قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر عن النظام عام 2012 كبديل عن قانون الطوارئ أعطى النظام مزيداً من الصلاحيات للتحكم بأملاك المدنيين وسهولة إطلاق الأحكام المسبقة عليهم واعتبارهم إرهابيين
25 / تشرين أول / أكتوبر / 2019
*مع العدالة – فراس العلي
فوضى عارمة وسرقات بالجملة حصلت من جميع الأطراف العسكرية في سوريا ولكن أبرزها كانت على يد نظام الأسد الذي لم يكتفِ بسرقة منازل مدنيين سوريين، بل سمح لدول حليفة له بالاستيلاء على هذه الممتلكات.
وتوثق تقارير حقوقية حصول المزيد من الانتهاكات بما يخص “الاستيلاء على ممتلكات المدنيين غير المنقولة” في أنحاء سوريا، منها سرقة منازل المهجرين من أرياف دمشق وسن القوانين الناظمة لهذه السرقات على يد مؤسسات نظام الأسد ولعل أبرزها القانون رقم 10 لعام 2018 والذي يسمح للنظام بوضع يده على الملكيات الخاصة دون اتباع إجراءات قانونية واجبة أو منح تعويض مناسب.
وامتد موضوع الاستيلاء على منازل المدنيين إلى الأطراف الأخرى مثل تنظيم “داعش” و”هيئة تحرير الشام” و”قسد” – قوات سوريا الديمقراطية – وفصائل المعارضة بالإضافة لمجموعات أخذت من تزوير وثائق الملكية العقارية في سوريا مجال عمل لها.
ويمكن اعتبار أن أبرز المصاعب التي تواجه النشاطات الحقوقية المهتمة بالشأن السوري هي توثيق ملكيات المدنيين خاصة أولئك الذين فقدوا أوراقهم الثبوتية أثناء نزوحهم أو تهجيرهم القسري أو تعرض أحيائهم لقصف جوي أو هجوم عسكري.
منذ عهد داعش
بدأت تزداد ظاهرة الاستيلاء على منازل المدنيين بشكل واضح مع ظهور تنظيم داعش عام 2014 وسيطرته على قسم جغرافي واسع من سوريا ليبدأ بخلق دواوين مختصة تدير شؤونه بالمناطق التي استولى عليها.
ومن بين هذه الدواوين ديوان العقارات الذي ما إن تأسس حتى بدأ بجمع الضرائب من أهالي المنازل والبيوت وحتى البسطات بالشوارع، ودخل ضمن اختصاص ديوان العقارات مصادرة المنازل التي تركها أصحابها ونزحوا لمناطق لا تتبع للتنظيم.
وسُلمت معظم المنازل التي تمت مصادرتها خلال مرحلة حكم التنظيم إلى مقاتليه وخاصة الأجانب وتم تسجيل هذه المنازل باسمهم، أما عن المدنيين الذين تمت مصادرة عقاراتهم فهم:
-المطلوبون للتنظيم.
-النازحون من مناطق التنظيم إلى مناطق أخرى لا تتبع له.
-أصحاب المنازل من المسيحيين أو الإيزيديين وقسم من الأكراد.
“صورة لمهجري الغوطة الشرقية” -نت
ويقول أبو عبد الله أحد المدنيين الذين عاشوا في مناطق سيطرة التنظيم لفترة مؤقتة: إن “داعش كان يصادر المنازل بحجة أن أصحابها من المرتدين والكفار! إلى درجة أنه كان في كل حي منزل مصادر للتنظيم ويقطنه أحد مقاتليه”.
ويكمل، أن التنظيم كان يعتمد طريقة مخابراتية بحيث يكون لديه منزل بكل حي يراقب من خلاله المقاتل التابع له والذي يقطن بهذا المنزل سكان الحي الآخرين ويعرف توجهاتهم وموقفهم من التنظيم.
وعاد قسم كبير من المنازل إلى أصحابها بعد أن طرد تنظيم داعش من شمالي سوريا لكن جزء منها كان مدمراً بالكامل بسبب المعارك التي خاضها التنظيم الأمر الذي تسبب بخسائر كبيرة لأصحاب هذه العقارات.
النظام يسرق المدنيين
سُرقت أعداد كبيرة من العقارات التابعة للمدنيين ضمن مناطق النظام خاصة بعد حملة تهجير مئات الآلاف من أرياف دمشق، ولم يمض وقت طويل على تهجيرهم حتى شرعن النظام الاستيلاء على منازل المهجرين بحجة التخطيط العمراني وأطلق ما عرف بالقانون رقم 10 لعام 2018.
ولم يتمكن غالبية المدنيين المهجّرين من أرياف دمشق أن يعودوا لمنازلهم أو حتى أن تبقى ملكيتها عائدة لهم؛ فوفق خبراء قانونيين جاء القانون رقم 10 الجديد ليبرر لنظام الأسد ممثلاً بمؤسساته عملية الاستيلاء على الممتلكات الخاصة عبر حجزها.
“صورة لنهب ممتلكات المدنيين في سورية من قبل ميليشيات نظام الأسد” -نت
وبهدف التغيير الديمغرافي الذي يخطط له نظام الأسد، منح الإيرانيون في دمشق ومحيطها أكثر من 8 آلاف عقار ليسكنها أجانب يحملون الجنسيتين العراقية والإيرانية ومن الطائفة الشيعية وفق تأكيدات وسائل إعلامية نقلاً عن مصادر بإدارة السجلات العقارية.
وقبل صدور القانون رقم 10، سجلت تهم صورية بحق مدنيين اضطروا لمغادرة سوريا وترك أملاكهم مثل “تمويل جماعات إرهابية – المساس بأمن الدولة … إلخ”.
وتؤكد هيئة القانونيين السوريين، أن النظام مستمر بمصادرة عقارات السوريين معتبرة أن ذلك استكمالاً لجريمة التهجير القسري بهدف التغيير الديمغرافي وتجريد المدنيين من أملاكهم المنقولة وغير المنقولة سواء بالمصارف أو بالدوائر العقارية وسلبها وتقديمها للشبيحة كمكافأة لهم عن جرائمهم التي ارتكبوها بحق السوريين.
قانون مكافحة الإرهاب ذريعة واهية
لم تقتصر مصادرة أملاك المدنيين الذين اضطروا لمغادرة سوريا على القانون رقم 10 وتزوير الوثائق العقارية التي باتت تنتشر مؤخراً وثبت تورط قضاة ومحامين بهذه العمليات بل امتدت إلى الاستعانة بعقوبات كل الجرائم المنصوص عليها بقانون مكافحة الإرهاب التي تنص على مصادرة الأملاك المنقولة والغير منقولة.
“صورة من الإنترنت”
وجاء في المادة رقم 12 من قانون مكافحة الإرهاب، في جميع الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون تحكم المحكمة بحكم الإدانة بمصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة وعائداتها والأشياء التي استخدمت أو كانت معدة للاستخدام في ارتكاب جريمة وتحكم بحل المنظمة الإرهابية في حال وجودها.
وقانون مكافحة الإرهاب الذي صدر عن النظام عام 2012 كبديل عن قانون الطوارئ أعطى النظام مزيداً من الصلاحيات للتحكم بأملاك المدنيين وسهولة إطلاق الأحكام المسبقة عليهم واعتبارهم إرهابيين.
جهات أخرى
لم ينجُ المدنيون من نظام الأسد حتى جابهوا قوى عسكرية أخرى بررت لنفسها الاستيلاء على منازل المعارضين لها أو لأنه ينتمون لعرقية أو طائفة معينة أو بسبب مواقفهم المعارضة لوجودهم.
ولعل أبرز الأمثلة على ذلك ما حصل في عفرين من قبل فصائل معارضة وما أقدمت على فعله هيئة تحرير الشام في إدلب وريفها، حيث تؤكد تقارير حقوقية وفي مقدمتها تقرير لـ”هيومن رايتس ووتش- Human Rights Watch “، أن فصائل مدعومة من تركيا استولت على ممتلكات تخص مدنيين أكراد في عفرين.
ودعت المنظمة إلى تعويض الملاك عن استخدام ممتلكاتهم أو إلحاق الضرر بها خاصة أن قوانين الحرب تجرم أفعال النهب والاستيلاء القسري على أملاك خاصة لاستخدام شخصي، كما تمنع تدمير الممتلكات دون ضرورة عسكرية.
“صورة لمديرية المصالح العقارية في حماه” -نت
كما تمتد الانتهاكات التي تعرض لها مدنيون في سوريا إلى إدلب حيث تتمركز هيئة تحرير الشام، وقد وثقت تقارير حصول انتهاكات من قبل الهيئة ومصادرتها لممتلكات مدنيين بمناطق عديدة.
ففي مارس الماضي، أصدرت منظمة “سوريون من أجل العدالة والحقيقة” تقريراً وثقت فيه حصول عمليات سلب ومصادرة أملاك عامة وخاصة من قبل هيئة تحرير الشام في إدلب وريفها.
وأكدت، أن الهيئة صادرت في كانون الثاني الماضي، أكثر من 20 منزلاً في جرجناز بريف إدلب وبعضها تعود ملكيته لمدنيين وأخرى لناشطين، كما وثقت انتهاكات للهيئة طالت الأموال العامة والخاصة في كل من معرة مصرين وراعة وسراقب وإدلب المدينة.
توثيق الانتهاكات
ربما يكفي توثيق الانتهاكات التي حصلت بحق مدنيين في سوريا بعد أن نهبت ممتلكاتهم المنقولة والغير منقولة الخاصة في الوقت الراهن، ولكن مع مرور الوقت تصعب مسألة توثيق هذه الانتهاكات خاصة إن حصلت عمليات بيع وشراء لهذه الممتلكات.
ويخشى سوريون من ضياع حقوقهم واستكمال نهب ممتلكاتهم دون وجود أية بوادر ملموسة دولية ومحلية من أجل الدفاع عنهم سوى بتوثيق هذه الانتهاكات.
ولعل من أخطر ما مرّ على الأملاك الخاصة في سوريا هو إتلاف السجلات العقارية في بعض المدن من قبل تنظيم داعش بالتزامن مع تأسيسه ديوان العقارات الذي اعتمد فيه على نظام جديد لإدارة الأملاك الخاصة والعامة بمناطق سيطرته.
لذا بات سوق البيع نشطاً بشكل ملحوظ خلال السنتين الماضيتين بشهادات العديد من المدنيين وبمناطق مختلفة من سوريا في محاولة لحفظ قيمة أملاكهم العقارية خيراً من أن يتم سلبها ويفقد بذلك المالك حقه ببيعها حتّى.
الجدير ذكره أن الأخطار التي وقعت على عقارات المدنيين بسبب معركة ما أو خطر محتمل ساهم بشكل ملحوظ بالتأثير على قيمة العقارات الأمر الذي أدى إلى فقدان المزيد من المنازل لجزء من قيمتها.