ظهرت بعض الأسماء الخارجة عن هذه الفصائل كان لها عزفها المنفرد في ساعات الظلام المتأخرة من قدر المدنة الحزينة. منها "وسام العيد" الذي كان مثالاً لتغاضي النظام عن شخص معروف في قيامه بالخطف والقتل و التجول في المدينة آمناً
29 / كانون الثاني / يناير / 2020
*مع العدالة – شمس الحسيني
سعى نظام الأسد دائماً إلى خلق الفتن والقلاقل بين مكونات الشعب السوري، وخاصةً (الأقليات) منها، ولم يتوانَ دقيقة واحدة في وضع مخططات شيطانية من قبل أجهزته الاستخباراتية لتبقى الشحناء والبغضاء تتجولان كالشرطي بين السوريين، كي يضمن عدم ائتلاف واتحاد المجتمع على قلب واحد؛ بذلك يكون عندها هو الخاسر الوحيد، وينكشف الوجه الدميم له، الذي كان يغطيه بقناع الحريات والديمقراطية.. وإلخ؛ من شعارات زائفة منذ عهد الطاغية الأب، حتى العصر الأسود والدموي لابنه المجرم بشار الأسد.
“صورة لمدخل مدينة السويداء”
فمع انطلاق الثورة السورية أخذت البلاد تتجه بوتيرة سريعة نحو العنف، وذلك لأسباب كلنا بات يعرفها، وعلى رأسها استخدام النظام السوري وقواته العسكرية وأجهزته الأمنية كل وسائل القمع والترهيب والقتل، ومنها الأسلحة الكيماوية المحرّمة دولياً، لتحويل الثورة السلمية إلى حراك مسلح، يعجّ بالفوضى والدم والتنازع بين السوريين، وهذا كان مراده منذ البداية، ليقولَ للعالم وخاصةً دول أوروبا وأمريكا: ” لا ثورة هناك.. بل حرب أهلية وصراع مسلّح، ومتمردون محليون وإسلاميون من الخارج يحملون السلاح في وجه الدولة“؛ هكذا، يمعن أكثر في قتل السوريين الذين طالبوا بأبسط حقوقهم الإنسانية والاقتصادية!
-
فوضى، قتل واختطاف: السويداء أنموذجاً ..
تناقلت صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً بعض الحوادث التي تبدو لا تصدق في محافظة تنتمي إلى طيف واحد يبدو من الخارج و كأن لا شيء يستطيع تفكيكه.
لماذا؟ سؤال يحق لنا طرحه، لكننا في دولة خارجة عن قانون الدولة ذاتها، تستمتع بمشاهدة النزاعات التي تشق ظهر المدينة و تقف جانباً، تنتظر قتل المواطن للآخر أمام صدى انتصاراتها المزعومة على أرواحنا و كل حلم بنيناه بدمائنا.
في تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان بتاريخ 24 يونيو/ حزيران 2019 جاء فيه أن “مدينة السويداء شهدت منذ بداية عام 2018 تصاعداً في عمليات الخطف، حيث سجل التقرير قرابة 208 حوادث خطف لأبناء المحافظة منذ بداية عام 2018، وأشار إلى تورط قوات الأمن السورية في معظم تلك الحوادث؛ بهدف زعزعة الاستقرار في محاولة من النظام السوري لبسط قوته وسيطرته الكاملة على المحافظة”.
كما جاء في تقرير لشبكة السويداء 24 الإعلامية أنه في العام الفائت رصدت 267 حالة خطف واعتقال واحتجاز قسري من بينهم 228 مدنياً، و39 عنصراً من الجيش السوري والأجهزة الأمنية. وذكرت الشبكة أن الجهات المسؤولة عن خطف واعتقال المدنيين في عام 2019 توزّعت بين 45 حالة اعتقال تعسفي وخطف من قبل الجهات الأمنية التابعة للنظام السوري، و151 مدنياً تم اختطافهم من قبل جهات مجهولة مقابل دفع فدية مالية لإطلاق سراحهم؛ علاوة على خطف 25 مدنياً على أيدي فصائل محلية (لجان شعبية ) وعوائل، مقابل 7 مدنيين من السويداء خطفتهم فصائل محلية في درعا.
*حالات:
على عتبة طريق عام كان شاب من منطقة صلخد يقف منتظراً صديقه المقرب و قد ركن سيارته بعد اتفاقهما بالذهاب معاً إلى مكان ما. لكن وصول صديقه في الموعد المحدد لم يكن يعني أبداً ذهابهما إلى المكان المتفق عليه سابقاً، دخل إلى سيارة صديقه مطمئناً، لا يدري ما يضمره له، حينما غير مساره و ابتعد عن المدينة نحو حقول التفاح الممتدة على طول الطريق. بدأ يسأله – بينما لا يزال مطمئنناً- إلى أين تودي تلك الطريق؟
تم اختطافه في وضح النهار، واحتجز لدى عصابة معروفة الأسماء في كافة أنحاء المدينة، واتصل المختطف بأهل الشاب طالباً مبلغاً خيالياً.
لا يمكن في هذه الحالة اللجوء إلى أجهزة النظام الأمنية و لا إلى الشرطة التي لم تكن في خدمة الشعب يوماً.
الحجة الأفضل التي تتقنع بها للوقوف على حياد هي وجود الكثير من الفصائل التي تدعي حماية السويداء، بينما يعلم الأهالي أنهم مجموعات مجندة من النظام بأشكال عديدة وتحت مسميات شتى.
كما اختفى المواطن وسيم فرصد حسين قبل أسبوعين تقريباً وهو من جبل السماق في إدلب ويقطن في مدينة جرمانا في ريف دمشق أثناء توجهه إلى مدينة شهبا شمال السويداء، دون معرفة مصيره حتى الآن.
وضمن هذه الظاهرة – أي الخطف، أطلق سراح “عايد عواد الحمد” من عشائر سهوة البلاطة في ريف السويداء من قبل خاطفيه بعد جهود من قبل وجهاء العشيرة دون أن يتم دفع الفدية التي كان يطلبها الخاطفون.
*فصائل ولجان وأسماء: خاطفون وقتلة باسم حماية الأهالي
ما زالت تلك المحافظة البائسة تعيش في حالة ريفية رغم كل المظاهر التي طرأت عليها بعد الثورة من إنشاء وبناء يضاهي بجماله المدن الكبرى،لكنها حقيقة لمّا تزل تعتمد على الزراعة و بعض الوظائف التي لا تغطي قوت يوم واحد لفلاح فقير.
استغلت الفصائل هذه الظروف، وجذبت حولها شبان تلك القرى التي أرهقها البرد و الجوع و الخوف، وصار السلاح ينتشر بين الشبان كالنار في الهشيم. إضافة إلى كل من عفا عنهم النظام من أصحاب السوابق في القتل و الاتجار بالسلاح و المخدرات و صنع منهم لجاناً، وزرعهم على مفترقات الطرق بذريعة المصالحات وحماية الأهالي.
“صورة تظهر ميليشيات في السويداء أسسها النظام السوري بعد الإفراج عن أفرادها من السجون”
بينما ازدادت حالات الخطف بوجودهم، وصارت شبه يومية ضمن قصص متشابهة، لا أحد يستطيع اتهام “داعش” أو غيرها بما يحدث، فالعصابات باتت معروفة بالأسماء، وصار المساء عبئاً ثقيلاً على أهل المدينة، وكأن حظراً للتجوال في جميع الأمكنة!
تطورت الفصائل وأصبحت أكثر تنظيماً، وكان أشهرها فصيل (شيوخ الكرامة) الذي أنشأه “وحيد البلعوس” والذي كان معروفاً لدى الأهالي أنه شرطي سابق طرد من عمله بسبب قضية أخلاقية، ثم أخذ الدين ستراً وسبيلاً مثل الكثير من رجال الدين المنافقين هناك.
علا صوت البلعوس و أخذ يطلق شعارات رنانة، و انتشرت كلماته بين الأهالي بسرعة كبيرة، وجر خلفه كل الشبان الذين أرادوا النجاة من الخدمة الإلزامية في الجيش بأية طريقة.
“صورة لـ:وحيد البلعوس”
أوجد البلعوس طريقه لاكتساب ثقة الأهالي بارتداء كل أتباعه زي الدين الخاص بطائفة الموحدين الدروز، لكن ذلك ارتد عليه أخيراً، عندما بدأت ملامح خطابه الطائفي تزداد؛ إلى أن تم قتل البلعوس بطريقة فاجرة لا يمكن لأحد فعلها سوى ذلك النظام الأرعن، وهناك كثيرون قتلوا معه أمام المشفى (الوطني) في السويداء.
فمن قال أن أهل السويداء يريدون الانسلاخ عن نسيج بلادنا الجريحة؟ لم يكن ذلك مزاودة من الأهالي بل هو خوف حقيقي أقلقهم.
انشق فصيله على نفسه لتخرج قوات (الكرامة) و قوات (الفهد) في فصيلين يمتلكان كل أنواع الأسلحة والتي حتماً كان مصدرها النظام والأمن العسكري خاصة، إضافة إلى الصلاحيات المفتوحة تماماً.
فالسيارات الخاصة بهم تحمل أرقاماً خاصة ولقادتهم سيارات دون (نمرة).. يتجولون في الشوارع، ويأخذون ما يريدون من أي مكان يدخلونه. يفعلون ما يرغبون به في الشوارع: يقيموا حاجزاً هنا وحاجزاً هناك، ويأخذون الفتيان والشبان ولا أحد يعلم سبب ذلك، وأكرر ما ذكرته، دون أي تدخل من الأجهزة الأمنية أو الشرطة!
“صورة تعبيرية عن حالات الخطف في السويداء”
ظهرت بعض الأسماء الخارجة عن هذه الفصائل كان لها عزفها المنفرد في ساعات الظلام المتأخرة من قدر المدنة الحزينة. منها “وسام العيد” الذي كان مثالاً لتغاضي النظام عن شخص معروف في قيامه بالخطف والقتل و التجول في المدينة آمنا!!
بتاريخ 15/4/ 2019 وقع خلاف بين وسام العيد و معتز مزهر الذي يقود فصيلاً تابعاً للأمن العسكري.. كان الخلاف بسبب اختطاف الشاب ماهر الشعراني، والنتيجة كانت احتجاز “سرفيس” (حافلة ركاب) تابع للأمن العسكري، من قبل وسام العيد، بهدف الضغط على عصابة معتز مزهر حتى حصوله على الشاب ماهر الشعراني و قتله ثم إحراقه! فوقفت المدينة على ساق واحدة ت ُطالب بإلقاء القبض على وسام العيد، لكن هذا الرجل لديه عصابته المدعومة من النظام فمن ذا الذي يستطيع الإمساك به .
و في تاريخ 4/5/2019 قتل وسام العيد المعروف بـ” أبو صالح”، بطريقة تبدو مألوفة، فقد أصيب برصاصة من أحد رجاله المقربين و دخل إلى مستشفى (العناية) الخاص في السويداء و قد تم تطويق المستشفى تماماً من قبل عصابته المسلحة، ومنع المرضى من دخولها حتى تمت وفاته و تم نقله ليدفن في مدينته أخيراً.
“صورة للمدعو “أبو صالح” وسام العيد الذي تمت تصفيته بطريقة غامضة عن طريق أحد رجاله”
لكن القصة لم تنتهِ هنا، فأتباعه أرادوا الانتقام له، فقاموا بتفجير محل يملكه الشاب المتهم بقتله، و للتذكير مجدداً ذلك كله كان يحدث دون أي تدخل من الشرطة أو الأجهزة الأمنية .
على هذه الأمثلة نستطيع بناء صورة واضحة عن الحياة اليومية في المدينة. وبالعودة إلى رجال الدين فقد انقسم العقل إلى ثلاثة و صار لكل منهم فصيله وتبعيته المختلفة، وانفض الناس من حول (مشايخ العقل) بعد أن صار واضحاً أنهم فقدوا شرعيته تماماً.
لن ندخل بالحديث عن الدين، لكن إذا أردنا الاعتماد على الأخلاق فقط، فمن المفترض أن يكون هؤلاء الثلاثة هم مثال يحتذى من قبل الأهالي، لكن كيف وقد تحولت (مضافاتهم) إلى أوكار تخطط للفتنة، وتتاجر بالدماء و السلاح (على عينك يا تاجر).
“صورة تعبيرية – نت”
في ظل هذا الفراغ الأمني والفراغ الديني أو نستطيع القول الحالة التي أفقدت الناس الثقة برجال الدين، صاروا يبحثون عن مرجعيات أخرى تساندهم وتبعيات تعدهم بتحسين الظروف العامة في الجبل، فانقاد البعض إلى نفاق المدعو وليد جنبلاط! أما البعض الآخر فقد سحرته وقاحة المدعو (وئام وهاب) وباتت النزاعات تشتد حدتها حتى في العائلة الواحدة و أكثر من ذلك في البيت الواحد .
اليوم تعيش السويداء حالة من الفوضى قد تكون بداية لانفجار حرب طائفية تدور رحاها في الطائفة الواحدة لتحرق الجميع.
*توصيات: نطالب نحن السوريين جميعاً بكافة أطيافنا ومكوناتنا الدينية والمذهبية أن تتوجه جميع الدول نحو حل سريع للكارثة السورية، ونطلب من مجلس الأمن الدولي والمنظمات الحقوقية العالمية والإقليمية الضغط على القوى الفاعلة ضمن الملف السوري لتسوية ملف المعتقلين والإفراج عنهم. كما نطالب بتقديم جميع الذين قاموا بانتهاكات ضد الإنسانية وجرائم حرب في سورية إلى العدالة، وعلى رأسهم المجرم بشار الأسد وأعوانه والضباط الأمنيين والمتورطين بدماء الأبرياء من السوريين وغيرهم.
ونحن كصحافيين وكتّاب وأفراد مواطنين سوريين نناشد عبر منظمة مع العدالة بصوت واحد المجتمع الدولي أن يتحرك بأسرع وقت ممكن لتحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين وتقديمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية.