#########

العدالة والمساءلة

تَرِكة سامّة: أسلحة كيميائية وعيوب خلقية في سوريا


قد لا يُعرف الإرث الكامل للهجمات الكيمائية في سوريا أبداً، ولكن قد يكون المئات إن لم يكن الآلاف من السوريين يعانون من إعاقات مدى الحياة ناجمة عن التعرض للأسلحة الكيميائية.

07 / كانون أول / ديسمبر / 2021


تَرِكة سامّة: أسلحة كيميائية وعيوب خلقية في سوريا

*المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة 

 

تسببت هجمات الأسلحة الكيمائية التي قامت حكومة الأسد بشنها منذ عام 2012 في مقتل وجرح آلاف السوريين. فمثل هذه الهجمات ليست مميتة فحسب، بل تُعدّ أيضاً ترهيباً نفسياً للضحايا. ومع ذلك، تشير الأدلة التي ظهرت مؤخراً إلى أن هذه الأسلحة قد يكون لها تأثير آخر طويل المدى لم يتم فحصه جيداً ونادراً ما يتم توثيقه. ففي أوائل عام 2021 اتصل طبيب في جنوب تركيا بالمركز السوري للعدالة والمساءلة لمشاركة مخاوفه بشأن العدد الكبير من الأطفال المولودين بعيوب خلقية قام مركزه الطبي بمعالجتها منذ عام 2015 واشتبه الطبيب في أن الزيادة الأخيرة في بعض الحالات قد تكون مرتبطة بالتعرّض للأسلحة الكيميائية. وهناك حاجة ماسة إلى مزيد من البحث للتحقيق في هذه الظاهرة، كما أن الأسر التي تدعم الأطفال المصابين بعيوب خلقية تحتاج إلى دعم للوصول إلى الرعاية الصحية المتخصصة والموارد التعليمية.

وفي محاولة لتسليط الضوء على الوضع، أجرى المركز السوري للعدالة والمساءلة مقابلات مع سبعة من الآباء الذين وُلد أطفالهم بتشوهات في النمو والعضلات بعد تعرض مزعوم لهجوم كيميائي. وجاءت المقابلات من عدة مواقع داخل سوريا، متضمنة حلب وخان شيخون والرقة ودوما. حيث أصيب أطفال الأشخاص الذين أجريت معهم المقابلات بأنواع مختلفة من التشوهات، تتضمن رباعية فالو (عيب في القلب)، والشلل الدماغي (اضطراب يؤثر على الحركة وقوة العضلات ووضعية الجسم)، والشلل النصفي (الشلل في الأجزاء السفلى من الجسم).

وتتطلب العيوب الخلقية التي وثقها المركز السوري للعدالة والمساءلة تشخيصاً دقيقاً أو علاجاً طبيعياً أو جراحة أو أدوات مساعدة على الحركة، ويكاد يكون من المستحيل الوصول إليها كلها بالنسبة للعديد من السوريين. وتعرضت إحدى الأمهات التي قام المركز السوري للعدالة والمساءلة بمقابلتها لهجوم كيمائي في الرقة وتشتبه في أن طفلها الذي يعاني الآن من نقص المناعة قد تعرّض لأسلحة كيمائية قبل الولادة. ولسوء الحظ ليس لديها المال للسفر إلى الطبيب، ناهيك عن الدفع مقابل العلاج الضروري. وأعربت أم أخرى عن أملها في السفر إلى تركيا لعلاج طفلها المصاب برباعية فالو، وهي حالة قلبية نادرة. وأخبرت المركز السوري للعدالة والمساءلة: “نحن ننتظر في الوقت الحالي الإذن لدخول تركيا. أخبرني الطبيب أن ابني في حالة حرجة للغاية وأنه بحاجة إلى عملية جراحية، ويفضل إجراؤها قبل أن يبلغ من العمر عاماً واحداً وإلا ستصبح حياته في خطر” .

ولسوء الحظ، فإن إجراء البحوث في أماكن النزاع حيث تُستخدم الأسلحة الكيميائية أمر صعب، مما يضر بالقدرة على تأكيد الصلة بين هذه العيوب الخلقية واستخدام الأسلحة الكيمائية في سوريا. ومع ذلك، هذه ليست المرة الأولى التي يزعم فيها الناجون وجود صلة بين الأسلحة الكيميائية والعيوب الخلقية. فكانت مذبحة حلبجة عام 1988 واحدة من المرات القليلة التي تم فيها استخدام غاز السارين وغاز الخردل في بيئة مدنية وتبع ذلك زيادة في العيوب الخلقية. وتم إجراء دراسة أخرى على مجموعتي مقارنة وعلى أطفالهما أثناء فترة الحرب الإيرانية العراقية. وأشارت الدراسة إلى أن المجموعة التي أصيبت في السابق بالأسلحة الكيمائية كانت أكثر عُرضة لإنجاب أطفال بعيوب خلقية. ومع ذلك، كان بحث المتابعة لتقييم العلاقة السببية مستحيلاً في العراق في عهد صدام حسين، حيث ذكرت دراسة واحدة في عام 2012 أنه “لا توجد منشورات عن العيوب الخلقية بين السكان الذين تعرّضوا للأسلحة الكيمائية في إقليم كردستان”. ووجدت دراسات لاحقة عن حرب الخليج الأولى زيادة في العيوب الخلقية، لكنها لم تستطع تحديد ما إذا كانت ذخائر اليورانيوم المنضب أو الأسلحة الكيميائية أو عوامل أخرى هي التي تسببت في ذلك. وأفادت دراسة عن الهجمات بغاز السارين في طوكيو بعدم وجود عيوب خلقية، على الرغم من أن نوعية السارين المستخدمة في الهجوم لم يتم تصنيفها على أنها أسلحة. وأدى استخدام العامل البرتقالي في فيتنام وكوريا إلى تشوهات خلقية مدمرة، ومع ذلك تم تصنيف هذه المادة الكيميائية على أنها ديوكسين وهو مركب كيميائي موجود في مبيدات الأعشاب ولا علاقة له بأنواع المواد الكيميائية المستخدمة في سوريا.

وفي حالة سوريا يوجد حاجة محددة لفهم آثار التعرض لغاز الكلور وغازالسارين والتي تم تأكيد استخدامها بشكل مستقل في عدة مواقع. ونشر طبيبان سوريان في عام 2015 مقالاً في مجلة لانسيت وثّق ارتفاع معدل حالات الإجهاض والمواليد الموتى والعيوب الخلقية بين النساء من الغوطة الشرقية وذلك على الرغم من وجود حاجة إلى مزيد من البحث لتحديد العلاقة السببية. وهناك أدلة على أن التعرض لغاز الكلور في بيئة منزلية أو صناعية يمكن أن يؤدي إلى نقص التأكسج الحاد للأم والجنين مما قد يؤدي إلى مضاعفات في نمو القلب والأطراف. وعلى الرغم من ذلك تنص مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها على أنه “لا نعرف ما إذا كان التعرض لغاز الكلور أثناء الحمل يمكن أن يؤدي إلى تلف الأجنّة لأنه لا توجد دراسات على نساء حوامل أو حيوانات حوامل تعرّضت لغاز الكلور.” ويحتوي غاز السارين على عدد أقل من الروابط الموثقة التي تثبت تسببه بعيوب خلقية بسبب ندرة استخدامه. والسارين عبارة عن سم عصبي فوسفاتي عضوي ويستخدم عادة كمبيد للآفات ولكن يمكن أن يسبب آثاراً جانبية عصبية لدى البشر. وكانت النساء في جنوب إفريقيا اللائي تعرضن بشكل منتظم للفوسفات العضوي أكثرعرضة بست مرّات ونصف لإنجاب أطفال يعانون من عيوب خلقية، تشمل عيوب الجهاز العصبي والقلب والأوعية الدموية والعضلات الهيكلية. كما وربطت دراسة أخرى الفوسفات العضوي مع رباعية فالو، إلا أنه ما زال هناك حاجة إلى مزيد من البحوث لتحديد ما إذا كان للسارين تأثيرات خلقية مماثلة.

وقد لا يُعرف الإرث الكامل للهجمات الكيمائية في سوريا أبداً، ولكن قد يكون المئات إن لم يكن الآلاف من السوريين يعانون من إعاقات مدى الحياة ناجمة عن التعرض للأسلحة الكيميائية. ويرجع السبب في حظر الأسلحة الكيميائية بموجب القانون الدولي على وجه التحديد إلى تأثيرها العشوائي والقاسي بطبيعته على المدنيين الأبرياء، وفيهم الأطفال. وإن توثيق المركز السوري للعدالة والمساءلة للعيوب الخلقية المحتملة الناجمة عن استخدام مثل هذه الأسلحة في سوريا يعمل فقط على التأكيد على قسوة الحكومة السورية وضرورة قيام المجتمع الدولي بمنع الاستخدام المستقبلي لهذه الأسلحة وتقديم الدعم لضحايا هذه الهجمات.

ويجب على الدول التي لديها الموارد اللازمة لدعم الأطفال ذوي الإعاقة وعلاجهم أن تنظر في منح تأشيرات طبية للأسر التي يحتاج أطفالها إلى رعاية متخصصة. ويمكن أن يساعد الفهم الأفضل لهذا الموضوع في إيجاد العلاجات ووضع الأساس لتعويضات الأطفال المولودين بعيوب بعد التعرض لمواد كيميائية وربما يشمل ذلك خدمات الرعاية الصحية المدعومة والتعليم الخاص. ويجب على المنظمات التي توثق الحرب الكيميائية، ومنها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، النظر في دراسة التأثير طويل المدى للأسلحة الكيميائية على الجيل القادم من السوريين، ويجب أن تعمل الأمم المتحدة والمنظمات الطبية الدولية على ضمان إمكانية وصول الباحثين الطبيين إلى المناطق المتضررة من البلد.