#########

أخبار وآراء

الحواجز الأمنية رعب متنقل بنظر السوريين


عامر أحد الشبان المقيمين في ريف حلب، يقول في قصة حصلت معه: "سافرت عام 2014 إلى الحسكة وقبل الوصول لتل تمر مررنا بعدة حواجز لتنظيم داعش حيث دقق العناصر بأسماء المسافرين ومن أين جاؤوا إضافة لأسئلة كثيرة من بينها إبداء رأينا بقناة العربية!"

10 / كانون أول / ديسمبر / 2018


الحواجز الأمنية رعب متنقل بنظر السوريين

 

 

 

فراس العلي – مع العدالة

 

حواجز أمنية وعسكرية بالجملة، كل طريق يصل بين مدينتين يجب أن يزيّنه حاجز عسكري، أما المسافر فلابد أن يبرز الأوراق الشخصية أو الأموال اللازمة لكل حاجز حسب طبيعة التعامل معه وتبعيته كي يمر بسلام، بينما انتشرت الحواجز “الطيارة” غير الثابتة بمكان جغرافي معين، وارتكبت أفظع الانتهاكات بحق المسافرين مستغلين الفوضى في البلاد.

بدأت قصة الحواجز الأمنية مع نظام الأسد منذ أكثر من سبع سنوات، فما إن اندلعت الثورة السورية بأرجاء البلاد حتى أصبح وجود الحواجز الأمنية ضرورة ملحة للنظام لترهيب المدنيين واعتقال عشرات الآلاف منهم.

مقابل انتشار الحواجز الأمنية التي تقطع الطرقات الرئيسية والفرعية بين المحافظات والمدن السورية، انتشرت تنسيقيات الثورة التي كانت في جزء من أخبارها تحذر المدنيين من سلوك طرقات معينة بسبب اعتقال النظام للمسافرين.

 

وبسبب امتلاك العديد من الحواجز العسكرية التابعة للنظام صلاحيات واسعة، كانت مصدر خوف ورعب لدى المسافرين أثناء المرور منها، ولم يفلت معظم الشعب السوري من المرور عبر الحواجز العسكرية خلال السنوات الماضية، بينما تم توثيق آلاف الانتهاكات الحاصلة عند هذه الحواجز.

 

ودفع العديد من المسافرين الكثير من الأموال ليمروا بسلام من الحواجز العسكرية ومن بينهم فائز الرجل الأربعيني حيث يقول: “معظم الحواجز تطلب المال منا أثناء السفر بين المدن وإن لم تدفع فسوف تتم مضايقتك من العساكر وقد يتم اعتقالك بتهمة وهمية مثل تقديم المساعدة للإرهابيين، لكن إن وددت سماع قصص الحواجز فالسائقون بجعبتهم الكثير”.

واضطر فائز إلى دفع ما يزيد عن عشرين ألف ليرة سورية إلى الآن للحواجز العسكرية أثناء عدة رحلات سفر بين ريف حلب ودمشق، لكنه يؤكد أن الفاتورة الأكبر يدفعها التجار السوريين الذين يضطرون لتقديم مبالغ خيالية للقائمين على الحواجز كي لا يتم احتجاز بضائعهم.

 

أعلام مختلفة

تنوعت الحواجز وتبعياتها لجهات عديدة مثل حواجز النظام وميليشيات مساندة له وتنظيم داعش وجبهة النصرة والوحدات الكردية، وبات المسافرون يحاولون اختلاق الحجج وأسباب السفر وتقديم الأموال للمرور من الحواجز بينما كانت حواجز فصائل المعارضة أيسر الحواجز من ناحية التعامل مع المدنيين والسماح لهم بالمرور دون عوائق.

عامر أحد الشبان المقيمين في ريف حلب، يقول في قصة حصلت معه: “سافرت عام 2014 إلى الحسكة وقبل الوصول لتل تمر مررنا بعدة حواجز لتنظيم داعش حيث دقق العناصر بأسماء المسافرين ومن أين جاؤوا إضافة لأسئلة كثيرة من بينها إبداء رأينا بقناة العربية!”.

ويضيف “ما إن وصلنا إلى تل تمر حتى استوقفنا حاجز للوحدات الكردية حيث أنزلونا من السيارة وتعرضنا للتفتيش ومن ثم استوقفنا حاجز للنظام عند مدخل مدينة الحسكة وطلب أحد العناصر البطاقات الشخصية إضافة لدفاتر العسكرية وأنزلوا أحد الركاب واقتادوه لغرفة الحاجز وبقينا ننتظر نحو ربع ساعة حتى عادوا به للسيارة”.

ورغم أن مدة السفر الطبيعية بين ريف حلب والحسكة تستغرق نحو أربع ساعات لكن عامر قال “إن الرحلة أخذت نحو تسع ساعات رافقها الرعب النفسي من كل حاجز عسكري يوقفنا، مررنا خلال الرحلة بـ 12 حاجز ومع كل جهة كنا نتحدث بطريقة تناسبهم”.

وتزداد الحواجز العسكرية من حيث عددها والتركيز الأمني مع الاقتراب من مراكز المدن السورية، فالطريق الواصل بين القامشلي لدمشق على سبيل المثال قد يعرّض المسافر للمرور من 70 حاجزاً عسكرياً على الأقل أكثرها يظهر على الطريق مع الاقتراب من العاصمة.

 

ولم تقتصر الحواجز العسكرية على نظام الأسد فقط بل أسست ميليشيات أجنبية عدداً من الحواجز التابعة لها دون أي تدخل من النظام وباتت توقف كل من يمر عبرها من السوريين.

ووفق إحصائيات محلية، فإن هناك نسبة قد تصل إلى 30% من عدد الحواجز تتبع لميليشيات أجنبية أبرزها إيرانية وعراقية ولبنانية، وفي دمشق وريفها يوجد أكثر من 50 حاجزاً لهذه الميليشيات.

 

مصدر للمال والاعتقال

حوّلت الحواجز العسكرية القائمين عليها من عناصر وضباط لدى نظام الأسد إلى رجال أعمال وجامعي أموال بدون وجه حق من المسافرين ليصبحوا أصحاب ثروة بمباركة من رموز النظام.

رسمياً، يمكن اعتبار مهمة الحواجز الأمنية هي التدقيق في الوثائق الشخصية للمسافرين والبحث عن مطلوبين للعدالة وتفتيش الشاحنات التجارية، لكن حواجز النظام وميليشياته باتت أفرع أمنية متنقلة هواية القائمين عليها التنكيل بالمسافرين وإهانتهم وفرض إتاوات على التجار من المسافرين ووصلت إلى الاعتداء الجنسي على النساء المسافرات من قبل عناصر النظام وهذا ما وثقته منظمات حقوقية.

وفي العديد من تقارير الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أوردت ضمنها شهادات لأطفال ونساء تعرضوا للاغتصاب والعنف الجنسي داخل غرف تقع قرب حواجز عسكرية على يد عناصر من نظام الأسد يشرفون على هذه الحواجز.

وتصل أحياناً حدود الانتهاكات إلى الإعدام الميداني لبعض المسافرين، في الوقت الذي يستغل القائمون على الحواجز الأمنية التابعة للنظام السلطات المطلقة الممنوحة لهم بالتعامل مع المسافرين ويعيثون فساداً وفق أهوائهم.

ويقع التجار ضحية الحواجز الأمنية في غالب الأحيان، حيث يفرض عليهم دفع مبالغ مرتفعة لقاء مرورهم، الأمر الذي يجعلهم محط طمع من القائمين على الحواجز، وفي حال لم يرضَ التاجر بدفع المال قد يتعرض للاعتقال وحجز بضاعته أو حتى سلبها وبيعها.

وبسبب ازدياد الحواجز الأمنية للنظام في سوريا، بات يظهر بعضها على خرائط غوغل، حيث أصبحت معلماً من معالم بعض المدن السورية أبرزها العاصمة دمشق، حيث تظهر خرائط حواجز مثل ابن النفيس وساحة شمدين وساحة الميسات وحواجز أخرى.

 

هل يفلت هؤلاء من المحاسبة؟!

انتهاكات كثيرة لا تعد ولا تحصى افتعلها المشرفون على الحواجز العسكرية في سوريا تحتاج لسنوات عديدة حتى يتم توثيق البعض منها، ورغم نشاط العديد من الفعاليات الحقوقية السورية لكنها لم تستطع توثيق الانتهاكات التي تحصل عند الحواجز الأمنية بسبب استحالة الوصول إليها.

ويحاول نظام الأسد إزالة معظم الحواجز العسكرية بدءاً من دمشق وريفها إلى المدن الأخرى، الأمر الذي يجعل مهمة توثيق انتهاكات هذه الحواجز مستقبلاً أمر عسير وقد يصل للمستحيل بسبب احتكار النظام للمعلومات حول القائمين على الحواجز والدوريات والمهام التي نفذوها وحملات الاعتقال التي ارتكبوها بحق المسافرين.

ويبقى من انتهاكات الحواجز ما وثقه المدنيون الذين تعرضوا لها على يد عناصر وضباط النظام لكن مع مرور الوقت ستزداد الصعوبة حتى بالوصول لعدد كبير من هؤلاء المدنيين إن تم فقدان الدلائل والوثائق المؤكدة للانتهاكات.

وتتعدد تبعية الحواجز العسكرية والأمنية في سوريا لعدة ميليشيات وأفرع أمنية أبرزها الأمن العسكري وأمن الدولة والفرقة الرابعة والحرس الجمهوري والفرع 215 وميليشيا حزب الله وميليشيات إيرانية إضافة لوجود حواجز أخرى تتبع لميليشيات محلية مقربة من النظام.

وتعتبر الحواجز الأمنية سبباً في اعتقال عشرات آلاف المدنيين واختفائهم قسرياً في أفرع الأمن والمخابرات بينما لا يكشف النظام عن أية معلومات حول المعتقلين أو المختفين قسرياً إلا في طرق محددة يتبعها سماسرة متعاونين مع عناصر وضباط النظام ويكشفون عن معلومات محدودة لأهالي المعتقلين لقاء دفع مبالغ طائلة.

ويبدو أن الكثير من العناصر والضباط الذين ارتكبوا انتهاكات أثناء إشرافهم على الحواجز الأمنية سيتمكنون من الإفلات من العقاب، خاصة أن النظام كان يغيّر القائمين على الحواجز بشكل دوري، في الوقت الذي لم نشهد فيه على تحركات جدية من المنظمات الحقوقية الدولية حول فتح ملف انتهاكات الحواجز الأمنية في سوريا.

ويمكن اعتبار ما جرى من انتهاكات وعمليات اعتقال للمسافرين عند حاجز القطيفة بريف دمشق فقط أكبر التحديات التي ستواجه عمل المنظمات الحقوقية في المستقبل.

 

المزيد للكاتب ⇐ هنا