وبدلاً من ذلك، وجد القضاة أن الغريب كان من الممكن أن يتظاهر بأنه مريض أو مصاب أو يحاول ببساطة الهروب وسط حشد كبير.
04 / آذار / مارس / 2021
*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
في 24 شباط/فبراير، 2021 وجدت المحكمة الإقليمية العليا في كوبلنتس أن إياد الغريب مذنب بالمساعدة والمشاركة في التعذيب وحجز الحرية كجرائم ضد الإنسانية. وحُكم عليه بالسجن 4.5 سنوات. من المرجح أن يستأنف فريق الدفاع الحكم. يوضح استدلال القضاة جانبين مهمين كان ينبغي مراعاتهما في تحديد الحكم، بالإضافة إلى المناقشة العامة للحكم.
أدلة محدودة
في استدلالهم الشفوي، أشار القضاة إلى أن الحكم ضد الغريب كان ممكنًا فقط بسبب تصريحاته التي أدان بها نفسه والتي أدلى بها أمام هيئة اللجوء الألمانية. بينما كان هناك الكثير من الأدلة التي وجدت أن الحكومة السورية تقوم بهجوم واسع النطاق وممنهج ضد السكان المدنيين منذ آذار/ مارس2011، كانت هناك أدلة محدودة على دور الغريب في اعتقال الأشخاص ونقلهم إلى الفرع 251، وأيضاً عن أعداد هؤلاء الضحايا. وجد القضاة أن هناك 30 ضحية بناء على تصريح الغريب بوجود “حافلات”(جمع) تستخدم لنقل المحتجزين. وفقا للقضاة، فإن هذا يعني وجود حافلتين على الأقل. بالاقتران مع حقيقة أن أحد الشهود قدر أن كل حافلة لديها القدرة على استيعاب 15 شخصًا على الأقل، خلص القضاة إلى أن الغريب نقل 30 محتجزًا على الأقل إلى الفرع 251. وعلى الرغم من وجود أدلة واقعية تدعم هذه النتيجة، إلا أنها مثال صارخ على مدى ضآلة الأدلة باستثناء تصريحات الغريب.
بُنيت الدعوى ضد الغريب في البداية على أساس هش. عندما حرك الادعاء العام القضية، ربما كانت لديه تصريحات أكثر تفصيلاً عن الغريب مدينا بها نفسه. ومع ذلك، وجدت محكمة العدل الفيدرالية الألمانية أن أجزاء من أقوال الغريب للشرطة الألمانية هي أدلة غير مقبولة لأنه لم يتم إبلاغه بشكل صحيح بأنه سيتم استجوابه كمشتبه به وعن حقوقه الخاصة.
من الصعب مواءمة القضية المرفوعة ضد الغريب مع حقيقة أن الشهود الآخرين الذين يدلون بشهاداتهم في محاكمة كوبلنتس لم تتم مقاضاتهم (شاهد تقارير مراقبة المحاكمة التقرير 5 ،التقرير 6 ،الأيام 16 و17 والتقرير 12). بسبب علاقته بالقضية المرفوعة ضد أنور رسلان، تم دمج القضيتين في البداية في محاكمة واحدة. وكان فصل القضيتين النتيجة الصحيحة في ضوء حق الغريب في أن يحاكم في الوقت المناسب وبطريقة عادلة (المادة 61.1 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان). ومع ذلك، كان الأمر مؤسفًا مع الأخذ في عين الاعتبار أنه الآن أول شخص في العالم يتم إدانته بالمساعدة والمشاركة في الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها الحكومة السورية.
انشقاقه برتبة منخفضة (مساعد)
وفور إعلان الحكم احتفل كثيرون به باعتباره انتصارا على أحد مجرمي حرب بشار الأسد. ومع ذلك، لم يكن الغريب مسؤولاً رفيع المستوى، بل كان مرتكب انتهاكات برتبة منخفضة. هذا لا يعني أن حراس السجن أو السائقين يجب أن يكونوا محصنين من الملاحقة القضائية. سوابق القانون الجنائي الدولي تدعم المسؤولية الجنائية في الحالات التي يكون فيها الجناة من المستوى الأدنى جزءًا من آلية الموت والتدمير. تم تسليم حراس السجون النازيين السابقين ومحاكمتهمفي ألمانيا حيث تقتصر الأدلة على وجودهم وتوظيفهم في معسكرات الاعتقال النازية. بيد أنه يجب أن لا يتجاوزالخطاب المحيط بحكم الغريب الواقع.
كافح القضاة أيضًا لمعالجة هذه الحقيقة وعواقبها على تحديد عقوبته. كانت إحدى الاستراتيجيات الرئيسية للدفاع هي القول بأن الغريب تصرف تحتالإكراه. لقد أربك تطبيق الدفاع بالإكراه القانونيين منذ بداية محكمة يوغوسلافيا السابقة حيث انقسم القضاة حول كيفية تطبيقها. في الواقع يمكن أن تختلف الآراء المنطقية حول مقدار المخاطر الشخصية التي يجب على الشخص تحملها لتجنب ارتكاب جريمة. وبحسب دفاعه، لم يكن أمام الغريب من خيار سوى اتباع أوامر رؤسائه غير القانونية. قد يكون استخدام هذا الدفاع لطلب التبرئة بعيد المدى، ومع ذلك كان ينبغي اعتبار الحجج عوامل مخففة في تحديد العقوبة.
وبدلاً من ذلك، وجد القضاة أن الغريب كان من الممكن أن يتظاهر بأنه مريض أو مصاب أو يحاول ببساطة الهروب وسط حشد كبير. واستندوا في حججهم إلى شهادة أحد الشهود والذي كان موظفا سابقا بمديرية المخابرات العامة حيث قال إنه تجنب المشاركة في الاعتقالات باستخدام المرض والإصابات كأعذار (شاهد تقرير مراقبة المحاكمة 20 -القادم). إلا أن هذا الشاهد، وغيره ممن لم يحضروا للعمل، ذكروا أيضًا أنهم استجوبوا من قبل رؤسائهم، بل واحتُجزوا لبعض الوقت عندما اشتبه في صحة ما ادعوه وفي أنهم كذبوا. كان الغريب سيواجه السجن والتعذيب، وبالتالي فإن تزوير الإصابة أو استخدام أعذار أخرى لتجنب المشاركة في الاعتقالات وما إلى ذلك كان سيعرض حياته وأقاربه وحريته للخطر. إذا كان الغريب قد عصى الأوامر على وجه الخصوص – عندما أمر حافظ مخلوف “رئيس القسم 40″بإطلاق النار على جميع المتظاهرين، كان من المحتمل أن يتم إطلاق النار عليه في الحال في حال عصيان الأمر.
وحول التهديدات المحتملة لعائلته في حالة الانشقاق، وجد القضاة أن الغريب غادر دمشق دون عائلته ليختبئ في مدينة أخرى لعدة أشهر. وأشاروا كذلك إلى أنه خلال هذا الوقت، تم استجواب زوجته فقط، وتمكنت عائلته في النهاية من الانضمام إليه ومغادرة سوريا. وأضاف القضاة أنهم لا يستطيعون تحديد ما إذا كان الغريب قد فكر بالفعل في الانشقاق بعد أن ارتكب الجرائم في خريف 2011 وقبل الانشقاق في كانون ثاني/ يناير 2012. ولا يزال من غير الواضح نوع الأدلة التي كانت سترضي القضاة لإثبات أن الغريب سعى إلى الانشقاق. أخبر العديد من المطلعين [تقرير مراقبة المحكمة 5 ] والشهود [تقرير مراقبة المحكمة 6] والخبراء [تقارير مراقبة المحكمة 13 ،15 ،16 ] المحكمة أنه في سوريا، يجب على المرء أن يُعدّ انشقاقه سرًا حتى لا يخاطر بحياته وحياة عائلته.
الخلاصة
بشكل عام، أظهرت محاكمة إياد الغريب وحكمه مرة أخرى أن المحاكمات بموجب الولاية القضائية العالمية، تظل في الوقت الحالي على الأقل الخيار الوحيد أمام الناجين من الصراع السوري لتحقيق العدالة والمساءلة. ومع ذلك، غالبًا ما يتم تسييس المحاكمات وقرارات الادعاء بموجب الولاية القضائية العالمية. في بداية المحاكمة – تمت محاكمة أنور رسلان وإياد الغريب بشكل مشترك – تلقت ألمانيا الكثير من الثناء على أول محاكمة في العالم ضد موظفين سابقين في المخابرات السورية. ومع ذلك، غالبًا ما تم إغفال أن كلا المتهمَين ليسا من كبار المسؤولين عن الجرائم الأكثر خطورة..
بعد فصل المحاكمة، أصبح الآن ذو الرتبة الأدنى هو أول من يحكم عليه. وبالتالي فإن الحكم في قضيته هو الأول على مستوى العالم ضد موظف سابق في الحكومة السورية (على الرغم من إدانة السويد لعضو سابق في الجيش الوطني السوري). في حين أنها حقًا محاكمة تاريخية فيما يتعلق بالتقييم القضائي للجرائم ضد الانسانية التي ترتكبها الحكومة السورية في سوريا، إلا أنه لا يزال من المهم إدراك نقاط الضعف الاستدلالية المتعلقة بتصريحات الغريب التي أدان بها نفسه وحقيقة أن خياراته للانشقاق كانت محدودة دون المخاطرة بحياته أو حياة أسرته. باعتباره كان يخدم برتبة منخفضة في أجهزة المخابرات.
عندما يُنظر إلى أنها بداية لعملية العدالة – باعتبارها الأولى من بين العديد من القضايا – لتقديم الجناة من الحكومة السورية إلى العدالة، ينبغي أن يشجع الحكم في هذه القضية الناجين. ولكن يجب أن تكون أيضًا عملية تعلم ويجب على المدعين العامين في ألمانيا وأماكن أخرى أن يفكروا بعناية في اختيارهم للقضايا ضد الشهود المطلعين. يجب أن يظل التركيز على الأشخاص الأكثر مسؤولية عن ارتكاب الفظائع في سوريا هو الأولوية.