بعد بداية الثورة و حالة التشنج التي أصابت أعضاء النظام كافة، استنفر النظام وحشيته ليصل به الأمر لاستدعاء الأطباء القلائل الموجودين في مشفى صلخد للخدمة الإلزامية بحجة ضرورة تلبية (نداء الوطن!)
25 / شباط / فبراير / 2020
“ممرضات وأطباء بين ضحايا ومنتهكين”
*مع العدالة | شمس الحسيني
تعاني مشافي السويداء من نقص حاد في الأدوية قد يصل إلى أهم الأدوية الخاصة بالأمراض المستعصية، إضافة إلى الأدوية الخاصة بـ لسعات الأفاعي و الحشرات السامة، مع ملاحظة أن هذه المدينة منطقة غنية بالبساتين و تدرج ضمن المناطق الزراعية و التي يتعرض أهلها للسعات الأفاعي بشكل يومي تقريباً، بالاضافة إلى أن المشفى الوطني (مشفى الشهيد زيد الشريطي) في السويداء يعتبر مرتعاً للحشرات الصغيرة السارية التي تتمثل في الصراصير بأنواعها و الذباب الناقل لكافة الأمراض.
بنظرة أولية إلى الوضع الصحي في السويداء يمكن أن نبدأ بمشفى منطقة صلخد و الذي أنشأ ليقدم خدماته للمنطقة الشرقية خاصة والتي تضم على الأقل ثلاثة عشرة قرية يبلغ عدد ساكنيها ما يزيد عن مئة و عشرين ألف نسمة.
“صورة – مشفى الشهيد الدكتور زيد الشريطي (المشفى الوطني) – أنترنت”
تم تجهيز مشفى صلخد بأفضل التجهيزات الطبية على مستوى سورية، و أحدث أجهزة التصوير والتنظير وبنيت الكثير من الآمال لدى الأهالي حول علاجهم في هذا المشفى بدل تكبدهم مشقة الطريق إلى مشفى السويداء (الوطني) الذي يبعد نحو ساعة إلا ربع عن مدينة صلخد في الأحوال العادية، بينما يحتاج الوصول إليه نحو ساعة ونصف في فصل الشتاء القاسي الذي لا يخلو من الضباب و الصقيع وتجلّد الطرقات الواصلة بين مدينة صلخد و مدينة السويداء.
لكن المفاجأة لم تكن سارة أبداً عندما افتتح المشفى ليظهر النقص الكبير في الطاقم الطبي من أطباء و ممرضين، والأسوأ من ذلك هو نقص الأدوية الأساسية و خاصة المواد المتعلقة بالحالات الحرجة والمستعصية و المستعجلة التي يفترض بأن المشفى قد أنشأ لأجلها.
مشافٍ وأطباء ضمن أجندات النظام السوري الخبيثة:
بعد بداية الثورة و حالة التشنج التي أصابت أعضاء النظام كافة، استنفر النظام وحشيته ليصل به الأمر لاستدعاء الأطباء القلائل الموجودين في مشفى صلخد للخدمة الإلزامية بحجة ضرورة تلبية (نداء الوطن!)… وهل يقبل هذا الوطن بموت المرضى على أسرة المستشفيات الخالية من الأطباء لأجل خدمة جبهات الحرب المسعورة؟ تلك التي لم تترك طبيباً ولا ممرضاً و لا حتى رجلاً ليقدم خدماته للمحتاجين.
أما للمشفى الوطني في السويداء حكاية أخرى، يرويها الناس في الحواري ووراء النوافذ المغلقة خشية المعتقلات التي يسمونها مجازاً (خلف الشمس).
12 ممرضة تم خطفهن من المشفى في وضح النهار، وبيعهن لتنظيم “داعش” المرابط على حدود القرى الشرقية للسويداء والأردن، بالتعاون مع أحد الأطباء في المشفى وامرأة تدعى “ميادة نعيم“، كانت تتقاضى من عناصر داعش مبلغ 400 ألف ليرة سورية مقابل كل ممرضة أو فتاة تخطفها لهم؛ وقد كُشف أمرها من قبل إحدى الممرضات التي كانت في الدفعة التالية المطلوبة من داعش،حيث استيقظت في منتصف الطريق، وأرسلت رسالة إلى خطيبها فأبلغ أهالي المنطقة التي كان السرفيس (الباص) الذي ينقلهم قد وصلها،فتجمع الأهالي و قاموا بإنشاء حاجز هناك، وأوقفوا السرفيس وتم إنزال الفتيات وأسر السائق.
و بعد التحقيق مع السائق من قبلهم اعترف بنقل عدد من الممرضات إلى المنطقة الحدودية وتسليمهن إلى تنظيم داعش مقابل مبلغ كبير من المال؛ و ذلك بهدف تشغيلهن في علاج مصابين من التنظيم، وبسبب نقص المواد الطبية و الخبيرات في العلاج لديهم، وعدم قدرتهم على استدراج الأطباء الرجال ليس لأي سبب سوى نقص الأطباء في هذه المنطقة بعد اتجاه الأطباء لخيار الالتحاق بالخدمة العسكرية قسراً، أو السفر خارج سورية. ولقد كان أمام الممرضات عمل آخر هو (نكاح الجهاد)، الذي عرفته المدن السورية جيداً،حيث تعاملت الكثير من الأسر في المنطقة الشرقية من السويداء مع داعش، حتى باتت تقبل بالعروض المغرية التي يقدمونها مقابل بيع (تزويج) الفتيات لهم بأسعار خيالية، واتخاذهن كزوجات للمقاتلين (دعارة شرعية) لعدد من الأشهر ثم إعادتهن إلى عائلاتهن بعد انتهاء الفترة المتفق عليها.
“كادر طبي بالسويداء يحتج بعد اختطاف مدير مشفاه- أنترنت”
لم يتم تسليم السائق إلى الجهات الأمنية بسبب تغاضي هذه الجهات عن أي مشاكل تحدث في السويداء،حتى لو كان الأمر يتعلق بداعش أو غيرها، فتمت محاكمته من قبل زعماء العائلات التابعة للفتيات، وقاموا بنبذه بأحكام المذهبية الدرزية ومقاطعته كخارج عن الأحكام الاجتماعية؛ أما الفتيات اللواتي عدن إلى عائلاتهن فقد عوملن بطريقة سيئة، وتم فصلهن عن العمل بشكل قسري وتعسفي دون إيضاح الأسباب.. والفتاة التي أبلغت خطيبها عن الحادثة قد تخلى عنها، وأجبرها على قطع تواصلها مع عائلته بشكل نهائي، بحجة تلويث شرف العائلة حتى قبل وصولها إلى أيدي داعش.
فضائح وسرقات علنية وإهمال طبي:
بعد فترة زمنية قصيرة حصلت فضيحة أخرى في مشفى السويداء الوطني، داخل أحد أشد الأقسام أهمية، وهو قسم أمراض الدم الذي يُعنى بأمراض السرطان و”اللوكيميا”، وغيره من الأمراض شديدة الخطورة على حياة الأهالي.
الدكتور “مؤنس أبو منصور” كان يقوم بوصف الجرعات الكيميائية كعلاج لمرضى لا يحملون مرض السرطان، فقط لأنهم من العائلات المعروفة بثرائها في السويداء، حيث قام شاب من السويداء يدعى (ح.نصر) بتقديم بلاغ رسمي للمخفر الشمالي في السويداء يتهم فيه الدكتور مؤنس أبو منصور بالاحتيال عليه وعلى عائلته بادعائه أن والدته مريضة سرطان، وتحتاج إلى جرعات كيماوية، وذلك بهدف استجرار المال من العائلة المعروفة بكثرة أملاكها و ثرائها في المنطقة.
في اليوم التالي أغلق ذلك الادعاء وتمت تبرئة الطبيب استناداً إلى إجابته على الاتهام على أنه (خطأ وقع في مختبر التحاليل) واشتباه بأعراض المرض.
فمن المعروف عادة، أن هكذا قضية لا يمكن البتّ فيها دون تحويلها إلى القضاء، لكن هذا الطبيب يعتبر الوحيد فعلياً الذي يحمل اختصاص أمراض الدم في السويداء، ويقوم بعلاج مئات المرضى في مشافيها الحكومية والخاصة على حد سواء، ويمتلك من المال ما يكفي لإغلاق هذا الملف.
تناقل الأهالي حكاية هذا الشاب ووالدته وصارت تتسرب الحكاية بينهم بشكل دائم، إلى أن تمت مراقبة الطبيب من عدد من الممرضين و اكتشفوا أنه يقوم بجلب مخصصات الأدوية مجاناً من مشفى البيروني المختص بعلاج الأورام و الأمراض السرطانية (الطب النووي) في دمشق، ويقوم ببيعها للمرضى في السويداء، بمبالغ طائلة، فحاولوا تقديم شكوى بهذا الخصوص إلا أنها قوبلت بالرفض أيضاً.
حالات:
يهرول علاء إلى المشفى حاملاً ولده: “ساعدوني لا أعلم ما جرى، لقد فقد الوعي فجأة، صيحاته ذهبت سدى؟” فالطبيب الوحيد غير مختص، وطوابير المرضى تحول بينه وبين الطفل. ماذا أقول لطفلي إن صحا؟ “انتظر بنيّ فهنا أنت رقم لا أكثر! والطابور طويل فاصبر” يكلم الأب نفسه.
هذه القصة واحدة من عشرات الحالات التي تحدث في مشفى السويداء الوطني، وفي قسم الإسعاف تحديداً، فالقسم يخلو في أغلب أوقاته من طبيب مختص؛ حيث إن الطبيب المقيم الوحيد في قسم الإسعاف لا يستطيع تغطية كافة الحالات الإسعافية، ويقع في العديد من الأخطاء أثناء تشخيص الحالات المرضية.
وما أن يظن المريض بأن مشكلته قد حُلَّت عند تحويله إلى أحد الأقسام، حتى تفتح في وجهه أبواب لمعاناة أخرى، ففي المشفى طيبب “مقيم” وحيد، ويغطي خمسة أقسام داخلية، “هضمية، عصبية، أمراض كلى، صدرية، وأمراض الدم، مما يؤدي لبطء، وأخطاء في التشخيص، أدت في عدة حالات إلى وفاة المريض.
قبل عامين تقريباً أصدرت وزارة الصحة التابعة للنظام السوري أمراً بإغلاق مخبر “مشفى العناية الخاص” في مدينة السويداء، وذلك لعدم وجود طبيب مختص داخل المخبر؛ بحسب ما نقل “موقع تلفزيون الخبر”، حيث أشار إلى أن” اللجنة رفعت تقريرها مؤكدة خلو المخبر من طبيب اختصاصي واقتصار الموظفين فيه على المخبريين خريجي المعاهد الطبية، ما دفع وزارة الصحة لإصدار قرار بإغلاق المخبر وتشميعه بالشمع الأحمر”.
كما يتساءل ناشطون عن السبب باختلاف المعاملة، والإجراءات في مشافي العاصمة مقارنة بالسويداء.؟ فقسم الإسعاف والطوارىء في مشفى المواساة بدمشق مثلاً، يستقبل المريض بإجراء تحاليل إسعافية له، وتخطيط لقلبه، بالإضافة لصور الأشعة.
أما في مشفى السويداء الوطني، ينتظر المريض وقتاً طويلاً، قد يصل إلى ساعتين، ريثما ينهي الطبيب المقيم فحص باقي المرضى، كونه في الغالب الطبيب الوحيد المناوب في الإسعاف، ومن النادر أن يقوم باجراء تحاليل إسعافية وتخطيط للقلب، (هذه الإجراءات التي تمكنه من معرفة القسم الذي يجب قبول المريض فيه).
“صورة مديرية الصحة في السويداء – أنترنت”
بينما يرى ناشطون في المجال الإغاثي والطبي، أن أحد أهم الأسباب للتسيّب، والفساد في المشفى الوطني، وغيره من المراكز الطبية، هو هجرة الأطباء، ورفض الكثيرين التعاقد مع المشافي الحكومية ذات الأجور المنخفضة، مما يفسح المجال لبعض الأطباء المتعاقدين معها من مغادرة المشفى إلى عياداتهم الخاصة، بحثاً عن مصدر مالي يؤمن لهم حياة أفضل.
من جانبه بيّن مدير عام “الهيئة السورية للاختصاصات الطبية” يونس قبلان في تصريح سابق له أن “عدد الأطباء ممن هاجر البلاد وصل إلى 40 بالمئة خلال السنوات الماضية، ونسبة الهجرة في الأطباء الجدد لا تقل عن 80 بالمئة وهو رقم كبير على مستوى مختلف الاختصاصات.
الجدير بالذكر أنه بالرغم من عشرات الشكاوى التي يتّهم فيها المشتكون المشفى بالتقصير، يرى آخرون أن العاملين في المشفى، من كادر طبي وموظفين إداريين، يعملون فوق استطاعتهم، كون باقي مشافي المحافظة غارقة في تسيبها وفسادها.