ليس هنالك انتصار للنظام في الحقيقة، وإنما ترسيخ للهيمنة الخارجية، ويمكن ملاحظة الوصاية الروسية والإيرانية على نظام دمشق الذي لا يملك قراره السيادي، وليست له أية مشاركة فعلية في المداولات الدولية
12 / تشرين ثاني / نوفمبر / 2018
المصدر: المدن
ضمن حملة “لا شرعية للجناة”، تتناول منظمة “مع العدالة Pro-justice”، رموز النظام السوري، المتورطين بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وتنشر معلومات عن هذه الشخصيات والانتهاكات التي ارتكبتها، عبر “لائحة سوداء”، تصور مجرمي النظام كشخصيات ضمن مجموعة مظلمة من ورق اللعب، بهدف إلقاء الضوء عليهم، ونشر ملفات خاصة بكل مجرم تضم معلومات تعريفية عنه ومعلومات عن الجرائم التي ارتكبها، أو التي أشرف على تنفيذها، ولوائح العقوبات الدولية التي شملته.
جهود المنظمة التي انطلقت الشهر الماضي، تأتي كنوع من التركيز على الأدبيات المحلية والدولية التي تتحدث بعمومية عن انتهاكات النظام ورموز القمع، من دون وجود جهد مماثل لتسليط الضوء على أبرز من ارتكب تلك الانتهاكات من قادة النظام، خصوصاً أن “أية عملية محاسبة مقبلة تتطلب تحديد الجنايات وتوثيقها من جهة، وتحديد الجناة وتوثيق الجرائم التي ارتكبوها من جهة ثانية، بهدف إنشاء ملف لكل واحد منهم والعمل على ملاحقته دولياً وجلبه للعدالة وضمان عدم إفلاته من العقاب”.
وفيما تكتسب الحملة أهمية خاصة لتزامنها مع مساعي النظام الدبلوماسية والإعلامية للحصول على شرعية دولية بعدما أعلن “تحقيقه للانتصار في الحرب” بمساعدة حلفائه، يرى رئيس منظمة “مع العدالة”، الباحث والصحافي وائل السواح في حديث مع “المدن” أنه “لا وقت غير مناسب للمطالبة بالعدالة”.
وأوضح السواح أن الحملة تهدف إلى تسليط الضوء على عدم شرعية أية جهود تهدف إلى إعادة تأهيل النظام أو منحه الشرعية التي فقدها نتيجة الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها بحق الإنسانية. والتنبيه إلى ضرورة ألا تتغلب المداولات الدولية والحسابات السياسية على الاعتبارات القانونية والإنسانية في التعامل مع النظام الاستبدادي والقمعي. فضلاً عن إعادة الاعتبار لمطالب الشعب السوري التي نادى بها منذ العام 2011، والتي تتلخص في وقف الجرائم والانتهاكات التي يرتكبها النظام، وتحقيق الحرية والكرامة.
وأضاف السواح: “ليس هنالك انتصار للنظام في الحقيقة، وإنما ترسيخ للهيمنة الخارجية، ويمكن ملاحظة الوصاية الروسية والإيرانية على نظام دمشق الذي لا يملك قراره السيادي، وليست له أية مشاركة فعلية في المداولات الدولية”.
والحال أن الحملة تأتي في وقت انحسرت فيه كثير من الحملات المشابهة التي واكبت الثورة السورية، لكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها لسبب أو لآخر. ويرى السواح أن منظمات المجتمع المدني، الحقوقية والمدنية، عملت ومازالت تعمل بجد من أجل المساءلة، مضيفاً: “بصراحة، لا أعتقد أنها فشلت. هي مازالت تعمل بجهد دؤوب لجلب رموز النظام وكبار المرتكبين إلى العدالة، لكن الطريق القانوني هو الأكثر مشقة والأبطأ بين مختلف المسارات، مع أنه الطريق الأنجع والأضمن في رد الحقوق للشعب السوري”.
بالتالي تأتي الحملة الجديدة استكمالاً لجهود كافة المنظمات والحملات السابقة، لا منفصلة عنها، “فنحن في منظمة مع العدالة نؤمن بأهمية تركم الخبرات، وبضرورة التعاون ورفد جهود مع الجهات الأخرى الفاعلة لجلب الجناة إلى العدالة وإنصاف الشعب السوري وتخليصه من أجهزة القمع وحكم الاستبداد”، بحسب السواح، لكن ما يميز المنظمة أنها تخصص كافة جهودها لموضوع المساءلة، و”تحاول الاعتماد على مفهوم الاحتراف في توثيق الجنايات وإحالتها للمحاكم الدولية، وتسعى إلى اللجوء إلى وسائل للمحاسبة لم يتم توظيفها من قبل”.
ورغم افتقار الكثير من الحملات السابقة لأدوات تحول الضغط الإعلامي والشعبي الذي تجسده إلى قرارات، شهدت الفترة الأخيرة قرارات دولية لافتة كالقرارات الفرنسية الأخيرة ضد رموز في النظام السوري، ويرى السواح أن “محاكمة النظام ومحاولات جلبه للعدالة بقيت حبيسة أدراج الأمم المتحدة نظراً للتراخي الدولي من جهة، ولتكرر الفيتو الروسي الذي أصاب مجلس الأمن بالشلل من جهة ثانية، ومن هنا نشأت لدينا فكرة البحث عن أدوات أخرى لمحاسبة النظام”.
فهنالك آليات ناجعة وأدوات مهمة لتحقيق العدالة، أبرزها التوظيف الفعلي لمفهومي “الولاية القضائية المحلية” و”الولاية القضائية الدولية”، وتنوي منظمة “مع العدالة” العمل عليهما بصورة كبيرة في الفترة المقبلة، كما تنوي المنظمة إنشاء زخم إعلامي عبر تأسيس لجان تحقيق دولية ذات احترام عالمي، وتنوي العمل مع المنظمات الفاعلة والدول الصديقة على مخاطبة المدعي العام بمحكمة العدل الدولية، كا يمكن عقد محكمة خاصة للنظام على غرار التجارب السابقة، في لبنان مثلاً. كما تركز المنظمة على تعزيز مرجعية الشعب السوري، من خلال إنشاء محاكم وطنية أو محاكم هجينة عبر الوسائل القانونية المتاحة.
وعبر الحملة، تنشر المنظمة على مدار الأسبوع الجاري ملفات باللغتين العربية والإنجليزية، تتناول فيهما كلاً من رئيس النظام السوري بشار الأسد وأخيه ماهر الأسد، وأسماء أخرى مثل زهير الأسد، ووزير الدفاع فهد جاسم الفريج وعلي عبد الله أيوب، وعلي مملوك، وجميل حسن، ومحمد ديب زيتون، وعبد الفتاح قدسية، وطلال مخلوف، وجمال يونس، وغيرهم من القادة العسكريين والأمنيين في النظام.
رغم ذلك، يعترف السواح أن الحملة لا ترقى إلى مستوى رفع قضايا دولية، بل الهدف الرئيس منها هو إثارة الوعي، وتمهيد الأرضية المناسبة لمرحلة مقبلة من الملاحقة الجنائية والمحاسبة التي لا مفر منها. ويضيف أن المنظمة تتمتع “بفريق قوي له خبرة واسعة في مجالات المحاسبة، ونسعى إلى توعية الجهات السورية الناشطة في تلك المجالات، من خلال التوعية بطرق توثيق الجرائم، وإنشاء ملفات لكل مجرم، وسبل تقديم الجناة إلى العدالة من خلال القنوات القانونية المتاحة”.
والحال أن طوال أمد الحرب في سوريا وتغير الظروف العسكرية والسياسية فضلاً عن انقسام المجتمع الدولي على نفسه، يجعل أي محاولة دولية لتحقيق العدالة والمساءلة في سوريا صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة. ويرى السواح أن “وجود روسيا والصين في مجلس الأمن سيعطل أي محاولة لتحويل رموز النظام إلى محكمة الجنايات الدولية. لكن الدول الغربية نفسها ليست معفية من اللوم، حيث لم تأخذ القضية السورية على محمل الجد، وهي الآن تسعى إلى التفاهم مع الروس والإيرانيين، لتحقيق ما يمكن تحقيقه”.
وأضاف السواح أن اللوم يقع أيضاً على عاتق السوريين الذين لم يكن لهم تجربة بمجالات المحاسبة الدولية بعد أكثر من خمس عقود من الخضوع للحكم القمعي الاستبدادي وإقصائهم في تلك الفترة عن أية ممارسة قانونية أو عمل مدني. مع الإشارة إلى أن “الحكومات الغربية والإقليمية لها مصالحها الاقتصادية والتوسعية في سوريا، من دون التفات حقيقي للاعتبارات الأخلاقية أو الإنسانية”.
يذكر أن منظمة “مع العدالة Pro-justice”، هي منظمة غير ربحية مقرها الولايات المتحدة الأميركية، تسعى إلى إحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان الرئيسيين في المجتمعات التي تعاني حروباً أهلية وكوارث طبيعية أو خرجت للتو منها، مع تركيز خاص على دول الشرق الأوسط وعلى رأسها سوريا.
وتضم المنظمة عدداً من السياسيين والحقوقيين السوريين الذين يدعون إلى “العدالة والمساءلة في سوريا وفي جميع أنحاء العالم، من خلال الحوار والنشر والاتصال المباشر لضمان عدم إفلات الجناة بحق الشعب السوري من المساءلة، وتتمثل رؤية مع العدالة بسوريا حرة تتمتع بحكم القانون وحرية التعبير والمساواة الكاملة بين جميع السوريين من دون أي خوف أو إقصاء أو تمييز”.