#########

بيانات وتقارير

أطفال سوريا اللاجئون: خارج الوطن والتعليم!


في مخيم الزعتري، ثاني أكبر مخيم في العالم (100 ألف سوري)، تعتمد الخدمات التعليمية على 29 مدرسة. ووفقا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن ثلث أطفال المخيم -ممن هم في سن التعليم (25 ألفا)- لا يذهبون إلى المدارس

18 / كانون الثاني / يناير / 2020


أطفال سوريا اللاجئون: خارج الوطن والتعليم!

 

 

*مع العدالة| أحمد طلب الناصر 

 

بعد مرور ما يقرب من تسع سنوات على اندلاع الاحتجاجات، تؤثر الحرب الدائرة في سوريا بشكل مباشر وكبير على الأطفال في الداخل السوري وفي جميع دول الإقليم وما يتجاوزها. إذ طال العنف والتشرد وانقطاع الروابط الاجتماعية ونقص إمكانية الحصول على التعليم وبقية الخدمات الحيوية كل طفل سوري. وقد ترك كل ذلك تأثيراً نفسياً مدمّراً على الأطفال.

ولا يزال 2,6 مليون طفل مشردين داخلياً في سوريا بحسب تقديرات منظمة الطفولة في الأمم المتحدة (اليونسيف)، إضافة إلى 2,5 مليون طفل آخرين يعيشون كلاجئين في البلدان المجاورة.

 

  • الجهل: شبح المستقبل المخيّم على سوريا:

تعرضت أكثر من 7400 مدرسة خلال تلك السنوات إلى التدمير الكامل أو الجزئي أو الاستغلال لأهداف أخرى، عسكرية وأمنية أو كملاجئ للنازحين. وهذا العدد يشكل ما نسبته 51%  من مجموع المدارس السورية.

ونتيجة آلة الحرب التي وجهها النظام السوري وحلفاؤه بصورة مباشرة نحو تلك المدارس وبقية المناطق المدنية، والتي أدّت إلى مقتل ونزوح وتهجير غالبية الكوادر التعليمية، يعاني قطاع التعليم اليوم من فقدان نحو 85 ألف معلّم، وخروج ما يقرب من 2,7 مليون طفل من مقاعد الدراسة، نصفهم تقريباً في الداخل السوري والنصف الآخر يتوزّع بين لبنان وتركيا والأردن وشمال العراق. ولا شك بأن هذا العدد من الأطفال المتسربين ينذر بكارثة إنسانية تعادل بل وتفوق كل ما تعرضت له سوريا من كوارث خلال العقد الفائت.

 


  • التعليم في دول الجوار ومحاكاة واقع الداخل!

غالبية التقارير والدراسات المتعلقة بملف التعليم السوري تناولته من الجانب المرتبط بالأطفال النازحين في الداخل، لا سيما الموزّعين اليوم في محافظة إدلب التي تتعرض لهجوم هو الأشدّ من نوعه منذ نيسان/ أبريل الماضي. لكننا سنسلط الضوء في هذا التقرير على الواقع التعليمي للسوريين المهجرين في دول الجوار، والذي لا يقلّ سوءاً عن حالة الداخل.

 

“أطفال سوريون في لبنان” 

 

فمنذ اللحظة الأولى التي تجاوز فيها السوريون حدود بلادهم هرباً من آلة الحرب، وبعد أن أقاموا داخل مخيمات ومدن دول الجوار، سعوا إلى مطالبة المجتمع الدولي والمنظمات الأممية لتأمين فرص التعليم لأطفالهم، بوصفه حقًا إنسانيًا وبندًا مهمًا من بنود المعاهدات والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان وحقوق الطفل.

 

أمام تلك المطالبات، بالإضافة إلى ادّعاء حكومات دول الجوار المستمر بعجزها عن توفير ما يلزم للاجئين السوريين وطلبها المتكرر من منظمة الأمم المتحدة تقديم الدعم المالي لها بذريعة سدّ العجز، استجابت بعض المنظمات الدولية والأهلية، على رأسها منظمة “اليونيسيف”؛ وأخذت تشرف على تمويل المنظومة التعليمية الخاصة بالسوريين داخل تلك الدول.

 

لكن، وبدل أن تتطور العملية التعليمية وتسعى نحو الاستقرار، طرأت العديد من المتغيّرات على سير عملها منذ بداية العام الدراسي الفائت، 2018- 2019، بالتزامن مع تطوّر الأحداث السياسية الأخيرة لا سيما ما يتعلّق بملف عودة اللاجئين السوريين الذي سوّق له النظام بتحريض وضغط من حليفه الروسي.

 

فكيف كان حال المنظومة التعليمية للسوريين في تلك الدول، وما هو واقعها اليوم؟

 

  • البداية من لبنان:

يعيش السوريون عموماً في لبنان واقعاً مريراً لأسباب عدة لا يسعنا الخوض فيها هنا. انعكس هذا الواقع على الأطفال السوريين الذين يشكلون نحو نصف اللاجئين الموجودين هناك، أي ما يزيد على نصف مليون طفل.

ومنذ بداية تدفّق اللاجئين إلى لبنان عانى معظم الأطفال السوريين ممن هم في سن الدراسة من فقدان شهاداتهم الدراسية وأوراقهم الثبوتية، فتم إخضاعهم لامتحان صوري لتحديد الصف الذي يتناسب مع مستوى تعلّمهم وأعمارهم. وعلى الرغم من تجهيز ما يقرب من 150 مدرسة خاصة بهم في مختلف المناطق اللبنانية إلا أن ذلك لم يحلّ أكثر من 20% من مشكلة تعليمهم وإلحاقهم بالمدارس.

 

“صورة توضح مأساة تعليم الأطفال السوريين بسبب قصف المدارس”

 

أما في المدارس الحكومية، فيتوزّع الطلبة السوريون على نحو 900 مدرسة في كافة المدن والبلدات اللبنانية، بأعداد ونسب متفاوتة، تصل في بعض المدارس إلى طالب سوري واحد مقابل 3 طلاب لبنانيين. ويعاني الأطفال اليوم من عدم تمكنهم من التسجيل في مدارس المدن الكبرى، لا سيما العاصمة بيروت؛ حيث ترفض غالبية المدارس تسجيل اللاجئين المقيمين فيها متذرّعة بامتلاء الشواغر تارةً، وتارة بتوقّف التمويل الخاص باللاجئين السوريين؛ كما وتطالب أولياء الطلاب بإحضار أوراق رسمية وثبوتيات كجوازات سفر وإقامات سارية المفعول التي يفتقدها معظم السوريين نتيجة لجوئهم العشوائي عبر الحدود هرباً من الموت.

 

“صورة لسوريين في مخيم للاجئين على الحدود التركية السورية”

 

كما ويرفض بعض الطلبة اللبنانيين وأهاليهم مشاركة السوريين صفوفهم لأسباب عنصرية وسياسية واجتماعية، كرّستها الحكومة اللبنانية بشكل سافر من خلال تصريحات ممثليها، وأحد تلك التصريحات كان لوزير خارجيتهم “جبران باسيل”، نهاية العام 2018، حين شبّه السوريين بـ “قنابل موقوتة”.

وصرّح مصدر لبناني مطّلع على واقع التعليم في حديث خاص لـ “مع العدالة”، بأن “عدد الأطفال السوريين خارج التعليم يصل إلى 400 ألف طفل، يقيم أغلبهم في منطقة البقاع”. ويتابع المصدر قوله بأن “هذا العدد الهائل، يحاول طمسه الإعلام والحكومة إضافة إلى المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في لبنان التي تدّعي بأن كامل الأطفال السوريين ما بين سن (5- 17) المسجلين لديها يصل عددهم إلى نحو 400 ألف نسمة فقط، وهذا منافي للحقيقة”.

 

“صورة لطفلة سورية أمام جدار مدرستها المدمرة في الشمال السوري”

 

وأضاف المصدر “جلّ أولئك الأطفال المتسربين يعملون بأشغال البستنة داخل المزارع اللبنانية المنتشرة على طول البقاع؛ أما في المدن فيعملون بشتى أنواع المهن ابتداءً من تجميع القمامة وبيع المناديل الورقية انتهاءً بميكانيك السيارات وأعمال البناء”.

ومنذ بداية العام الفائت تم منع تسجيل الطلبة السوريين الجدد في المدارس والتضييق أيضاً على المسجّلين القدامى بوسائل شتى بالتزامن مع ممارسة تضييق شاركت فيه منظمة الأمم المتحدة عبر سحب دعمها الشهري عن ما يقارب 90% من العوائل السورية.

أما في الأردن: فقد بلغ عدد اللاجئين السوريين ما يقرب من 659 ألف لاجئ، حسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أما الحكومة الأردنية فتقول أن ثمة 643 ألف لاجئ سوري إضافي غير مُسجلين. ويشكّل الأطفال ممن هم في سن الدراسة نحو نصفهم. 

ويواجه بعض الأطفال السوريين المقيمين داخل المدن صعوبات على المستوى التعليمي، منها عدم وجود بطاقة مفوضية وبطاقة الخدمة الخاصة باللاجئين السوريين، أو ما يُعرف بـ “الهوية الأمنية”، وبخاصة اللاجئين الذين غادروا مخيمات اللجوء من دون وجود كفيل، حيث تشترط التربية الأردنية وجود هذه الوثائق، كشرط رئيس لتسجيل الطلاب السوريين. وتتوفر إمكانية التسجيل في المخيمات دون تلك الشروط مع توفّر الكتب والقرطاسية مجاناً من قبل منظمة اليونسيف.

 

“صورة من مخيم الزعتري لأطفال سوريين يقومون بتجهيز حصة الدراسة في خيمة” 

 

ففي مخيم الزعتري، ثاني أكبر مخيم في العالم (100 ألف سوري)، تعتمد الخدمات التعليمية على 29 مدرسة. ووفقا لبيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن ثلث أطفال المخيم -ممن هم في سن التعليم (25 ألفا)- لا يذهبون إلى المدارس.

وفي إقليم كردستان العراق: أنشئت مخيمات لاستقبال موجات اللجوء، كمخيم “دوميز” في “دهوك”، ومخيمات أربيل والسليمانية، ليصل عدد اللاجئين اليوم ما يقارب 300 ألف لاجئ. واستحدثت المدارس بإمكانات بسيطة وكوادر متطوعة بادئ الأمر ثم تم إنشاء مدارس (كرفانات) جهزتها اليونسيف بكافة المستلزمات التعليمية،

وبلغ عدد المدارس 31 مدرسة تغطي جميع المراحل الصفيّة لطلاب بلغ عددهم نحو 30 ألف طالب، أكثر من نصفهم داخل المخيمات، والباقون يتوزعون في مدارس مدن الإقليم.

 

وتعتبر مشكلة التسرب الدراسي من أهم المشكلات التي تواجه الأطفال في مدن الإقليم، نتيجة اضطرار أسرهم للعمل والاستقرار في المدن وضواحيها وبعض القرى والمزارع، ما دفع الأطفال في سن الدراسة إلى البقاء بعيدًا من مقاعد الدراسة ومساعدة الأهل. كما أن مدارس مدن الإقليم لم تستقبلهم بداية الأمر إلى أن صدر قرار يسمح لهم بالدراسة فيها؛ وعلى الرغم من ذلك بقي الالتحاق ضعيفًا نتيجة المناهج التي تدرّس باللغة الكردية، ما يشكّل صعوبة على الطلبة من أبناء المكوّن العربي. وكذلك سحبت اليونسيف يدها مؤخراً من دعم مدارس المخيمات التي كانت تعلّم باللغة العربية، لتحلّ محلها مناهج الإقليم ذات اللغة الكردية.

أما في تركيا، فلا تزال منظمة اليونيسيف مع مفوضية الاتحاد الأوروبي تقدمان الدعم الكامل للطلبة السوريين داخل المخيمات وفي المدن التركية، على الرغم من إنجاز خطّة دمج الطلبة السوريين في المدارس الحكومية التركية.

 

“صورة لأطفال سوريين في إحدى المدارس التركية” 

 

ويشكل عدد الأطفال السوريين في سن الدراسة النسبة الأعلى بين جميع دول الجوار وبقية دول اللجوء، إذ تجاوز اليوم مليون طفل من بين نحو 4 ملايين لاجئ. وبالرغم من استمرار تقديم الدعم الأممي لتعليم الأطفال السوريين بالإضافة إلى السياسات التعليمية الصارمة التي تطبقها الحكومة التركية لإلحاقهم بمدارسها الرسمية، إلا أن أكثر من ثلثهم لا يزال خارج مقاعد الدراسة اليوم نتيجة التحاق غالبيتهم بسوق العمل لتأمين مصاريف المعيشة المرتفعة داخل المدن التركية.

 

المزيد للكاتب