#########

بيانات وتقارير

نبش المقابر .. انتهاك آخر يسجل بالملف السوري


يبدو أن هذا القانون مجرد حبر على ورق فمن نبش المقابر ودنسها بالأمس في ريف إدلب لا يزال حراً طليقاً بل ويتفاخر علناً بفعلته

28 / شباط / فبراير / 2020


نبش المقابر .. انتهاك آخر يسجل بالملف السوري

 *مع العدالة| فراس العلي  

 

مع تقدم نظام الأسد واستيلائه على عدد من المدن والبلدات في ريف إدلب، انتشرت مقاطع مصورة لعناصر من الشبيحة وهم منتشرون بمقابر المناطق التي يتقدمون إليها ويحطمون شواهد القبور وينبشون بعضها ويخرجون الجماجم منها ويتحدثون بسخرية منتشين من الأموات.

 

وصورت عدة مقاطع مصورة من قبل الشبيحة وهم يتباهون بتحطيم شواهد المقابر في بلدة خان السبل الواقعة على طريق دمشق – حلب الدولي، ليبدو الانتقام واضحاً في أفعالهم التي توعدوا بفعلها قبل أن يدخلوا هذه المناطق.

أثارت هذه الأفعال المنافية لأدنى قيم الإنسانية والأخلاق موجة غضب وانتقادات واسعة على هؤلاء بينما توعد كثيرون بقتل الفاعلين بسبب تدنيس حرمة أماكن دفن الموتى.

 

 

وليست هذه المرة الأولى التي يحصل فيها اعتداء على المقابر في سوريا بل سبقها أفعال شبيحة النظام في عدد من المدن مثل القصير وداريا وحلب ودير الزور وغيرها.

ومع تسجيل هذا الانتهاك الإضافي لقوائم الانتهاكات التي تحصل في سوريا يتجه الملف السوري من الناحية الحقوقية لحالة أكثر تعقيداً خاصة أن هذه الأفعال خلقت ردوداً ومواقف شخصية وبات هناك مجموعات من ذوي هذه المقابر يفكرون بالانتقام.

 

بدافع الانتقام

بعيداً من دفاعهم عن نظام الأسد، يبدو أن نبش المقابر جاءت نتيجة لأسباب شخصية حيث أن المقابر التي تم نبشها تعود لمقاتلين بالمعارضة كانوا يعرفونهم من قبل.

ومن بين المقابر التي نبشوها قبر يعود لمهنا عماد الدين أبو مجاهد وهو من مقاتلي الفرقة 13 في الجيش السوري الحر وكان قد قتل بتاريخ 12 حزيران عام 2014 عند طريق الهرتمة بريف معرة النعمان جنوبي إدلب.

ويتداول نشطاء معلومات حول “أبو مجاهد” أنه خير الذين عبثوا بقبره عندما كانوا سابقاً في خان السبل بين ترك التشبيح أو الخروج من خان السبل، وبالفعل هربوا من المنطقة ليعودوا إليها مع دخول نظام الأسد وينبشوا قبره.

 

ويظهر في إحدى المقاطع المصورة عنصر من الشبيحة ويدعى سامر حلوم الملقب “بالأصلع” وهو يصور مقبرة على يمين الطريق ويقول: “وعد شرف راجع للميت قبل الطيب” في إشارة منه إلى أن الاعتداء على المقابر من أولى اهتماماته.

 

وانتشرت عدد من المقاطع المصورة التي يظهر بها عناصر شبيحة، بعضهم استخرجوا عظام الموتى وسخروا منهم وبعضهم الآخر دنسوا الجوامع ونادوا بربهم بشار.

ولا يقتصر ما يحصل من تعدى على الموتى والتمثيل بهم على نبش مقابرهم، بل يمتد إلى تصوير الموتى مثلما فعلوا عدد من إعلاميين الأسد ككنانة علوش وشادي حلوة حيث ظهروا بعدة صورة وهم يضحكون وورائهم عدد من الجثث وكأنهم يعيدون بهذه الصور مشاهد رأيناها لمجندات أمريكيات بسجن أبو غريب في العراق.

 

“صورة لأحد مقاتلي داعش يقوم بهدم قبر داخل مناطق سيطرته في سورية – أنترنت”

 

داعش والمقابر

تذكرنا أفعال شبيحة نظام الأسد بما فعله عناصر تنظيم داعش منذ سنوات عندما فجر أضرحة أضرحة ومزارات وعبث بالمقابر ودمر شواهدها بحجة أنها أعمال شركية تؤدي للحكم بالتكفير.

لذا لم تكن تخريب المقابر قضية جديدة بالملف السوري بل تعود إلى زمن تنظيم داعش عندما انتشر في شمال شرقي سوريا ودمر العديد من المقابر لمشايخ كان يرتادها الناس كمزارات.

 

“صورة تظهر مرقد الصحابي حجر بن عدي بعد تعرضه للتخريب والنبش – أنترنت” 

 

كما دمر التنظيم شواهد المقابر في معظم المناطق التي سيطر عليها قبل تصفية وجودهم، واستخدموا أثناء تدمير المقابر المتفجرات في بعض الأحيان.

ومن بين أبرز الأضرحة التي دمرت على تنظيم داعش هي ضريح الصحابي عمار بن ياسر في مسجد أويس القرني بالرقة ويضم المسجد عدة أضرحة تعرضت للتدمير على يد داعش مستخدماً المتفجرات.

وشمل تدمير شواهد المقابر بمناطق تابعة لمحافظات دير الزور والحسكة والرقة وحمص وحلب وإدلب، أما عن الأسباب فهي أفعال تكفيرية بوجهة نظر التنظيم آن ذاك.

 

في الباغوز

انتشرت ظاهرة نبش المقابر لتمتد إلى بلدة الباغوز التي كانت آخر معاقل تنظيم داعش بريف دير الزور الشرقي بغرض البحث عن مقتنيات قتلى عناصر التنظيم.

وتؤكد شبكات إعلامية محلية أن ظاهرة نبش المقابر ظهرت بالباغوز على يد بعض المدنيين الذين يبحثون عن مقتنيات قتلى التنظيم التي قد تكون دفنت معهم. وأصدرت عدة تحذيرات من خطر انتشار هذه الظاهرة التي قد تؤدي إلى نشر الأمراض، في الوقت الذي اتهم آخرون قسد بإهمالها المقصود لتدارك الظاهرة وملاحقة الفاعلين.

ولم تشمل عمليات الحفر المقابر فقط بل امتدت إلى عدة مناطق يظن الفاعلون أن عناصر التنظيم قد دفنوا ممتلكاتهم تحت الأرض محاولين من خلال الحفر البحث عنها.

 

نبش المقابر قانوناً

“يعاقب بالحبس من شهرين إلى سنتين من هتك أو دنس حرمة القبور أو أنصاب الموتى أو أقدم قاصداً على هدمها أو تحطيمها أو تشويهها، كما يعاقب من دنس أو هدم أو حطم أو شوه أي شيء آخر خاص بشعائر الموتى أو بصيانة المقابر أو تزيينها” هو نص المادة رقم 467 من قانون العقوبات السوري.

ويطبق هذا النص بالتحديد على الشبيح سامر حلوم ومن كان معه في المقطع المصور الذي تم نشره من قبلهم، حيث دنسوا المقابر في خان السبل وقصدوا هدمها.

 

“صورة تظهر أحد العناصر التابعين للنظام السوري يقوم بتصوير القبور التي تم تخريبها ونبشها في إدلب – أنترنت”

 

كما جاء في المادة رقم 465 من ذات القانون ما يلي: “من سرق أو أتلف جثة كلها أو بعضها عوقب بالحبس من شهر إلى سنة، وإذا حصلت السرقة بقصد إخفاء الموت أو الولادة فمن شهرين إلى سنتين”.

وينطبق النص أعلاه في الفقرة الأولى منه على مقطع مصور ظهر لعنصرين من نظام الأسد كانوا قد أخرجوا عظام أحد الموتى وحطموه.

ولكن يبدو أن هذا القانون مجرد حبر على ورق فمن نبش المقابر ودنسها بالأمس في ريف إدلب لا يزال حراً طليقاً بل ويتفاخر علناً بفعلته.

وليست النصوص السابقة فقط هي التي لا تطبق بل يمكن اعتبار معظم القوانين الموضوعة والتي تعبر عن القانون السوري مجرد حبر على ورق على ظل حكم نظام الأسد الذي يسيّر القانون لتحقيق مصالحه الشخصية.

 

المهمة الصعبة

مع مرور كل يوم تزداد حجم الانتهاكات في سوريا وتتنوع طبيعتها ويختلف فاعلوها تصعب المهمة أمام الكوادر الحقوقية التي تسعى لتوثيق هذه الانتهاكات أملاً بتحقيق العدالة ولو بأٌقل مستوياتها بالمستقبل القريب.

ففي المقاطع المصورة التي تباهى بها شبيحة نظام الأسد وهم ينبشون المقابر يظهر عدة أشخاص بالإضافة للمصور الذي يسجل الفيديو ومن الصعب توثيق هويات جميع المشاركين بارتكاب هذه الانتهاكات.

ويمكن القول بأن هذه المقاطع المصورة قد وثقت حدوث انتهاكات بواسطة المسؤولين عنها، بينما هناك العديد من الانتهاكات التي حصلت ولكن لم يتم توثيقها وبالتالي يصعب هذا الأمر من مسألة الوصول إلى مرتكبي هذه الانتهاكات.

ولكن يبدو أن قضية نبش المقابر هي قضية ثانوية حالياً فهناك قضايا أهم ولعل أبرزها المعتقلون لدى معتقلات نظام الأسد وما يتعرضون له من انتهاكات وتعذيب من قبل شبيحة وعناصر الأسد.

 

كما أن هناك عدة قضايا بارزة تشغل اهتمام الهيئات الحقوقية لكن في ذات الوقت لا يمكن تجاهل ظاهرة نبش المقابر التي يمكن اعتبرها نوع جديد من أنواع الانتهاكات التي انتشرت بسوريا.

أخيراً يمكن القول، أن ظاهرة نبش المقابر بدافع الانتقام ليست جديدة بل يحكي عنها تاريخ العباسيين عندما نبشوا مقابر الأمويين بعد أن انتصروا عليهم، وكيف أن الصفويين فعلوا ذات الأمر بقبر أبو حنيفة النعمان ومثلوا بجثته عندما دخلوا بغداد وغيرها من الحقائق التاريخية.

 

المزيد للكاتب