#########

آراء

الغارديان البريطانية: الرقة في حالة خراب مثل مدينة “درسدن” الألمانية. هذا ليس “القصف الدقيق”!


آلاف السوريين لقوا حتفهم ودمرت مدينتهم. كيف تجرؤ الجيوش الأمريكية والبريطانية والفرنسية على التحدث عن "الضربات الجراحية" ؟

23 / أيار / مايو / 2019


الغارديان البريطانية: الرقة في حالة خراب مثل مدينة “درسدن” الألمانية. هذا ليس “القصف الدقيق”!

 

 

*مع العدالة 

 

طالما تبجّحت الولايات المتحدة وحلفاؤها العسكريون لسنوات طويلة بدقّة العمليات العسكرية التي يطلق عليها بالـ”ضربات الجراحية”. فمن “كوسوفو” إلى العراق وسورية، تبقى هذه الكذبة مستمرة عبر السنين؛ فعندما يتم إطلاق أعداد هائلة من القنابل والصواريخ على مدن مكتظة بالسكان المدنيين مثل الموصل أو الرقة، ينتج عن ذلك قتل المدنيين بالمئات، وربما بالألوف، ولمّا تزل أسطورة “العمليات الدقيقة” قائمة! ورغم ذلك، ترفض هذه الجيوش العودة إلى المدن التي قصفتها، أو الاعتراف بالقتل، ما لم يتم تقديم أدلّة دامغة عبر منظمات ذات مصداقية من أمثال منظمة العفو الدولية. 

هكذا كتبت “كيت آلن” في مدخل مقالها اليوم ضمن صحيفة “الغارديان – The Guardian” البريطانية؛ وتضيف أيضاً، أنها ذهبت في الأسبوع الماضي إلى الرقة، وهذا ما يرفضه المسؤولون العسكريون البريطانيون والأمريكيون والفرنسيون، كي ترى بنفسها ما حدث لهذه المدينة نتيجة للقصف الجماعي من قبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة منذ يونيو/ حزيران/ وأكتوبر تشرين الأول  2017.

تقول الكاتبة واصفةً حجم الدمار الذي فتك بالمدينة” لم يسبق لي أن رأيت مدينة مدمرة تماماً؛ ليس في منطقة واحدة، ولكن بالكامل تقريباً. وما عليك إلا المقارنة بين مدينة”درسدن” الألمانية التي دمرها الحلفاء في عام  1945 ومدينة الرقة، ستكون الصورة ذاتها!”

شارعٌ بعد شارع، المباني دون نوافذ، أميال من الأنقاض، وأكوام من المعادن الملتوية. إنه الخراب التام. ولم تقدّم أية مساعدة للمقيمين الذين هم في أمسّ الحاجة إلى إعادة بناء منازلهم، ولقد انخفض عدد الأسر، ويتم تحويل عائلات بأكملها للعيش في الأبنية التي تعرّضت للقصف. وفي الوقت ذاته، فإن العديد من الأطفال يقضون طيلة اليوم بحثاً في الأنقاض عن قطع الفولاذ والبلاستيك التي يمكنهم بيعها لشراء المواد الغذائية. فهم يخاطرون بأرواحهم داخل هذه المباني غير الآمنة، أو جراء انفجار الألغام الأرضية التي لم يتم إزالتها لغاية الآن. 

وتضيف الكاتبة عن المأساة التي يعيشها الناس هناك” من بين الذين التقيتُ بهم في هذه المدينة المدمرة “محمد”، وهو نجّار يبلغ من العمر 28 عاماً ويهتم بشقيقه الأصغر، الذي أصيب الآن بالشلل بعد أن دمرت غارة جوية للتحالف المبنى الذي كانت أسرته تقطنه في 2017 أكتوبر/تشرين الأول. وقتل وقتها معظم أفراد أسرته. وفقد محمد زوجته، وطفلين (أصغرهم سنا 11 يوماً)، ووالديه، وشقيقته، وزوجها، وأطفالهما الأربعة. ومع دمار عائلته مثل المدينة التي لا يزال يسكنها، كرّس “محمد” نفسه لرعاية أخيه. إنه أمرٌ محزن ومأساوي ومؤثر للغاية.

وفي السياق ذاته، وعن العمليات العسكرية التي شنّت على مدينة الرقة لطرد ( الدولة الإسلامية _ تنظيم داعش)، تقول الكاتبة إن الولايات المتحدة الأمريكية اتبعت قواعد اللعبة العسكرية الحديثة، حيث تم الهجوم على المدينة من خلال غارات جوية ضخمة مع القوى العسكرية الحليفة، وكان استخدام القوات البرية معدوماً، غير أنّ اعتماد قوى التحالف البري اقتصر على “ميليشيا قوات سورية الديمقراطية” التي يقودها الأكراد. وكان القصف هائلاً. ولمدة أربعة أشهر قصف التحالف المدينة وسوّاها على الأرض من خلال آلاف الغارات الجوية، و30.000 قذيفة مدفعية أمريكية، وفقاً لوزارة الدفاع. ناهيك عن أنّ المدفعية غير دقيقة؛ ومن المعروف أنه لا ينبغي استخدام القصف العشوائي في المناطق المكتظة بالسكان المدنيين، بحسب القانون الدولي.

 

 

وتضيف، أنه لمدة أربعة أشهر كان القصف مستمراً في المناطق السكنية، ولقد تفاخرت القوات الأمريكية، بأن القذائف التي أطلقت في الشوارع وعلى المنازل والساحات في وسط مدينة الرقة، أكثر مما أطلقت في أي صراع عالمي منذ “فيتنام”. 

 كما رأيت بنفسي، فإن النتائج مروعة بشكل متوقع؛ 80 ٪ من المدينة قد تحولت إلى أنقاض. أكثر من 11000 مبنى غير صالح للسكن، وتعتبر الرقة على نطاق واسع المدينة الأكثر تدميراً في العصر الحديث.

وعن عدم المسؤولية والتنصل من الانتهاكات بحق المدنيين في الرقة تقول الكاتبة” علاوة على هذا السلوك القاتل غير المسؤول، امتنع التحالف عن إرسال محققين إلى المدينة المدمرة لإثبات حقيقة تباهيها بـ “الدقة”. وقد رفض إنشاء صندوق لتعويض الأشخاص المصابين أو المنكوبين. وربما أكثر من أي شيء آخر، رفضت قوات التحالف حتى محاولة تعلم دروس من هذه الممارسة الأخيرة في القصف الجماعي والعشوائي بدون مسؤولية.

وعليه، فقد تبيّن ضمن البيانات المفصّلة على أرض الواقع، وأدلة فريق التحقيق التي قدمتها “منظمة العفو” للسلطات البريطانية والأمريكية والفرنسية، تشير الكاتبة إلى الحقيقة، حيث إن ما لا يقل عن 1600 مدني في الرقة قد قتلوا في الهجمات الجوية للتحالف، أي أكثر بعشر مرات مما سبق الاعتراف به.

وتضيف، عند جمع بيانات ضخمة من التحقيقات التي استمرت قرابة عامين، بما في ذلك زيارات متعددة إلى الرقة، قمنا ببناء قاعدة بيانات للضحايا، بأسماء أكثر من 1000 قتيل. 

وتكمل، خلال العامين الماضيين، كانت ردود قوات التحالف عبارة عن مزيج من الإنكار، والتهجم على الموفدين إلى الرقة، والاعتراف الفظّ بعدد صغير من الوفيات عندما قُدِّمَت لهم أدلة دامغة.

في العام الماضي، بعد أن نشرت “منظمة العفو الدولية” تقريراً من 70 صفحة استناداً إلى 42 زيارة ميدانية في الرقة، ومقابلات مع 112 من سكان الرقة المحاصرين، أجاب وزير الدفاع البريطاني “غافن ويليامسون” بعدم القلق والتخوف بشان نتائج التقرير؛ مع انتقادات لاذعة ضد منظمة العفو الدولية في مجلس العموم البريطاني. 

وبحسب الكاتبة أن التحقيق كان” مخيباً للآمال للغاية”، حيث كنا بحاجة إلى الاعتراف “بالكفاءة المهنية لقواتنا الجوية الملكية”.

وكنا نأمل التلويح بالعلم بدلاً من التعامل مع الحقائق بشكل غير مستساغ؛ وهذا إنكارٌ عدواني آخر، من قبل حكومة غير راغبة بشكل متزايد في مساءلة قواتها العسكرية. 

في الأسبوع الماضي، أشارت خليفة “ويليامسون”، “بيني موردون”، إلى أن المملكة المتحدة ستذهب في المستقبل إلى أبعد من ذلك في رفضها التعامل مع جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبتها القوات البريطانية في الخارج.

وتضيف الكاتبة، حقيقة أن مقاتلي “داعش” قاموا بترويع واحتجاز عدد كبير من الرهائن في سورية والعراق، لكن هذا لا يبرر للتحالف حملات القصف العشوائية. فمن المفترض أن تكون قواتنا المسلحة أفضل من ذلك. إذا لم يكن الأمر كذلك، فهو إلى حد كبير لأن سياسيينا وكبار ضباطنا يواصلون التلويح بإعلامهم والاختباء وراء كذبة الدقة (الضربات العسكرية الدقيقة).

 

المادة من المصدر