ربما تكون هذه الخطوة على بساطتها وصغرها، الخطوة الأولى في مسيرةٍ طويلةٍ تهدف إلى طرق أبواب العدالة، ومحاصرة الجاني وأعوانه وربما داعميه، وفضحهم في كل الفضاءات.
19 / آب / أغسطس / 2020
*مع العدالة | محمد برو
يعتبر يوم الحادي والعشرين من شهر آب، يوماً دولياً لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب واجلالهم.
ربما أول ما يتبادر للذهن، ذلك الإرهاب الذي يتصدر الاعلام، والذي تتسبب به مجموعاتٌ إرهابية، وتنظيماتٌ أو ميليشيات مسلحة، والذي يحظى بقدرٍ يكبر أو يضمر من المكافحة او المواجهة، بحسب الدولة الراعية أو الداعمة له، وقد أبدت الوقائع المتعاقبة، أن الإرهاب المعاصر والذي يأخذ أشكالاً منظمةً، من مجموعاتٍ إرهابيةٍ حديثة، لا يمكن له القيام بدوره دون رعايةٍ من دولةٍ قادرةٍ على رفده، بالخبرات والسلاح والأموال والحماية، ومنحه الشرعية أحياناً، في المحافل الدولية، كما يحظى حزب الله اليوم، بدعمٍ وحمايةٍ إيرانية وغير إيرانية.
في حين أن الإرهاب الأكبر انما يصدر عن دولٍ كبيرة، غالباً ما تكون بمنأى عن الحساب، أو عن دويلاتٍ صغيرةٍ تعمل في كنف وحماية دولٍ كبيرة، تحميها بقوتها العسكرية وآلتها الإعلامية، وبقدرتها على وقف القرارات الدولية، من خلال تمتعها بحق النقض “الفيتو”، وهذا ما حدث مراراً وتكراراً مع نظام حكمٍ، كالنظام السوري، نظامٌ أبسط ما يمكن أن يوصف به، أنه نظام عريقٌ ومسرفٌ في الإرهاب، ومصدِّرٌ وداعمٌ له في المنطقة العربية عموماً.
وإذا كان الكيان الصهيوني يتمتع منذ عقود بممارسة الإرهاب الممنهج بحق الفلسطينيين، وبحماية أمريكية معلنة، فإن النظام السوري وأشباهه، من أنظمةٍ عربيةٍ قروسطيةٍ، قد بذَّت إسرائيل في ممارسة الإرهاب ضد شعوبها، ومعارضيها ونخبها المثقفة، بفارقٍ مهمٍ وهو أنَّ إسرائيل دولةٌ إرهابيةٌ بامتيازٍ ضد من تعتبرهم أعداء للشعب الإسرائيلي، بينما تمارس دولتنا العربية ارهابها الأشرس، ضد مواطنيها الذين تحكمهم.
وأمام جردة حساب بأعداد الضحايا التي كانت نتيجة لتلك الممارسات الارهابية في المنطقة العربية عموماً، أو في سوريا والعراق ومصر ولبنان وغيرها، في العقود الأربعة المنصرمة، سنجد أنَّ ضحايا سائر التنظيمات الإرهابية، وفي مقدمتهم تنظيم الدولة “داعش” صاحب الشهرة الأوسع في العقد الأخير، في استمرائه للقتل، وشناعة الطرق التي ينتهك فيها إنسانية ضحاياه، لن تتعدى نسبة هؤلاء الضحايا العشرة بالمئة، من مجمل ضحايا تلك الأنظمة الاستبدادية، التي تقتل وتعذب، وتغيُّب مواطنيها قسرياً، بحجة مكافحة الإرهاب.
وبفعل القدرة اللامحدودة لبنية الدولة القمعية، فإنَّ ممارستها للإرهاب، تأخذ استطالات يستحيل على أي تنظيم إرهابي بلوغها، مهما أوغل وتغول في غيَه، فإرهاب الدولة ينسحب ويتمدد باتجاه ضحاياها، ومعارضيها وأهليهم وأقربائهم وحتَّى أصدقائهم، فتأخذهم رهائن في سجونها وأقبية التعذيب لديها، كما تسرف في حصارهم في مؤسساتها، فلا ينالون حقهم من التوظيف كسائر مواطنيهم، وتسطو على ممتلكاتهم وتضيق الخناق عليهم بمنعهم من السفر، وتحتل منازلهم وتعاملهم كالعبيد في استدعائهم المتكرر لفروع الأمن، ليؤكدوا حضورهم واذعانهم، وتغدو بيوتهم ومواطن سكنهم مستباحة لعناصر الأمن، يدخلونها ويفتشونها أنّى أرادوا.
وفي تصفحنا المأساوي لتاريخنا الحديث في سوريا، سنجد أنفسنا أمام سجلاتٍ حافلةٍ بالانتهاكات الصارخة، التي تتجاوز حدود الإرهاب، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، لا نكاد نعبر شهراً في مراجعاتنا، إلّا وتشرخ قلوبنا مجزرة هنا وقتل هناك، بدء من مجازر حلب المتعددة، وصولا لمجزرة سجن تدمر الصحراوي، التي أتت على جميع المعتقلين بطريقة قتلٍ وحشية، مرورا بمجازر مدينة حماة التي تعد بحقٍ، وصمة عارٍ في جبين الأنظمة العالمية والعربية، من خلال صمتهم المخزي عن تلك الجرائم والانتهاكات، واستمرار دعمهم وتعاملهم مع هذا النظام المجرم.
وإلى اليوم لا نجد ثبتاً بأسماء ضحايا تلك الحقبة السوداء، والمستمرة إلى يومنا هذا، فما يزال الخوف والرعب مخيماً على البلاد، ومعششاً في نفوس الضحايا وذويهم، وحريٌّ بنا أن نردَّ بعضاً من الاعتبار، ولو في حدوده الدنيا، فنعترف بحجم الجريمة التي مورست بحقهم.
ربما تكون هذه الخطوة على بساطتها وصغرها، الخطوة الأولى في مسيرةٍ طويلةٍ تهدف إلى طرق أبواب العدالة، ومحاصرة الجاني وأعوانه وربما داعميه، وفضحهم في كل الفضاءات.
لن يزداد السوريون اليوم معرفةً، بمدى مشاركة بعض الأنظمة العربية في دعم نظام الأسد، وإعانته على ارتكاب المزيد من الجرائم الممنهجة بحق المدنيين، فالسوريون يدركون بعمقٍ ووعيٍ صقلته ويلات الأيام التي يعيشونها، مقدار الدعم والحماية التي ينالها النظام المجرم، من داعميه في دويلات الخليج والسعودية من خلف الكواليس، وليست الوثيقة التي سُرِّبت منذ أيام، عن تحريض محمد بن زايد حاكم الامارات، عام 2015 لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ليقوم الأخير بالطلب بشكلٍ مباشرٍ، من النظام الروسي للتدخل العسكري في الأزمة السورية، الأمر الذي منح نظام الأسد الآيل للسقوط آنئذٍ قبلة الحياة، وهكذا حصل بالرغم من إعلان المخابرات الأمريكية الغضب عن هذا الموقف من بن سلمان يومها.
هؤلاء هم رعاة الإرهاب، وداعميه وحماته، في مواجهة شعوبٍ مقهورة منكسرةٍ، تكافح بما بقي لها من رمقٍ، لتجد لها فسحة أمل وبعضاً من مناصرين، في ضيق هذا العالم القميء، وستكشف لنا الأيام الكثير مما خفي، وما خفي أعظم.