كان الحديث يدور حول إعادة تأهيل الأسد، ولكن موسم العودة إلى دمشق سيجعل هذه الدول تعود زاحفة، من دون تأهيل أو إعادة تأهيل، ولن يكون الأسد أقل بطشا بشعبه ولا أكثر إنسانية في التعامل مع معارضيه
27 / كانون أول / ديسمبر / 2018
كامل أبو فريد – مع العدالة
بدأت الدول العربية تعود إلى الحظيرة السورية بعد قطيعة استمرت سبع سنوات ونيّفاً، معلنة موسم العودة إلى حظيرة آل الأسد.
رئيس الجزائر يحاول إقناع تونس بدعوة الأسد لحضور القمة العربية التي ستعقد في تونس مطلع العام الجديد، ولا يخفي الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي إعجابه بشخصية بشار الأسد ورغبته في إعادة المياه لمجاريها مع النظام السوري، وزار الرئيس السوداني دمشق في زيارة خاطفة قبل أن تعصف المظاهرات ببلاده، بينما أعادت دولة الإمارات العربية فتح سفارتها في سوريا.
تعليقاً على افتتاح سفارة بلاده في العاصمة السورية دمشق الخميس أشار الوزير الإماراتي أنور قرقاش، في مدونته على “تويتر”، إلى أن قرار دولته بعودة العمل السياسي والدبلوماسي في دمشق، جاء بعد قراءة متأنية للتطورات، وقناعة أن المرحلة القادمة تتطلّب التواصل مع الملف السوري لمواجهة “التغوّل الإيراني”. ولكن من الصعب علينا أن نتصوّر كيف سيمكن لإعادة فتح سفارة دولة الإمارات في سوريا أن يساهم في مواجهة ذلك التغوّل.
وفي تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية قبل أيام، جاء أن المسرح سيكون جاهزاً في العام المقبل لعودة سوريا إلى الجامعة العربية، وجلوس الأسد من جديد بين القادة العرب. وجاء في التقرير أن ذلك سيكون إعلاناً رسمياً لوفاة الربيع العربي وقتل آمال ثورات المنطقة التي سحقها جيل جديد من الديكتاتوريين العرب.
وفي الوقت نفسه فتح الأردن معبر نصيب في الجنوبي فيما تعمل إسرائيل مع روسيا لتخفيف التوتر قرب مرتفعات الجولان المحتلة. ونُقل عن وزير خارجية تركيا قوله إن “أنقرة” التي تدير منطقة في شمال- غرب سوريا مستعدة للعمل مع الأسد إن عاد في انتخابات حرّة ونزيهة، وهو ما نفاه الوزير التركي بعدها.
وتشهد المنطقة ذوبان جليد في مواقف من القادة العرب من نظام الأسد، ويبدو أن معظم الدول العربية باتت موافقة، صراحة أو على استحياء، عودة سوريا من جديد إلى جامعة تحالف الدول العربية. وحين يعود الأسد على الجامعة، فإن عودته ستكون عودة المنتصر، لأنه سيعود وآثار دماء السوريين بادية على يديه، وعلاقته بإيران وروسيا أقوى من الماضي. وبالمقابل، فإن إسرائيل لا تمانع في بقاء الأسد الذي حمى هو ووالده حدودها على امتداد 45 عاماً.
عالمياً، جاء قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سحب القوّات الأمريكية من شمال شرق سوريا ليصب في مصلحة نظام الأسد وتعزيز نفوذه وسلطته في سوريا، حيث إن المرجّح أن يتقاسم جيش الأسد والميليشيات الإيرانية المناطق التي كانت تسيطر عليها هذه القوّات مع القوّات التركية التي سوف تحظى بحصّة على الأقل في الشريط الشمالي. وتمتنع معظم الحكومات الغربية عن اتخاذ خطوات جدّية من أجل محاسبة كبار المرتكبين في النظام السوري وسواه بحجّة الجهود المبذولة للتوصل إلى حلّ سياسي. ومع التقدم المستمر الذي يحققه اليمين المتطرف في أوروبا، ستكون حظوظ الأسد ومساعديه في النجاة من المساءلة أكبر.
يبقى ملف إعادة الإعمار معلقاً. وتقدّر سوريا والمنظمات الخارجية كلفة الإعمار بحوالي 400 مليار دولار، إلا أن الأمم المتحدة ترفض المساهمة ولو “بفلس” واحد طالما رفض الأسد المشاركة في عمليات السلام.
وكذلك أعلنت الولايات المتحدة والدول الأوروبية أنها لن تساهم في إعمار سوريا قبل حلّ سياسي واضح. ولكن الثقة بقرارات الرئيس الأمريكي معدومة، ولا أحد يمكنه أن يضمن أن الرئيس سيحافظ على وعوده إلى النهاية، وخاصة بعد أن خذل السوريين عرباً وكرداً مرّات ومرّات قبل الآن. وتسعى روسيا إلى زعزعة الموقف الغربي وإضعافه، من خلال تحقيق اختراقات في مواقف بعض من دوله، ولا بأس إن حصل ذلك تحت عناوين غير سياسية، مثل استمالة فرنسا إلى تقديم مساعدات إنسانية، أو النقاش مع ألمانيا حول أفكار معيّنة بخصوص عودة اللاجئين، ثم يتطوّر الأمر إلى أنّ مثل هذه الإجراءات تستدعي فتح قنوات تنسيق وتواصل مع نظام الأسد، لأغراض تقنية بحتة، ومن أجل إدارة هذه العمليات، وذلك يستدعي بالطبع إعادة تشغيل أجزاء من سفارات هذه الدول، بمستوى أقل من سفير، قائم بالأعمال مثلاً، أو قنصل، للإشراف على تنفيذ عملية إعادة بعض اللاجئين، وتبادل المعلومات في شأن بعضهم، وهكذا. ولتدعيم هذا التوجه، تصرّ روسيا على أنه لا يوجد محتوى قانوني، ضمن حزمة الادعاءات على نظام الأسد، يمنع إعادة تأهيل النظام، فما دام مجلس الأمن لم يصدر قراراً واحداً، أو بالأحرى لم تسمح روسيا بتمرير قرار واحد يثبت ارتكاب الأسد جرائم الحرب، وما دام مجلس الأمن هو المرجعية القانونية والسياسية الأعلى بين المنظمات الدولية، فكل ما عداه ليس له قيمة.
يمكن القول باختصار إن الحديث كان يدور في فترة ما من الماضي حول إعادة تأهيل الأسد، ولكن يبدو أن موسم العودة إلى دمشق، سيجعل هذه الدول تعود زاحفة، من دون تأهيل أو إعادة تأهيل، ولن يكون الأسد أقل بطشاً بشعبه ولا أكثر إنسانية في التعامل مع معارضيه.
.
.