أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأن "مقاتلين" أحرقوا آلاف الفدادين من القمح والمحاصيل الأخرى شمال غرب سوريا ضمن حملة حولت إمدادات الغذاء في المنطقة لسلاح حرب وأجبرت مئات الآلاف على النزوح
17 / حزيران / يونيو / 2019
*فراس العلي – مع العدالة
لم تبق أنواع أخرى من الانتهاكات إلا وارتكبت في سورية خلال السنوات الماضية أبرزها على يد نظام الأسد وميليشياته المساندة له، في الوقت الذي يبقى فيه المجتمع آخذاً موقف السكون مما يحصل رغم أن الهيئات الحقوقية جمعت توثيقات لأعداد غير محدودة من الانتهاكات عن طريق المقاطع المصورة والإحصائيات والشهود والتقارير والبيانات الأخرى وقدمتها للجهات الحقوقية العالمية.
هذه المرة تصل الانتهاكات لقوت فلاحي سوريا بعد أن تم إحراق مساحات واسعة في دير الزور والحسكة والبادية ومناطق أخرى على يد نظام الأسد والميليشيات المساندة له.
والتهمت الحرائق المحاصيل الزراعية في العديد من المناطق آخرها قرية السكرية وبلدة الباغوز والطواطحة بريف دير الزور الشرقي، ووفق شهود عيان فإن الحرائق التي تعرضت لها المحاصيل الزراعية بالمنطقة تتم بفعل فاعل حيث شوهد أشخاص يقومون بحرق المحاصيل الزراعية بريف البوكمال وهم عناصر لميليشيات إيرانية تساند النظام.
ولم تقتصر الحرائق على ريف دير الزور فحسب، بل امتدت لتشمل مساحات واسعة في ريفي القامشلي والحسكة، ووفق مصادر محلية فإن الحرائق التهمت عشرات الهكتارات قرب قرى بأبسي وتوكل وآلة قوس وأليان بريف القامشلي، بينما في الحسكة انتشرت مقاطع مصورة التقطت سراً ظهر فيها عناصر من قوات سوريا الديمقراطية وهم يضرمون النار بإحدى المحاصيل الزراعية، بينما لم يتم التأكد من المنطقة التي حصل فيها ذلك.
وفي إدلب أحرق نظام الأسد حوالي 100 هكتار من المحاصيل الزراعية التي كانت مزروعة بالقمح والشعير والفستق الحلبي في جنوب إدلب عبر استهدافها بقنابل حارقة لتتلف محاصيل الفلاحين بينما حاولت فرق الدفاع المدني إنقاذ ما يمكن إنقاذه عبر إطفاء الحرائق.
وشهد الموسم الحالي تساقطاً للأمطار التي كانت مصدر فرح للفلاحين الذين استبشروا خيراً بمردود محاصيلهم هذه السنة إلا أنهم لم يتوقعوا أن تحرق أرزاقهم أمام أعينهم وهم ينظرون إليها مكتوفي الأيدي.
كارثة جديدة
معروف عن سوريا أنها تعتمد على الزراعة بشكل أساسي وتعتبر المورد الأساسي بينما تشتهر مناطق شمال شرقي سوريا بزراعة محصول القمح الذي يزيد عن حاجة الاستهلاك كون عوامل المناخ والتربة وما إلى ذلك من عوامل تساعد على زراعة القمح.
ومنذ بدء حملة إحراق المحاصيل الزراعية تركزت أكثر الشيء على هذه المنطقة، حيث أتلفت آلاف الهكتارات المزروعة بالقمح قبل موسم الحصاد لتصبح أراضي الفلاحين مغطاة باللون الأسود ويتلف رزقهم أمام عينهم دون أن يتمكنوا من فعل شيء سوى محاولات بسيطة لإطفاء الحرائق.
ويقول أبو وليد وهو صاحب أرض زراعية بالشراكة مع إخوته في ريف الرقة: “لدينا أراضٍ زراعية نزرع فيها الشعير والقمح حوالي هكتار قرب الجرنية بريف الرقة الغربي، تعرض جزء منها للاحتراق في أيار الماضي، عندما سمعنا الخبر من أحد جيراننا اتجهنا مسرعين نحو الأرض لنرى أن الحرائق بدأت بالتهامها وعلى الفور بدأنا جميعنا بمحاولة إطفائها بمساعدة أقاربنا وأصدقائنا”.
وبالنسبة للجهة المسؤولة عن الحرائق، يجيب “لم نعرف من الذي كان مسؤولاً عن افتعال الحرائق لكن سمعنا فيما بعد أن خلايا سرية لتنظيم داعش هم من أحرقوا المحاصيل، ولسنا نحن فقط من تعرضنا للأذية بل هناك الكثير من الفلاحين الذين ذهبت محاصيلهم الزراعية في المنطقة جراء الحرائق”.
وفي ناحية القحطانية بريف القامشلي، التهمت الحرائق أيضاً المزيد من المحاصيل الزراعية، وأظهر تسجيل مصور لسيدة مسنة وهي تبكي وتندب بعد مشاهدة محصولها الزراعي وهو يحترق أمام أعينها مع عجز واضح لدى الأهالي من السيطرة على الحرائق التي امتدت بشكل سريع.
من المسؤول؟
وفي تقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست، قالت فيه إن “حرق المحاصيل الزراعية في سوريا كارثة فاقت التصور، وبسبب المساحات الواسعة للحرائق التي التهمت المحاصيل الزراعية بات يمكن رؤية الآثار على الأقمار الصناعية”.
وفي أيار الماضي، تبنى تنظيم داعش حرق آلاف الهكتارات من محاصيل القمح والشعير في أرياف الرقة ودير الزور والحسكة، معتبراً أن أصحاب المحاصيل الزراعية التي أحرقها “مرتدون” مرفقاً العديد من الصور التي تؤكد حرقه للمحاصيل وواصفاً ما يحدث بأن الصيف هذا سيكون ساخناً للغاية.
وجاء ذلك في العدد رقم 183 من صحيفة النبأ الأسبوعية التابعة للتنظيم، حيث أورد تقريراً كاملاً تناول موضوع تبنيه لحرق المحاصيل الزراعية وجاء بعنوان “شمروا عن سواعدكم وابدأوا الحصاد – بارك الله بحصادكم – جنود الخلافة يحرقون مزارع المرتدين في العراق والشام”.
وليس فقط تنظيم داعش المسؤول عن إضرام الحرائق في المحاصيل الزراعية، بل هناك أطراف أخرى؛ حيث نشر ناشطون مقاطع مصورة تظهر عنصرين من قوات سوريا الديمقراطية في ريف الحسكة وهم يضرمون النار بإحدى المحاصيل الزراعية.
وفي إدلب، أحرق نظام الأسد مئات الهكتارات بعد استهدافها بالقصف الجوي والمدفعي والصاروخي متعمداً استهداف المحاصيل الزراعية بغية حرقها.
إحصائيات متوفرة
خلال البحث عن إحصائيات توضح حجم الخسائر التي لحقت بالقطاع الزراعي في سوريا بفعل عدة جهات وبمناطق واسعة ضمن شمال شرق سوريا وغربها، تبين أن آلاف الهكتارات الزراعية تضررت من الحرائق وأتلفت محاصيل القمح والشعير.
وفي القامشلي، أكد موقع الخابور احتراق حوالي 40 ألف دونم من حقول القمح والشعير بريف القامشلي، أما في ريف الرقة فقد التهمت النيران 55 هكتاراً مزروعاً بالقمح والشعير بريفها الغربي.
من جانبها، أكدت الإدارة الذاتية التابعة لقسد احتراق 22500 هكتار من المحاصيل الزراعية في محافظات دير الزور والرقة والحسكة وعين العرب موجهة الاتهام إلى تنظيم داعش والميليشيات المساندة للنظام وهي أعمال ناتجة عن انتقام وثأر.
وفي إدلب، التهمت النيران التي نتجت عن قصف نظام الأسد لجنوب المدينة وبالتحديد منطقة التمانعة إلى حرق حوالي 100هكتار من محاصيل الأراضي الزراعية، حيث أدت الحرائق لإتلاف محصولي القمح والشعير وأشجار الفستق الحلبي والزيتون ومزارع الخضار.
ولم تخرج أية إحصائية أخرى دقيقة توضح حجم الخسائر التي طالت المحاصيل الزراعية بشكل دقيق في سوريا.
منظمة أممية تعلق
أفاد برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأن “مقاتلين” أحرقوا آلاف الفدادين من القمح والمحاصيل الأخرى شمال غرب سوريا ضمن حملة حولت إمدادات الغذاء في المنطقة لسلاح حرب وأجبرت مئات الآلاف على النزوح.
وقال المتحدث باسم البرنامج، هيرفيه فير هوسيل: “أدى تفجر العنف في إدلب وشمال حماة إلى حرق آلاف الفدادين من المحاصيل الضرورية والأراضي الزراعية، محاصيل مثل الشعير والقمح والخضار تعرضت للتلف. تدمير المزارع والقطاع الزراعي في سوريا أمر غير مقبول”.
وأضاف، بالنسبة لنا من غير المقبول أخذ السكان المدنيين رهينة مرة أخرى باستخدام الغذاء وتوزيعه سلاح حرب في سوريا، مؤكداً أن أقل من خمسة بالمئة من المحصول السوري الحالي تأثر إجمالاً، وفق ما نقلته وكالة رويترز.
واكتفت عدة منظمات أممية علقت على الموضوع بوصفه والتنديد به مع ذكر تفاصيل كارثة حرق المحاصيل الزراعية وإتلاف غذاء المدنيين في سوريا داعية إلى وقف استخدام “إحراق المحاصيل الزراعية” كسلاح حرب في سوريا.
ورغم نصّ القانون الدولي الإنساني على وجوب حماية ممتلكات المدنيين وخاصة الأعيان المدنية مثل الأملاك الزراعية التي تعود ملكيتها للمدنيين، يسجل حرق المحاصيل الزراعية انتهاك جديد من نوعه في سوريا.