ابن عمي وجد مكاناً يستطيع أن يضع فيه زوجته وأطفاله فقط فوضعهم، ومشي طوال الليل في شوارع البلدة الجديدة ليتغلب على الصقيع. جارنا اضاع ابنه في طريق النزوح
10 / كانون الثاني / يناير / 2020
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
تعرّضت محافظة إدلب في شمال غرب سوريا للقصف من قبل القوات الروسية والسورية منذ نيسان/أبريل، 2019، مع زيادة في معدل الهجمات في الشهر الماضي. فمنذ 16 كانون الأول/ديسمبر، فرّ أكثر من 250 ألف مدني من القصف في إدلب وقُتل الكثير منهم. وتم تهجير أحد أعضاء فريق المركز السوري للعدالة والمساءلة في إدلب مع عائلته من منزلهم في أواخر العام. وطلب المركز منه أن يشارك قصته وما رآه في إدلب.
“أسكن في ريف إدلب في قرية صغيرة، ولدت وكبرت فيها عشقت شجرها وأحبني زيتونها وأقسمت الا اتنفس إلا هواءها ما استطعت ذلك. حتى ديسمبر ٢٠١٩ حيث باغتتنا القاذفات الروسية التي كانت تنفذ على ارضنا في اليوم الواحد أكثر من ٥٠٠ غارة تلقي فيها اطنان من المتفجرات فتهتز بيوتنا بقنابل تسقط بعيدة عنا حوالي٥٠ كم، وكل يوم تقترب منا القنابل أكثر. تهشمت نوافذ بيوتنا.
لي أطفال صغار ٥ سنوات كانوا يتركون ألعابهم عندما يسمعون صوت الطائرة ويركضون للاحتماء في حضني ظناً منهم أن حضن والدهم سيحميهم، وأنا كوالد اطمئنهم واقول لهم أن هذه الطائرات لا تؤذي. وأنا اكذب كنت احرص على أن أبقى متوازنا أمام الصغار عندما يحوم الطيران فوقنا لأنهم ينظرون إلى تعابير وجهي أولاً ويقدرون الخطر منه.
يتصارع في داخلي حب البقاء في بلدي وخوفي أن أرى في أبنائي ما يسوءني إلى أن بدأنا نرى قوافل النازحين تتجه باتجاه الشمال. في الطريق كانت أرتال النازحين تسير إلى الشمال باتجاه المجهول لا أحد يعلم أين هو ذاهب يهربون من تقدم الجيش السوري والمحرقة الروسية. كانوا يحملون كل ما استطاعوا حمله خوفا من أن يسرقها الجيش فقد كان ضباط الجيش يبيعون القرى بمافيها من اغراض المدنيين الهاربين لسماسرة بمبالغ كبيرة وللسمسار أن يأخذ كل شيء من والقرية حتة اشرطة الكهرباء في حيطان المنازل.
https://www.facebook.com/syria.fm/videos/527884407813462/?t=16
بعد أن اقترب الجيش منا ما يقرب ٢٠ كم نزحت قريتنا. وفي نفس اليوم استهدف الطيران الحربي الروسي قرية قريبة، فقصف مدرسة وخيم نازحين كانوا يحزمون أمتعتهم للرحيل فقتلت عائلة كاملة مؤلفة من ٩ أشخاص وبقيت أغراضهم التي حضروها للنزوح في الشاحنة. أذهلت تلك اللحظات الجميع ولم يستطيعوا حتى انتشال جثث الضحايا حتى وصول الدفاع المدني الذي لا يستطيع المجيء إلا بعد مغادرة الطيران الأجواء كونه هدف مهم للطيران الروسي أكثر من خيم النازحين، حتى أن استهدافه أهم من استهداف المستشفيات. وهنا لم يبق بد من الرحيل!
بدأت رحلة البحث عن مكان في الشمال فالجو صقيع والأطفال لا يتحملون. كنت أشعر أني محظوظ أكثر من غيري فأنا أملك سيارة أستطيع أن أبقى فيها بجوار أحد الطرقات قرب الحدود، ولا نبقى تحت المطر. اتصل بي أحد الاصدقاء وأخبرني أنه يمتك بيتاً غير مكتمل البناء بإمكاني البقاء فيه فكان الخبر من أفضل ما سمعت بحياتي؛ كان أجمل من يوم نجاحي في الجامعة وتحقيق الدرجة الأولى على محافظة إدلب بأكملها.
الخبر، رغم أنه مفرح، لا يخفي حقيقة مغادرتنا لمنزلنا. وضعت أمي يدها على باب البيت في الموضع الذي كتبنا فيه “أهلا بضيوف الرحمن” عندما قدمت من الحج وبدأت تبكي. أبي العجوز يمسك دموعه فلا يستطيع؛ عمي المقعد يرفض الرحيل ويقول “سأموت في بيتي”؛ زوجته المسنة تسألني “هل ستترك الدول روسيا وبشار حتى يقتلنا كلنا”؟ وقد أخبرتها جارتها القريبة من سنها أنها سمعت أن ترامب سيضع حدا للأسد وهي لا تريد أن تسمع إلا خبراً ينير أمل البقاء في وطنها. كان الجميع يبكي فقط الأطفال هم من يضحك، فهم لا يعلمون القادم.
ابن عمي وجد مكاناً يستطيع أن يضع فيه زوجته وأطفاله فقط فوضعهم، ومشي طوال الليل في شوارع البلدة الجديدة ليتغلب على الصقيع. جارنا اضاع ابنه في طريق النزوح.
أعيش أنا وعائلتي الآن في منزل فارغ بعيداً عمّا نعرفه؛ وينتظرنا مستقبل غير واضح وتصعيد في وتيرة الهجوم. ومع ذلك، فأنا أعلم أننا من المحظوظين، الذين لا يُجبرون على النوم في الهواء الطلق وسط أمطار وصقيع، وعائلتنا ما زالت سليمة. أعانق أطفالي وأقول لهم إننا سنعود ذات يوم إلى منزلنا؛ ونجمع شملنا مع الشجرة في قريتنا وأغصان الزيتون، ونتنفس هواءها فقط. وهذه المرة، لا أعرف إذا كنت أكذب.”
قبل أيام قليلة من نزوح القرية التي عاش فيها عضو الفريق، استخدمت روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد تجديد قرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود لمدة 12 شهراً الذي من شأنه توفير المساعدات للسوريين عبر الموانئ في تركيا والعراق. ومع حجم النزوح الهائل في إدلب، فإن الآثار المترتبة على عرقلة روسيا والصين لتجديد قرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود يمكن أن تؤثر على مئات الآلاف من المدنيين السوريين، الذين تعرّض بعضهم للتهجير عدة مرات.
مسؤول الدفاع المدني في مدينة معرة النعمان "عبادة الذكرى" يتحدث عن الأوضاع الإنسانية في المدينة وحجم الدمار الذي لحق بها.#إدلب_تحت_النار#الخوذ_البيضاء pic.twitter.com/Z3Wvz9oqm7
— الدفاع المدني السوري (@SyriaCivilDefe) December 23, 2019
يواصل المركز السوري دعوته إلى تنفيذ وقف دائم ومستمر لإطلاق النار في إدلب، مع مراقبة ومساءلة وثيقة لجميع الانتهاكات. ومع نزوح مئات الآلاف من السوريين، يجب على تركيا فتح حدودها أمام اللاجئين وطالبي اللجوء، مع تلقي الدّعم من حلفائها لإيواء اللاجئين. ونظراً لعدم تجديد قرار المساعدات الإنسانية عبر الحدود – بناءً على رغبة أحد الجهات المشاركة في الهجوم على إدلب – سيتلقى السوريون مساعدات إنسانية أقل في وقت يحتاجون إليها أكثر.