#########

بيانات وتقارير

نهب وتدمير آثار سوريا: انتهاكات مستمرة من أطراف عديدة على رأسها النظام السوري


شارك في نهب وتهريب الآثار عدد من رجالات الأسد الذين يشغلون مناصب رفيعة ويملكون سلطات واسعة في البلاد بالإضافة لعناصر من الشبيحة

28 / كانون الثاني / يناير / 2020


نهب وتدمير آثار سوريا: انتهاكات مستمرة من أطراف عديدة على رأسها النظام السوري

 

مع العدالة| فراس العلي

 

تتنافس القوى الفاعلة في سوريا على نهب الآثار حيث تضع كل جهة يدها على ما أمكن من مواقع أثرية بغية نهبها وبيعها بالسوق السوداء، خاصة بعد ظهور شبكات اتجار بالآثار تعمل على نطاق دولي داخل البلاد.

ولم يقتصر الأمر على نهب الآثار، بل بعض الجهات دمرت مواقع أثرية يعود عمرها لأكثر من 2000 سنة، مثل ما فعله تنظيم داعش في تدمر وما استهدفته قوات النظام من مواقع أثرية عديدة في سوريا.

 

 

وبين هذه القوى الفاعلة في سوريا والمتهمة بنهب الآثار، توجد العديد من الشبكات والسماسرة الذين يعملون كوسطاء أو منقبين عن الآثار بالقرب من مواقع أثرية يعتقد بأنها تحتوي على قطع أثرية ثمينة.

وبالفعل، خلال السنوات القليلة الماضية انتشرت الكثير من التوثيقات التي تؤكد أن آلاف القطع الأثرية التي تم نهبها من سوريا باتت في دول الجوار بالإضافة لدول أخرى.

واعتبرت منظمة اليونسكو أن معظم المواقع الأثرية المدرجة على قوائمها ضمن التراث العالمي مهددة بسبب أعمال النهاب بالإضافة لتعرضها إلى الدمار بفعل الحرب.

 

النظام ومافياته

تفيد تقارير بأن أكبر المتورطين في سرقة ونهب الآثار السورية هو رفعت الأسد عم رأس النظام، حيث كلف سرايا الدفاع في ثمانينيات القرن الماضي بالحفر والتنقيب عن الآثار في تدمر من أجل بيع ما يتم إيجاده من قطع أثرية في السوق السوداء بأوروبا.

 

“صورة لموقع أثري في مدينة تدمر تم نهبه وتدميره من قبل داعش والنظام السوري”

 

وتؤكد شهادات لسوريين، أن رفعت الأسد سرق تماثيل وقطع أثرية لا تقدر بثمن كما ألحق الضرر بالكثير من الأثريات بسبب اعتماده في الحفر على الجرافات والحفارات متبعاً طريقة عشوائية للبحث عن الآثار ورغم ذلك امتلأت عشرات الشاحنات بالآثار.

ولم يكن نهب الآثار مقتصراً على رفعت الأسد فحسب، بل امتد إلى بشرى الأسد وزوجها آصف شوكت الذي كان يدير المخابرات العسكرية، بالإضافة لأسماء عديدة منها العميد صبرا الخازم الذي كان يدير فرع الأمن العسكري في البادية ويشرف على التنقيب عن الآثار، وكان معروفاً بتهريبه للآثار هذا عدا أنه كنا يخبئ بعض القطع الثمينة عن بشرى الأسد.

 

وسرقت آثار سورية على يد أفراد من عائلة الأسد بالتعاون مع مديريات الآثار وأبرزها مديرية آثار تدمر بالإضافة للضباط المسؤولين عن إدارة الفروع الأمنية في المنطقة.

 

 

كما شارك في نهب وتهريب الآثار عدد من رجالات الأسد الذين يشغلون مناصب رفيعة ويملكون سلطات واسعة في البلاد بالإضافة لعناصر من الشبيحة.

 وفي عام 2016، فرضت الولايات المتحدة قيوداً على استيراد القطع الأثرية من التراث التاريخي والثقافي لسوريا من أجل التصدي لعمليات نهب وتهريب الآثار الدولية.

ولم يقتصر نهب الآثار عن رموز في نظام الأسد بل امتد إلى الميليشيات الأجنبية، حيث تشارك شركات إيرانية خاصة بالتنقيب عن الآثار في تدمر بالإضافة إلى البحث في 16 موقع أثري في درعا وبحماية الفرقة الرابعة.

 

قطعة أثرية تم نهبتها قوات النظام السوري من مدينة تدمر “

 

ويتخوف سوريون من مشاركة مسؤولين عن متاحف روسية بترميم الآثار السورية، حيث اتفقت إدارة متحف “إرميتاج” الروسي مع هيئة المتاحف والآثار التابعة للنظام على نقل آثار سورية إلى روسيا بحجة إعادة ترميمها.

وتأتي المبادرة من المتحف الروسي في الوقت الذي دمرت فيه ألحقت طائرات روسية ضرراً بعدة مواقع أثرية في عموم سوريا بعد استهدافها بالصواريخ والبراميل المتفجرة.

 

داعش تتاجر وتدمر

كانت مدينة تدمر إحدى المدن التي تهدمت آثارها على يد عناصر تنظيم داعش بداية عام 2016، فعندما سيطر التنظيم على المدينة هدم العدد من المعالم الأثرية وكان أبرزها قوس النصر المعروف في المدينة والذي يعود لأكثر من 1800 سنة، كما تعرض كل من معبدي بل وبعلشمين إلى دمار واضح من قبل عناصر التنظيم.

 

“صورة لعناصر تنظيم داعش في مدينة تدمر الأثرية”

 

 وعندما اضطر التنظيم للانسحاب عاد من جديد ليسيطر عليها في أواخر عام 2016، وأظهرت صوراً مع بداية عام 2017 الدمار الذي تعرضت له معالم أثرية في تدمر ومن أبرزها معبد التترابيلون بالإضافة إلى واجهة المسرح الروماني.

وفي ذاك الوقت، أعلن التنظيم أن هدفه من تدمير الآثار هو “القضاء على الأوثان والأصنام ومعالم الشرك، مدّعين أن هذه التماثيل تتم عبادتها”.

وكان التنظيم يدّعي تدمير الآثار بينما يتاجر بها سراً، ففي تقرير لصحيفة “إندبندنت” قالت فيه: إن “تدمير التنظيم للمتاحف يخفي الدخل الذي كان يحصل عليه من بيع القطع الأثرية التي احتفظ بها، وكان لديه قطعاً أثرية لا تقدر بثمن ويتم تداول هذه القطع في أوروبا بعد نقلها عبر تركيا”.

وعرفت تدمر بأنها ملتقى الثقافات العالمية حسب وصف مديرة اليونسكو، “إيرينا بوكوفا”، التي أكدت، أن التنظيم ألحق أضراراً كبيرة بالتراث الثقافي العالمي من خلال سرقة وتدمير آثار تدمر.

 

شمال سوريا

أدى انتشار الفوضى وعدم وجود مؤسسات مدنية تعنى بحماية الآثار السورية بشكل فعال في شمال سوريا إلى امتداد عمليات التنقيب عن الآثار في عدة مواقع أثرية في شمال سوريا من أبرزها مناطق بريف إدلب بالإضافة إلى عفرين.

ويقول مطلعون، إن الآثار التي يتم إيجادها تهرب على الفور إلى تركيا ومن هناك تبدأ عملية تسويقها أو محاولات إيصالها إلى دول أوروبا لبيعها بأسعار أعلى.

 

“صورة لقطع أثرية من مدينة إدلب تم سرقتها من قبل تنظيم داعش وهيئة تحرير الشام”

 

وشوهدت عدد من القطع الأثرية المنتشرة في تركيا والتي يحملها سوريون يبحثون عمن يشتري هذه القطع بالتزامن مع نشاط شبكات اتجار بالآثار بين الأتراك عملها الوحيد هو شراء هذه القطع الأثرية بأسعار زهيدة من السوريين ومن ثم بيعها في دول أخرى.

وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد أفاد في وقت سابق، أن هناك مواقع أثرية تعرضت للنهب من قبل فصائل مقربة من تركيا ومن بين المناطق التي تتواجد فيها مواقع أثرية كل من سيروس وقورش والنبي هوري؛ ففي تشرين الأول عام 2018، نفذت كتيبة صقور الشمال حفريات عشوائية بواسطة آليات ثقيلة بحثاً عن الآثار.

كما أكد المرصد، أن عناصر يتبعون لفصيل السلطان مراد نفذوا حفريات في ريف عفرين بحثاً عن الآثار، وتركزت عمليات التنقيب في كل من الت الذي يقع بين قرى بيباكا – قوشا – شرقا.

 

محاولات خجولة

بقيت محاولات حماية الآثار السورية من قبل المنظمات الدولية والإقليمية المعنية بذلك خجولة مقارنة بالأهوال التي شهدتها سوريا في هذا الجانب، واكتفت في عدة مناسبات بالتحذير وإيضاح ما يحصل من سرقة وتدمير وتهريب للقطع الأثرية في مواقع أثرية بسوريا.

كما شملت أعمال هذه المنظمات توثيق المواقع الأثرية التي تعرضت للضرر، ففي عام 2013 أدرجت اليونسكو ستة مواقع أثرية معرضة للخطر وهي دمشق القديمة وحلب القديمة وبصرى وقلعة الحصن وموقع تدمر وقرى أثرية تقع شمال سوريا.

 

“صورة لعناصر من جيش النظام السوري مع قطع أثرية رومانية”

 

وباتت بعض من الآثار السورية المنهوبة في متاحف حول العالم مثل متحف “بلاد الكتاب المقدس” في إسرائيل ومتاحف في بلجيكا، كما ظهرت عدد من القطع الأثرية في دول أوروبية عديدة.

وتحتوي سوريا على ما يقرب من 4500 موقع أثري هام متوزعة في عموم البلاد، ويبدو أن غالبيتها تعرضت للضرر بعد انتشار عمليات الحفر بحثاً عن الآثار وأملاً بجني أرقام خيالية من المال.

 

وتمثل عمليات نهب وتهريب وتدمير الآثار في سوريا انتهاكات جسيمة في تراث سوريا بينما نشرت عدة تحقيقات استقصائية تثبت هذه الانتهاكات ووردت فيها صوراً لقطع أثرية منهوبة لا تقدر بثمن.

 

المزيد للكاتب