لم يكن هناك نية لدى الدول المستضيفة للاجئين السوريين بإعادة توطينهم ومنحهم جنسياتها إلا في عدد من الدول الأوروبية وتركيا التي أعلنت عن منح الجنسية لقرابة 80 ألف لاجئ سوري
20 / أيار / مايو / 2019
فراس العلي – مع العدالة
يشغل ملف إعادة اللاجئين قسراً إلى بلادهم غالبية السوريين الذين يعيشون في دول الجوار وأبرزها لبنان والأردن، بالتزامن مع توالي التصريحات من بعض مسؤولي الدول التي تحتضن لاجئين التي يزعمون من خلالها بانتهاء الحرب في سوريا وأن النظام سيطر على زمام الأمور ولابد أن يتم النظر بملف عودة السوريين إلى ديارهم.
وباتت عدة دول تبدي تذمرها من طول أمد وجود اللاجئين السوريين على أراضيها وأبرزها لبنان، حيث يخرج مسؤولون يدعون باستمرار إلى إعادة اللاجئين السوريين ويحرضون بخطابات تثير الكراهية والعنصرية على اللاجئين ويعتبرون أن بقاءهم يضر بمصالح لبنان ومرتبط بحصول عدة مشاكل داخلية وحتى انتشار أوبئة وأمراض!
ورغم أن القوانين الدولية التي تنص على ضرورة التزام الدول المستضيفة بصيانة وتطبيق حقوق اللاجئين على أرض الواقع، إلا أن الأمر بات يعكس غير ذلك، حيث اتخذت دول قرارات لتمكين اللاجئين من العودة إلى بلادهم قسراً عبر التضييق عليهم معيشياً أو حتى إعطائهم مبالغ مالية لكل من يريد العودة لسوريا.
وفي العام الماضي، قدمت ألمانيا على سبيل المثال دعماً مالياً لـ437 لاجئاً سورياً لتمكينهم من العودة إلى بلادهم بشكل طوعي، وأكدت الحكومة الألمانية مواصلة العمل على ذات البرنامج، حسب وكالات ألمانية رسمية.
أما في الأردن فهناك اتفاق بين الهلال الأحمر السوري والحكومة الأردنية مع وجود الضامن الروسي من أجل تأمين نقاط ومراكز لإعادة السوريين إلى بلادهم، بينما تتوقع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، أن حوالي 250 ألف لاجئ سوري بإمكانهم العودة إلى بلادهم، بينما عاد العام الماضي حوالي 37 ألف سوري للبلاد وفق إحصائيات أممية.
ويبدو أن العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية تركز على ملف إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم عبر دعم وخلق عدد من الطرق الهادفة للانتهاء من ملف اللاجئين السوريين.
عنصرية واضحة
لا يخفى على أحد حملات العنصرية التي تعرض لها اللاجئون في العديد من البلدان التي لجأوا إليها، حتى أن البعض كان ضحية لها رغم عدم تدخله، إلا أنها ليست المبرر لاتخاذ الحكومات المستضيفة للسوريين قرارات والإدلاء بتصريحات تتمركز حول دعم عودة السوريين لبلادهم.
وفي لبنان خرجت العديد من الحملات ضد السوريين، حيث طالبت عدة أطراف بترحيل السوريين من بينهم مسؤولون يتولون إدارة مناصب حكومية رغم أن لبنان بات من الدول المستفيدة من الدعم الدولي الذي تتحصل عليه بحجة دعم اللاجئين السوريين.
“ليرحل السوريون” هذا الوسم كان حاضراً في عدد من الدول غير لبنان مثل تركيا والسعودية، وأصبح فزاعة أمام اللاجئين الذي هربوا من جحيم الحرب أملاً بإيجاد حياة آمنة بغير دولة حتى إسقاط النظام ورموزه.
ويعيد البعض هذا التوجه إلى أسباب محددة أبرزها كما يقول علي الحمود أحد الحقوقيين المتابعين لملف اللاجئين، طول أمد أزمة اللاجئين، حيث يعتبر أن اللاجئين باتوا عبئاً على المجتمع الدولية بسبب الالتزام بدعمهم الدول المستضيفة لهم ضمن فترات زمنية طويلة.
ويتابع، ما يثبت ذلك هو تقليل المخصصات من الدعم الدولي للمنظمات المحلية التي تغيث اللاجئين والانتقال إلى برامج إغاثية أخرى مثل برامج الاندماج أو دعم العودة لسوريا في الوقت الذي نلاحظ فيه تقدم نظام الأسد وسيطرته على مناطق واسعة بسوريا بعد عمليات الترحيل القسري للسوريين من مدنهم وبلداتهم ضمن ما يسمى بـ “التسويات”.
ولم يكن هناك نية لدى الدول المستضيفة للاجئين السوريين بإعادة توطينهم ومنحهم جنسياتها إلا في عدد من الدول الأوروبية وتركيا التي أعلنت عن منح الجنسية لقرابة 80 ألف لاجئ سوري.
الهدف واحد
تختلف الطرق إنما الهدف واحد وهو إعادة اللاجئين السوريين قسراً لبلادهم، ففي لبنان قرر المجلس الأعلى للدفاع بعد اجتماع في القصر الجمهوري، نيسان الماضي، ترحيل اللاجئين السوريين الذين دخلوا إلى لبنان بطريقة غير شرعية بحجة أنهم يذهبون إلى سوريا ويعودون إلى لبنان للاستفادة من برامج الدعم الأممية.
وفي ألمانيا، أعلنت الداخلية الألمانية عام 2017 عن برنامج “شتارتهيلفه بلوس” والذي خصصت من خلاله مبلغ 40 مليون يورو لمساعدة اللاجئين الذين يقررون إنهاء إجراءات اللجوء والعودة لبلادهم.
وبناء على هذا البرنامج، يمنح كل لاجئ رفض طلب لجوئه 800 يورو للعودة إلى بلاده و1200 يورو لكل لاجئ يزيد عمره عن 12 سنة ويقرر سحب طلب لجوئه، واعتبر وزير الداخلية آن ذاك أن العودة الطوعية تمثل كل من ليس لديه فرص للبقاء بألمانيا.
وفي عام 2018، فعلت الحكومة التركية برنامج العودة الطوعية للاجئين السوريين، فكل من يحمل بطاقة “الكيملك” وهي التي تمنحه حماية مؤقتة بتركيا ويرغب بالعودة إلى سوريا بشكل نهائي، يمكنه تقديم طلب إلى مديرية الهجرة التابع لها والحصول على طلب العودة الطوعية.
ويبدو أن معظم الدول التي استضافت اللاجئين السوريين قد خالفت إحدى الأحكام الرئيسية ضمن اتفاقية 1956 الخاصة بأوضاع اللاجئين بالعالم والتي تنص على عدم جواز إعادة اللاجئين أو بالأحرى حظر الطرد أو الرد لبلد يخشى أو تخشى فيه من التعرض للاضطهاد.
لاجئون يعلقون
بات اللاجئون السوريون موزعين في أنحاء العالم، كل واحد منهم وجد نفسه في بلد ما وبات يحاول التأقلم مع عادات وتقاليد البلد المستضيف وتعلم اللغة وإيجاد مهنة جديدة والعيش بشكل دائم دون التفكير بالعودة إلى سوريا ولو تحسنت الأوضاع حسب قول البعض.
فائز الأحمد، لاجئ سوري يقيم في تركيا يقول خلال حديثنا معه: “لا أفكر أبداً بالعودة إلى سوريا، لكن تصريحات المعارضة التركية المتوالية عن السوريين والتهديد بإعادتنا إن استلموا زمام الحكم بالبلاد نوايا تثير لدينا القلق كلاجئين، ثم حتى إذا عدنا إلى أين سنذهب بعدما مسحت منازلنا واستولى نظام الأسد وشبيحته على ملكياتنا”.
ويؤيد الأحمد فكرة الاندماج ومحاولة التأقلم مع المجتمع التركي أملاً بنيل الجنسية التركية فيما بعد، حيث يتابع “أنتظر حصولي على الجنسية التركية وإن حصل ذلك لن أفكر بتاتاً بالعودة إلى سوريا بأي وقت”.
أما علي الحسين وهو لاجئ يقيم في لبنان، يقول خلال اتصال هاتفي: “الوضع في لبنان مأساوي للغاية، هنا إذا سألنا أحد أنت سوري، نخاف أن نقول له ذلك خاصة أن العنصرية في أوجها ضد السوريين داخل لبنان، أما عن عودتي لسوريا فبالتأكيد سنعود جميعاً لكن ليس في هذا الوقت ولا مع وجود نظام الأسد”.
ويتابع، أنا مطلوب للخدمة العسكرية وأخي مشارك بالجيش الحر ومطلوب لدى نظام الأسد، كيف سنعيش بمكان تحكمه عصابة مثل نظام الأسد وشبيحته إن عدنا لكننا نتخوف من المسؤولين بالحكومة اللبنانية الذين يهددون باستمرار بترحيل السوريين.
خالد أبو وسيم أحد اللاجئين المقيمين في ألمانيا، يتحدث حول الموضوع قائلاً: “الدول الكبرى تحاول إعادة اللاجئين وشرعنة وجود نظام الأسد الذي يحقق التقدم مع الوقت في سوريا وتحاول إغلاق الملف السوري، بينما هناك دول بات لديها مصالح مباشرة بسوريا ومن بينها روسيا وأمريكا وإيران وتركيا ومن المستحيل أن تتقاطع المصالح”.
ويضيف، بين المصالح الدولية يتعلق مصيرنا نحن اللاجئين، فلا نعرف ما هو مستقبلنا وكيف ستعاملنا الدول المستضيفة تبعاً لمصالحها المتغيرة مع الوقت، لا أستبعد صدور قرارات لترحيل اللاجئين أو التضييق عليهم حتى يقرروا الاستسلام والعودة طوعياً لكن بشكل صوري.
ولا يتمتع قسم كبير من اللاجئين السوريين في أنحاء العالم بالاستقرار الدائم خاصة أولئك الذين لم يتمكنوا من الاندماج بالمجتمعات المستضيفة، فيما حصل قلة قليلة منهم على جنسية البلد المستضيف وباتوا مواطنين بلد ثانٍ ونجوا من صفة لاجئ.