سبعة أيام قضيتها في المشفى كانت كفيلة بإهانتي وتعذيبي طوال الوقت، كانوا يضربونني كلما وصل إلى المشفى عسكري من جيش النظام ميتاً أو مصاباً
11 / حزيران / يونيو / 2019
*منى محمد
يقع مشفى تشرين العسكري في الجهة الشمالية الشرقية من دمشق بين حي تشرين وحي برزة وحرستا؛ تم افتتاح المشفى رسمياً عام 1976 وذلك لعلاج الضباط والعساكر في الجيش السوري، بالإضافة لإجراء عمليات مخفضة لعائلات الضباط، كعمليات القلب والأطفال والعمود الفقري وزرع النقي والجراحة العظيمة. يتألف المشفى من عشرة طوابق بالإضافة للأبنية الملحقة به.
ومع بداية الثورة السورية في آذار عام 2011، بدأ المشفى باستقبال المصابين من الثوار والمتظاهرين وكانت البداية مع أحداث صيدا في آخر جمعة من نيسان من ذات العام. حيث ارتكب النظام مجزرة بالمتظاهرين واعتقل عدداً كبيراً منهم.
شهادات لمعتقلين تعرضوا للتعذيب في مشفى تشرين العسكري:
محمود مقداد من درعا كان أحد معتقلي أحداث صيدا، اعتقلته قوات الأمن بعد إصابته وتم تحويله مع عدد من المعتقلين إلى مشفى تشرين العسكري لتلقي العلاج هناك.
يروي محمود مقداد كيف تم جمعهم في قبو المشفى مكبلين ومغمضي الأعين، وقد قام عدد من العساكر المتواجدين في المشفى بضربهم.
“كانوا يضربون كل من يتحدثون إليه، وكان علينا أن نخاطب المرضين والأطباء بكلمة سيدي، كما في الأفرع الأمنية”.
تم التحقيق معي في المشفى وتجميعنا في الطابق السفلي، ونحن نتلقى العلاج والضرب في آن واحد.كنا مكبلين بالسلاسل أو مايسمى بالجنزير معاً.
وقد تلقى بعضنا الضرب وهو على طاولة العمليات وفي قسم التخدير. من يعاندهم أو يجيبهم أو حتى يصرخ من الألم تكون عاقبته الموت.
بعد عدة أيام من وجودنا في المشفى، قاموا بإزالة “الطميشة” (قطعة قماش توضع على العين لحجب الرؤية) وقد قام أحد الموظفين في المشفى بعرض بعض الصور علي، كانت شبيهة بالصور التي قام قيصر بتسريبها. وقد طلب مني التعرف على الأشخاص الموجودين فيها. تمكنتُ حينها من معرفة صورة ابن عمي وصورة أخرى لصديقي والواضح أنهم ماتوا في المشفى.
كما كان هناك صورة للطفل حمزة الخطيب والطفل تامر الشرع، وعليهما آثار التعذيب، وكنتُ قد رأيت حمزة في المشفى قبل أن يقوموا بقتله، طفلاً لم يتجاوز السادسة عشر من عمره يكتب على جبهة كلمة حرية، كانت السبب في إغاظتهم وتعذيبه، ثم قتله.
كانت هذه العملية تتم مع كل المعتقلين أي مشاهدة الصور والتعرف على الأشخاص فيها وكان الموظف يكتب رقم واسم صاحب الصورة عليها.
في تلك الفترة من الثورة، كان النظام يُسلم الجثث حتى وإن كان عليها آثار تعذيب للأهالي، لدفنها.
استمر المشفى يتبع نهجه في تعذيب المعتقلين حتى تحول إلى واحد من الأفرع الأمنية.
حيث تروي لنا حنان صالحاني من ريف دمشق والتي اعتقلت أواخر عام 2012 كيف تم تحويلها إلى مشفى تشرين العسكري بعد أن تم ضربها بشدة حين اعتقلت في حي تشرين.
كنتُ مكبلة في السرير من يديّ وقدمي وهناك “طميشة” على عيني. وكلما سمعتُ أحدهم يقترب مني تلقيتُ صفعة على وجهي أو ضربة على جسدي؛ همس لي أحد الذين ضربوني أن فرع الجوية آنذاك والذي قام بتحويلي إلى المشفى يريدني حية وإلا كنتُ الآن في عداد الأموات.
سبعة أيام قضيتها في المشفى كانت كفيلة بإهانتي وتعذيبي طوال الوقت، كانوا يضربونني كلما وصل إلى المشفى عسكري من جيش النظام ميتاً أو مصاباً.
-
تمنيتُ كثيراً إما الموت أو العودة إلى الفرع، فالتعذيب هنا أشد ألماً وذلاً.
وشهادة آخرى تروي فظائع ما يحصل في المشفى هذه المرة لسجين من صيدنايا.
عيسى الخطاب من حماة معتقل بين عامي 2015 و2016 يروي عيسى مشاهداته في مشفى تشرين العسكري الذي تحول إليه مع مجموعة من المعتقلين.
قائلاً: تم تحويلنا إلى مشفى تشرين العسكري، كنا 14 معتقلاً، تم وضعنا في قبو المشفى، تعرضنا للكثير من التعذيب والضرب والصعق الكهربائي.
كانوا يقتلون المعتقل بوضع رأسه بين عصا وحبل مربوط إليها ويقومون بلف العصا إلى أن يتم خنق المعتقل ويسقط ميتاً.
عُدنا 5 فقط من بين ال14 الذين تم نقلهم للعلاج، البقية تم قتلهم هناك، كان كل من يذهب إلى المشفى يعرف أنه ربما لن يعود، وإن عاد فإنه يحمل على جسده علامات تعذيب أخرى غير التي ذهب بها. كالضرب بالسلاسل والعصي والركل بالأحذية العسكرية.
لقد تعرضتُ للتعذيب في المشفى كثيراً، وتم ضربي بعصا غليظة وأنا مكبل بالسرير بالإضافة للشتائم والمسبات والإهانات التي تعرضتُ لها مع بقية المعتقلين من قبل الممرضين والأطباء، وعناصر الأمن المتواجدين في المشفى.
شهادات الوفاة
اختص مشفى تشرين العسكري باستخراج شهادات الوفاة للمعتقلين الذين يقضون في الأفرع الأمنية تحت التعذيب، وهذا ما أكدته الصور التي قام قيصر بتسريبها. حيث تنتهي ملفات وصور المعتقلين الذين يلقون حتفهم في جميع الأفرع الأمنية بدمشق، إلى مشفى تشرين العسكري لاستخراج شهادات تؤكد وفاتهم بالسكتة القلبية أوبمرض ما كان المعتقل يُعاني منه.
وقد استخرجت المشفى مئات الشهادات التي تثبت وفاة المعتقلين دون أي وجود لجثثهم أو أي إثبات آخر سوى الورقة المختومة من قبل المشفى.
رغم قيام المشفى بتسليم جثث المعتقلين الذين يستشهدون تحت التعذيب في بداية الثورة السورية إلا أن الكم الكبير من القتل الذي فاق التصور والتفنن فيه أيضاً حال دون ذلك لاحقاً.
تحويل المشفى إلى ثُكنة عسكرية
لم يكتفِ النظام وشبيحته بتعذيب المعتقلين الداخلين إلى مشفى تشرين العسكري، بل قام أيضاً بتحويل المشفى إلى ثُكنة عسكرية، حيث انتشر القناصة على بناء المشفى، والدبابات التي تقصف المدنيين عبر ساحته.
يتم من خلال الآليات العسكرية المنتشرة في المشفى قصف كل من حرستا وبرزة بالقذائف والصواريخ، وقد قام النظام بحفر خندق محيط بالمشفى وذلك تفادياً لتسلل الجيش الحر إليه.
وتفيد تقارير كثيرة صدرت عن المشفى من بينها تقرير لقناة “السي بي سي” أن المشفى يستقبل يومياً أكثر من خمسين جثة لعناصر النظام المقتولين على جبهات القتال، بالإضافة لعدد كبير من الجرحى.
وقد تحدث التقرير أيضاً وفق ما ذكر فريق “سوريا للجميع” للرصد والترجمة عن تهريب جثث قتلى النظام من الباب الخلفي للمشفى، خوفاً من أهالي العساكر المقتولين.
بالإضافة لانتشار معلومات تفيد بضلوع رئاسة المشفى المتمثلة في الطبيب مفيد درويش وبعض الأطباء بتجارة الأعضاء وتهريبها.
جزارون لا أطباء
لعل أبرز الأسماء التي تناقلها ناشطون وشهود عيان عن المشفى والانتهاكات التي تحصل فيه الدكتور مفيد درويش طبيب العظمية الذي بدأ عمله كرئيس قسم الإسعاف ثم تحوّل إلى عميد مدير للمشفى؛ عُرف عنه قتله وتعذيبه للمعتقلين، منذ بداية تواجده في المشفى، بالإضافة لأسماء أخرى منها الطبيب الشرعي العقيد إسماعيل كيوان وأيضاً الطبيب العقيد أكرم عيسى أخصائي جراحة بولية، والطبيب الملازم أول مهند موسى طبيب أوعية وجراحة صدرية، الطبيب الشرعي العميد أكرم الشعارالذي كتب تقرير وفاة الطفل حمزة الخطيب. طبيب التخدير الرائد حسان مرعي ويذكر أحد الشهود أنه كسر يده أثناء تعذيبه لأحد المعتقلين الجرحى. ومن الممرضين الذين عُرفوا بتعذيبهم للجرحى أيضاً، علي زهرة، أمير ماضي وخيرات سلهب، غياث إبراهيم رئيس قسم الصيانة المساعد عمار أسعد.
كل هذه الأسماء كانت مشرفة على تعذيب وقتل المعتقلين بحسب ما قام بتسريبها طبيب مقيم في المشفى وفق تقرير نُشر في تنسيقية أطباء دمشق.
تلميع النظام للمشفى
حاول النظام جاهداً تحسين صورة المشفى للرأي العام السوري والعالمي، وذلك من خلال تقارير نُشرت في قنوات النظام المؤيدة له باللإضافة لقناة روسيا اليوم التي أظهرت المشفى بأنه من أفضل المشافي جاهزية لاستقبال جرحى الجيش السوري، بالإضافة لزيارة رأس النظام له دون التطرق إلى خفاياه والقبو الذي يزدحم بالمعتقلين والجثث المتعفنة المرمية في زنازينه التي هي من المفروض أن تكون غرفاً للعلاج.
لايختلف مشفى تشرين العسكري عن مثيله مشفى 601 العسكري في تعامله مع معتقلي الثورة السورية ومئات الصور التي سربها المنشق قيصر خير دليل على أن هذه المشافي ليست سوى مسالخ بشرية تضاف إلى جرائم النظام وشبيحته في كل السجون والأفرع الأمنية التي تعتقل وتعذب وتقتل الأبرياء.