ليست الحكومة السورية وحدها التي ترتكب جرائم بحق الصحفيين، فقد شاركت هيئة تحرير الشام مؤخراً في مهاجمة الصحفيين واعتقالهم. وتسبّب النزاع المستمر في شمال غرب سوريا أيضاً في تهديدات للصحفيين..
09 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2020
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
منذ عام 2014، خُصّص الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر لإحياء ذكرى جميع الصحفيين الذين قُتلوا أو تضرّروا أو اعتُقِلوا أثناء ممارسة مهنتهم، ولمواصلة الكفاح ضد الإفلات من العقاب على جميع الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين. وفي العام الماضي، بمناسبة الذكرى الخامسة لليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، قام المركز السوري للعدالة والمساءلة بحصر الجرائم المختلفة التي ارتُكبت ضد الصحفيين خلال النزاع السوري، ودعا جميع الدول إلى المشاركة بنشاط في مكافحة الإفلات من العقاب. وبعد مرور عام، مع استمرار النزاع، ما تزال هناك أوجه قصور في هذا الكفاح. حيث يجب وقف وإنهاء استهداف الصحفيين، ويجب إطلاق سراح الصحفيين المعتقلين، ويجب أن تكون هناك عدالة لجميع الصحفيين في سوريا الذين تم اعتقالهم أو تعذيبهم أو قتلهم. ونغتنم هذه الفرصة لتسليط الضوء على اضطهاد الصحفيين السوريين المستهدفين بسبب جهودهم الدؤوبة في تغطية النزاع السوري على مستوى القواعد الشعبية.
الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين العام الماضي
فيما يتعلق بالحرية العامة للصحافة والإعلام، فقد تفاقم الوضع في سوريا بشكل مطّرد منذ عام 2011. وفقاً لمؤشر حرية الصحافة العالمي لعام 2020 الصادر عن مراسلين بلا حدود، تحتل سوريا المرتبة 174 من 180، حيث لا يوجد سوى فيتنام وجيبوتي والصين وإريتريا وتركمانستان وكوريا الشمالية التي تخلق ظروفاً أسوأ للصحفيين. وبالإضافة إلى ذلك، على الرغم من انخفاض عدد الصحفيين الذين قُتِلوا منذ عام 2019، إلا أن سوريا لا تزال تشكّل ثاني أكثر الدول فتكاً بالصحفيين حتى 13 كانون الأول/ديسمبر، 2019، وقد قُتل ثلاثة صحفيين في عام 2020 حتى الآن. غير أن القتل ليس هو الإجراء الوحيد للانتقام. حيث تواصل جميع أطراف النزاع السوري اعتقال وتهديد الصحفيين (بما في ذلك أولئك الموجودين خارج البلد مثل سام الإبراهيم وهمبرفان كوسه)، وتعليق أوراق اعتمادهم، وتقييد الوصول إلى الإنترنت، وكذلك إخضاع التقارير للرقابة. وحتى تاريخه، لا يزال تسعة صحفيين في سوريا في عداد المفقودين، معظمهم منذ عام 2012. واستخدمت الحكومة السورية مؤخراً شكلاً آخر من أشكال الانتقام عندما أطلقت، بمساعدة صحفي موالٍ للحكومة، حملة كراهية جنسية ضد صحفية إدلب ميرنا الحسن.
وليست الحكومة السورية وحدها التي ترتكب جرائم بحق الصحفيين، فقد شاركت هيئة تحرير الشام مؤخراً في مهاجمة الصحفيين واعتقالهم. وتسبّب النزاع المستمر في شمال غرب سوريا أيضاً في تهديدات للصحفيين، وأصيب أربعة صحفيين من العاملين في صفوف الجيش الحكومي بجراح خلال هجوم شنّه الجيش الوطني السوري في حلب في شباط/فبراير.
ومنذ تشرين الثاني/نوفمبر 2019، لقي أربعة صحفيين في سوريا مصرعهم وسط تبادل لإطلاق النار مع نشر تقارير حول هوياتهم وظروف وفاتهم على الفور من قبل زملاء وأصحاب عمل على شبكات مختلفة في جميع أنحاء العالم. ويمكن للمرء أن يقول إن الموت وسط تبادل لإطلاق النار، هو أحد مخاطر المهنة عند التغطية الإعلامية من منطقة نزاع وأنه لا يشكّل جريمة. ومع ذلك، يتمتّع الصحفيون في النزاعات بالحماية بموجب القانون الدولي الإنساني. وبالتالي فإن خرق أطراف النزاع لهذه المعايير يشكّل جرائم وبالتالي يتطلب تحقيقاً شاملاً ومساءلة الجناة.
إنجازات في مكافحة الإفلات من العقاب
تم إحراز تقدّم للوصول إلى المساءلة عن الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين من قبل الولايات المتحدة، والتي تعمل على تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى المحاكمة. حيث نُقل مواطنان بريطانيان، يشتبه في أنهما عضوان فيما يسمى “بيتلز” داعش، وهما من بين المسؤولين عن اعتقال صحفيين أمريكيين، إلى الولايات المتحدة حيث سيواجهان الآن المحاكمة. وفي وقت سابق من هذا العام، اعتقلت السلطات الفرنسية مجدي مصطفى نعمة الملقب إسلام علوش، المتحدث السابق باسم جيش الإسلام، والذي يُزعم أنه مسؤول من بين آخرين عن اعتقال الصحفية السورية والمدافعة عن حقوق الإنسان رزان زيتونة وزوجها واثنين من زملائها في عام 2013. وأيضا توجد المحاكمة التي تعقد جلساتها حالياً أمام محكمة إقليمية عُليا في ألمانيا فيما تسمّى “محاكمة أنور رسلان“، ومن بين ضحايا أنور في الفرع 251، وهو أحد مرافق الاعتقال والتحقيق الوحشية التابعة لإدارة المخابرات العامة السورية، صحفيون وأعضاء في المجتمع المدني كانوا يقومون بتغطية إعلامية للوضع خلال الاحتجاجات في 2011 و2012.
وفي مطلع هذا العام، بذلت تركيا جهوداً لحماية الصحفي الجنوب أفريقي شيراز محمد. حيث قامت المخابرات التركية بحماية شيراز، الذي فرّ من الاعتقال في سوريا وشقّ طريقه إلى تركيا، ورتّبت له العودة إلى وطنه بسلام.
أوجه القصور
تُظهر الإنجازات التي تحقّقت في مكافحة الإفلات من العقاب على هذه الجرائم فيما يتعلق بسياق الجرائم المستمرة ضد الصحفيين في سوريا، ثلاثة أوجه قصور مهمة:
- بالنظر إلى عدد الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين خلال النزاع السوري المستمر، وكذلك محاولات محاسبة الجناة، نجد أنه لا يزال هناك إفلات من العقاب للغالبية العظمى من هذه الجرائم. ووفقاً لدراسات أجراها الاتحاد الدولي للصحفيين (IFJ)، فإن تسع من عشر جرائم ضد الصحفيين في سوريا لا تزال بلا عقاب.
- إن محاولات الدول لمحاسبة الجناة تركّز بشكل رئيسي على الحالات التي يكون فيها الضحايا من مواطني الدولة التي تقوم بالملاحقة القضائية. ويمكن ملاحظة هذا ليس فقط من خلال محاكمة البيتلز القادمة في الولايات المتحدة وإحجام بريطانيا عن اتخاذ خطوات قانونية، ولكن أيضاً في قضية كولفين. بالإضافة إلى المحادثات الأمريكية الأخيرة مع المسؤولين السوريين للضغط من أجل إطلاق سراح الصحفي الأمريكي أوستن تايس.
- 3. غالباً ما تركّز محاولات مكافحة الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين فقط على الحالات التي يكون فيها الضحايا صحفيين محترفين. حيث أن الجرائم المرتكبة ضد من يُطلق عليهم المواطنين الصحفيين، وهم أفراد من المجتمع المدني يقومون بالتغطية الإعلامية للنزاع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، غالباً لا تخلق نفس القدر من الضجة الإعلامية لأنهم يعملون لحسابهم الخاص وليس لديهم ناشرون وشبكات إعلامية تدعمهم وتُطلع الجمهور على حالات العنف المرتكبة ضدهم.
الخاتمة
يدعو المركز السوري للعدالة والمساءلة جميع أطراف النزاع السوري إلى التوقّف عن استهداف من يقومون بالتغطية الإعلامية للنزاع، والإفراج عن جميع الصحفيين المعتقلين، وإنهاء الإفلات من العقاب على جميع الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين. وإن هذه الدعوة الأخيرة موجهة أيضاً إلى المجتمع الدولي. وإن الدول مدعوة لتحقيق العدالة لجميع الصحفيين، ليس فقط لمواطنيها ولكن للمواطنين السوريين أيضاً. ويجب على الدول أيضاً دعم الجهود التي يبذلها الاتحاد الدولي للصحفيين للترويج لاتفاقية أممية جديدة بشأن حماية الصحفيين في مناطق النزاع، ومن أجل الاعتراف بأهمية التقنين الشامل للالتزامات المتعلقة بحماية الإعلاميين بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بهدف تعزيز تنفيذها الفعال.