#########

بيانات وتقارير

الديموغرافيا الطائفية الإيرانية تمحو سوريا وأهلها!


تتم عمليات البيع والشراء إما بشكل مباشر، في حال كان صاحب العقار متواجداً في مناطق النظام، أو من خلال محامين وسماسرة مختصين بهذه المسألة إن كان صاحب العقار نازحاً أو مهاجراً أو هارباً ومطلوباً من النظام

28 / أيار / مايو / 2019


الديموغرافيا الطائفية الإيرانية تمحو سوريا وأهلها!

 

 

 *أحمد طلب الناصر- مع العدالة

 

 

بدأ التوغل الإيراني في سوريا منذ سيطرة بشار الأسد على السلطة منتصف عام 2000، لكنه لم يكن معلناً بالصورة التي نشاهدها اليوم. إذ بقي مقتصراً على عقد الشراكات الاقتصادية لا سيما في الجانبين الصناعي والتجاري، مثال افتتاح مصنع تجميع سيارات “شام” والبدء بإنشاء مدينة “حسيا” الصناعية في محافظة حمص والتي كان مخططاً أن تكون من كبرى المدن الصناعية في الشرق الأوسط؛ إضافة إلى إغراق السوق بسيارات “سابا- سايبا” الإيرانية وهلم جرّا.

ونشطت منذ ذلك الحين حركة “التشيّع” داخل القرى والبلدات النائية في كامل المحافظات السورية دون أن يكترث بها عموم السوريين لانتفاء مظاهر التشدد المذهبي والطائفي في المجتمع السوري آنذاك.

وبدأ التوغل الإيراني يتجسّد على الأرض السورية بصورته المباشرة والفجّة، عسكرياً وسياسياً واجتماعياً، بعد اندلاع الثورة السورية بسنة واحدة تقريباً، أي في منتصف عام 2012، من خلال الحرس الثوري الإيراني وميليشياته المتعددة إضافة إلى الميليشيات العراقية الطائفية وحزب الله اللبناني، الذين شاركوا جيش النظام حربه على السوريين ومدنهم وارتكبوا فيها أبشع المجازر الطائفية.

وبحجة “حماية العتبات الشيعية المقدسة” راحت تلك الميليشيات تقصف وتدمّر المدن والبلدات الثائرة وتقتل أهلها وتهجّرهم. ولم تقتصر ممارساتهم على المناطق الثائرة فحسب بل طالت أغلب مناطق سيطرة النظام أيضاً كما سيمر معنا.

 

  • العقارات تمهيداً للتغيير الديموغرافي- المذهبي

نشطت حركة نقل ملكية العقارات وبيعها داخل المدن التي يحكم النظام قبضته الأمنية عليها، وخاصة تلك التي تقطنها نسبة من طائفته. حيث تتم عمليات البيع ونقل الملكية بطرق الترهيب والترغيب من أصحابها الأصليين إلى المشترين، وغالباً ما يكونون من أبناء الطائفة العلوية أو الشيعية السوريين، أو شيعة لبنانيين وعراقيين مدعومين إيرانياً. ونخص بذلك أحياء مدينة حمص القديمة التي استولى عليها النظام قبل غيرها بشكل كامل بعد حصارها وتجويع أهلها ومن ثم إخراجهم منها في منتصف 2014 إثر الاتفاق الذي جرى بين نظام الأسد والأمم المتحدة؛ والذي قضى بإخراج من تبقى بداخلها من مدنيين، وعناصر الجيش الحر بعد تسليم أسلحتهم وترحيلهم إلى الريف الشمالي للمدينة. هذا بالإضافة إلى الأحياء المحيطة بالمدينة القديمة، والتي تم تدميرها بالكامل تقريباً مثل “بابا عمرو” و”البياضة” و”الخالدية” و”الغوطة” وأجزاء واسعة من “الوعر”، وكذلك الأمر ضمن الأحياء التي كان يتشاركها أبناء مختلف الطوائف كـ “الإنشاءات” و”عكرمة” و”وادي الذهب” و”الزهراء” وغيرها.

وتتم عمليات البيع والشراء إما بشكل مباشر، في حال كان صاحب العقار متواجداً في مناطق النظام، أو من خلال محامين وسماسرة مختصين بهذه المسألة إن كان صاحب العقار نازحاً أو مهاجراً أو هارباً ومطلوباً من النظام.

في كل الحالات فإن أحياء حمص “المعارِضة” كانت قد خلت من سكانها، وبالتالي أصبحت عرضة للاستيطان شاء أهلها أم أبوا، ولكن مخطط تفريغ العقارات بالشكل الرسمي المكتوب والمسجّل قانونياً سيضمن ملكيتها مستقبلاً في حال مطالبة أصحابها بها، وهذا ما سعى إليه الإيرانيون ونظام الأسد لامتلاك المدينة، ومن بعدها “الإقليم” المرسوم في خارطة تقسيم سوريا “الديمو- طائفية”.

 

 

وليست مدينة حمص هي الوحيدة التي تشهد هذا النشاط، بل تخطتها إلى أحياء حلب والعاصمة دمشق. ففي حلب شهدت في البداية الأحياء المحاذية لمناطق النزاع بين نظام الأسد والمعارضة، والتابعة لسيطرة الأول، حركة بيوع العقارات وبعض المصانع والمعامل أيضاً لأطراف مؤيدة ومرتبطة بالنظام من أبناء الطائفة السنية أو الأرمن وغيرهم. الشيء الذي أدّى إلى انتقال النشاطين الصناعي والتجاري للحلبيين وظهوره في دول المهجر المجاورة، وهكذا الحال أيضاً لبعض الدمشقيين من أصحاب رؤوس الأموال الذين صفّوا جميع مصالحهم بدمشق وباعوا أملاكهم وانتقلوا بأعمالهم إلى دول الجوار كلبنان وتركيا.

وبعيداً عن أصحاب رؤوس الأموال، نأتي على المواطنين الدمشقيين سكّان أحياء المدينة القديمة وخاصة أحياء “القشلة” و”الشاغور” و”الأمين”، وجميع الحارات المحيطة بالجامع الأموي. إذ يقوم عناصر الميليشيات مع النظام بالضغط على المواطنين ومضايقتهم بالعديد من الوسائل والأساليب، من بينها الطلب منهم التطوع ضمن ما يسمى “جيش الدفاع الوطني” و”اللجان الشعبية” أو ملاحقتهم للخدمة في صفوف احتياط جيش النظام السوري، ما دفع العديد من العائلات، وبعلم النظام وتسهيلاته، إلى بيع منازلهم وممتلكاتهم إلى بعض الأسر الإيرانية التي منحها النظام السوري هويات سورية في الفترة الأخيرة استعداداً لتوطينهم.

كما أقام الإيرانيون مشروعاً سكنياً كاملاً لهم في حي (المزة) الذي توجد به السفارة الإيرانية في دمشق بعد أن أفرغوا منطقة بساتين المزة و”كفرسوسة” من أهلها وجرفوا الأشجار والمزروعات.

كل ذلك ترافق مع النشاط المسعور للطقوس الشعائرية الطائفية الشيعية داخل تلك الأحياء في معظم مناسباتهم (اللطمية)، وقد بثت العديد من القنوات والمواقع العنكبوتية مشاهد عدة لتلك الطقوس الغريبة على الدمشقيين بشكل خاص والسوريين عموماً، ولم يُستثن الجامع الأموي وباحته من ممارستها، وسوق الحميدية في قلب دمشق.

أما في ديرالزور، المدينة التي تسلّمها النظام من تنظيم داعش لاحقاً (2017)، فقد أشرف على انتقال العقارات من ذويها إلى المُلّاك الإيرانيين الجدد، فئة جديدة من تجّار العقارات، وأغلبهم من أبناء الريف الديري؛ حيث يتم التواصل مع “بعض” المحامين المتواجدين في المدينة لإقناع معارفهم ممّن هُجّروا خارجها لتوكيلهم بقضية بيع منازلهم مقابل نسبة معينة كبدل أرباح. فراح العديد من أصحاب العقارات ببيعها، سيما بعد فقدان الأمل بعودتهم إليها بعد استيلاء إيران والنظام.

أما في مدن الساحل، معاقل جيش الأسد ونظامه، فالوضع فيها ليس أفضل حالاً من التي مررنا عليها. وتشير التقارير إلى استياء عام وسط أهالي طرطوس واللاذقية من الهيمنة الإيرانية على مؤسساتها المختلفة، ما يدفعهم للاستنجاد بالقوات الروسية المتمركزة هناك لإبعاد الإيرانيين عن المنطقة.

 

  • السيطرة على التعليم والثقافة الدينية:

بالتزامن مع نشاط الاستيلاء على العقارات، افتتح في العاصمة السورية دمشق، العديد من الحسينيات والحلقات الدعوية الشيعية التي تستغل أطفال الأحياء الدمشقية لتعليمهم مبادئ التشيّع وإلحاقهم بمدارس ومعاهد خاصة، أنشئت خصيصاً لهذه الغاية بموافقة ومباركة وزارة أوقاف النظام وإفتائه ورئيسه الذي أصدر مرسوماً بتاريخ 28-9-2014 يقضي بموجبه افتتاح مدرسة “شرعية شيعية” للذكور والإناث لتدريس المذهب “الجعفري”، كما وأن رئيس النظام طالب كافة المسؤولين والمدراء بالمؤسسات التعليمية البدء بتعليم الطلبة المذهب الشيعي داخل المدارس.

كل تلك الخطوات الممنهجة لمحاولات صبغ المجتمع السوري الخاضع حالياً لسيطرة النظام، سبقها، وقبل اندلاع الثورة بأكثر من خمس سنوات، تدريس اللغة الفارسية في الجامعات السورية على اعتبارها إحدى اللغات المهمة والمنتشرة في العالم الحديث.

 

السيطرة على جيش النظام في المناطق الخاضعة:

أما من الناحية العسكرية، فقد بدأت الميليشيات الإيرانية، منذ اللحظة الأولى لتواجدها، تحل شيئاً فشيئاً مكان جيش النظام في معظم مواقعه الخارجة عن سيطرة الثوار، أهل الأرض. وقد بدأت تلك الميليشيات بالفعل، تنفيذ المجازر والمذابح الفردية والجماعية بحق السوريين في معظم المناطق التي استولوا عليها، لا سيما في أحياء ومناطق دمشق الجنوبية المحيطة بمقام السيدة زينب، وفي الغوطتين الشرقية والغربية والقلمون، أو في قرى وبلدات ريف حلب. وكثيراً ما تابعنا مسؤولي إيران على الإعلام وهم يعلنون إرسالهم الآلاف إلى الأراضي السورية للدفاع عن النظام بحجة “حماية العتبات المقدسة” كما أسلفنا.

كل هذا، إضافة إلى عشرات القرى النائية في المحافظات السورية التي استغلت إيران فقر أهلها ودفعت لهم الزهيد من النقود ليقيموا فيها الحسينيات ويوزعوا عليهم كُتيّبات صغيرة تشحنهم بقصص وحكايا دموية مثيرة للكراهية والعداء ضد أبناء المكوّن السنّي.

 تلك القرى الفقيرة، والمنتشرة في جهات سوريا الأربع، تم تجييش أبنائها منذ الأيام الأولى لقيام الثورة ليشاركوا جيش النظام في قمع الشعب السوري وقتله.

 

  • أعداد..

ما تزال أعداد الإيرانيين المجنّسين غير دقيقة وتخضع للتكهنات والتقديرات نتيجة التعتيم الشديد من قبل النظام، إلا أن رئيس تجمع المحامين السوريين (المعارض) المحامي “غزوان قرنفل” يقدر أعدادهم بما يقرب من نصف مليون مجنّس، ويتابع قرنفل : “وهذا رقم تقديري وليس رسميًا. وهو على مستوى التجنيس بخلاف التشييع الذي تعمل عليه إيران بوتائر عالية”.

كما تحدثت بعض التقارير الإعلامية عن دائرة الهجرة والجوازات التابعة لنظام الأسد في هذا العام أن النظام استخرج 200 ألف جواز سفر لأشخاص إيرانيين

ختاماً ومما سبق نستنتج الآن السبب المباشر لتموضع إيران وإصرارها على استمرار احتلالها لسوريا رغم جميع الضغوطات الدولية بما فيها ضربات إسرائيل المتتالية والتهديدات الأميركية الأخيرة والتي ما تزال قائمة. فالإيرانيون دفعوا أموالاً طائلة منذ ما قبل الثورة وخلال حربهم مع النظام بعد اندلاعها ليضمنوا بقاءهم وسيطرتهم على سوريا، وليحلّوا مكان من قُتل وهُجر من أهلها في سعيهم الدؤوب على تغيير النمط الديموغرافي الكامل بأسرع ما يمكن.

 

المزيد للكاتب