وينبغي للمجتمع الدولي أن يحتفل بالفعل بإنقاذ 98 من أفراد الخوذ البيضاء إلى برّ الأمان، ولكن ينبغي ألا يتخلى عن أولئك الذين لم يتم إجلاؤهم؛
08 / آب / أغسطس / 2018
المركز السوري للعدالة والمساءلة
فيما تعد الإشادة بعملية إجلاء 98 من أفراد الخوذ البيضاء وأسَرهم من سوريا في 22 تموز/يوليو إشادة محقة باعتباره إنجازاً لتضافر جهود دول متعددة، حيث تفاوضت كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وألمانيا على ترتيبات إنقاذ مع إسرائيل والأردن لسحب الخوذ البيضاء ونقلهم إلى الأردن، لإعادة توطينهم في المستقبل في أوروبا، غير أن مئات العاملين في المجال الإنساني والصحفيين ما زالوا محاصَرين ومعرّضين لتدابير انتقامية قاسية مع استعادة القوات الحكومية السورية للأراضي في جنوب سوريا. وفور إبرام اتفاق الإخلاء، أدانت الحكومة السورية الخوذ البيضاء، ونعتتهم بأنهم “إرهابيون”، وأشارت إلى عملية الإجلاء على أنها “فعل دنيء”. وقد يؤدي توصيف الحكومة لهذه الجماعات إلى توقيفها ومحاكمتها بموجب القانون الخاص بمكافحة الإرهاب لعام 2012 في سوريا، الذي يتضمن أحكاماً فضفاضة لما يشكّل “نشاطاً إرهابياً” ليشمل المساعدات الإنسانية والصحافة. يجب معالجة فشل سوريا في الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي في مفاوضات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة ومن خلال المراقبة الدقيقة لعمليات الاعتقال في المناطق التي استعادتها الحكومة السورية مؤخراً.
لقد شتت الاهتمام الدولي المحيط بعملية الإجلاء التركيز بعيداً عن احتياجات أولئك الذين ما زالوا عالقين في درعا والمناطق المحيطة بها. حيث ما يزال أكثر من 300 من أفراد الخوذ البيض محاصرين في جنوب سوريا، مطوّقين في منطقة تبلغ مساحتها حوالي عشرة كيلومترات مربعة. ويخشى الأفراد الذين يتم إجلاؤهم من أعمال انتقامية، إذ يشعرون بالقلق من أن الإجلاء سيحرّض الحكومة لاعتقال الأعضاء الباقين. استهدفت الحكومة السورية مراكز عمليات الخوذ البيضاء أكثر من مائة مرة في عام 2017 وحده، وألقِيَ اللوم على كل من سوريا وروسيا في شنّ هجمات مباشرة على قوافل المساعدات الإنسانية واستخدام تكتيكات الحصار لإجبارهم على الاستسلام. ولا يعد العاملون في المجال الإنساني المجموعة الوحيدة التي تواجه خطر الأعمال الانتقامية في جنوب سوريا. حيث أن الصحفيين والناشطين الإعلاميين معرضون للخطر أيضاً. فقد وصفت الحكومة السورية الناقدين من المراسلين ووسائل الإعلام بأنهم “وسائل إعلام العدو”، ويُزعم بأنها أجرت عمليات قصف متعمّدة استهدفت مراكز اتصال إعلامية. تشمل قاعدة بيانات المركز السوري للعدالة والمساءلة توثيقات لأكثر من 100 شخص معتقل من صحفيين أو ناشطين إعلاميين وتشمل أيضاً أوامر حكومية لإخضاع أفراد للمراقبة أو التحقيق أو الاعتقال لمساهماتهم في وسائل إعلام أجنبية، بالإضافة إلى سجلات الاعتقال الناتجة عن العمل الإعلامي.
لقد صُمّم القانون السوري الخاص بمكافحة الإرهاب على نحو مدروس لتجريم الأنشطة المدنية التي تعتبرها الحكومة السورية مخالفة لمصالحها الخاصة. إذ يُعرّف القانون الإرهاب ليشمل الأنشطة التي تسبب ضرراً “للبنى التحتية أو الأساسية للدولة…مهما كان نوع هذه الوسائل أو باستخدام أي أداة تؤدي الغرض ذاته”. وقد تمّ تفسير ذلك على أنه يتضمّن أنشطة لاعنف أو مظاهرات أو صحافة ناقدة. وعلى غرار ذلك، تتضمّن المادة 8 من قانون 2012 حكماً بشأن “توزيع المطبوعات أو المعلومات المخزّنة مهما كان شكلها بقصد الترويج لوسائل الإرهاب أو الأعمال الإرهابية”. ولا يشمل هذا الحُكم الصحافة فحسب، بل يشمل أيضاً وجود الخوذ البيض على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يتضمن مقاطع فيديو وصوراً لتفجيرات يُزعم بأن الحكومة السورية ارتكبتها. وبالإضافة إلى قانون 2012، تتضمّن المادة 285 من قانون العقوبات السوري لعام 1949 عبارة “محاولة إضعاف الشعور القومي”، وقد تمت محاكمة وإدانة صحفيين سوريين في الماضي لمجرّد تعبيرهم السّلمي عن آراء تخالف آراء الحكومة السورية.
لا يتمتع السوريون الذين يتم إدراجهم على أنهم “إرهابيون” بشكل عام إلا على النّذر اليسير من سُبل الحماية. حيث تنظر محكمة مكافحة الإرهاب في قضاياهم وفقاً لقانون عام 2012. وقد أبلغت مجموعات دولية عديدة عن عدم اهتمام هذه المحكمة باتباع القواعد المرعية الإجراء، بما في ذلك غياب محامي الدفاع وعدم وجود تدريب للقضاء والمدّعين العامين وعدم كفاية (وغالباً غياب) إجراءات الاستئناف. ووجدت التحقيقات أيضاً أن من ينتظرون المحاكمة يعانون في كثير من الأحيان من اعتداء جسدي شديد، وكثيراً ما تستخدم المحكمة الاعترافات القسرية المنتزعة بالإكراه التي يتم الحصول عليها في مركز اعتقال قبل انعقاد المحاكمة لتأمين الإدانة. ويجب على محكمة مكافحة الإرهاب التقيّد بحقوق الإجراءات القانونية الواجبة للمشتبه في كونهم إرهابيين، ولكن يجب ألا يخضع الصحفيون والعاملون في مجال المساعدات الإنسانية لاختصاص هذه المحكمة في المقام الأول.
بموجب القانون الدولي الإنساني، يتم حماية الصحفيين والعاملين في المجال الإنساني في حالات النزاع المسلح، شريطة ألا يشاركوا بشكل مباشر في الأعمال العدائية (بموجب القانون الدولي الإنساني، تتضمن المشاركة المباشرة في الأعمال العدائية القيام بأعمال تُسبّب أضراراً مباشرة لطرف آخر في النزاع، والإجراءات التي تُسبّب الموت أو الإصابة أو الدمار لأشخاص أو أعيان يتمتعون بالحماية)؛ ولكن الحكومة السورية تتجاهل هذا التمييز. كما تنطبق إجراءات حماية حقوق الإنسان على الصحفيين والعاملين في المجال الإنساني، في أوقات السلم وأوقات النزاع المسلح. ولقد صادقت سوريا على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1976. حيث يحمي هذا العهد الحق في حرية التعبير في المادة 19، بالإضافة إلى الحق في محاكمة عادلة (بما في ذلك الحق في الاستعانة بمحامٍ والحق في الاستئناف) في المادة 14. وبالإضافة إلى ذلك، فقد صادقت سوريا على اتفاقية مناهضة التعذيب في عام 2004، والتي تحمي من التعذيب وضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ينبغي على الحكومة السورية وداعميها الدوليين والمبعوث الخاص للأمم المتحدة الوفاء بالتزامات سوريا الدولية في مجال حقوق الإنسان لحماية أولئك الذين يقومون بعمل إنساني وصحفي وضمان احترام حقوق الإنسان في إطار محكمة مكافحة الإرهاب. وينبغي للمجتمع الدولي أن يحتفل بالفعل بإنقاذ 98 من أفراد الخوذ البيضاء إلى برّ الأمان، ولكن ينبغي ألا يتخلى عن أولئك الذين لم يتم إجلاؤهم؛ وفي المقابل، يجب على لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الجمهورية العربية السورية ومنظمات مثل المركز السوري للعدالة والمساءلة مراقبة الوضع لإخضاع سوريا للمساءلة لقاء انتهاك حقوق الحماية للصحفيين والعاملين في المجال الإنساني.
.
.