المثير للسخرية أن النظام الذي دعم وعلانية مسيرة جيشه الالكتروني، أصدرت محاكمه عشرات التهم والأحكام الوجاهية والغيابية بحق أشخاص قاموا بأفعال أقل أو مشابهة لهذا الجيش
16 / شباط / فبراير / 2019
“شبيحة العالم الافتراضي”
*سائد الشخلها _ مع العدالة
عندما كان النظام السوري يعتقل المتظاهرين في شوارع درعا ودمشق وحمص، وقواته تقصف دير الزور وحماة وحلب، كانت عناصره الالكتروني ة ترتكب أبشع الجرائم هي الأخرى بحق الناشطين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي بحرب تطورت مع الأيام لتخرج عن السيطرة في أحيان كثيرة.
النشأة والتطور
انطلق جيش النظام الالكتروني بعيد أشهر من الثورة السورية، وكان الإعلان الرسمي عنه عندما اعتلى ناشط موالٍ للنظام، منبر ساحة “السبع بحرات” الدمشقية في نيسان من عام 2012، ليتلو قَسَم الجيش السوري الالكتروني على الملأ، ليبدأ وقتها حملة من الاختراق والتبليغ على صفحات الناشطين ورموز المعارضة السورية، كالحملة الهمجية على صفحة “هادي البحرة” على الفيسبوك، والتي أدت لإغلاقها فترة من الزمن، ولكن بعض الناشطين اعتبروا أن الإعلان الرسمي لانطلاق هذا الجيش كان على لسان بشار الأسد شخصياً في خطابه بـ 20 حزيران 2011، والذي أثنى به على ما سماه “مقاتلي العالم الافتراضي”. وقال تقرير نشرته جريدة السفير اللبنانية على لسان من أسمته المتحدث الرسمي باسم الجيش السوري الالكتروني بأنهم “تأسّسوا عام 2011، من قبل عشرة سوريين، من الخبراء في عالم التقنية. ونجحوا حتى عام 2015 بتنفيذ 334 هجوماً معلناً، أهمّها كان على مواقع إلكترونيّة تابعة لجهات عسكرية، منها الموقع الرسمي للجيش الأميركي، والموقع الرسمي للمارينز، ووكالة “أسوشيتد برس وغيرها.
وشهد عام 2013 تحولاً لنشاط جيش النظام الالكتروني ، حيث انتقل من حملات التبليغ لحملات اختراق لمواقع معارضة كموقع التنسيقيات السورية، ومواقع عالمية كحساب قناة “ITV” البريطانية على موقعي التواصل الاجتماعي تويتر وفيسبوك، واختراق حسابات تابعة لصحيفة “ديلي تلغراف” البريطانية، كما اخترق موقع صحيفة “فايننشال تايمز” وحسابها في “تويتر”، ليضج الإعلام العالمي والمحلي بتحليلات وصلت لاتهام فرع المعلومات 255 التابع لإدارة المخابرات بإدارة هذا الجيش وتحت إمرة اللواء غسان خليل شخصياً بأكثر من تقرير، ولمحت تسريبات ويكليكس عام 2012 أن مدير شبكة دمشق الإخبارية والمسؤول عن الصفحة الرسمية لبشار الأسد على الفيسبوك عمار إسماعيل، هو المسؤول عن هذا الجيش.
تزايدت وتيرة الاختراقات عامي 2014 و2015 لتصل ذروتها، حيث اخترقت حساب شركة سكايب على موقع “تويتر “و”فيسبوك” وكذلك مدونتها ونشرت رسالة تقول “لا تستخدموا خدمات الرسائل الالكترونية التابعة لمايكروسوفت (هوتميل وأوتلوك) فهم يراقبون حساباتكم ويبيعون المعلومات إلى الحكومات”. وقد ظلت هذه الرسالة منشورة قرابة الساعتين قبل أن يتم سحبها، ونشروا بيانات التواصل الخاصة بالرئيس التنفيذي المتقاعد لشركة مايكروسوفت “ستيف بالمر” في حسابه على موقع “تويتر” مصحوبة برسالة تقول “يمكنكم أن تشكروا مايكروسوفت لمراقبتها حساباتكم وبريدكم الالكتروني باستخدام هذه التفاصيل.. الجيش السوري الالكتروني “.
حمل عام 2016 وما بعده نكسة لجيش النظام الالكتروني ، ولم يسجل برصيده سوى بعض محاولات خجولة، وأغلقت حسابات الجيش السوري الالكتروني في “فيسبوك” و”توتير” لأكثر من 150 مرة، بينما صودر “دوماين” الموقع الالكتروني من قبل الجمعية العلمية السورية، والذي رآه ناشطون بأنه إعلان تمثيلي كي لا يلام النظام السوري على ما سيقدِم عليه الجيش الالكتروني في الأيام المقبلة، وعزى بعض الباحثين تلك النكسة للتطور الكبير الذي حدث في مجال الحماية وبرمجة المواقع التي جعلت منها حصينة ضد هجمات هذا الجيش، ولانكشاف طرقه في الاختراق ما جعل من أسطورته تنهار أو تتلاشى تدريجياً.
جريمة معلبة
أصدر النظام السوري عدة تشريعات تهدف إلى مكافحة جرائم المعلوماتية والاتصالات في سوريا، وعلى رأسها قانون تنظيم التواصل عبر الشبكة، ومكافحة الجريمة المعلوماتية عام 2012، وقانون الإعلام عام 2011 الذي تضمن العقوبات على الجرائم المرتكبة عبر الصحافة الالكترونية، وقانون التوقيع الالكتروني والعديد من التشريعات الأخرى التي تضمنت نصوصاً عقابية تطول جرائم المعلوماتية، وكان آخرها إقرار مجلس الشعب في آذار 2018، مشروع القانون المتضمن إحداث قضاء متخصص في قضايا جرائم المعلوماتية والاتصالات، ولكن لم يحدث وأن جرم ولو لمرة واحدة أفعال جيشه الالكتروني واقتصرت ملاحقته فقط للمعارضين المختصين بهذا المجال، ففي الوقت الذي قام فيه باختراق مئات الصفحات والمواقع، ونشر بأقذر الطرق رسائل دكتاتورية، كان يلاحق المعارضين المحترفين بمجال البرمجة ويخفيهم قسرياً، وتكاد قصة مهندس البرمجيات السوري الفلسطيني الأصل باسل الصفدي، الذي أعلن عن وفاته في سجون نظام بشار الأسد بعد اختفاء في الاعتقال القسري مدة ست سنوات، ليست الوحيدة، فهناك الكثير من القصص المشابهة، ولكن النظام لم يكتف باعتقال المبرمجين المعارضين له بل اعتقل كل من لم يتعاون معه، فالمهندس عبدالله جحجاح الذي قضى في أقبية فرع أمن الدولة كانت تهمته فقط أنه رفض أن يتعاون مع النظام في مجال البرمجة، هو دليل آخر على محاربته لهؤلاء الناس لمعرفته المسبقة بخطورتهم.
والمثير للسخرية أن النظام الذي دعم وعلانية مسيرة جيشه الالكتروني، أصدرت محاكمه عشرات التهم والأحكام الوجاهية والغيابية بحق أشخاص قاموا بأفعال أقل أو مشابهة لهذا الجيش، حيث أصدرت محكمة “بداية الجزاء المعلوماتية” منذ شهرين فقط الحكم غيابياً بالحبس لسنتين وغرامة بحق كل من محمد عطية وجلال آغا قلعجي بتهمة اختراق حساب وزارة الإعلام السورية، وقدرت نفس المحكمة أن عدد دعاوى جرائم المعلوماتية بعام 2018 فقط تتراوح بين 450 و500 بتصريح لرئيس محكمة بداية الجزاء المعلوماتية سالم دقماق.
أعداء أمريكا
إن سلسلة القرصنة التي قام بيها جيش النظام الالكتروني كاختراق موقع تابع لمشاة البحرية الأمريكية 2013، ووضع رسالة تدعوهم إلى التفكير في التحالف بين أوباما وتنظيم القاعدةK واختراقهم للموقع الرسمي للجيش الأمريكيK بالإضافة لموقع صحيفتي “واشنطن بوست” و”فاينانشال تايمز” وحساباتهما في “تويتر”جعلت منه عدواً رسمياً للبيت الأبيض، وهدفاً لاستخباراتهK والتي أفضت في نهاية المطاف لاتهام 3 عناصر بسلسلة من الجرائم الالكتروني ة المتعلقة بمحاولة إحداث تمرد في القوات المسلحة الأمريكية، وتهماً أخرى متعلقة بالاحتيال وغسيل الأموال، وتم إصدار مذكرات توقيف بحق كل منهم. وهم أحمد عمر الآغا (22 عاماً)، وفراس دردر (27 عاماً) ويعتقد أنهما ما يزالان داخل الأراضي السورية، وعرضت الحكومة الأمريكية جائزة بمبلغ 100,000دولار لمن يدلي بمعلومات تساعدها في القبض عليهم. أما الشخص الثالث فهو بيتر رومار (36 عاماً) والذي كان في ألمانيا قبل أن تلقي القبض عليه الحكومة الألمانية وتسلمه للولايات المتحدة الأمريكية وتبدأ محاكمته عام 2016.
أدلة غير قاطعة
رغم اعتبار محاكمة عناصر تابعة للجيش السوري الالكتروني عملاً مهماً واحتاج للكثير من التعب والملاحقة، إلا أن الكثير من الناشطين اعتبروا أن ملاحقة عناصر فقط دون توجيه الاتهام للنظام السوري يكاد يفرغ ذاك العمل من مضمونه، وفي الحقيقة لا يمكن لأي دولة ولا حتى مجلس الأمن أن يوجه هذه التهمة للنظام السوري، لأنه لا يوجد حتى اللحظة قانون دولي خاص بالجريمة الالكتروني ة، وبما أن الدول تحاكم حسب قانونها الداخلي على تلك الجرائم لا يمكنها أن توجه تلك التهم لدول، لذا توجهها لأفراد، حتى لو كان أولئك الأفراد قيادات لدول، وكذلك لم تتمكن أي جهة حقوقية أو دولية أو حتى تقرير استخباراتي واحد أن يجزم بكون هذا الجيش يتبع أو يأخذ أوامره من النظام السوري بشكل مباشر، رغم أن كل الدلائل غير المباشرة تدل على تورط النظام بتلك الجرائم التي يرتكبها هذا الجيش، وفي أحيان أخرى تدل على أن العمل يتخطى قدراته ويحمل بصمة الاستخبارات الإيرانية تارة، والروسية تارة أخرى، كاختراق موقع سوري مهمته رصد صواريخ السكود وتحذير الناس منها، من خلال الهجوم عليه من قبل 11 ألف جهاز كومبيوتر بنفس الوقت، وهذا عدد هائل لا يمكن أن ينحصر تواجد أصحابه في سورية فقط.
من الواضح أن تداعيات الأزمة السورية لم تصب العالم الحقيقي فحسب بل وصلت للعالم الافتراضي الذي يكاد الوصول فيه أسرع وأعنف وبلا أي قيود، ولا يخفى على أحد أن النظام السوري استخدم وسيستخدم جميع الطرق المتاحة أمامه للبقاء في السلطة وقمع ثورة الشعب السوري، وفي كل يوم يثبت للعالم أجمع أن وجوده لا يشكل خطراً على سوريا فحسب، بل هو خطر على المنطقة والعالم والإنسانية جمعاء، وإن شره سيصيب الجميع إذا لم يتكاتفوا لإسقاطه وإقامة دولة العدل والمواطنة والحريات.