أصبحت الإمارات العربية المتحدة أيضاً أكثر انفتاحاً.. على الرغم من أنها لم تكن أبداً ضد سوريا بشدة، حيث سُمح لأعضاء النظام - بما في ذلك عائلة الأسد - باستخدام الإمارات كملاذ آمن، فقد أصبحت من كبار المدافعين عن المصالحة، حتى أنها أعادت فتح سفارتها في سوريا أواخر عام 2018.
27 / آذار / مارس / 2021
*مع العدالة | ترجمة: أحمد بغدادي
لقد تم استبعاد سوريا من جامعة الدول العربية تقريباً منذ عقد من الزمان، لكن هذه الخطوة قد تكون على وشك التغيير. في الأسبوع الماضي، دعت الإمارات العربية المتحدة إلى إعادة سوريا التي دمرتها الحرب إلى الجامعة التي ساعدت في تأسيسها في عام 1945، مرددة بذلك دعوات مماثلة وجهها العراق في كانون الثاني/يناير الماضي.
وقد استأنفت بعض وكالات الجامعة عملياتها في دمشق. ويبدو أن هذا الأمر كان بعيد المنال منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2011، عندما صوّت 18 عضواً من أصل 22 عضواً في الجامعة العربية على تعليق “عضوية” “الرئيس” بشار الأسد بالتزامن مع حملته القمعية الوحشية ضد الاحتجاجات الشعبية. ومع ذلك، فقد نجا الأسد، ودفعت الأحداث في أماكن أخرى إلى إعادة التفكير من قبل الدول العربية التي عارضته ذات يوم.
يبدو من الغريب أن الأسد سيرغب حتى في الانضمام إلى “الجامعة” نظراً لأنها عاجزة إلى حد كبير وأن غالبية أعضائها أدانته. ومع ذلك، فإن العودة إلى الحظيرة العربية من شأنها أن تعود بفوائد. ففي الداخل، اعتمد نظام الأسد طويلاً على الخطاب القومي العربي، وقد تعزز العودة إلى “الجامعة” شرعيته بين بعض الموالين له. وفي الخارج، من شأن العودة أن تساعد في كسر عزلة الأسد الدولية في مرحلة ما بعد الحرب، مما يفتح الطريق أمام مصالحات أخرى.
والأهم من ذلك، يعتقد الأسد وحلفاؤه الروس أن العودة إلى الجامعة العربية قد تفتح الباب أمام صناديق إعادة الإعمار التي تشتد الحاجة إليها من الخليج، وأيضاً يحتاجها الاقتصاد السوري المنهار بشدة. والواقع أنه ليس من قبيل المصادفة، أن يأتي الحديث عن استعادة الأسد كجزء من حملة دبلوماسية من جانب روسيا في الخليج.
إذن؛ ما الذي دفع إلى التحول في الموقف من الدول الأعضاء في الجامعة العربية؟ لم يكن الأسد معزولًا تماماً أبداً، حيث رفض جاراه لبنان والعراق التصويت لصالح التعليق عام 2011. وكأصدقاء لإيران ، ظلت العلاقات وثيقة طوال الحرب السورية.
كانت الجزائر خارجة أخرى في وقت مبكر.. ووافقت على مضض بشأن التعليق، لكنها لم تقطع أبداً علاقاتها مع دمشق. لطالما تعاطفت الجزائر مع الأسد، “فهي نظام عسكري خاض حربه الأهلية الطويلة مع الإسلاميين“، وكثيراً ما جادلت بإنهاء عزلته العربية. ولم يتوازَ هذا الموقف، على الرغم من التغيير الأخير في القيادة بعد الاحتجاجات الشعبية.
تغيير المواقف
في المقابل، غيّر لاعبان هامان موقفهما. فبعد ثورة مصر عام 2011 وانتخاب حكومة الإخوان المسلمين، كانت الدولة من أشد المنتقدين للأسد. ومع ذلك، كان النظام العسكري الذي أطاح بالإخوان في انقلاب عام 2013 أقرب إلى دمشق، حيث كان يرى الأسد على أنه مستبد يكافح ضد “الإرهاب الإسلامي”.
أصبحت الإمارات العربية المتحدة أيضاً أكثر انفتاحاً.. على الرغم من أنها لم تكن أبداً ضد سوريا بشدة، حيث سُمح لأعضاء النظام – بما في ذلك عائلة الأسد – باستخدام الإمارات كملاذ آمن، فقد أصبحت من كبار المدافعين عن المصالحة، حتى أنها أعادت فتح سفارتها في سوريا أواخر عام 2018.
الجامعة العربية تجتمع في القاهرة في 8 فبراير 2021 (جامعة الدول العربية/أ ف ب)
وعلى غرار مصر، فإن الإمارات العربية المتحدة مناهضة بشدة لجماعة «الإخوان المسلمين» التي كانت ممثلة تمثيلاً جيداً في صفوف المعارضة السورية. وعلاوة على ذلك، فإن القاهرة وأبو ظبي حريصتان على احتواء الدور الإقليمي المتنامي لتركيا، حيث الأخيرة داعم قوي لجماعة الإخوان المسلمين، وهي حذرة من تقدمها نحو شمال سوريا. ومن شأن المصالحة بين الجامعة العربية والأسد أن تساعد على تطويق أنقرة.
على الجانب الآخر من الحديث، هناك قطر والمملكة العربية السعودية، اللتان تحجمان أكثر عن الترحيب بعودة سوريا إلى الجامعة العربية. فالدوحة هي الأكثر صراحة وانحياز إلى تركيا في إدانتها المستمرة للأسد. ومع ذلك، ففي حين كانت عام 2011 لاعباً رئيسياً داخل الجامعة العربية، حيث أدت إلى تعليق مقعد سوريا، بل وهددت الجزائر إذا لم تلتزم بالقرار، إلا أنها اليوم أكثر هامشية.
على الرغم من رفع الحصار من قبل جيرانها الخليجيين مؤخراً، إلا أن الدوحة لا تزال أضعف مما كانت عليه في عام 2011، وإذا صوتت الدول العربية الأخرى لإعادة قبول الأسد، فإنها ستكافح لمنع ذلك.
الحذر السعودي
المملكة العربية السعودية هي عقبة أكبر، ولكنها أيضاً أكثر تناقضاً. وعلى غرار حليفتيها مصر والإمارات العربية المتحدة، فهي تخشى من التوسع التركي وجماعة «الإخوان المسلمين»، وقد غازلت فكرة المصالحة مع الأسد. ووافقت أيضاً على إعادة فتح البحرين حليفتها المقربة سفارتها في سوريا خلال عام 2018، والتي يعتقد الكثيرون في ذلك الوقت أن هذه الخطوة هي بالون تجريبي للرياض لتفعل الشيء نفسه.
وبالمثل، سمحت في العام الماضي للشاحنات السورية المحملة بالبضائع بالمرور إلى المملكة العربية السعودية، وهذا تحول عن قيود زمن الحرب، مما يشير إلى احتمال ذوبان الجليد. وقد تعزّز ذلك في مؤتمر صحفي روسي- سعودي، عقد مؤخراً، عندما تحدث وزيرا خارجية البلدين عن عودة سوريا إلى “الأسرة العربية”.
ومع ذلك، لا تزال الرياض حذرة. أكثر من الإمارات ومصر، فهي قلقة من الوجود القوي لخصمها إيران في سوريا. في حين أن المصالحة مع دمشق يمكن أن تسمح لها بتقليل دور طهران إلى حد ما ، إلا أن هذا سيظل هامشياً وقد يكافئ عدوها في النهاية.
العقبة الرئيسية الأخرى هي الولايات المتحدة وعقوبات قانون قيصر، التي تعاقب أي شركة أو فرد يتعامل مع الشخصيات السورية الخاضعة للعقوبات. وفي معرض دعوتها لعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، أقرّت الإمارات بأن هذه العقوبات “تجعل الأمر صعباً”. فالمجهول بالنسبة لأبو ظبي والدول العربية الأخرى هو مدى حماسة إدارة بايدن الجديدة للإبقاء على هذه العقوبات في عهد ترامب – على الرغم من أنها نشأت في الكونغرس، وليس البيت الأبيض.
التحالفات الجيوسياسية
ومع الاهتمام بوباء “كورونا-كوفيد-19” في الداخل، والأولويات الإقليمية للرئيس الأمريكي “جو بايدن” على ما يبدو بشأن إيران، وليس سوريا، من الممكن أن تجد الإمارات العربية المتحدة وغيرها طريقة لإعادة دمج الأسد تدريجياً دون إثارة معارضة واشنطن. وسيكون هذا بالتأكيد أمل الإمارات وروسيا والأسد.
ولكن سواء عادت سوريا إلى جامعة الدول العربية أم لا، هناك شيء واحد واضح: لن يكون لها على الأرجح أي علاقة بتغيير سلوك الأسد. ويبدو أن جميع الأعضاء مدفوعون بأحداث خارج سوريا؛ كيف سيؤثر احتضان الأسد أو إبقائه معزولاً على تحالفاتهم ومنافساتهم الجيوسياسية واسعة النطاق.
السياسة الواقعية، وليس المبدأ، هي التي ستحدد مصير الأسد داخل جامعة الدول العربية في نهاية المطاف.
المصدر : Middle East Ey
Christopher Phillips