يبلغ أحمد من العمر 18 عاماً وهو من أبناء مدينة حلب. وقد انتشر مقطع قنصه، والدماء تغطي ملابسه، على صفحات التواصل الاجتماعي في شتى المواقع
29 / آذار / مارس / 2020
* مع العدالة| أحمد طلب الناصر
“14 ساعة قضيتها على الحدود، فعليًا لم أخسر شيئاً. لكني تعبت وأنا أرى الأطفال في البراري أو وهم يستنشقون الغاز المسيل للدموع”.
هكذا بدأ عابد حوري حديثه بمجرد عودته إلى إسطنبول ثم تابع “استنشقت قليلاً من الغاز، وشعرت بالبرد، وكسر هاتفي المحمول. ولكني كسبت تجربة تخييم بالعراء وتعرفت على شعوب مختلفة عن قرب”.
وأنهى حديثه بالقول “نصيحتي لكل من يفكر بالعبور إلى أوروبا؛ من المستحيل أن تفتح اليونان حدودها، لا تجربوا وتخسروا وقتكم ونقودكم وصحتكم”.
اليوم، وبعد مرور نحو 25 يوماً على عودة عابد من الحدود التركية اليونانية، ما يزال المئات من السوريين عالقين بالقرب من معبر “بازار كوله” الحدودي وسط الغابات المقفرة والبرد الشديد وتهديد الكورونا المستجد.
بدأ تدفق طالبي اللجوء إلى الحدود التركية اليونانية، البرية والبحرية، في 27 شباط/ فبراير الماضي، عقب إعلان الحكومة التركية أنها ستفتح الطريق أمام حركة طالبي اللجوء إلى أوروبا.
ومع توجّه اللاجئين من مختلف الجنسيات صوب معبر بازار كوله غرب تركيا، أخذ حرس الحدود اليوناني بكبح آمالهم في العبور عبر وضع الأسلاك الشائكة ثم استخدام الغاز المسيل للدموع وصولاً إلى استخدام الرصاص المطاطي والحي.
حادثة القتل الأولى:
صباح الاثنين2 آذار/ مارس، لقي الشاب السوري أحمد العمر حتفه جراء قنصه برصاصة استقرت في عنقه أثناء محاولته عبور الحدود التركية متجهاً إلى الطرف اليوناني.
يبلغ أحمد من العمر 18 عاماً وهو من أبناء مدينة حلب. وقد انتشر مقطع قنصه، والدماء تغطي ملابسه، على صفحات التواصل الاجتماعي في شتى المواقع.
“صورة لحشد من السوريين ومهاجرين آخرين عند الحدود اليونانية التركية” – خاص مع العدالة
الإعلام اليوناني كان قد نشر خبراً قبل ساعات من مقتل الشاب، يحذّر فيه من التواجد بالقرب من النقاط الحدودية، بحجّة إجراء مناورات عسكرية وتدريبات للجنود اليونانيين على استخدام الذخيرة الحية في تلك المنطقة “الفارغة”. وحدد خمس مناطق ستجري فيها المناورات، جميعها بالقرب من نهر (مريج/ ماريتشا) الحدودي بين تركيا واليونان ضمن الاراضي اليونانية.
إحدى تلك النقاط الخمسة تقع بالقرب من المعبر الحدودي الذي قُتل فيه الشاب العمر، وهو معبر (كاستانياس) اليوناني الذي يقابله (بازاركولي) التركي، ويعتبر أحد أكثر تجمعات اللاجئين حالياً، ويشرف على إقليم (أفروس) في الاراضي اليونانية.
أساليب أخرى..
ويلجأ حرس الحدود اليوناني لمزيد من أساليب القمع مع استمرار انتظار طالبي اللجوء الأمل في فتح الحدود للعبور، فبعد استخدام الرصاص المطاطي، والغاز المسيل للدموع، والرصاص الحي، أخذ باستخدام مراوح ضخمة لزيادة تأثير الغازات الناجمة عن القنابل المسيلة للدموع.
وبحسب مصدر خاص لـ “مع العدالة” باشر الحرس اليوناني باستخدام رصاصات مطاطية مزودة بالمسامير والأسلاك بهدف زيادة الأضرار في أجساد طالبي اللجوء، كما صب الماء المغلي على أحد طالبي اللجوء.
واليوم بات يستخدم أشعة “الليزر الأخضر” التي تتسبب في أضرار بالغة لعيون طالبي اللجوء، كما تؤدي في بعض الأحيان لحالات فقدان البصر المؤقت أو الدائم.
“صورة لشاب سوري تعرض لإصابة في عينه من قبل حرس الحدود اليوناني” – أنترنت
ويتابع المصدر الذي تمكن من عبور نهر(مريتش) الحدودي والدخول إلى الأراضي اليونانية بأن “قصص العذاب لا تنتهي عند هذا الجانب من الحدود، بل يتعرض السوريون الذين ينجحون في العبور، لمعاملة سيئة من حرس الحدود اليوناني”.
فبعد أن تمكن مع بعض الأشخاص من الابتعاد عن المناطق المرصودة من حرس الحدود اليوناني ووصلوا إلى نقطة خالية، وتجاوزوا النهر بواسطة قوارب مطاطية، ظنّوا بأنهم وصلوا إلى نهاية الطريق الصعب المتعلّق بتجاوز الحدود. ولكن سرعان ما أحاط بهم حرس الحدود اليوناني وهم يوجهون بنادقهم صوبهم.
قام الحرس بسلب كل ما يملكون، أجهزة الهاتف والنقود والساعات، وجردوهم من ملابسهم وأرغموهم على العودة إلى الطرف الثاني من النهر وسط ذلك الطقس القارس.
ويؤكد المصدر سقوط العديد من الضحايا نتيجة الغرق في النهر أو الطقس البارد ولكن دون التمكن من انتشال أجسادهم نتيجة الخوف من جنود الحرس وقناصيهم.
اللاجئ السوري بين مطرقة التهجير وسندان الرفض الأوروبي:
تركيا ترى نفسها وحيدة في مواجهات تداعيات الحرب السورية، خاصة مع نزوح حوالي مليون سوري حسب بسبب المعارك في إدلب شمال غرب سوريا، مع ما يكتنف ذلك من زيادة مهولة في أعداد الفارين إلى الحدود التركية.
أما الاتحاد الأوروبي فنراه حازمًا في منع دخول موجة جديدة من اللاجئين، فما لبث أن توجّه كبار مسؤولي الاتحاد إلى تركيا واليونان، ومن ضمنهم رئيسة المفوضية الأوروبية التي صرّحت أن الاتحاد سيقدم لليونان “كل الدعم اللازم” لمساعدتها على مواجهة تدفق اللاجئين، متابعة أن “من يسعون إلى اختبار وحدة أوروبا سيخيب أملهم”، لافتةً كذلك أن الوكالة الأوروبية لمراقبة الحدود مستعدة لمساعدة أثينا على نشر قوات على الحدود.
“صورة لسوريين ومهاجرين من جنسيات أخرى عند الحدود اليونانية”- خاص مع العدالة
وبحسب وكالة الأناضول، فقد أعادت اليونان نحو 55 في المئة من أصل 130 ألف مهاجر غير نظامي إلى تركيا، بينهم نحو 5 إلى 6 ألاف مهاجر خضعوا للعلاج بسبب تعرّضهم للضرب من حرس الحدود اليوناني.
ويعاني أولئك المُعادون من اليونانيين إصابات عديدة متفاوتة غالبيتها في منطقة الرأس (كما هو واضح في صورتي الشابين)، ولا تستقبلهم اليوم غالبية مشافي إسطنبول نتيجة تخصيصها لمصابي الكورونا، فنجد العشرات منهم يفترشون أرض “الأوتوكار” في وسط إسطنبول دون أدنى اهتمام والافتقار لوسائل الحماية من عدوى الكورونا.
وكانت تركيا قد أعلنت في ليلة السابع والعشرين من شباط/ فبراير المنصرم أنها ستتوقف عن تنفيذ اتفاق 2016 الذي أبرمته مع أوروبا لوقف تدفّق اللاجئين، متهمة الاتحاد الأوروبي بالتقاعس إزاء موضوع اللاجئين في الحرب السورية. وتستضيف تركيا حاليا حوالي 3.7 ملايين لاجئ سوري، علاوة على نحو مليون آخر عند الحدود الجنوبية بعد هروبهم من منطقة إدلب، التي مزقتها الحرب.
أما اليونان فما زالت تشرف على نحو 17000 لاجئ سوري، يعيشون في مخيمات مكتظة وظروف قاسية في جزيرة ليسبوس، ويسعون إلى الحصول على اللجوء السياسي. ومارس خفر السواحل اليوناني اعتداءات تجاه المهجّرين الجدد الوافدين من السواحل التركية القريبة بعيد إعلان فتح الحدود الأخير.