هناك عوامل قد تزيد من تعقيد معالجة ملفات الانتهاكات في سوريا ولعل أبرزها إن طال الوقت على حصول هذه الانتهاكات، فقد يؤثر ذلك على اختفاء الدلائل والوثائق وتمكن بعض مرتكبي الانتهاكات من تسهيل هروبهم
20 / آذار / مارس / 2020
مع العدالة| فراس العلي
يرتكب نظام الأسد انتهاكات يومية بحق المدنيين في عموم سوريا، فلا يقتصر تسجيل الانتهاكات على المناطق الخارجة عن سيطرته بل تمتد لتشمل المدنيين بالمناطق الخاضعة له، حيث يكاد لا يمر يوم إلا وتتناقل وسائل إعلامية عن تجاوزات من قبل نظام الأسد وشبيحته بحق المدنيين ضمن مناطق سيطرته.
وتسعى الهيئات الحقوقية إلى رصد انتهاكات النظام اليومية بالمناطق الخارجة عن سيطرته مثل توثيق حالات القصف الجوي وتهجير المدنيين والاعتقالات التي يتعرضون لها وغير ذلك لكنها في ذات الوقت بعيدة عن توثيق تلك الانتهاكات الحاصلة بمناطق النظام.
ولعل الأسباب الرئيسية تتمثل بعدم قدرتها على الوصول لمناطق النظام بالإضافة للتهديد الذي قد يطال كوادرها إن فكرت بالعمل ضمن هذه المناطق.
في المقابل، لا يلاحق نظام الأسد المجرمين الموالين له وخاصة الشبيحة بل يدعم تواجدهم في سبيل دعم هؤلاء لتواجده وهذا ما أدى لحصول فلتان أمني بدا واضحاً من خلال كمّ الجرائم التي تتناقلها منصات إخبارية من داخل مناطق النظام بعموم سوريا.
ومع تدني الوضع الاقتصادي بشكل عام في مناطق النظام بعد انهيار قيمة الليرة السورية الذي شهدته مؤخراً ازدادت نسبة الجرائم بشكل ملحوظ ولعل أبرزها أفعال السلب والنهب والقتل.
تصفيات واعتقالات
يحدث أن يجمع عنصر من الشبيحة لدى نظام الأسد أربعة مدنيين مكبلاً إياهم في ريف دير الزور ومن ثم يقدم على إعدامهم أثناء تصويره، ولا يكتفي بذلك، بل ينشر الصور على مواقع التواصل الاجتماعي معتبراً أن ما قام به انتقاماً لبلدته القرداحة.
ورغم أن الجهود التي تبذلها الهيئات الحقوقية كبيرة في سبيل توثيق الجرائم التي تحصل في سوريا من جميع الأطراف إلا أنها لا تملك في معظم الأحيان إمكانية الوصول لمناطق حصول الانتهاكات وهذا ما يعزز فرصة هروب مرتكبي الانتهاكات أو تواريهم عن المساءلة بالمستقبل.
ومن بين أبرز الأماكن التي تحصل فيها انتهاكات في اللحظة التي تكتب فيها المادة هي سجون ومعتقلات النظام التي يمارس داخلها القائمون عليها أشد أنواع التعذيب الجسدي والنفسي على المعتقلين والمعتقلات وقد تمتد في بعض الأحيان إلى تصفية المعتقلين وتزوير شهادات وفاتهم وهذا ما أكدت تقارير حقوقية نشرت بأوقات سابقة.
بالإضافة لذلك، يحصل بشكل يومي اعتقالات بحق مدنيين فمنذ أيام اعتقل النظام 13 شاباً من معضمية الشام بريف دمشق بالإضافة إلى اعتقال 40 شاباً بكفرلاها وفق مصادر إعلامية محلية.
وكانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان قد وثقت في تقرير لها اعتقال 193 شخصاً على الأقل من بينهم 121 حالة تحولت لاختفاء قسري خلال شهر فبراير الماضي، وهذا الرقم ما توصلت إليه الشبكة بينما في الحقيقة يبدو أن أرقام الاعتقالات أكثر من ذلك بالتأكيد.
“صورة تظهر شبيحة وميليشيات الأسد يسرقون أثاث المدنيين”
ولا يفرق نظام الأسد بين مواليه والمعارضين له أو المدنيين الذين اكتفوا بالحياد، حيث اعتقل عناصر النظام منذ أيام 10 أشخاص في مدينة الحولة كانوا قد أجروا تسوية مع النظام بعد سيطرته على المدينة بريف حمص الشمالي وتم اقتيادهم إلى جهة مجهولة.
وتكررت عمليات اعتقال العسكريين والمدنيين ممن أجروا مصالحات مع نظام الأسد خلال السنوات القليلة الماضية، بينما أكدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” أن أجهزة المخابرات السورية تحتجز وتخفي وتضايق السكان في المناطق التي تمكن نظام الأسد من استعادة السيطرة عليها رغم توقيع المصالحات.
انتهاكات علنية
من الأمور التي اعتاد المدنيون بمناطق النظام على مشاهدتها أو سماع أخبار عنها أن يقوم أحد عناصر الشبيحة بالاعتداء على مدنيين وسط الشارع دون أن تتم محاسبته وبدا هذا واضحاً من خلال العديد من الحوادث التي تداولتها منصات إخبارية من مناطق النظام.
القتل والسرقة والاعتداء وفق أهواء عناصر الشبيحة باتت أفعال يُسمع بحصولها بشكل يومي في مناطق النظام، حتى إن طلبات الاستغاثة من موالي النظام باتت تتزايد والشكاوى المسجلة ضدهم ترتفع مع مرور الوقت.
ومن الطبيعي حصول مثل هذه الانتهاكات في الوقت الذي ينتشر فيه السلاح بشكل ملحوظ بمناطق النظام دون رقيب أو حسيب، بل هناك عناصر وضباط من نظام الأسد يحمون تواجد حاملي السلاح تماشياً مع مصالحهم الشخصية.
“شبيح في مليشيات بشار يدعى “مياس جركس” ينشر على حسابه الشخصي في فيس بوك صوراً لتنفيذه إعداماً ميدانياً لـ (4) مدنيين من ريف دير الزور، انتقاماً حسب ما قال لبلدته القرداحة”
ولم يتم توثيق الكثير من الانتهاكات سوى ما تم تداوله عبر تسجيلات فيديو أو صور عن طريق الصدفة، بينما معظم الانتهاكات حصلت بالسر وتم تسجيلها في معظم الأحيان ضد مجهول.
ومن أبرز الانتهاكات التي تم تسليط الضوء عليها بمناطق النظام هي سرقة أرياف حلب وإدلب من قبل عناصر جيش نظام الأسد وشبيحته ونشر الكثير من الصور لهم وهم يبيعون المسروقات بأسواق شعبية دون حسيب أو رقيب، لكن هذه الانتهاكات لا يمكن مقارنتها بعمليات النهب عبر الحواجز العسكرية والأمنية المنتشرة على طرق السفر.
ومع ازدياد حجم انتهاكات الشبيحة يواصل نظام الأسد سياسته الرامية إلى تجاهل أفعالهم بل ودعم تواجدهم رغم أنهم من الأسباب الرئيسية التي أدت لحصول الفلتان الأمني في وسط مناطق النظام.
ويبدو أن ملف الانتهاكات الحاصلة بمناطق النظام قد يبدو بالوقت الحالي بعيداً عن عين عمليات التوثيق التي تنشط بها الهيئات الحقوقية إلا أنه في حال تغير الظروف والوصول لهذه المناطق فإنها ستكون أمام ملف معقد وضخم من الانتهاكات.
من المسؤول؟
من خلال متابعة عشرات حوادث القتل والسرقة والاعتداءات التي حصلت في سوريا خلال السنوات الماضية إلى هذا اليوم، يبدو أن سرطان الفساد يتفشى بكامل أجهزة ومنظومة نظام الأسد بدءاً من الأجهزة الأمنية وانتهاءً بموظفي الرشاوى بالدوائر الحكومية.
وفي الوقت الذي يتم فيه تسليط الضوء على قيادات نظام الفعلية والمسؤولة عن النصيب الأكبر من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية الحاصلة بسوريا، هناك آلاف الرموز الإجرامية الخفية المسؤولة أيضاً عن ارتكاب انتهاكات بالجملة، ومن أبرزهم مديرو المعتقلات والمشرفون على عمليات التعذيب والمنفذون لها حتى أصغر عنصر.
بالإضافة لما سبق، يمتد ملف المسؤولين عن الانتهاكات إلى القيادات الأمنية التي ساهمت بقتل وتعذيب واحتجاز وإهانة مئات آلاف المدنيين والقيادات المدنية التي أدت قرارتها لاعتقال وسرقة المزيد من المدنيين.
ويرى حقوقيون بأن ملف المحاسبة عندما يحين دوره في سوريا قد يمتد لسنوات بل لعقود حتى تتم محاسبة معظم المسؤولين عن ارتكاب انتهاكات في سوريا مهما كان حجم هذه الانتهاكات.
“صورة لجنود وشبيحة نظام الأسد أمام أثاث مسروق في ريف دمشق”
ويتعقد ملف الانتهاكات في سوريا بشكل عام وبمناطق النظام بشكل خاص فيما إذا فتحت ملفات انتهاكات الميليشيات الأجنبية التي تساند نظام الأسد، حيث لها من المسؤولية قدر من هذه الانتهاكات أيضاً ومن واجب العمل الحقوقي ملاحقتهم عبر المحاكم.
وهناك عوامل قد تزيد من تعقيد معالجة ملفات الانتهاكات في سوريا ولعل أبرزها إن طال الوقت على حصول هذه الانتهاكات، فقد يؤثر ذلك على اختفاء الدلائل والوثائق وتمكن بعض مرتكبي الانتهاكات من تسهيل هروبهم.
ولا يكفي في ذاك الوقت أن يتم الاعتماد على بضع هيئات حقوقية لتوثيق هذه الانتهاكات بل تحتاج سوريا إلى مئات الهيئات والمنظمات التي ستنشط من خلال عمليات معقدة لإعادة جزء من الحقوق إلى الشعب السوري عبر تطبيق مبدأ لا عدالة بدون محاسبة.