استطاع الناس انتشال جثث إيمان وآية ومياس وجثث تسعة آخرين من الجيران لكنهم عجزوا عن الوصول إلى ملك وامرأتين أخريين
26 / نيسان / أبريل / 2019
المصدر: وكالة رويترز
لا تزال جثث ملك القصاص التي ماتت وعمرها ثلاثة أعوام وامرأتين من جيرانها تحت ركام بيت منهار في حي الكلاسة بحلب بعد مرور أكثر من عامين على استعادة الحكومة السورية السيطرة على المنطقة.
ويعيش عمر جد ملك وخالها محمود في البيت المواجه لكوم الركام. وعندما يقف الاثنان في الشرفة يريان المبنى المنهار الذي أصبح قبرا لها. وكلما ينطق عمر باسمها تطفر الدموع من عينيه في صمت دون أن يتمالك نفسه.
ويشير عدم قيام أجهزة الدولة بانتشال الجثث من الركام في شرق حلب إلى الآفاق القاتمة في منطقة خضعت مثل مناطق كثيرة في سوريا لسيطرة قوات المعارضة طوال جانب كبير من الصراع الذي بدأ قبل ثمانية أعوام في البلاد.
وقد اتهمت المعارضة الرئيس بشار الأسد بحجب الخدمات عن المناطق التي تفجرت فيها الانتفاضة على حكمه لمعاقبة سكانها. وفي الكلاسة لا يوجد دلائل تذكر على جهد حكومي كبير لتحسين الأوضاع.
وتقول الحكومة إن السبب في بطء التعافي والأزمات والمصاعب هو الحرب والعقوبات الغربية. ونفت الحكومة أنها تعامل المناطق التي استعادت السيطرة عليها معاملة مختلفة عن المناطق التي ظلت تحت سيطرتها طوال الحرب وقد قالت إنها تعمل على إعادة الخدمات الطبيعية لكل المناطق.
ولا يزال مستمرا الصراع الذي راح ضحيته نصف مليون شخص وتسبب في نزوح نصف سكان سوريا، الذين كان عددهم قبل الحرب 22 مليون نسمة، عن ديارهم وأمكن لمراسلي رويترز سماع دوي قصف خلال عدة ليال في حلب تتردد أصداؤه من جبهة ليست بعيدة خلال زيارة في الفترة الأخيرة.
وفي حي الكلاسة الذي استعادته القوات الحكومية في أواخر 2016 لا توجد مظاهر عملية إعادة إعمار منظمة في المناطق السكنية.
والخدمات الحكومية محدودة. ويقول السكان إن أعمال ترميم المباني التي لحقت بها أضرار خلال الحرب تتم بالكامل تقريبا وتمول من خلال أصحابها.
ولا تتوفر في الكلاسة إمدادات الكهرباء من الدولة وتوزع جمعيات خيرية صناديق مساعدات غذائية على حشود تنتظر خلف حواجز من السلاسل. وفي مناطق أخرى من سوريا يتسبب نقص الوقود في ظهور طوابير طويلة عند محطات البنزين كما يعتمد الناس على إشعال الخشب للتدفئة.
وقد انهارت في الآونة الأخيرة بعض المباني التي لحقت بها أضرار وتسبب الركام المتساقط في مصرع رجل في العام الماضي كما أن المناطق الكثيرة التي ينتشر فيها الركام حيث يلعب الأطفال في الشارع تغطيها أكوام النفايات التي تتصاعد منها روائح كريهة وتوجد فيها فئران ميتة وتنتشر فيها أسراب الذباب.
وفي مدن أخرى لا توجد تقارير عن عمليات إعادة بناء واسعة النطاق أو بيانات تشير إلى البدء فيها.
قبل عامين أبدى إياد بطاش (35 عاما) الجندي السابق الذي يعمل بناء تفاؤله عندما التقت به رويترز. أما الآن فيقول إن الأمور أصبحت أسوأ كثيرا بالنسبة لأسرته مع نقص الوقود وعدم وجود فرص عمل.
وقال ”هذه السنة ليست كسابقاتها. هذه السنة أسوأ. الوضع الاقتصادي أسوأ من قبل“.
وأضاف أنه قبل عامين كان لديه عمل منتظم وكان يعتقد أن إمدادات الكهرباء ستعود بسرعة. كما توقع أن ينتقل مرة أخرى إلى شقته وكان يعتقد أن جيرانه سيعودون من حياتهم كلاجئين.
وقال بطاش ”إذا استمر الوضع على هذا الحال فلن يعود الناس“.
* الركام
أمضى صحفيون من رويترز عدة أيام في حي صغير بالكلاسة كانوا قد زاروه في العام 2017 بعد أن استعادت الحكومة السيطرة على المنطقة وأجروا مقابلات مع عشرات السكان بمن فيهم عدد كان الصحفيون قد التقوا بهم من قبل.
ورافق مسؤول حكومي رويترز طوال الوقت في الكلاسة. ووجه سكان الحي الانتقادات للمعارضة التي كانت تسيطر على المنطقة من 2012 إلى 2016 لكنهم لم ينتقدوا الأسد أو حكومته.
وكانت استعادة السيطرة على حلب ثاني أكبر مدن سوريا نقطة تحول في الحرب. وفي ميدان واحد بوسط المدينة أحصت رويترز 18 ملصقا لصورة الأسد.
وقد تحسنت بعض الجوانب منذ زارت رويترز الحي قبل عامين. فأصبحت المياه النقية متوفرة في الصنابير وتم رفع بعض الركام الذي يسد الشوارع والأزقة.
وفتح عدد أكبر من المدارس أبوابه، رغم أنها تعاني من التكدس كما أصبح عدد أكبر من المخابز المدعومة من الحكومة تعمل في المنطقة وإن كانت طوابير طويلة تقف أمامها.
ولا تمثل هذه الاعتبارات مصدر ارتياح يذكر لسكان الكلاسة. ولم يعد عمر القصاص يغادر شقته. وهو يتذكر القصف الذي وقع في سبتمبر أيلول 2016 وتسبب في مقتل ابنته إيمان وبناتها آية ومياس وملك في المبنى المواجه لبيته.
استطاع الناس انتشال جثث إيمان وآية ومياس وجثث تسعة آخرين من الجيران لكنهم عجزوا عن الوصول إلى ملك وامرأتين أخريين. وقال سكان إنه منذ استعادت الحكومة السيطرة على المنطقة لم تبذل أي جهود لنقل الركام أو العثور على الجثث.
* نقص الوقود
يرى أياد بطاش المؤيد للحكومة وله شقيقان في الجيش أن نقص الوقود أدى إلى زيادة المشاكل الأخرى. وخلال فصل الشتاء لم يكن لدى أولاده الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين سنتين وعشر سنوات أي وسيلة للتدفئة من البرد سوى بالبطاطين.
وأبقى جاره أحمد الزرقا (73 عاما) عامل المدرسة المتقاعد موقده مشتعلا طوال الوقت للتدفئة. وتسبب الدخان الأسود المتصاعد منه في تحويل اللون الأبيض لطائرين مغردين في قفص معلق على الحائط إلى اللون الرمادي الغامق.
وقال الزرقا إن حصص الوقود ليست كافية
وتتوفر في الأحياء الغربية من حلب إمدادات الكهرباء لعدة ساعات كل يوم. أما في الكلاسة فمصدر الكهرباء الوحيد هو المولدات الخاصة التي تعمل بوقود الديزل الذي يوزع بحصص مقننة.
وقال ربيع النجار وهو صاحب مطعم للوجبات السريعة إن كلفة الكهرباء لبيع الشطائر تستهلك نصف أرباحه الأسبوعية.
ويقول بطاش إن عدم وجود فرص العمل هو السبب في نقص الكهرباء. وقال إن استخدام المولدات التي تعمل بوقود الديزل خلال نقص الوقود يمكن أن يضاعف كلفة ترميم شقة. وأضاف ”ولذا يؤجل الزبون العمل“.
وأمام محطة للبنزين قرب الكلاسة اصطفت 80 سيارة في طابورين على امتداد الطريق في انتظار الحصول على حصتها من الوقود بينما كان رجال يجلسون على الرصيف ومعهم أدواتهم على كتل الخرسانة المقلوبة للإعلان عن خدماتهم كعمالة يومية.
وقال محمد أحمدي (53 عاما) وهو يجلس مع اثنين آخرين يدخنون في انتظار تكليفهم بعمل ”ننتظر من 7.30 صباحا حتى الساعة الواحدة بعد الظهر تقريبا. ثم نعود للبيت ولا شيء نعمله حتى اليوم التالي“.
* طوابير الطعام
قال بطاش إنه لم يجد عملا يذكر خلال الشتاء. وفكر في الرحيل لكنه يعتقد أن الأمور ليست أفضل حالا في المناطق الأخرى.
وكل بضعة أسابيع تنضم أسرته إلى الحشد المنتظر خلف السلسلة على امتداد زقاق قريب للحصول على معونات غذائية من برنامج الغذاء العالمي ومن جمعية خيرية محلية.
ويقف الرجال والنساء في طوابير منفصلة يمسك كل منهم ببطاقة التموين الخضراء في انتظار النداء على رقمه لتسلم صندوقه الكرتوني بما فيه من ملح وفول وعدس وقمح وسكر وأرز وزيت الطعام.
وتوجد طوابير للخبز أيضا. ففي مخبز بحي الكلاسة اضطر الناس للانتظار أكثر من نصف ساعة للحصول على بعض أرغفة الخبز.
وقال حامد عتيق الخباز إنه لا توجد حصص رسمية للخبز لكنه يقيد ما يمكن أن يشتريه كل فرد لأنه لا يملك من الدقيق والوقود في مخبزه ما يكفي لبيع الكميات التي يطلبها الناس في الحي.
ويقع مخبزه بين ركام عدة مواقع قصفت بالقنابل وكان على مقربة منه فأر ميت على الأرض بينما تجمع عدد من الناس حول نافذة البيع طلبا للخبز.
وعلى الجانب الآخر من الطريق الرئيسي منطقة من البيوت القديمة المهدمة المكونة من طابقين أو ثلاثة. وقال محمد رمضان (61 عاما) إنه يخشى النوم في بيته هناك.
فقد انهار بيت خلف بيته في الآونة الأخيرة. وبالبيت المجاور شرخ كبير على جانبه. وهو يخشى أن ينهار بيته أيضاً.