يدرك بوتين جيداً بأن تجريب جيشه لتلك الأسلحة على الشعب السوري ما كان ليتحقق لولا دفاعه المستميت عن الأسد والحيلولة دون إسقاطه أو محاسبته، مستغلّاً رفع الفيتو الروسي بوجه جميع قرارات مجلس الأمن المُدينة لانتهاكات الأسد المتكرّرة
10 / تموز / يوليو / 2019
*أحمد طلب الناصر- مع العدالة
تأكيداً على استخدام الروس للأراضي السورية ميداناً لتجريب أسلحتهم على المدنيين وإبادتهم، عاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بصفاقته المعهودة، ليصرّح مؤخراً في اجتماع قمة العشرين في “أوساكا” اليابانية بأنه قضى على عدد كبير من المسلحين “الذين خططوا للعودة إلى روسيا أو دول جوارها، والحديث يدور عن عدة آلاف من الأشخاص”. والعالم كلّه يعرف حق المعرفة بأن أولئك الآلاف ليسوا سوى مدنيين سوريين.
ولم يكتفِ بوتين بذلك، بل أنهى حديثه الصلف قائلاً: “قواتنا المسلحة تلقت خبرة لا يمكن تصورها في أي تدريبات في الأجواء السلمية”.
وسبق ذلك أن صرّح، في منتصف مايو/ أيار المنصرم، بأن “الاستخدام القتالي للطائرات الروسية في سوريا كشفت عن أوجه قصور فني في المقاتلات والمروحيات. وكان من المستحيل الكشف عن هذا أثناء الاختبارات في ميادين التدريب العادية”.
قبل التصريحات الأخيرة بأكثر من عامين، وبالتحديد منذ مارس/ آذار 2017 وعقب إعلانه الكاذب عن سحب جزء من قواته المنتشرة في سوريا، ذكر أيضاً “إن الحرب في سوريا كانت أفضل تدريب للقوات الروسية. وقتل خلالها أكثر من ألفي شخص وإصابة الآلاف غيرهم!”. وفي أغسطس/ آب 2017 تتالت تصريحات المسؤولين العسكريين الروس حول تجريب أسلحتهم على السوريين. إذ تحدّث “يوري بوريزوف” نائب وزير الدفاع الروسي، عن تجريب أكثر من 600 سلاح ومعدة عسكرية جديدة، وتبعه وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو” بالقول إن روسيا “اختبرت 162 نوعًا من الأسلحة الجديدة والمطورة في حقل تجاربها في سوريا، وتستخدم للمرة الأولى على الأراضي السورية”؛ وأيضاً جاء تأكيد رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الروسي “فاليري غيراسيموف” حين قال: “جرّب الجيش الروسي 200 سلاح جديد خلال سنتين من حرب سوريا”.
وعلى أثر استخدامها السافر في قتل السوريين ارتفعت مبيعات السلاح الروسي في سوق السلاح العالمي بالعديد من الصفقات دعمت الخزينة الروسية بعشرات المليارات من الدولارات، وأضحت روسيا ثاني أكبر الدول مبيعاً للأسلحة بفارق بسيط عن الولايات المتحدة صاحبة المركز الأول؛ ولوحظ ذلك من خلال إحصائية أجريت عقب التدخّل الروسي المباشر في سوريا عام 2015، إذ صدر الروس في ذلك العام أسلحة بقيمة 14.5 مليار دولار مقارنة بالعامين 2013 و2014 اللذين لم تتجاوز المبيعات فيهما 10.3 مليار دولار.
تلك الأسلحة، وغالبيتها محظورة دولياُ، تم البدء بتجريبها منذ اليوم الأول لإعلان روسيا تدخّلها المباشر لدعم نظام الأسد في نهاية سبتمبر/ أيلول 2015، لتضرب بها أهدافاً مدنية وعسكرية تابعة للثوار، زاعمة أنها استهدفت مقرات لتنظيم داعش.
-
أبرز الأسلحة الروسية المجرّبة:
سلاح الطيران:
قام الروس بتجربة مقاتلات “سوخوي 34″ التي لم تشارك في أي حرب سوى في سوريا، و”سوخوي 35” المحدثة عن “سو 27″، ومروحيات “مي-35” القتالية الحديثة، أجرى خلالها الطيارون الروس ساعات تدريب كانوا بحاجة إليها. بالإضافة إلى الطائرات بدون طيار، وقد نفّذ سلاح الجو الروسي أكثر من 20 ألف تجربة على تلك الأسلحة خلال ما يزيد عن 35 ألف طلعة جوية.
سلاح البحرية:
جرّب الروس وللمرة الأولى حاملة الطائرات “أدميرال كوزنيتسوف” وغواصات “كيلو كلاس” وفرقاطات وسفن حربية عدة تم إطلاق أنواع جديدة من الصواريخ سنمر على ذكرها في حديثنا عن الصواريخ، وكذلك شاركت الغواصات في إطلاق صواريخ لتجربتها في الأرض السورية. وتوزّعت تلك الأساطيل الروسية في البحر المتوسط والأسود والمحيط الهادئ وبحر قزوين.
الصواريخ:
أجرى الروس عمليتين لإطلاق صواريخ مجنَّحة ومصنّعة حديثًا، يطلق عليها اسم “كاليبر” وذلك حسب موقع “ديبيكا” الإسرائيلي الخاص بالتحليلات العسكرية. وأطلقت صواريخ “كروز كاليبر” بعيدة المدى لأول مرة في تاريخ الحروب الروسية البحرية من أسطولهم المتمركز في بحر قزوين إلا أن أربعة منها فشلت في بلوغ أهدافها داخل سوريا، وسقطت في إيران.
وتم تزويد المقاتلات الجوية بصواريخ جو -أرض “KH-101” يبلغ مداها 4.5 ألف كيلومتر من متن الطائرات الاستراتيجية بعيدة المدى، وصواريخ جو-جو “إر-73/إر-27إر”.
المركبات والمدرعات:
ما يقرب من 100 دبابة نوع “T-90” المدرّعة بشكل يفوق جميع دباباتها الأخرى، إضافة إلى مركبة الدعم الناري المدرّعة وناقلة الجنود BMB من طراز 72. وتم نشر المدرعتين داخل قاعدة حميميم العسكرية وقاعدة طرطوس، وذلك لأول مرة خارج روسيا.
وتم استخدام القذائف المضادة للدبابات “شتورم”، والمنظومة المضادة للدبابات “فيخر”، وصواريخ “جو سطح” إكس-25 أم ل- 29تي”.
وقد زُوّدت الشرطة العسكرية الروسية بمركبات “تايفون-كي” و”تايفون-أو” المدرعة، وكذلك بقاذفات اللهب (توس-1 بوراتينو) و(توس-1 أ سولنتسبيوك) وتم استخدامها في العمليات الهجومية على نطاق واسع.
القنابل:
تم استخدام قنابل عنقودية روسية الصنع للمرة الأولى في سوريا من قبل الروس، كما تم تزويد سلاح الجو نظام الأسد بها.
وزودت المقاتلات بقنابل (كاب-500ل/كاب-500كي إر) والمتفجرة (بيتاب 500 إس/فاب-500 أم54) و(فاب250-270/ فاب 100-120)
ولعل من أسوأ القنابل المحرّمة دولياً وما تزال تلقى على المدنيين هي القنابل الفوسفورية ذات الفعالية الشديدة والمباشرة على المناطق السكنية والتجمعات البشرية، كذلك يقوم الروس بتزويد جيش النظام بها على الدوام.
-
الفيتو الروسي، سلاح بوتين المجرَّب قبل الغرق:
يدرك بوتين جيداً بأن تجريب جيشه لتلك الأسلحة على الشعب السوري ما كان ليتحقق لولا دفاعه المستميت عن الأسد والحيلولة دون إسقاطه أو محاسبته، مستغلّاً رفع الفيتو الروسي بوجه جميع قرارات مجلس الأمن المُدينة لانتهاكات الأسد المتكرّرة.
كما ويدرك أيضاً بأن زوال الأسد يعني إسقاط جميع اتفاقات البيع والاستثمار الرخيصة التي وقّعها معه، بدءاً من القواعد العسكرية الروسية مروراً بالمرافئ وليس انتهاءً بالمطارات ومناطق استخراج النفط والغاز والفوسفات.
إذن، فقد اختار الرئيس الروسي أن يربط مصيره ومصير دولته بمصير الأسد، شريكه في القتل والإجرام والاحتلال؛ واتّضح جليّاً بأن سقوط أحدهما سيؤدي تلقائياً إلى سقوط الآخر.
إذ لا شك بأن سقوط الأسد الفجائي، أو سحب بوتين ليده عن الأسد ونظامه سينتج عنه سقوط مدوي للأخير من شأنه أن يفتح باب المساءلة والمحاسبة الدولية على جميع انتهاكاته وأركان نظامه. إلا أنه سيجرّ الروس إلى حرب عسكرية مباشرة مع فصائل الثوار، وسياسية مع المجتمع الدولي ومؤسسات المعارضة السياسية، لن تخرج روسيا منها منتصرة في حال تعنّتها واستمرار احتلالها للأراضي السورية ومقدراتها الاقتصادية.
يبدو أن بوتين اليوم شعر بعمق المستنقع السوري الذي خاض به، وراح يبحث عن حلّ يخرجه بأقل الخسائر الممكنة قبيل سقوط الأسد، وربما كان اجتماع إسرائيل الأخير الذي جمع الأمريكان والإسرائيليين مع الروس هو النجدة التي يرجوها بوتين قبل التعلّق بقشّة الغرق في قاع المستنقع.
ولكن، من سيحاسب الروس على قتلهم لربع ضحايا المدنيين السوريين، حسب اعتراف رئيس لجنة الدفاع والأمن “فيكتور بونداريف” الذي أعلن عن قتل الروس لنحو 100 ألف مدني وصفهم بـ “الإرهابيين”، منذ تدخّلهم السافر وبدء تجربة أسلحتهم في 2015؟