فرضت "قسد" طوقاً أمنياً وحواجز "طيارة" ودوريات مسيّرة تعمل على توقيف أو اعتقال أيّ شاب يكون بذات العمر التي تخوله بحسب الأوامر لخدمة "واجب الدفاع الذاتي" في صفوف قواتها
24 / كانون أول / ديسمبر / 2019
*مع العدالة – آشين العلي
اعتمدت “قوات سوريا الديمقراطية – قسد” في الفترة الأخيرة بعد معاركها مع تنظيم “داعش” على عناصر من فئات أخرى – غير كرديّة، وأغلبهم من أبناء العشائر العربية، وهم سكان المنطقة، وغيرهم من العرب النازحين والمهجّرين الذين دفعتهم المعارك الحاصلة في مناطقهم إلى الفرار نحو محافظة الحسكة والمخيمات الواقعة على أطرافها.
وكانت “قسد” تستخدم أساليب الترغيب أحياناً كي تكسب أكبر عدد ممكن من المتطوعين في صفوفها، أو المجندين، برواتب زهيدة تكاد تسدّ احتياجاتهم لأسابيع. لكن بعد الحملتين التي قامت بهما تركيا”نبع السلام- ودرع الفرات” أخذت “قسد” تعمل على تجنيد المهجّرين من الشباب بشكل إجباري، وتعتقل فئات عمرية محدّدة بذريعة أنهم ضمن السنّ القانونية للتجنيد، أي ما فوق الــ 19 عاماً، حتى 30 إن لم يكونوا وحيدين لذويهم أو لديهم وضع إنساني ومغاير لطبيعة الشباب الذين يتمتعون بصحة جيدة.
حيث فرضت “قسد” طوقاً أمنياً وحواجز “طيارة” ودوريات مسيّرة تعمل على توقيف أو اعتقال أيّ شاب يكون بذات العمر التي تخوله بحسب الأوامر لخدمة “واجب الدفاع الذاتي” في صفوف قواتها. وذلك، ابتداءً من محافظة الرقة بعد (تحريرها) من داعش، وريف دير الزور الشرقي، وقرى ومدن محافظة الحسكة.. وهذا ما جرى مع مئات الشباب المهجّرين من مناطق أخرى.
*شهادات وحالات
- تقول الحقوقية والناشطة في مجال التوثيق وحقوق الإنسان ” بروين عبد الله”: إن الانتهاكات التي تقوم بها “قسد” فظيعة جداً، ولا تقتصر على سوق الشباب إلى الخدمة في صفوفها بشكل إجباري، بل إن هناك انتهاكات أخرى بحق الأهالي في مناطق سيطرتها ومخيمات اللجوء، ترقى إلى جرائم حرب، ومنها التعذيب والاستغلال الجنسي والمادي، والاعتداء بالضرب، والابتزاز والترهيب. وهنالك حالات كثيرة أخرى حصلت، مثل موت أطفال بسبب نقص العلاج أو الأغذية، علاوة على انتشار الأوبئة، والأمراض بسبب قلّة العناية وانخفاض درجات الحرارة شتاءً، أو ارتفاعها في فصل الصيف ما يؤدي إلى أمراض كالحمّى والربو واللشمانيا والأمراض الجلدية الأخرى.
وتضيف السيدة “العبد الله”: هذه الانتهاكات أيضاً سُجّلت في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة، وبوتيرة أعلى أحياناً، بحسب الفصيل المسيطر على الجغرافيا، ومرات تكون أقل وخاصةً في بعض قرى الشمال السوري. أما عن مناطق سيطرة النظام، فحدّث ولا حرج، حيث إن النظام المجرم هو أصل البلاء وكان المسبب الأول في المقتلة السورية والتهجير والقمع وحالات الاختفاء القسري والاعتقالات مع حلفائه.
وتروي “سناء الفواز” 42 عاماً وهي من محافظة دير الزور معاناة ابنها سالم 22 عام، إضافةً إلى ما جرى مع أقربائها وهم عائلة نازحة أيضاً من ريف دير الزور الشرقي، وكانوا يقطنون في مخيّم “الهول” لمدة ثمانية أشهر تقريباً، استطاعوا دخول مناطق “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” في محافظة الحسكة لاستئجار منزل بعد أن حصلوا على كفالة من قبل معارف أكراد.
تقول السيدة “الفواز”: بعد أن خرجنا من جحيم “مخيم الهول” أواخر عام 2017 الذي يعدّ معتقلاً ومركزاً للتعذيب والإذلال بشكل يومي، قمنا أنا وابني وأختي الصغيرة باستئجار بيت صغير، يكفي لثلاثة أشخاص، حيث إن زوجي قُتل في دير الزور عام 2015 من قبل أشخاص ملثمين، يعتقد أنهم يتبعون لتنظيم داعش، بسبب خلافات حول أرض زراعية. – أما أهلي نزحوا إلى إدلب، بعد أن كانوا في ريف دمشق.
وتكمل: استغلت شخصيات تعمل مع “قسد” وضعي العائلي، وقاموا بابتزازي من حيث الأموال، حتى اضطررتُ لبيع آخر ما تبقى لدي من مصاغ ذهب، وبعد عام اعتقلوا ابني سالم واقتادوه إلى التجنيد الإجباري، وهو الآن أمامي يجلس معاقاً بسبب رصاصة تلقاها في ظهره خلال معركة، وهو الشاب اللطيف الذي لا يعرف حمل قط صغير، فكيف له أن يحمل بندقية؟!
“صورة لأطفال ونساء في مخيّم الهول -الحسكة تحت سيطرة قوات قسد”
نحاول الآن الفرار، واللجوء إلى تركيا، لكن الأوضاع على الأرض لا تسمح.. وأنا أعاني كل يوم وأدعو ربي أن يمنحنا الخلاص من كل هؤلاء القتلة.
وتضيف “الفواز”، أن بعضاً من أقربائها كانوا في المخيّم، وخرجوا بعدها بفترة وجيزة، وأيضاً قام شخص وهو تاجر ” كردي” يدعى “أبو أيوب” باستغلال وضعهم الإنساني، وأخذ يهددهم برفقة جماعة مسلحة تابعة لقوات ” الأشايس” بإعادتهم إلى المخيم، أو اعتقالهم إن لم يدفعوا لهم الأموال، وقد لفّق لهم تهم عديدة منها أنهم يتعاطفون مع “داعش” أو ينتمون لهذا التنظيم؛ وهم الآن قد خرجوا من المنزل الذي قاموا باستئجاره، ويقطنون لدى معارف من العشائر العربية ريثما تستقر أمور الحدود ليتمكنوا دخول تركيا بحسب ما أخبروني.
“صورة لمقاتلين ومقاتلات من قوات الأشايس الكردية”
*إحصائيات
بحسب المرصد “الأورومتوسطي لحقوق الإنسان” ضمن تقرير أصدره في تاريخ 30/7/2019 أن قوات سوريا الديمقراطية “قسد” قامت بانتهاكات إنسانية وعمليات إعدام خارج إطار القانون، بحق آلاف السوريين القاطنين في الجزء الشرقي من البلاد”.
أما الشبكة السورية لحقوق الإنسان وثقت من خلال تقرير صدر في “فبراير” 2019 أن عمليات الاعتقال ووتيرة الاختفاء القسري بحق المدنيين من قبل “الإدارة الذاتية” الكردية قد ارتفعت وازدادت منذ بداية عام 2019. وصار الخطاب العنصري واضحاً بحق النازحين، وقد تحولّ أكثر المعتقلين إلى مختفين قسرياً لا وجود لهم ضمن قوائم “قسد”، وكانت الأخيرة تنكر وتنفي دائماً ضلوعها في عمليات الاختفاء.
“صورة لطفل سوري من الرقة يبكي بعد تهجير أسرته إلى مخيم للنازحين في قرية عين عيسى”
وفي تقرير آخر للشبكة “أن قوات سوريا الديمقراطية – قسد، متهمة بالمسؤولية عن مقتل 214 طفلاً منذ يناير/ كانون الثاني 2014، مشيراً إلى 722 طفلاً ما زالوا رهن الاعتقال أو الاختفاء القسري في مراكز الاحتجاز التابعة لـ” قسد”.
وأضاف التقرير أيضاً أن “من بين 86 حالة تجنيد لأطفال قامت بها قوات “قسد” منذ 2014، قتل منهم 23 طفلاً في ميادين القتال”.
“صورة لطفلة سورية في مخيم عند الحدود السورية التركية”
أخيراً، ندعو نحن كسوريين جميع المنظمات الإنسانية والحقوقية، ومجلس الأمن الدولي، والأمم المتحدة، وكافة الهيئات الفاعلة في الملف السوري إلى الضغط على حلفاء “قوات سوريا الديمقراطية” وأوّلهم أمريكا الحليف الرئيس لــ”قسد” لإيقاف الانتهاكات بحق السوريين، والنازحين والمهجرين من مناطق أخرى، والعمل على استقرار المناطق المتوتّرة وضمان السلم الأهلي بين مكونات الشعب السوري جمعاء؛ كما نطالب القوى الكبرى وأصحاب القرار والمنظمات الحقوقية بالضغط على الدول الإقليمية وخاصةً تركيا لإيجاد حل فوري وسريع لوقف المجازر التي تحصل كل يوم بحق أهلنا في محافظة إدلب وغيرها من مناطق تشهد قصفاً بربرياً من قبل النظام السوري وحليفته روسيا، وهي اليد الطولى التي قامت بأبشع جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية والقصف الجوي والبري وحرق أغلب المدن السورية وتهجير سكانها منذ تدخلها عام 2015.