عمل عن قرب مع الشهيد عمر عزيز، وكان بين قليلين آمنوا ودعموا بحماس فكرته ورؤيته بخصوص تأسيس مجالس محلية. "المير" كان مع الشهيد عزيز حين أبصر النور المجلس المحلي في برزة في العاصمة دمشق.
09 / تشرين أول / أكتوبر / 2022
*مع العدالة: المصدر | تلفزيون سوريا – فراس سعد
بالقرب من باب توما بدمشق أواخر السنة الأولى للثورة قابلت فايق المير قبل أيام من مغادرتي دمشق إلى بيروت، سرنا في أزقة الحي التاريخي نتحدث عن البلاد وثورتها، في ذلك المساء لم يكن من النادر أن تسمع صوت رشقات رصاص خافتة تأتي من بعيد، من الغوطة، تجنبنا كلينا الحديث عن الكفاح المسلح الذي ستلجأ إليه الثورة عاجلا أم آجلا، ولم يكن الحديث عن العسكرة قد فتح على نطاق واسع آنذاك، كان مزاج أبو علي على غير ما عهدته، استبطنت فيه شيئا من يأس وتعب، وهالتني لامبالاته، كما لو أنه يقول لهم- للأمن – تعالوا خذوني، إذ إنه كان يتحرك بكل حرية كما لو أنه ليس مطلوبا من أجهزة المخابرات، ربما كنا نحن أصدقاءه ورفقاءه مسؤولين بطريقة ما عن لامبالاته هذه، فبسبب تواضعه ومعرفته وعمق تجربته وكسره حدود الأجيال كنا نشتاق إلى حديثه، فسرعان ما نتصل به لتحديد موعد نلاقيه فيه لجلسة أو لعمل، ولم يكن أبو علي ليعتذر أبدا، كان يلبي الدعوة سريعا.
في ذلك اللقاء الأخير مع أبو علي في محيط باب توما تسرب الخوف إلي من لامبالاته، فرجوته أن يكون حذرا في تحركاته، واتصالاته. في ذلك المساء أيقنت أن أبو علي تعب من حياة التخفي والمطاردة وأنه ربما حن إلى أجواء السجن، كما هي عادة المناضلين الذين اعتقلوا مرات عديدة، فخبروا السجن واعتادوه، فيما يسميه السجناء “الاستحباس”.
كثيرون يعرفون أبو علي فايق المير، وكثيرون من أبناء الجيل الجديد الذي نشأ في الثورة لم يسمع به، لذا تعالوا نتعرف معا إلى هذا الرجل الفريد في نضاله وصبره وشجاعته ونقائه ووطنيته ..
يقول أبو علي مجيبا على أسئلة في لقاء أجرته معه مجموعة “حركة شباب مصياف الثورة”: “كان لي شرف الانضمام للحزب الشيوعي السوري ـالمكتب السياسي ـ في العام 1972 مع بداية الافتراق عن المدرسة البكداشية، ونقاط الخلاف الأساسية كانت تتمحور حول نقطتين أساسيتين آنذاك هما /ضرورة استقلالية الحزب في سياساته وقراراته الوطنية والموقف من نظام حافظ الأسد وبالتالي مسألة المشاركة بالجبهة الوطنية التقدمية.
في العام 1986 توليت مهام قيادية في الحزب في المنطقة الشرقية، وفي العام 1988 سميت كادراً مركزياً فيه، وفي العام 2003 عينت عضواً في اللجنة المركزية وفي المكتب السياسي للحزب، وفي المؤتمر السادس تمّ انتخابي لعضوية اللجنة المركزية الأمانة المركزية، ومازلت أشغل هذه المواقع حتى الآن، وقد تمّ تغيير اسم الحزب إلى حزب الشعب الديمقراطي السوري في المؤتمر المذكور”.
أهمية فائق المير تأتي من كونه أحد المساهمين في صناعة سياسة حزب الشعب وكذلك مساهمته في إعلان دمشق كما يقول في لقاء صحفي “أتحمل المسؤولية السياسية والأخلاقية لكل تبعاتها”.
مشاركته بالثورة
يوم انطلقت الثورة، كان فائق المير قد أجبر على التخفي (مرة أخرى) بعدما دهمت قوى الأمن السوري منزله في طرطوس عام 2010، وحكمت عليه محكمة في دمشق غيابياً بخمس عشرة سنة. لكن ذلك لم يمنع “المير” من المشاركة الفاعلة في الثورة، فقد شارك في مظاهرات ضد النظام في دمشق وريفها خلال المراحل الأولى من الانتفاضة.
بالإضافة إلى ذلك، عمل عن قرب مع الشهيد عمر عزيز، وكان بين قليلين آمنوا ودعموا بحماس فكرته ورؤيته بخصوص تأسيس مجالس محلية. “المير” كان مع الشهيد عزيز حين أبصر النور المجلس المحلي في برزة في العاصمة دمشق. «شو هالشعب الرائع! شو هالثورة!»، يستذكر “المير” صرخات عزيز وهو يشهد المشاركة الشعبية المذهلة في المجلس المحلي في برزة، والسعادة التي طغت عليه مع تحقيق الشكل الأول من الحكم الذاتي في سوريا الثائرة”.
“المير” سيستمر بعد ذلك في تنظيم المساعدات وأعمال الإغاثة في الغوطة الشرقية، التي لا ينتهي حولها الحصار أو عليها القصف.
قدرة أبو علي على البقاء مفعماً بالأمل والإيجابية حتى خلال أشد اللحظات كآبةً مذهلة وملهمة. أحد أصدقائه المقربين، وهو ناشط شاب، يقول: “رغم أنه في التاسعة والخمسين، كنا نشعر أن أبو علي أصغر منا جميعاً. كان يعاملنا بحنوّ الأب وروح الصديق، ولم يتصرف معنا بفوقية يوماً، ونادراً ما ذكر تجربته في السجون”.
كان أبو علي “أحد المؤمنين بشكل مطلق بانتصار الثورة السورية وأنها للشعب السوري كله، ولأجل ذلك قدّم المير كل وقته للثورة، عمل عن قرب مع الشهيد عمر عزيز، وكان من بين قليلين آمنوا ودعّموا بحماس فكرته ورؤيته بخصوص تأسيس مجالس محلية، كما أنه كان ممن ينظّم المساعدات وأعمال الإغاثة في الغوطة الشرقية المحاصرة”.
الأقليات والمشروع الوطني والثورة المنتصرة:
يقول أبو علي في لقاء صحفي جوابا على سؤال بخصوص خوف الأقليات: “أمّا مسألة قلق وخوف الأقليات فهو غير مبرر ومغالى فيه، ويعود في أساسه لعاملين هما: أولاً ـ طبيعة الأقليات في أي مجتمع ومخاوفها من الذوبان في بحر الأكثرية، أو ما يمكن اعتباره القلق الوجودي لأي أقلية اجتماعية.
ثانياً ـ نهج السلطة وسياساتها القائمة على التمييز وبث الفرقة بين مكونات النسيج الاجتماعي السوري في محاولة منها لإبقائه ضعيفاً ومطواعاً لأوامرها، وقد لعبت أحداث الثمانينات دوراً كبيراً في تنامي هذا القلق وزيادة المخاوف بعد فائض العنف الذي مارسه النظام بحق طائفة بعينها ومن ثم بحق المجتمع السوري كله، وعمليات العنف المضاد وذات التوجه الطائفي الذي قامت به بعض المجموعات الإسلامية آنذاك، وقد استثمرت الطغمة هذا الأمر جيداً في شدها للعصبيات الطائفية لأبناء الأقليات، كما قامت بتقديم مكاسب وامتيازات بهذا الشأن”.
وهو يدعو لمشروع وطني جامع لكل السوريين يقول:
“الضمانة الوحيدة لكل السوريين وعلى مختلف مشاربهم في هذه المرحلة وكل المراحل تأتي من خلال انخراطهم بالمشروع الوطني الجامع في هذه المرحلة وكل المراحل اللاحقة، وفي غير ذلك ليس إلّا انتقاصاً وضعفاً في المشروع الوطني الديمقراطي، الذي لن يستوي إلا بمشاركة الجميع فيه”.
ويؤكد أن الثورة المنتصرة تقدم المخرج الوطني “وأنا من المعتقدين أنّ هذا الانفكاك واقع لا محالة، وأن بوادره أخذت تظهر وباعتقادي أنه كلما اشتد الصراع ومالت الكفة لصالح الثورة وكلما قدمت الثورة بالمواقف والممارسة مخارج وطنية عبدت الطريق وسهلت مثل هذا الانفكاك، والثورة باعتقادي تمشي بهذا الطريق، كما أنّ تضحيات ونضالات الناشطين من أبناء الطائفة العلوية في صفوف الحركة الديمقراطية عبر السنين الماضية، إضافة لانخراط كثير منهم ومن الشباب والشابات في الثورة لابد وأن يترك أثراً إيجابياً ويزيد من فرص الانفكاك المأمول”.
الاعتقال الأخير
تخفى أبو علي فائق على مدى عام بكامله في الغوطة قبل أن ينجح النظام باعتقاله من منزله في حي القصور في دمشق (قيل أيضا إنه اعتقل بعد خروجه من منزله بنصف ساعة) يوم الإثنين 7 تشرين أول 2013 علما أنه يعاني من الاستسقاء الكلوي، وكذلك من حصوات كلوية متكررة، تحتاج لتدخل طبي ومراقبة منتظمة..
ولقد جاء اعتقاله في توقيت حرج، بعد ارتكاب الشبيحة مجزرة القبو في القدموس 2013 حيث ذبحت طفلتين وأمهما، الأمر الذي عزاه البعض إلى رغبة النظام بإشعال فتنة طائفية بين الإسماعليين والعلويين، فعمد لاعتقال المير، خوفا من تدخله مع حزبه – حزب الشعب الديمقراطي- لمنع الفتنة في المدينة، بالنظر لدوره سابقا في منع فتنة طائفية في القدموس 2005.
يقول صديقه غسان المفلح:
إذا كان رياض الترك واجهة الحزب، فإن العميم أبو علي كان من أهم محركات نشاط هذا الحزب قبل اعتقاله. فإذا كان رياض الترك زائرا للسجون منذ أيام جمال عبد الناصر وانتهاء بسجون الأسد الأب والابن فإن العميم كان زائرا أيضا للسجون الأسدية كما هو واضح في سيرته.
مصادر المقال:
1. حوار مع الاستاذ فائق المير. القيادي في حزب الشعب الديمقراطي السوري. يناير 2012. أجرى الحوار تيار شباب مصياف الثورة
2. العميم “فائق المير أسعد” غسان المفلح. موقع إيلاف
3. من أرشيف موقع الجمهورية: صورة ثورة: رحلة فائق المير.
بدور حسن .١٢ تشرين الأول ٢٠١٣.