في 6 تشرين الأول/أكتوبر، 2020، تقدّمت منظمات من المجتمع المدنيبشكوى جنائية إلى المدّعي العام الألماني، تطالب بفتح تحقيق في الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا، وتحديداً الهجمات التي وقعت في الغوطة الشرقية وخان شيخون في عامي 2013 و2017.
04 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2020
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
يسلّط عددٌ من التطورات الأخيرة بشأن تحقيق العدالة لجرائم الحرب السورية الضوء على الحاجة إلى حل أكثر شمولاً. وتشمل هذه التطورات إجراء يُرجّح أن يبدأ في محكمة العدل الدولية، وشكوى جنائية في ألمانيا، وإدانة مقاتلي داعش في الولايات المتحدة. ويتمتع كل واحد من هذه الإجراءات بإمكانية أن يحقّق قدراً من العدالة للضحايا السوريين، لكن ما من إجراء سيقدّم كبار القادة المسؤولين عن ارتكاب جرائم الحرب في سوريا للعدالة. ويجب على السوريين دعم هذه التدابير والإجراءات مع الحفاظ على تفهّمهم لمحدّداتها.
محكمة العدل الدولية – التعذيب
في 18 أيلول/سبتمبر، 2020، أرسلت الحكومة الهولندية مذكّرة دبلوماسية إلى الحكومة السورية في مسعى للدخول في مفاوضات بشأن انتهاكات الأخيرة لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب (UNCAT). وتُعتبر هذه المذكّرةشرطاً مسبقاً للمباشرة في رفع دعوى أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. وعبّرت الحكومة الألمانية عن دعمها لهذه الخطوة وقد تشارك في رفع الدعوى في نهاية المطاف. ولا يوجد لدى الحكومة السورية نية للدخول في مفاوضات أو تحكيم، ومن شبه المؤكد أن الشكوى الهولندية لدى محكمة العدل الدولية ستتبع بعد ستة أشهر – وهو الوقت الذي تشترطه اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.
وإن محكمة العدل الدولية هي هيئة قضائية للفصل في النزاعات بين الدول، مما يعني أنها لن تُحمّل أي مسؤول حكومي سوري مسؤولية فردية عن التعذيب. ويمكن أن تأمر باتّخاذ تدابير مؤقتة، مثل أمر الحكومة السورية بالحفاظ على الأدلة أو التعاون مع التحقيقات. وفي ختام الدعوى، يمكن لمحكمة العدل الدولية أن تنوّه أيضاً بأن الحكومة السورية قد انتهكت واجباتها بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب. ولكن محكمة العدل الدولية ليس لديها أي صلاحيات إنفاذ.
وتتمتع محكمة العدل الدولية بصلاحيات تقصّي الحقائق ويمكنها الاستماع إلى شهود وخبراء على دراية بسياسات وممارسات التعذيب للحكومة السورية. ولكن هناك انتقاد مفاده أن محكمة العدل الدولية هي الأنسب للبت في قضايا القوانين وهي تقتصر بشكل عام على الأدلة التي يقدمها طرفا القضية – في هذه الحالة هولندا وسوريا. ومن المحتمل أن يكون عدد الشهود محدوداً للغاية وقد يكون هناك اعتماد على شهادة الخبراء مما قد يحول دون سماع عدد كبير من الضحايا.
شكوى ألمانيا – الأسلحة الكيميائية
في 6 تشرين الأول/أكتوبر، 2020، تقدّمت منظمات من المجتمع المدنيبشكوى جنائية إلى المدّعي العام الألماني، تطالب بفتح تحقيق في الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا، وتحديداً الهجمات التي وقعت في الغوطة الشرقية وخان شيخون في عامي 2013 و2017. وتأمل المنظمات أن يؤدي التحقيق إلى توجيه الاتهام إلى مسؤولين وقادة سوريين مسؤولين عن الهجمات.
وكانت الهجمات بالأسلحة الكيميائية في الغوطة الشرقية موضوع تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ولجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا. وتم تكليف فريق من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية بالتحقيق في أخطر الهجمات بالأسلحة الكيميائية في سوريا وتحديد الكيانات والأطراف المسؤولة. وقد تعزّزت هذه المعلومات والأدلة من خلال عمل عدد من المنظمات التي تعاونت في تقديم الدّفوع إلى المدعي العام الألماني. لذلك، هناك مجموعة كبيرة من الأدلة التي يمكن من خلالها الشروع في إجراء التحقيق. ومع ذلك، يبقى قرار الشروع في إجراء تحقيق ضمن نطاق السلطة التقديرية للمدّعي العام الألماني – فلا شيء يلزمه بذلك.
وبالإضافة إلى ذلك، يتمتع الرئيس الأسد وكبار قادة الجيش بالحصانة من الملاحقة الجنائية في ألمانيا. حيث أن القدرة على مقاضاة مثل هؤلاء القادة تقتصر على المحكمة الجنائية الدولية أو ربما محكمة مختلطة، لأن حصانة رئيس الدولة لا تنطبق في هذه الحالة. وعلى الرغم من أن ألمانيا قد تُصدر لائحة اتهام ضد هؤلاء القادة، إلا أنه سيكون من الصعب إنفاذها أثناء بقاء الأسد في السلطة. ولا يزال من الممكن المضي قُدُماً بالمحاكمات المتعلقة بالمستوى الثاني أو الثالث من مسؤولي الحكومة السورية والقادة العسكريين. وفي مثل هذه الحالات، يجب أن يكون المتهمون محتجزين لدى السلطات الألمانية لأن المحاكمات الغيابية غير مسموح بها بموجب القانون الألماني.
لائحة اتهام “بيتلز” لداعش في الولايات المتحدة
كان التطور الثالث الذي حدث مؤخراً هو توجيه اتهام إلى عضوين ينتميان إلى ما يسمى “البيتلز”، وهي مجموعة من مقاتلي داعش يُزعم أنها مسؤولة عن قطع رؤوس 27 مواطناً أجنبياً في سوريا، بينهم أربعة أمريكيين. وتُعتبر هذه القضية بارزة نظراً لعدد الدول التي شاركت فيها ومقدار التقاضي الذي تم إجراؤه حتى الآن. كما تسلّط الضوء على الخطر المحدِق الذي لا يزال تنظيم داعش يمثّله.
وفي 8 تشرين الأول/أكتوبر، 2020، مثل المقاتلان في الولايات المتحدة، حيث اعتقلتهما قوات سوريا الديمقراطية ونُقِلا إلى عُهدة الجيش الأمريكيعندما دخلت تركيا شمال شرق سوريا في تشرين الأول/أكتوبر 2019. ورغم أنهما كانا مواطنين بريطانيين، إلا أنه قد تم تجريدهما من جنسيتهما، ولن تلتزم المملكة المتحدة بمحاكمتهما لأنه ليس من المؤكّد أن لديها ما يكفي من الأدلة لإدانتهما. واقترحت الولايات المتحدة محاكمة الرجلين، لكنها طلبت أدلة في حوزة حكومة المملكة المتحدة. وفي الشهر الماضي، طمأن المدعي العام الأمريكي حكومة المملكة المتحدة أن الولايات المتحدة لن تسعى إلى عقوبة الإعدام في هذه القضية، كما يقتضي قانون المملكة المتحدة، الأمر الذي مهّد الطريق للتشارك في الأدلة. ويمكن أن يتم مباشرة القضية في الولايات المتحدة لأن الضحايا كانوا مواطنين أمريكيين. ويمكن أيضاً رفع قضايا عندما يكون الجناة مواطنين أمريكيين. ولكن هناك محدّدات هامة للولاية القضائية للولايات المتحدة بصرف النظر عن هذه المواقف.
ولا يزال هناك 10,000 مقاتل من داعش في سجون قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا في ظل ظروف محفوفة بالمخاطر، مع الإبلاغ عن بعض حالات الهرب من السجن. وإن ألفين أو أكثر من هؤلاء المعتقلين هم من الأجانب الذين تتردّد حكومات دولهم في إعادتهم إلى الوطن لأسباب تتعلق بالأمن القومي ولأسباب سياسية. ومع ذلك، يتّفق دعاة حقوق الإنسان ومؤيّدو الأمن القومي على أن الحل الأفضل هو إعادة هؤلاء المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية لمحاكمتهم. وهذا يترك حوالي 8,000 مقاتل من داعش من أصول سورية وعراقية في سجون قوات سوريا الديمقراطية. واقترحت قوات سوريا الديمقراطية محاكمة المقاتلين في محاكم محلية وطلبت مساعدة دولية. ولكن لا يزال المجتمع الدولي يواجه طريقاً مسدوداً بشأن ما يجب القيام به.
الخاتمة
دون القدرة على تحقيق المساءلة في المحكمة الجنائية الدولية، فإن التطورات في محكمة العدل الدولية، وأيضا ما يمكن السعي إليه بموجب الولاية القضائية العالمية هي موضع ترحيب وسبل مهمة لتحقيق قدر من العدالة للضحايا السوريين. ويدعم المركز السوري للعدالة والمساءلة جميع الجهود المبذولة لتحقيق العدالة والمساءلة للسوريين مع وعي عميق بالمحددات الكبيرة التي تواجهها الجهود الحالية والتي يجب إبلاغها للمجتمع السوري.