أزمات قانونية مخيفة لهذه القضية قد تخرج علينا نحن السوريين في المستقبل، مع مرور الوقت سيكبر هؤلاء الأطفال وإن استمر الحال كما هو عليه فقد أصبحوا مواطني دول أخرى
29 / آذار / مارس / 2019
*فراس العلي_ مع العدالة
يوجد يومياً حوالي 300 مولود سوري جديد في تركيا، هذا عدا عدد مواليد السوريين في لبنان والأردن والدول التي استقبلت اللاجئين السوريين على أراضيها؛ ورغم محاولات توفير أدنى متطلبات الحياة لأطفال اللاجئين مثل افتتاح دور الرعاية الصحية المجانية وبناء المخيمات وغير ذلك من الخدمات، إلا أن هناك زوايا هامة للغاية لم تلقِ الجهات المعنية بالاً لها.
ومن بين هذه المواضيع “تقييد أسماء مواليد اللاجئين في سجلات النفوس السورية” فهناك عدد لا يحصى من الأطفال يقتربون مع مرور كل سنة من خطر انعدام الجنسية في حال لم يتم إعادة توطينهم في الدول الجديدة التي نشأوا فيها.
ويأتي ذلك بالتزامن مع انحصار اهتمام المنظمات الراعية لحقوق اللاجئين وتقديم الخدمات لهم بمواضيع المساعدة العاجلة والطارئة التي توفر لهم أدنى متطلبات الاستقرار في المكان الجديد الذي اضطر اللاجئون للنزوح إليه.
ورغم أن معظم مواليد السوريين تم تقييدهم في المشافي التركية على سبيل المثال وبالتالي يوجد قوائم منتظمة لهم لدى وزارة الصحة التركية إلا أن هذا الأرشيف لا وجود له في دوائر النفوس السورية الأمر الذي سيعرضهم مع مرور الوقت لفقدان العديد من الحقوق فيما إن اعتبروا “مواطنين سوريين” ولم يحصلوا على الجنسية التركية.
ويزداد عدد مواليد السوريين في دول اللجوء مع مرور الوقت، ففي تركيا تقول إحصائيات مديرية الهجرة إن هناك حوالي 300 طفل سوري يولدون يومياً، فيما قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو: “ولد في تركيا نحو 380 ألف طفل سوري، لو يدعمنا البرلمان في هذا ونتمكن من توطينهم ومنحهم الجنسية التركية، ليتنا نفعل”.
خطر محتمل
خلال استطلاع رأي أجريناه على عدد من الأطفال السوريين عبر طرح بعض الأسئلة عليهم حول ما يعرفونه عن سورية والمدينة التي ينتمون إليها هناك، تبيّن أن معظمهم يعرفون البلد الذي يقيمون به أكثر من بلدهم الأم، ويعتبر البعض منهم هذه النتيجة طبيعية، وذلك بسبب مضي وقت طويل من الزمن على لجوئهم في الدول الأخرى.
وما يزيد من أزمة الهوية بالنسبة لمواليد السوريين الجدد في دول اللجوء، أن غالبيتهم باتوا يتعلمون لغات أخرى بالتزامن مع ضآلة أمل العودة إلى سورية باستمرار وجود نظام الأسد على رأس الحكم ومساندة الميليشيات الأجنبية له.
يقول علي المحمد أحد الحقوقيين السوريين المطلعين: “أزمات قانونية مخيفة لهذه القضية قد تخرج علينا نحن السوريين في المستقبل، مع مرور الوقت سيكبر هؤلاء الأطفال وإن استمر الحال كما هو عليه فقد أصبحوا مواطني دول أخرى، أما من بات عديم الجنسية سيحرم من عدة حقوق منها حق التعليم والتداوي والإرث”.
ويتابع، يجب على المجتمع الدولي بمنظماته الحقوقية وهيئاته الأممية أن يلفت النظر لأهمية هذه القضية عن طريق الورشات التوعوية وتسليط الضوء على آثار اللجوء السلبية وطرق معالجتها، كما نعرف العديد من الدول التي استقبلت اللاجئين لن توافق على منحهم الجنسية، بل فئات من شعوب الدول المستضيفة للاجئين تطالب بترحيل اللاجئين أحياناً، هذا ما حصل في السعودية مؤخراً على سبيل المثال.
وتقول المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، إن هناك ما لا يقل عن 10 ملايين شخص حول العالم قد حرموا من الجنسية، لا يُسمح لهم بالذهاب للمدرسة أو عيادة الطبيب أو الحصول على وظيفة أو التسجيل في الجامعة أو فتح حساب مصرفي أو حتى الزواج.
وتتابع، نحن مصممون على إنهاء حالات انعدام الجنسية بحلول العام 2024 عبر إطلاق حملة “أنا أنتمي” من أجل وضع حد لانعدام الجنسية وندعو الدول لاتخاذ إجراءات أكثر حزماً.
ومن بين المشمولين بالحملة عدد لا يحصى من السوريين الذين حرموا من نيل الجنسية أو جردوا منها بسبب سياسة نظام الأسد ودعم بعض الدول له، فيما مضى على انطلاق الحملة أكثر من أربع سنوات ولم تتمكن المفوضية من معالجة سوى وضع 166 ألف شخص حصلوا على جنسية جديدة أو أثبتت جنسيتهم الأصلية.
ورغم برامج الاندماج وإعادة التوطين التي تتبعها دول عديدة مع اللاجئين السوريين، إلا أنها لا تعالج سوى نسبة قليلة منهم، هذا بالإضافة لعدم نجاح هذه البرامج بتحقيق أهداف فعلية ببعض البلدان وفق رأي البعض.
مستقبل غامض
قصي وهو طفل سوري في الثانية عشر من عمره يقضي وقته وهو يحاول تعلم اللغة التركية من أجل ضمان إكمال دراسته في المدارس التركية لاحقاً، لا يملك الطفل سوى “كيملك-بطاقة حماية مؤقتة” تثبت هويته واسمه الذي قيّد لدى دائرة الهجرة التركية.
وحول تسجيل الطفل لدى دوائر النفوس في سورية يجيب والده: “لنتمكن أولاً من الوصول لحلب ومن ثم نسجّل الطفل، كيف لنا أن نفعل ذلك ونحن مطلوبون للنظام، لا أستطيع تسجيله في سورية وكل ما يملكه الطفل من وثائق رسمية هو “الكيملك” وصفحة في دفتر العائلة التركي.
ويتابع، ليست حالة ابني الوحيدة، فهناك الكثير من زملائه الذين لم يتم تقييد أسمائهم في سورية، وحول تخوفي من ذلك فليس لدرجة كبيرة، يأتي يوم وستتم معالجة وضعه قانونياً سواء حصلنا على الجنسية التركية أو عدنا إلى سورية، لكن ما يبعث لدي القليل من الاطمئنان هو أن هناك عشرات آلاف الأطفال المماثلة حالتهم القانونية لوضع ابني.
وفي كانون الأول الماضي، أطلقت الأمم المتحدة بالشراكة مع عدد من المنظمات خطة لدعم اللاجئين السوريين ومواليدهم الذين ولدوا في وضع يشيع فيه الفقر والبطالة، وتشمل الحملة كلاً من الأردن ومصر والعراق ولبنان وتركيا.
وتقول إحصائيات أممية إن هناك أكثر من مليون طفل سوري ولدوا في دول اللجوء، داعية المجتمع الدولي للاعتراف بمحنة اللاجئين السوريين وتوفير الدعم الأساسي للمجتمعات المضيفة والشركاء في خطط الاستجابة الإقليمية للاجئين والقدرة على مواجهة الأزمات وتحمل هذا العبء الهائل.
في المقابل، يزداد حجم القضية أهمية مع مرور الوقت خاصة أن هناك أطفال لم يتمكن أهلهم من تسجيلهم لدى دوائر الدول التي يقيمون فيها بصفة لاجئين، ويعود السبب لعدد من العقبات والمصاعب، أهمها عدم إثبات هوية جميع الأطفال السوريين حتى لو بأقل ما يتوفر لهم من حقوق بسبب ولادة بعضهم خارج مشافي الدول المستضيفة لهم، بالإضافة إلى القرارات التي تصدرها بعض الدول والتي تخص اللاجئين.
منذ حوالي سنتين، بدأت تركيا بإيقاف منح بطاقة حماية اللاجئ المؤقتة المخصصة للسوريين في عدد من الولايات التركية، ما اضطرت أعداد كبيرة من العائلات للانتقال لولايات أخرى من أجل التمكن من الحصول على هذه البطاقة.
وقد يبدو وضع مواليد السوريين الجدد في تركيا أفضل مما هو الحال في لبنان مثلاً، ففي الأخير أكدت مفوضية الأمم لشؤون اللاجئين أن 70% من الأطفال السوريين المولودين في لبنان لا يحملون وثائق ولادة، ويقدر عدد مواليد السوريين في لبنان حتى عام 2018 حوالي 130 ألف طفل، فيما تقول أرقام الحكومة اللبنانية إن العدد يفوق ذلك بكثير.
وهؤلاء الأطفال غير مسجلين سواء في سورية أو في لبنان، وبالتالي سيواجهون في حياتهم مصاعب كثيرة خاصة أنه لن تتوفر لهم أدنى حقوق الإنسان الواردة في مبادئ المنظمات الأممية.
تبعات وآثار
يتبع عدم إثبات مواليد السوريين وتسجيلهم في سورية عدة آثار سلبية مع مرور الوقت إن لم تتم معالجة هذه الأزمة في المستقبل القريب، ومن بين هذه الآثار فقدانهم لحق الإرث خاصة إن كانت عائلاتهم في وضع لا يسمح لهم بحماية ممتلكاتهم في سورية بسبب نظام الأسد وأعوانه.
بالإضافة لذلك دخلوا في متاهة لا دليل لها بسبب عدد المناهج التدريسية المختلفة التي درسوها بالإضافة للانقطاع المستمر عن الدراسة بسبب عدم توفر خدمات التعليم لهم في وقت ما، فيما تتعقد المسألة وتتكاثر القضايا التي يكون الأطفال ضحيتها في بعض الأحيان كفقدانهم لذويهم إثر حادثة ما أو حالات الزواج والطلاق المبكر.
ومن الآثار الأخرى عدم تمكنهم من إكمال تعليمهم والحصول على وظائف حكومية في المستقبل بالإضافة إلى حرمانهم من أبسط حقوقهم كالحصول على جواز سفر أو التداوي في المشافي أو حتى التسجيل للحصول على رخصة قيادة.
ورغم الحملات التي تطلقها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين إلا أن المسألة تبدو أكبر من قدرتها على إعادة توطين جميع معدومي الجنسية بما فيهم مواليد السوريين، خاصة أن الأمر يعود لمدى توافق سياسات ومصالح العديد من الدول التي تستضيف اللاجئين السوريين.
في المقابل، لم تحصل أية مبادرات من قبل منظمات حقوقية تعنى بتوثيق مواليد السوريين في دول اللجوء، فعلى الأقل لو كانت مثل هذه المحاولات موجودة لاستفاد منها معظم الأطفال السوريين غير المسجلين في سورية خلال المستقبل القريب.