المعابر الحدودية الإنسانية. وقد تزيد تلك الدول من وتيرة الضغط على روسيا من خلال التهديد بفرض مزيد من العقوبات على المسؤولين الروس، أو مساءلة روسيا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عن جرائم الحرب التي ارتكبتها في سوريا، أو الانسحاب من الشراكات الاقتصادية بين الاتحاد الأوروبي وروسيا.
كما سيكون للتنسيق الاستراتيجي والقائم على المبادئ السياسية في مؤتمر بروكسل آثار إيجابية أخرى. أولاً، وقبل كل شيء، من شأن تحسين تقديم المساعدات أن يوفّر الحجج لاستعادة المستويات السابقة للدعم المالي من الدول المانحة. كما سيوفّر إطار عمل بروكسل المعاد ضبطه مساحة لتنسيق أكبر بين نظامي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة للعقوبات الدولية والإعفاءات الإنسانية اللذين يعملان بمعزل عن بعضهما البعض. وإذا نجحت استراتيجيات الضغط هذه في تحسين إيصال المساعدات، يمكن أن تضع الأساس للنقاشات والمطالب المحددة الأخرى للسوريين والمجتمع الدولي من جهة، وأولويات الحكومة السورية وحلفائها من جهة أخرى. وبعد ظهور أدلة على تحسّن إيصال المساعدات، يمكن الإفراج التدريجي عن أموال إعادة التأهيل مقابل إحراز تقدّم في قضايا مثل إطلاق سراح المعتقلين أو الضمانات الأمنية. وإذا تم السعي لتحقيقها على هذا النحو، يمكن للمساعدات الإنسانية التي يتم جمعها من خلال مؤتمر بروكسل أن تدعم أهدافاً استراتيجية أكبر في سوريا بدلاً من مجرد إطالة أمد الأزمات الحالية في البلد.