لقي ثلاثة أطفال حتفهم في الشمال السوري نتيجة تدني درجات الحرارة، في وقت تستمر فيه حركة نزوح الأهالي في محافظة إدلب
20 / شباط / فبراير / 2020
*مع العدالة | أحمد طلب الناصر
في حضن والدها الذي فقد الإحساس بأطرافه جراء البرد والصقيع وهو يجري بها نحو المشفى لإنقاذها من البرد، توفيت الطفلة إيمان (عام ونصف العام) دون أن يشعر أبوها بصمتها وتوقُفِ قلبها عن النبض. توفيت دون أن تتمكن حتى من لفظ أنفاسها المتجمدة.
- إنه بكل بساطة مشهد آخر من تراجيديا الواقع السوري الممتدة منذ تسع سنوات.
إيمان التي انتشرت صورتها على مواقع الإعلام وصفحات العالم كانتشار الجليد في الشمال السوري، بعينيها الغائرتين وعظام وجهها البارزة وبشرتها الشاحبة، ما هي إلا طفلة من بين مئات الأطفال الذين التهمهم البرد خلال الشتاء السوري الطويل والمرير، أمام عجز العالم عن إنهائه وإيقاف المذبحة.
من يصدّق أن طفلة بهذا العمر قد شهدت حالتي نزوح قبل نزوحها الثالث والأخير مع البرد؟ نزوحها الأول كان من الغوطة الشرقية، ثم نزحت من جديد إلى قرية “معراته” القريبة من مدينة عفرين.
حملها والدها إلى مشفى “عفرين” كيلو مترات عديدة لإنقاذ حياتها، معتقدًا أنها تعاني من أزمة تنفسية بسيطة، وهو لا يدري أنه يحمل جثتها وهي ميتة.
من نيران الطائرات إلى ثلج العراء والمخيمات:
صدر تقرير عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان، الخميس 13 فبراير الجاري، وثقت فيه الشبكة مقتل 167 مدنياً سورياً، بينهم 77 طفلاً، لقوا حتفهم بسبب البرد الشديد منذ منتصف آذار/ مارس 2011.
وأشار التقرير إلى أن حالات الوفاة جراء البرد تعود إلى أسباب في مقدمتها النزوح والتشريد، إذ يقيم النازحون في العراء أو في خيام بدائية وبيوت مدمرة الجدران، مع عدم توفر ملابس كافية أو مواد تدفئة.
“صورة لطيارة حربية فوق سماء إدلب قبل الغارة على المدنيين”
واعتبر التقرير أن الحصار الذي تعرضت له بعض المدن والبلدات السورية خلال فترات متفرقة شكّل سبباً من أسباب الوفاة جراء برودة الطقس، إذ لقي العديد من الأشخاص حتفهم في وسط منازلهم بعد انعدام وسائل التدفئة، لا سيما في المناطق التي عانت الحصار الطويل من قبل قوات نظام الأسد، أو في بعض المخيمات أيضاً ومن بينها مخيم “الهول” بريف الحسكة، و”عين عيسى” بريف الرقة، اللذان أشرفت عليهما “قوات سوريا الديمقراطية- قسد” وفرضت على سكانها حصاراً قاسياً كما ورد في التقرير.
وأضاف التقرير سبباً آخر من أسباب الوفاة جراء البرد، وهو الذي مورس كأسلوب من أساليب التعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة لنظام الأسد، حيث يُمنع المعتقلون من ارتداء ملابس مناسبة، ويحرمون من الوسائد والأغطية اللازمة خلال البرد ما يؤدي إلى وفاتهم.
البرد ينهش نازحي إدلب:
مؤخراً، وخلال الأسبوع الأخير فقط، لقي ثلاثة أطفال حتفهم في الشمال السوري نتيجة تدني درجات الحرارة، في وقت تستمر فيه حركة نزوح الأهالي في محافظة إدلب.
نزحوا من المدن والبلدات التي تتعرض للقصف المستمر من قبل النظام وحلفائه الروس على مدار الساعة، منذ نيسان/ أبريل 2019، بالتزامن مع قضم مناطقهم الواحدة تلو الأخرى، ظنّاً منهم أن للموت على يد النظام صورة واحدة.
قبل الطفلة إيمان بأيام قليلة توفيت عائلة من خمسة أفراد بسبب البرد، وقبل ذلك بنحو أسبوعين عثر على طفلة صغيرة ميتة جراء البرد الشديد أيضاً في إحدى مزارع عفرين بعد أن تاهت عن عائلتها.
“صورة لأطفال سوريين نزحوا إلى الحدود التركية بظروف قاسية جرّاء القصف والدمار في إدلب من قبل النظام السوري وحلفائه”
وفي 11 فبراير، توفي الرضيع “عبد الوهاب الرحال” (7 أشهر)، بسبب البرد القارس في مخيم الجزيرة للنازحين، التابع لتجمع مخيمات “أطمة” بريف إدلب الشمالي. وعبد الوهاب هو أحد الذين نزحت عوائلهم من مدينة “خان شيخون” جنوبي إدلب، قبل أن تسيطر عليها قوات الأسد.
وقبل وفاة عبد الوهاب بيومين، توفي الطفل “أحمد محمد ياسين”، من نازحي معرة النعمان، بسبب البرد في أحد مخيمات “اعزاز” بريف حلب، في حادثة أثارت تنديداً عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسط تجاهل دولي لأزمات النزوح التي سبّبها نظام الأسد والميليشيات الحليفة.
وقد سجلت الأمم المتحدة نزوح نحو 700 ألف نازح من إدلب منذ ديسمبر الماضي بسبب هجمات الحلف الروسي الإيراني السوري. وخلال الأشهر الثلاثة التي تشكّل ذروة فصل الشتاء، تعرّض النازحون وخصوصاً الأطفال للمرض جراء البرد القارس والعاصفة الثلجية التي ضربت المنطقة، دون أية نجدة تذكر للنازحين في العراء أو ضمن المخيمات، حيث وصلت درجات الحرارة في بعض مناطق النزوح في شمال إدلب إلى (-8).
“صورة لكهل نازح تحت ظروف مناخية صعبة ــ أنترنت”
كما وثّق فريق “منسقو استجابة سوريا” الناشط في الشمال السوري، وفاة أكثر من 9 أشخاص، من بينهم الأطفال الثلاثة، بسبب البرد والحروق والاختناقات في مخيمات النازحين.
ونشر الفريق بياناً، ذكروا فيه أن أكثر من تسع حالات وفاة في المخيمات نتيجة البرد والحروق والاختناقات، في ظل استمرار موجات النزوح للمدنيين من أرياف إدلب وحلب. وناشد المنسقون المنظمات الإنسانية من أجل مساعدة النازحين، في ظل موجة البرد القارس التي تشهدها مخيمات الشمال، وعجز النازحين عن تحمل تكاليف التدفئة وسط مخاوف من ازدياد حالات الوفاة بسبب النزوح في هذا البرد القاتل.
وتشهد مناطق ريف إدلب وحلب هجمة غير مسبوقة من قبل نظام الأسد وحليفه الروسي لا سيما بعد التوترات الأخيرة التي شهدتها العلاقة الروسية- التركية بسبب تعرّض قوات الأخيرة لقصف مدفعي وصاروخي من قبل قوات الأسد ما أدى لمقتل نحو 12 جندياً من الجنود الأتراك.
وعلى الرغم من التفاهمات التي تم إبرامها لتثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، والتي كان آخرها في كانون الثاني/ يناير الماضي، إلا أن قوات النظام وداعميه تواصل شنّ هجماتها على المنطقة لتتضاعف أعداد النازحين بشكل متسارع بالتزامن مع إعلان سيطرة الأخيرة على العديد من المدن والبلدات.
وارتفعت نبرة التحذيرات هذا الشتاء، مع ارتفاع أعداد النازحين في العراء ومخيمات الشمال السوري، نتيجة الهجمة وقصف قوات الأسد لريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي وريف حلب الغربي، وتقدمها على الأرض في كلا المنطقتين.