تقرير احصائي توثيقي للعام الأول من اتفاقية “التسوية”
04 / آب / أغسطس / 2019
المصدر: مكتب توثيق الشهداء في درعا
منذ اندلاع الثورة السورية في محافظة درعا في مارس / آذار 2011 وحتى اليوم مازالت قوافل الشهداء لا تتوقف، آلاف من الشهداء وأساليب مختلفة من القتل لم يسلم منها مدني أو عسكري، وطالت حتى الجنين في رحم أمه. منذ تأسيس مكتب توثيق الشهداء في درعا أعلن انحيازه التام نحو الثورة السورية وعمل على توثيق شهداء الثورة من عسكريين ومدنيين. عمل يومي وجهد كبير يقوم به المكتب في سبيل الاحتفاظ ببيانات شهداء درعا، فاستطاع المكتب المحافظة على حياديته للثورة والإنسان رغم كل ما طال الثورة من تحزبات وانقسامات، ورغم انحراف عدد من الفصائل العسكرية والأطراف المسلحة المحسوبة على الثورة في درعا، وارتكاب بعضها لمجازر بحق المدنيين والتورط في عمليات القصف العشوائي، إلا أن ذلك لم يمنع مكتب توثيق الشهداء في درعا من الاستمرار بتوثيق الشهداء ممن تتسبب هذه الفصائل العسكرية والأطراف المسلحة باستشهادهم، بالإضافة لتوجيه الاتهامات لها مباشرة والمطالبة بمحاسبتهم.
في النصف الثاني من عام 2018 شنت قوات النظام حملة عسكرية على كامل جنوب سوريا وانتهت بالسيطرة عليه، بعد عقد مجموعة من اتفاقيات “التسوية” في أكثر من منطقة، رغم هذه الاتفاقية واستعادة قوات النظام لسيطرتها المباشرة وغير المباشرة على كامل محافظة درعا، لم توقف الانتهاكات بحق المدنيين ومن انضم إلى هذه الاتفاقية، حيث شهد العام الأول من عمر هذه الاتفاقية توثيق ارتكاب مختلف الأطراف لانتهاكات عديدة ومتنوعة، فاختار المكتب “اتِّفَاقُ الاِنتِهَاكَاتِ” كعنوان لتقرير احصائي وتوثيقي للعام الأول من اتفاقية “التسوية” في محافظة درعا، لما له من إشارة لتلك الفترة الزمنية.
بعد المعركة التي شنتها قوات النظام على محافظة درعا، في النصف الثاني من العام 2018، دخلت معظم فصائل المعارضة في مفاوضات تحت إشراف “مركز المصالحة الروسي بين الأطراف المتحاربة في سوريا” وتم التوصل لعدة اتفاقيات لـ “التسوية” مجهولة البنود في معظمها ولم تقدم تفاصيلها للرأي العام. غيرت هذه الاتفاقية من واقع السيطرة في محافظة درعا وبدأت على إثرها عمليات تهجير للرافضين إلى شمال سوريا، استمرت على عدة أسابيع، كما استمرت قوات النظام مدعومة بفصائل المعارضة التي انضمت لها، بات يطلق عليها مصطلح “فصائل التسوية”، في عملياتها العسكرية في منطقة حوض اليرموك في ريف درعا الغربي.
استطاعت قوات النظام إنهاء كافة المعارك في محافظة درعا بتاريخ 31 تموز/يوليو 2018، ليُعتبر التاريخ الذي يليه هو تاريخ تطبيق الاتفاقية بكافة تفاصيلها، وعلى إثرها اختلفت السيطرة العسكرية على الأرض بين عدة مناطق. بشكل عام فإن قوات النظام استعادت السيطرة على محافظة درعا، في بعض مناطقها بشكل مباشر وفي مناطق أخرى بشكل غير مباشر أو من خلال قوات تابعة لها تشكلها “فصائل التسوية”.
غياب التفاصيل الكاملة لاتفاقية “التسوية” جعل من الصعب تحديد الخروقات المرافقة لبنودها، لذلك استمرت عملية الرصد والتوثيق لكافة انتهاكات حقوق الإنسان في محافظة درعا، بما في ذلك عمليات الاعتقال والإخفاء القسري والتغييب والاغتيالات، بمعزل عن بنود الاتفاقية.
شهد العام الأول من اتفاقية “التسوية” والممتد من 01 آب/أغسطس 2018 لغاية 31 تموز/يوليو 2019، توثيق استشهاد 103 شهيد داخل محافظة درعا وتحت التعذيب في سجون قوات النظام، بالإضافة لتوثيق 36 شهيد من أبناء المحافظة في شمال سوريا، بينهم 33 مقاتل استشهد العدد الأكبر منهم خلال الاشتباكات ضد قوات النظام.
استطاع المكتب خلال ذات الفترة توثيق استشهاد 21 شهيد تحت التعذيب في سجون قوات النظام، 5 منهم تم اعتقالهم بعد الاتفاقية، 10 من هؤلاء الشهداء حصلت عائلاتهم على شهادات وفاة رسمية صادرة عن دوائر السجل المدني، رغم تراجع وتيرة إصدار النظام لهذه الشهادات مؤخرًا.
شكلت حوادث انفجار الألغام ومخلفات القصف غير المتفجرة، النسبة الأكبر من أعداد الشهداء، حيث وثق المكتب استشهاد 46 شهيد، ما نسبته 56 %من إجمالي أعداد الشهداء داخل منطقة “التسوية”، باستثناء الشهداء تحت التعذيب في سجون قوات النظام. بينما شكلت عمليات الاستهداف المباشر بالرصاص ما نسبته 23.1 %من إجمالي أعداد الشهداء داخل منطقة “التسوية”.
شكلت عمليات الاعتقال التي طالت المدنيين والمقاتلين السابقين ممن انضم إلى اتفاقية “التسوية”، أحد أبرز الانتهاكات التي مارستها قوات النظام خلال هذا العام، حيث وثق مكتب توثيق الشهداء في درعا اعتقال قوات النظام لـ 634 معتقل، تحت تصنيفات مختلفة، تم إطلاق سراحهم 166 منهم في وقت لاحق، بينما قتل 9 منهم تحت التعذيب في سجون قوات النظام.
استمرت عمليات ومحاولات الاغتيال والإعدام الميداني في محافظة درعا، على الرغم من سيطرة قوات النظام بشكل مباشر وغير مباشر على المحافظة، في استمرار لحالة الفوضى الأمنية التي ترسخت خلال الأعوام الأخيرة من سيطرة فصائل المعارضة.
شهدت الأشهر الأربعة الأولى من اتفاقية “التسوية” هدوء وانخفاض في عدد عمليات ومحاولات الاغتيال والإعدام الميداني، ما لبثت أن بدأت وتيرتها بالارتفاع والتسارع، لاسيما خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من العام الأول من اتفاقية “التسوية”.
وثق مكتب توثيق الشهداء في درعا 125 عملية ومحاولة اغتيال وإعدام ميداني، خلال العام الأول من اتفاقية “التسوية”، أدت لمقتل 73 شخص وإصابة 38 آخرين، بينما نجى 14 شخص من محاولة الاغتيال.
شهدت محافظة درعا تباين واضح للغاية في التوزع الجغرافي لعمليات ومحاولات الاغتيال، حيث تركزت معظم العمليات في ريف درعا الغربي. حيث وثق مكتب توثيق الشهداء في درعا 90 عملية ومحاولة اغتيال في ريف درعا الغربي فقط، بينما تم توثيق 22 عملية ومحاولة اغتيال في ريف درعا الشرقي، بالإضافة لتوثيق 13 عملية ومحاولة اغتيال في مدينة درعا.
إن المكتب يدعم أي حل سلمي يساهم في حقن دماء المدنيين وتجنيب محافظة درعا وعموم سوريا ويلات استمرار المعارك، كما يدعم المكتب كافة الحلول التي تضمن إحقاق الحقوق وتأمين عودة اللاجئين والنازحين داخليًا إلى منازلهم. لكن اتفاقية “التسوية” التي تمت في محافظة درعا، ورغم أنها ساهمت في التخفيف من حدة عمليات القتل، وإيقاف كامل عمليات القصف الممنهج والغارات الجوية التي تعرضت لها محافظة درعا على مدار أكثر من سبعة سنوات، إلا أنها لم تكبح قوات النظام عن سياساته في ارتكاب الانتهاكات، لا سيما باستمرار عمليات الاعتقال والتغييب القسري للمعتقلين وحجب المعلومات عن ذويهم، كما أن قوات النظام مازالت تتكتم على مصير الآلاف من المعتقلين خلال السنوات الأولى من الثورة السورية.
إن فصائل المعارضة وقادتها الذين شاركوا في صياغة هذه الاتفاقية، يتحملون جزء من مسؤولية إطلاع الرأي العام على كافة بنودها، وتحديدا الآليات المتعلقة بالمراقبة ومنع الانتهاك، وهو الأمر الذي لم يحدث، حيث مازالت الكثير من تفاصيل هذه الاتفاقية مجهولة وغير واضحة.
إن قوات النظام ومن تحالف معها، استغل هذه الاتفاقية لترسيخ حالة من عدم الاستقرار والسيطرة غير المباشرة على محافظة درعا، وإنشاء حالة من الفوضى المتفاقمة تدريجيا، ما انعكس في سلسلة من عمليات الاغتيال التي لا تتوقف.
لقد استغلت قوات النظام اتفاقية “التسوية” والتفت على العديد من الوعود التي حصل عليها الأهالي، وتحديدًا فئة الشباب، لتوسعة عمليات التجنيد القسري وإلحاق الشباب في صفوف قوات النظام وأفرعه الأمنية.
إن مكتب توثيق الشهداء في درعا يعتبر أن اتفاقية “التسوية” ساهمت بشكل كبير جدًا في فرض حالة عدم الاستقرار في محافظة درعا، وقد تكون هذه الحالة مفتعلة وتمهد لحملات أمنية وعسكرية مستقبلًا، كما يعتبر المكتب أن تغييب الرأي العام عن كافة بنود وتفاصيل هذه الاتفاقية وعدم الوضوح في آلية التنفيذ والمحاسبة فيها، ساهم في جعلها اتفاقية من طرف واحد فقط، وهو النظام وداعميه، بينما لا يملك الطرف الثاني أي قدرة على الضغط أو المتابعة أو الحصول على الضمانات لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه ومنع النظام من خرقه. إن المكتب يرى أن انخفاض مستوى العنف نتيجة استعادة قوات النظام لسيطرتها المباشرة والغير مباشرة على محافظة درعا، تزامن مع ارتفاع في مستوى مجموعة من الانتهاكات الأخرى، وتحديدًا فيما يتعلق بالمعتقلين وعمليات التجنيد القسري.