#########

بيانات وتقارير

“فورين بوليسي- Foreign Policy”: الولايات المتحدة غير مهتمة بسوريا


يثير تقرير جديد رئيسي حول الحرب السورية مسألة ما إذا كانت واشنطن تهتم بها في المقام الأول

10 / تشرين أول / أكتوبر / 2019


“فورين بوليسي- Foreign Policy”: الولايات المتحدة غير مهتمة بسوريا

 

ترجمة: مع العدالة 

 

نشرت مجلة “فورين بوليسي- Foreign Policy” تقريراً حول السياسية الخارجية المحيّرة والشائكة لـ”واشنطن” عام 2019 تجاه الحرب في سورية. وجاء في التقرير أنه لن يهتم أي شخص بذلك، وخصوصاً في هذه الأيام. حيث إن ” لجنة الدراسات السورية وهي هيئة من الحزبين قدّمت “دراسة وتوصيات بشأن الاستراتيجية العسكرية والدبلوماسية للولايات المتحدة فيما يتعلق بالصراع في سورية”. 

وذكر التقرير أنه ربما كان التوقيت سيئاً لهذه اللجنة- وهو تقريرها النهائي الذي أسقط في 24 سبتمبر/أيلول، في نفس اليوم الذي أعلنت فيه رئيسة مجلس النواب “نانسي بيلوسي” عن إجراء تحقيق في الاتهامات المنسوبة إلى الرئيس “دونالد ترامب” بشان إساءة استخدام السلطة. فالانهيار الإخباري – الجليدي –  الذي تبع ذلك، دفن كل شيء في طريقه. ومع ذلك، لو كان التقرير النهائي لهذه المجموعة قد نشر قبل أسبوع أو شهر، فإن الفرص ستكون قد قوبلت بنفس اللامبالاة والنسيان.  

وفيما يخصّ عمل اللجنة وتوصياتها يضيف التقرير” أنه من المؤسف جداً يبدو أن القليلين لاحظوا أهمية عمل اللجنة، فهي تفكك بشكل فعّال الخيوط المختلفة للصراع السوري، وتوفر شرحاً واضحاً وموجزاً لدوافع ومصالح الجهات الفاعلة الرئيسية في ميدان القتال. كما يقدم المؤلفون مجموعة من التوصيات المدروسة بشكل جيد للحكومة الأمريكية. ومع ذلك، فإن التقرير يفعل شيئاً آخر على نفس القدر من الأهمية والوضوح؛ وبطريقه غير مقصودة تماماً، فإنه يجعل من المستبعد أن تسهم الولايات المتحدة على الإطلاق إسهاماً كبيراً في إحلال السلام والاستقرار في سورية.


يعتمد التقرير على وجهة نظر اللجنة بأن هناك خمسة تهديدات للأمن القومي الأمريكي داخل الصراع السوري. أولاً ، ما زالت (الدولة الإسلامية) المعلنة ذاتياً قوية، ومزودة بالموارد الكافية، وملتزمة أيديولوجياً بتحقيق أهدافها على الرغم من القصف الذي تعرضت له خلال السنوات الخمس الماضية. وتؤكد التقارير الواردة من معسكرات الاعتقال المؤقتة الخاضعة لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” حقيقة أن (أبي بكر البغدادي) مازال لديه أعداد كبيرة من الأتباع، وأن قيادة “تنظيم الدولة الإسلامية” لا تزال سليمة إلى حد كبير. ثانياً ، يهدد وجود إيران في سورية بحرب إقليمية أوسع، بالنظر إلى حرب (الظل) بين الإسرائيليين والإيرانيين في طبقات الصراع. حتى الآن، كان ردّ إيران المباشر على الغارات الإسرائيلية ضئيلاً، لكن هذا فقط يفتح المجال أمام احتمال أن يشجع القادة الإيرانيون وكلاءهم في لبنان وقطاع غزة على الرد من تلقاء أنفسهم. ثالثاً، إذا كانت السياسة الخارجية للولايات المتحدة مصاغة من خلال التنافس بين القوى العظمى، فإن روسيا تستخدم سوريا لبناء النفوذ على حساب الولايات المتحدة. من وجهة نظر القادة في المنطقة، يظهر الروس ككفاءة وغير إيديولوجية وذات مصداقية مقارنة بنظرائهم الأمريكيين، الذين يُعتقد أنهم غير مؤهلين في الغالب، لفكرة دفع الديمقراطية، وفي نهاية المطاف غير موثوق بهم.

وعن الانتكاسات والتغيّرات السياسية في أوروبا بسبب العنف والإجرام الذي قام به بشار الأسد ونظامه جاء في التقرير” كان للعنف الذي أطلقه بشار الأسد وأنصاره على سوريا آثار بعيدة المدى، بما في ذلك زعزعة الاستقرار السياسي في أوروبا. حيث كان هناك منذ فترة طويلة النازيون الجدد في السياسة الأوروبية – حيث يشار إليهم بشكل روتيني على أنهم “أقصى اليمين” – لكن موجة اللاجئين السوريين في عام 2015 أعطتهم دفعة سياسية في بلدان مثل السويد والمجر. وفي ألمانيا، حقق حزب البديل، وهو حزب يميني متطرف، انتصارات سياسية كبيرة في الجزء الشرقي من البلاد. وفي إيطاليا، شغل “ماتيو سالفيني”، الذي غازل الفاشية الصريحة، وزيراً للداخلية حتى وقت قريب، وهو الآن خارج الحكومة، لكن هناك ما يدعو إلى الاعتقاد بأنه سيعود هو وأنصاره. استفاد “سالفيني” و”نايجل فاراج” في المملكة المتحدة والتجمّع الوطني الفرنسي من وجود السوريين في أوروبا الذين يبحثون عن الأمان من حرب مروعة.

والحجّة الأضعف التي قدمتها اللجنة هي أن انتهاك نظام الأسد للمعايير الدولية “أدى إلى تقويض صورة القوة الأمريكية ومصداقيتها”. بالطبع، قتل الأسد مئات الآلاف من الناس واستخدم الأسلحة الكيميائية، ولكن التقرير يجعل الأمر يبدو كما لو أن تقاعس الولايات الأمريكية بالرد على هجوم النظام السوري هو المسؤول الوحيد عن الانطباع الواسع والمنتشر لضعف أمريكا؛ وهذا ببساطة ليس هو الحال.. هناك مجموعة كاملة من السياسات الأمريكية الأخرى قبل ومنذ بدء الحرب السورية التي غذت هذا الانطباع، ولا سيما الغزو الفاشل للعراق، والانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وغيرها. 

بعد مناقشته للتهديدات التي تواجه الولايات المتحدة ومصالحها، ينتقل التقرير إلى دوافع المتنافسين الأساسيين في الصراع قبل استكشاف قضية النفوذ الأمريكي. وهذه قضية حاسمة. لا يحتوي التقرير على الكثير من النقاط إذا لم يفسر الوضع المالي، لأنه بدونه لن يكون لدى المسؤولين الأميركيين أي سبب للاعتقاد بأن بإمكانهم تشكيل الصراع والمساعدة في وضع حد له بطريقة تحمي مصالحهم الوطنية. 
قدّم أصحاب التقرير ذريعة قوية مفادها أن الولايات المتحدة لديها قدر لا بأس به من التأثير على نظام الأسد؛ وأن الأميركيين وحلفاءهم يسيطرون بالفعل على مساحة استراتيجة من الأراضي السورية؛ كما جعلت العقوبات الأمريكية من الصعب على عائلة الأسد وأنصار النظام الاستفادة من الحرب. ويمكن لوزن واشنطن الدبلوماسي والمالي أن ينكر ويعرقل أموال إعادة إعمار النظام. وعلى الرغم من أن خمس دول عربية قد بدأت في إعادة أو تطوير علاقاتها مع الحكومة السورية، فإن موقع الولايات المتحدة يتمتع بقدر كبير من الدعم الدولي.

  • كل شيء على ما يُرام حتى الآن. ويوضح التقرير أن الولايات المتحدة لديها مصالح على المحكّ في سورية وبعض النفوذ لإجبار الأطراف الأخرى على القيام بما تريد. بيد أن جوهر المسالة هو سؤال آخر تماماً: ما الذي تريده الولايات المتحدة في سوريا ؟

 

التوصيات للمسؤولين الأمريكيين هي أضعف جزء من تقرير اللجنة، ليس لأنهم غير أذكياء. إذ يوصي أعضاء مجموعة الدراسة بأن على الولايات المتحدة عكس خططها للانسحاب العسكري في شمال شرق سوريا والتركيز على جهود تحقيق الاستقرار في هذا المجال، ومعارضة تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، والضغط على الروس لدعم تسوية سياسية تكون مقبولة لدى الولايات المتحدة، ودفع الإيرانيين خارج سوريا. كما توصي المجموعة بالتعاون مع تركيا ومعالجة مخاوفها الأمنية، والعمل على تخفيف الأزمة الإنسانية في إدلب والتصدي للتهديد الإرهابي هناك، وتركيز الانتباه في النهاية على الأزمة الإنسانية في سورية ككل، ودعم البلدان التي تستضيف أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين. 

 

على مستوى التجريد، ما يوصي به المؤلفون هو معقول للغاية، ولكن بالنظر إلى السياق السياسي الذي عرضت فيه هذه التقارير، فإن معظمها قد مات قبل نشر التقرير. والفرع المتعلق بالتوصيات يكشف تماماً في هذا الصدد. ويبدأ الإعلان بأن “اللجنة السورية للدراسات تعتقد أن السياسة الأميركية السليمة تجاه سوريا تتطلب التزاماً سياسياً مستمراً من قبل كبار قادة الحكومة الأميركية، فضلاً عن استراتيجية توفق بين الوسائل والغايات”. ومع ذلك، فإن أعضاء المجموعة يعرفون أن هذا لن يحدث-وهم يعترفون بالكثير. وفي الفقرة التالية، يعترفون بأنه “من غير المرجح أن ترفع الولايات المتحدة بشكل كبير الأولوية التي توليها لسوريا”.

 

وهكذا فإن مؤلفي التقرير يحثون ويعلنون النصح، بأنه “لا ينبغي لأميركا أن تقف مكتوفة الأيدي”. وكما يعترفون ببساطة، أن أميركا ستفعل ذلك بالتاكيد، مما يعكس تماماً التحول الجاري في السياسة الخارجية الأمريكية، وخاصة في الشرق الأوسط.

 

المادة من المصدر