#########

بيانات وتقارير

إقرار قانون “قيصر”: هل سيفتح مجدداً ملف المختفين قسرياً؟


خلال العامين الأخيرين، قام نظام الأسد بتسريب قائمتين تضمّان أسماء معتقلين قضوا داخل السجون والمعتقلات، الأولى منهما ضمت أسماء لـ 13 ألف معتقل تعرّضوا لعمليات الإعدام المعروفة في سجن صيدنايا

23 / كانون أول / ديسمبر / 2019


إقرار قانون “قيصر”: هل سيفتح مجدداً ملف المختفين قسرياً؟

 

 *مع العدالة| أحمد طلب الناصر 

 

أخيراً، وبعد سنوات من الشدّ والجذب، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الجمعة 20 ديسمبر الجاري، على قانون حماية المدنيين في سوريا المعروف بـ”قيصر- سيزر” والذي يفرض عقوبات مشددة على نظام الأسد والداعمين له بسبب الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري.

 هذا القانون الذي صادق عليه مجلس النواب الأميركي في 15 نوفمبر 2016 بأغلبية ساحقة، يتعلّق بالعسكري السوري السابق الملقب بقيصر، الذي انشق واستطاع تهريب آلاف الصور الفوتوغرافية لجثث ضحايا تعرضوا للتعذيب، ووثق ونشر أكثر من خمسين ألف صورة لعمليات تعذيب وقتل لمدنيين سوريين مختطفين ومعتقلين ومغيّبين على يد النظام السوري.

 

“صورة للعسكري المنشق “قيصر” بلباسه الأزرق أثناء مصادقة الكونغرس الأمريكي على قانون قيصر”

 

وبمجرد توقيع ترامب على الموازنة الأمريكية التي تضمّ بين صفحاتها قانون سيزر حتى عاد ملف المعتقلين والمغيبين والمختفين قسرياً ليثار تارة أخرى، كونه يعتبر من أكثر الملفات الشائكة المطروحة في جميع المؤتمرات والمحادثات الدولية الخارجية التي تناولت وتتناول الوضع في سوريا، وحتى على مستوى مفاوضات “الهدن” و”المصالحات” داخل سوريا، إذ يتم طرحه كأحد شروط التفاوض على التسويات واتفاقات التهجير، وغالباً ما يلتفّ النظام السوري على المسألة ويتحايل عليها بإطلاق سراح عدد قليل من المعتقلين حديثاً، بقضايا وأوضاع بعيدة كل البعد عن أوضاع عشرات الآلاف القابعين في معتقلاته منذ تسع سنوات، والكثيرين منهم لقوا حتفهم تحت التعذيب والإعدامات الميدانية.

 

 

ولم تستطع أية جهة دولية حتى الآن أن تحقق تقدّماً في هذا الملف، أو أن تتمكّن من محاسبة المسؤولين عن عمليات الاعتقال والتعذيب داخل سجون ومعتقلات النظام و”مسالخه البشرية”.

 

  • إحصاءات ومطالبات:

بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، تجاوز عدد المختفين قسرياً الـ 128 ألف شخص، وهم ما زالوا قيد الاختفاء القسري حتى اليوم على يد أطراف النزاع الفاعلة في سوريا، وأن نحو 14 ألف شخص قُتلوا جراء التّعذيب في سجون النظام منذ آذار منذ مارس/ آذار 2011 حتى اليوم. 
واستمرت الشبكة على مدى السنوات التسع بإصدار التقارير والدراسات والرسومات البيانية المتعلقة بالمعتقلين والمختفين قسرياً.

 وضمن جميع تلك المتابعات تعتبر الشبكة أن النظام السوري هو أول أطراف النّزاع ممارسة للاعتقال التعسفي بشكل ممنهج ضدَّ مختلف أطياف الشَّعب السوري، حيث استخدم جميع الأساليب والخطط (المافيوية) في عمليات الاعتقال، ومعظمها من دون مذكرات توقيف قضائية وغالباً ما تحصل لدى مرور الأشخاص من نقطة تفتيش أو أثناء عمليات المداهمة، و يتعرَضون للتّعذيب منذ اللحظات الأولى لاعتقالهم، ويُحرَمون من التواصل مع عوائلهم أو محاميهم. وكل ذلك يتم وسط إنكار السلطات قيامها بعمليات الاعتقال التعسفي، فيتحوَّل معظم المعتقلين بالتالي إلى حالات “اختفاء” قسري تجاوزوا اليوم ما نسبته 85%. وبحسب تقارير الشبكة فإن هذا التصرف مقصود ومُخطط له بشكل مدروس من قبل النظام السوري.

 

وأكّدت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة “كيلي كرافت” الأعداد التي طرحتها الشبكة، فخلال الاجتماع الشهري لمجلس الأمن المخصص للنزاع السوري في 30 سبتمبر 2019، قالت كيلي بأن “نحو 128 ألف سوري هم قيد الاحتجاز التعسفي. هذه الممارسة غير مقبولة وعلى نظام الأسد إطلاق سراحهم”. ودعت إلى السماح للمراقبين الدوليين بالدخول إلى السجون في سوريا. وكانت المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول غربي عن هذا العدد من السجناء في سوريا.

 

وأضافت كرافت موضّحة بأنه ومنذ بدء النزاع في عام 2011، أصدر الرئيس السوري أكثر من عفو عن السجناء، خصوصاً عامي 2014 وفي 2018، وكذلك في منتصف أيلول/سبتمبر الأخير. بيد أنها لا تشمل السجناء السياسيين.

أما “الهيئة السورية لفك الأسرى والمعتقلين” فتذكر في تقاريرها بأن أعداد المعتقلين لدى النظام تصل إلى 450 ألف معتقل.

وقالت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام، “روزماري دي كارلو” إن أعداد المختفين قسرياً في سوريا تصل إلى 100 ألف شخص، وإن الأمم المتحدة والمجموعات الحقوقية توصلّت إلى هذا الرقم نتيجة لأبحاثها الخاصة.

 

“صورة لمعتقلين سوريين أثناء تواجدهم في قاعة لدى النظام السوري المجرم”

 

وفي خطاب لها أمام مجلس الأمن في السابع من أغسطس الماضي، حمّلت السيدة دي كارلو الحكومة السورية المسؤولية عن معظم الحالات وقالت إن العديد من الأشخاص اختفوا في السجون السورية ولم يُعرف أي شيء عن مصيرهم بعدها.

وأشارت إلى استمرار حالات وفيات المعتقلين بالحدوث. ومعظمها يقع تحت التعذيب أو نتيجة للإهمال أو الظروف غير الإنسانية. مضيفة بأن “منذ بداية الحرب الأهلية السورية، جمع نظام بشار الأسد عشرات الآلاف من السوريين المعارضين للحكم واعتقلهم. ووُجّه للكثيرين تهماً بالانضمام إلى جماعات إرهابية أو إلى المعارضة المسلّحة فيما اقتيد ناشطون آخرون بسبب مشاركتهم في المظاهرات لا غير”.  

 

  • قوائم وفاة بحق المعتقلين:

خلال العامين الأخيرين، قام نظام الأسد بتسريب قائمتين تضمّان أسماء معتقلين قضوا داخل السجون والمعتقلات، الأولى منهما ضمت أسماء لـ 13 ألف معتقل تعرّضوا لعمليات الإعدام المعروفة في سجن صيدنايا، والتي نشرتها منظمة (أمنستي) ضمن تقرير “المسلخ البشري”. والثانية التي احتوت أسماء 8 آلاف معتقل قضوا تحت التعذيب، قام بتوزيعها على مديريات السجل المدني التي سجّلت الوفاة لأسباب طبيعية (سكتة قلبية- جلطة دماغية).

 

“وثيقة وفاة يصدرها النظام لذوي المعتقلين الذين يموتون تحت التعذيب في سجونه وأفرعه الأمنية”

 

وما زالت تصل إلى بعض الأسر السورية إخطارات رسمية بوفاة ذويهم، دون أن يتم تسليم جثثهم أو تزويدهم بأماكن دفنهم. وهو ما يقف عائقًا أمام اتخاذ الأهالي أي إجراء قانوني لتحديد سبب الوفاة أو مكانها أو حتى المطالبة بجثامين الضحايا.

 

وفي منتصف هذا العام، طالبت ثماني منظمات حقوقية دولية وسورية، وبينها منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، بالكشف عن مصير نحو مئتي ألف من المختفين قسريًا والمحتجزين تعسفيًا وكل من باتوا في عداد المفقودين ضمن إطار الصراع الذي اندلع قبل أكثر من ثماني سنوات وقتل فيه قرابة نصف مليون شخص وفق بعض التقديرات.
وحثت المنظمات، عبر بيان مشترك أصدرته، الدول الأعضاء بمجلس الأمن الدولي على التطرق فورًا إلى ملف الاعتقالات التعسفية، وعمليات الخطف والتعذيب وأنواع سوء المعاملة الأخرى، والاختفاء القسري بشكل واسع النطاق لعشرات الآلاف من السوريين.

 

وتحدث البيان عن وفاة المئات أثناء اعتقالهم جراء التعذيب أو سوء المعاملة، وقال إن النظام السوري أخفى قسريا آلاف الأشخاص، يتعين إنهاء عذاب عائلات المختفين قسريا والمحتجزين تعسفيا عبر الضغط على الحكومة السورية. والكشف عن أسماء ومواقع ومصير الأشخاص الذين تعرضوا للاختفاء القسري والخطف، والذين أعدموا خارج نطاق القضاء أو وفق إجراءات موجزة، أو ماتوا في مراكز الاحتجاز، وإعادة جثامين الضحايا فورا إلى عائلاتهم.
كما دعت إلى وقف المحاكمات العسكرية للمدنيين السوريين، ومنح المراقبين الدوليين المستقلين التحقيق في ظروف الاحتجاز. واقترحت أيضًا إنشاء نظام موحّد لتسجيل جميع المفقودين في سوريا.

 

“صورة تظهر مسيرة في العاصمة الفرنسية باريس للتضامن مع المعتقلين السوريين”

 

ختاماً، من الواضح بأن النظام، ومن خلفهم الروس، لا يرغبان مطلقاً في حل حقيقي لقضية المعتقلين، لأن فتح هذا الموضوع قد يعقبه مطالب بالتفتيش والتحقق من المنظمات الدولية في ظروف الاعتقال ووفاة المعتقلين، وهذا سيقود إلى إدانة مؤكدة للنظام السوري، وقد يتبع ذلك مطالب بمحاكمات دولية للعديد من المسؤولين في النظام، بمن فيهم رئيس النظام. وبالتالي يعقد السوريون الأمل اليوم على تفعيل قانون قيصر بالصورة التي يتم عبرها تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة وداعميهم.

 

المزيد للكاتب