#########

بيانات وتقارير

تهريب الآثار في سوريا…إدلب والنزاع الفصائلي على الإرث التاريخي 2/2


بعد أن سرقت جبهة النصرة والحزب الاسلامي التركستاني وغيرهم من الفصائل معظم الآثار في الشمال السوري، أصدرت حكومة الانقاذ المدعومة من النصرة قراراً بمنع التنقيب عن الآثار في المدينة وفقاً لأحكام القانون السوري رقم “222” لعام “1963”

22 / كانون الثاني / يناير / 2019


تهريب الآثار في سوريا…إدلب والنزاع الفصائلي على الإرث التاريخي 2/2

 

 

*لارا موسى

 

مقدّمة:

 

تمتلك سوريا، كنوزاً تعود لزمن الرومان والمماليك وبيزنطة، وخلال الصراع الدائر في البلاد ، ومنذ اندلاع النزاع في العام 2011 ، تعرضت عدد من المعالم الأثرية في مناطق عديدة داخل سورية للنهب و السرقات و للتضرر أو التهديم، فتضررت مئات المواقع الأثرية نتيجة المعارك والقصف، فضلاً عن أعمال السرقة والنهب.

 

تهريب الآثار في إدلب:

تعد محافظة إدلب واحدة من أغنى المحافظات بالآثار، والتي تعود لحقب زمنية تتبع لحضارات متلاحقة عايشتها المنطقة، بعضها يصل للألف الخامس قبل الميلاد، بدءاً من العصر الحجري الحديث “النيوليت”، مروراً بمملكة إيبلا والحقب الحثية والآرامية والآشورية واليونانية والرومانية والبيزنطية، وصولاً للعصر الإسلامي بمختلف مراحله حتى العهد العثماني، حيث تحتضن محافظة إدلب، أكثر من 400 موقعاً أثرياً من ضمنها 200 على الأقل، من التلال الأثرية، وتنتشر الآثار في محافظة إدلب ومحيطها، ضمن مناطق “بابسقا وباب الهوى جسر الشغور ومعرة النعمان وريفها وباب النيرب و قميناس وسهل الغاب”.

 

بيع التاريخ بفتوى دينية:

يعتبر المسلحون هذه الآثار شواهد على حضارات غير إسلامية وبالتالي هي حق مشروع لهم في التنقيب عنها وبيعها تعويضاً عن جهودهم وقتالهم في إدلب، حيث يقوم المسلح بمنح 5 % من قيمة الآثار التي يبيعها إلى خزينة “هيئة تحرير الشام” كضريبة فرضتها الهيئة على أي مسلح من مسلحيها يعثر على آثار ويبيعها.

 

فقد قامت الفصائل الإسلامية بتنقيب عدة مواقع منها، تل دينيت الأثري في منطقة قميناس بريف إدلب، وقامت باستخراج الدفائن والكنوز الأثرية منها، وتحويل عائدات بيعها إلى كل من هيئة تحرير الشام والحزب التركستاني.

 

وسبق أن اتهم ناشطون “تحرير الشام” بسرقة آثار إدلب، حيث قامت الأخيرة بإفراغ القطع الأثرية في المتحف الأثري بمدينة “إدلب” ونقلتها إلى منطقة مجهولة بينما تنصلت “الهيئة” آنذاك من المسؤولية متهمةً “حركة أحرار الشام” بسرقة المتحف وآثاره.

 

تحرير الشام .. بيان رسمي بتشريع السرقة:

بعد أن سرقت جبهة النصرة والحزب الاسلامي التركستاني وغيرهم من الفصائل معظم الآثار في الشمال السوري، أصدرت حكومة الانقاذ المدعومة من النصرة قراراً بمنع التنقيب عن الآثار في المدينة وفقاً لأحكام القانون السوري رقم “222” لعام “1963”.

وهددت الحكومة التابعة لـ” هيئة تحرير الشام” كل من يقوم بأعمال الحفر والتنقيب في المناطق التي تضم معالم أثرية بإلحاق أقصى العقوبات به، “إلا لأغراض البحث العلمي” بعد الحصول على “موافقة خطية” من مديرية الثقافة و” المصادقة” عليها من رئاسة مجلس وزراء الحكومة تحت طائلة المساءلة القانونية.

 

 

وأتى التعميم لشرعنة التنقيب عن الآثار بحجة البحث العلمي، حيث قامت ‹الحكومة› باتخاذ هذا الإجراء بتعليمات من قيادي في تحرير الشام، لتمكين التغطية على قيادات تقوم بالتنقيب عن الآثار في مناطق جديدة، فهناك العديد من المواقع الأثرية والتلال التي يتوقع وجود مقتنيات مدفونة فيها لم تستطيع تحرير الشام الوصول إليها والعمل فيها بسبب اعتراض الأهالي او المجالس المحلية التي تشرف على إدارة تلك المناطق، وبالتالي جاء التعميم كمسوغ قانوني باسم البحث العلمي ليمكنهم من تنفيذ ما يريدون بطريقة شرعية.

 

الفصائل المسلحة تسرق التاريخ السوري:

هيئة تحرير الشام:

قرية العبارة:

قامت هيئة تحرير الشام خلال السنوات السابقة بنبش مئات المواقع الأثرية، حيث تعرضت قرية العبارة في جبل الزاوية بريف إدلب خلال السنتين الماضيتين لعملية نهب وسرقة للآثار، حيث يضم الجزء الأثري فيها شواهد تخص الحضارات المتعاقبة على المنطقة، وأدت عمليات التنقيب إلى تدمير معظم القبور والكنائس في البلدة.

 

منطقة الشيخ منصور:

تقع بالقرب من مدينة سراقب في ريف إدلب، واستقدمت تحرير الشام لهذه الغاية آليات وتجهيزات فنية وخبراء أجانب في مجال البحث عن الآثار، يبلغ عددهم 20 خبيراً، وذلك تحت حراسة مشددة من مسلحي الهيئة الذين عمدوا إلى إنشاء طوق أمني حول المنطقة، مانعين أي مدني من الاقتراب، وتم نقل هذه الآثار والكنوز إلى المناطق الحدودية مع تركيا حيث قام تجار متخصصون بشراء هذه الآثار من مسلحي الهيئة وتم نقلها إلى تركيا وبيعها عن طريق عدة شبكات متخصصة بالاتجار بالآثار.

 

قرية القنية:

تقع في ريف إدلب الغربي، حيث عملت “تحرير الشام” على سلب الآثار في الدير والكنائس المحيطة بالقرية، ومنعت أي شخص من الاقتراب من هذه الأماكن الأثرية لتفسح المجال لعناصرها لنبش المواقع وسرقة الكنوز الأثرية.

 

جرجناز:

فرضت “تحرير الشام ” طوقاً أمنياً على موقع أثري في بلدة جرجناز بريف إدلب الشرقي عقب العثور على لقى أثرية من الذهب الخالص في الموقع، بينما استمر عناصرها بالتنقيب طمعاً بالحصول على المزيد من الآثار، وبحسب مصادر مطلعة  فإن عناصرها كانوا ينقبون في المنطقة الأثرية عن الآثار بهدف بيعها كما جرت العادة قبل أن يصادفوا كنزاً من الذهب في الموقع الذي يقال إنه يضم قبوراً لعائلة ملكية من العهد الروماني، فيما تحولت مدينة سرمدا قرب الحدود التركية إلى سوق رئيسية لتجارة الآثار والأسلحة، حيث يستخدم المهربون تطبيق “تلي غرام” لعرض مسروقاتهم من آثار وتحف وتماثيل لعرضها على تجار أتراك”.

 

متحف إدلب:

 

ذكر مصدر أن مقتنيات متحف مدينة إدلب لايزال مصيرها مجهولاً، بعد أن أفرغت تحرير الشام كامل القطع الأثرية والمقتنيات الموجودة في متحف مدينة إدلب في أواخر كانون الأول 2017 ونقلتها إلى جهة مجهولة، تم ذلك بشكل سري دون علم الموظفين في المتحف أو أي جهة أخرى.

حيث تم نقل مئات القطع الأثرية والمخطوطات والرقم والمعروضات الفلكلورية والزجاجيات واللوحات الجدارية والتماثيل والنقود التي تعود لعصور قديمة والزخارف ولوحات فسيفساء ونفت مديرة الآثار التابعة للإنقاذ حينها صحة المعلومات الواردة وقالت إن المقتنيات لاتزال موجودة في وقت لم يسمح لأي من الإعلاميين التصوير ضمن المتحف وما يعرض فيه حتى اليوم هي القطع التقليدية في الصالات العلوية.

 

 

الحزب الإسلامي التركستاني:

موقع القرقور الأثري:

اعتبر الحزب الإسلامي التركستاني أن كل ما يخرج عن سيطرة النظام السوري هو غنائم حرب، دون أن يراعي المواقع الأثرية، بالرغم من نداءات تحييد هذه المناطق فقام بعمليات تجريف عشوائية في منطقة القرقور، وبحسب مصادر موثوقة تواجدت في المنطقة خلال عمليات التنقيب، أنه جرى العثور على كميات ضخمة من الذهب الخام ومن التماثيل الأثرية، التي يرجح أنها مخزون لإحدى الدول الحاكمة للمنطقة في وقت سابق، وبلغت قيمة المستخرج من الآثار والذهب، أكثر من 800 مليون دولار، جرى توزيع قسم منها على عناصر الحزب والعمال، فيما حول الباقي إلى خزينة الحزب، وأكدت مصادر للمرصد السوري لحقوق الإنسان أنه ونتيجة للكميات الضخمة التي عثر عليها من قبل الحزب التركستاني، لم يجد الأخير تجاراً في إدلب، يشترون الكمية كاملة، فاضطر لبيعها على دفعات، ويعد موقع القرقور من المواقع الأثرية الهامة ، ففي عام 2008 عثرت البعثة الأثرية الأمريكية العاملة في الموقع آنذاك على جرارٍ فخارية صغيرة إحداها تحوي على أربع نقود فضية من الحقبة الهلنستية إضافةً إلى تابوت هرمي مؤلف من قطع فخارية تعود للفترة البيزنطية، دلت على أن فترة الاستيطان في موقع القرقور الأثري، امتدت خلال الفترة الممتدة بين 8500 قبل الميلاد وحتى العصر المملوكي 1350 ميلادية.

 

عملية تنقيب قميناس:

العملية في هذه المرة لم يستفرد بها من قبل فصيل معين، بل كانت نتاج تعاون بين هيئة تحرير الشام والحزب الإسلامي التركستاني، حيث جرت عملية التنقيب لتل دينيت الأثري، في منطقة قميناس، وجرى إزالة قسم كبير من التل، واستخراج الدفائن والكنوز الأثرية، وأكدت مصادر متقاطعة للمرصد السوري أن كمية المستخرجات كانت ضخمة، وجرى تحويل عائدات بيعها إلى كل من تحرير الشام والحزب التركستاني.

 

أحرار الشام:

 منطقة بابسقا:

تقع هذه المنطقة على الحدود مع لواء إسكندرون، في الريف الشمالي لمدينة إدلب، وتضم عدة مواقع أثرية هامة، وأوابد تاريخية، أهمها آثار بابسقا وباب العمود والخطيب والخزانات إضافة لمواقع أخرى ، وتبلغ مساحتها نحو 15 كلم مربع، في أوائل العام 2012، سيطرت عليها حركة أحرار الشام الإسلامية، التي استحضرت آليات وجرافات وسخرت العشرات من العمال في عملية التنقيب هذه، في المواقع الأثرية، بحثاً عن كنوز ودفائن ولقى أثرية، لتحصيل تمويل عسكري كبير، حيث جرى تجريف كل من بابسقا وباب العمود بشكل كبير جداً، وتم استخراج آثار ودفائن ثمينة، ومع الاقتتال الأخير بين حركة أحرار الشام الإسلامية وهيئة تحرير الشام، تمكنت الأخيرة من السيطرة على المنطقة، وبدأت بعمليات التنقيب بحثاً عن دفائن لم تتمكن أحرار الشام من العثور عليها، وأكدت مصادر موثوقة للمرصد السوري لحقوق الإنسان أن قيمة الموجودات في منطقة بابسقا وجبلها، بلغت نحو 200 مليون دولار، من ذهب وآثار، إذ أكدت المصادر أن العمال تلقوا أجور تنقيبهم فقط، دون الحصول على نسبة من الموجودات التي عثر عليها، حيث حولت المبالغ المالية إلى خزينة حركة أحرار الشام الإسلامية، كذلك جرى التنقيب في مناطق قريبة من بابسقا وجرى العثور فيها على كنوز ودفائن، وبيعت بمبالغ مالية كبيرة، فيما جرى تحويل المنطقة لمعسكرات تدريب للمقاتلين في وقت لاحق.

 

قرية أبو طلحة:

تقع القرية قرب منطقة سلقين في ريف إدلب، وبحسب مصدر إعلامي في “حركة أحرار الشام” في العام 2015 منعت الأخيرة عناصر من جبهة النصرة التنقيب عن الآثار فيها، وتولت “أحرار الشام” حماية تلة أثرية تعلو قلعة في القرية عقب طرد قوات النظام منها، فما لبثت أن أرسلت “جبهة النصرة” قوة من المخفر بعد استعانتها بآليات الدفاع المدني في “سلقين” للحفر وسط التلة، فاضطر حاجز الحركة إلى سجن العناصر الذين أصروا على الحفر والتنقيب عن الآثار بعد محاولتهم التقدم بالقوة ، وطالبت الحركة “جبهة النصرة” بتقديم اعتذار للواء “الحدود” التابع للحركة وإجراء محاكمة عادلة لمن أراد الحفر بعد تأكيد الجبهة بأنه “عمل فردي”، فمنع التنقيب عن الآثار في المنطقة بأكملها.

 

 

 

صقور الشام:

سرقة منطقة النخلة وتلتها الأثرية:

خضعت هذه المنطقة لسيطرة فصيل صقور الشام، حيث جرت فيها عمليات التنقيب تحت حماية عسكرية من قبلها، وبحسب مصادر فإن تلال جسر الشغور والغسانية كان يعمل بداخلها منقبون من العناصر المغاربة والخليجيين، فيما تجري عمليات تنقيب من قبل أتراك وبوسنيين ومغاربة في قلعة الشغر، إضافة لعمليات التجريف التي نفذها العناصر التركستان فيما بعد.

 

داعش:

يقول أحد أفراد تنظيم الدولة في الفيديو “إن مادام أمر الله قد نفذ في تكسير هذه الأصنام، فيجب أن ندمرها، حتى لو تساوي بلايين الدولارات عند العالم، هذه الأصنام لم تكن موجودة في عهد الرسول “محمد”، لقد استخدمها الناس لعبادة الشيطان”.

 

بدأت خلايا تنظيم “داعش” تنشط بشكل كبير وعلني في محافظة إدلب خلال الأشهر الماضية رغم الحملات التي طالت العديد من المجموعات التابعة له في المحافظة، فعمد مسلحي تنظيم “داعش” إلى التنقيب عن الآثار في المدافن الأثرية بالقرب من مدينة سرمدا، و قلعتها ومحيطها، مستخدمين آليات وحفارات صغيرة وبرفقتهم أشخاص ملثمون يعتقد أنهم مرشدون من أهالي المنطقة، ومن الجدير ذكره أن تحرير الشام وداعش كانا يتعاونان في مجال سرقة الآثار السورية وبيعها، حيث توفر تحرير الشام الحماية لمسلحي “داعش” عند قيامهم بالتنقيب في مناطق سيطرتها، وتحصل بالمقابل على نسبة من الأرباح، وخاصة أن “داعش” يستقدم خبراء في التنقيب عن الآثار، واستطاع في الفترة الماضية إنشاء شبكة قرب الحدود التركية بمناطق سيطرته لعرض وبيع ما يسرقه من قطع أثرية وكنوز من ريف محافظة إدلب السورية.

 

 

 

أما خلال الفترة السابقة دمرت داعش ثلاثة أبراج لمقابر معروفة في مدينة تدمر الأثرية، كما تم قصف أبراج المقابر الثلاثة التي تعتبر الأهم والأجمل بين آثار المدينة القديمة. يأتي ذلك بعد تدمير المذبح الأثري لمعبد بعل شامين، الذي مر بعملية تجديد في الفترة الأخيرة، وهدم معبد “بل” الذي يرجع تاريخه إلى ألفي عام.

 

خاتمة:

أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) ستة مواقع أثرية في سوريا على قائمتها للتراث المهدد بالخطر، هي مدينة حلب القديمة، ومدينة دمشق القديمة، وبصرى الشام، وقلعتي صلاح الدين والحصن، ومدينة تدمر التاريخية، ومجموعة القرى القديمة في شمال سوريا.

تُقدّر “اليونسكو” بيع ممتلكات هذه المعابد والمتاحف ببلايين الدولارات، إذ تعتبر اليونسكو أن بيع تلك الآثار، عن طريق التجارة المباشرة وغير المباشرة، أحد أهم مصادر التمويل المادي التي يتلقاها تنظيم الدولة في العراق وسوريا.

تجعل القوانين العالمية لحظر التجارة غير المشروعة للآثار تصدير تلك المقتنيات صعبًا، ولكن ليس مستحيلًا، لا يوجد حتى الآن بلاغ بتهريب داعش للآثار المنهوبة من العراق وسوريا، لذا تُرجح اليونسكو أن الآثار يتم تهريبها بشكل فردي خاص، أو عبر وسطاء بين داعش والبلاد الغربية، فتدمير الآثار مخالف لاتفاقية لاهاي لحماية الملكية الثقافية في حالة النزاع المسلح والتي تم توقيعها في سنة 1954 من قبل 126 دولة ومن ضمنهم دولتي العراق وسوريا.

 

إن سرقة الآثار والتراث الثقافي السوري والمتاجرة به لا تقل أهمية عن جرائم الحرب الأخرى التي ارتكبت بحق الشعب السوري، وبالرغم من ذلك لازال النزاع على مقتنيات البلاد وحضارتها قائماً إلى هذه اللحظة، فتعتبر تجارة الآثار أحد أهم مصادر الدعم المالي لتجارها، فلأجل المال تتداعى كل القيم والمفاهيم الثقافية والحضارية في أيدي أناس امتلكوا السلطة والسيطرة على مناطق كثيرة في بلادنا.

 

 

 

تهريب الآثار في سورية.. النظام السوري بين التهريب والتخريب 1/2

.

.