أصبحت أحكام السجن الطويلة هذه أقل شيوعاً بعد الثورة. ولكن أفاد 96% من المعتقلين بعد عام 2011 أنهم لم يبلَّغوا بفترة المحكومية، وأن هناك احتمال أقل بأن يعرف أفراد عائلاتهم مكان وجودهم. والأهم من ذلك، أن العديد من المعتقلين في صيدنايا بعد الثورة لا يخرجون أحياء
13 / كانون أول / ديسمبر / 2019
المصدر: المركز السوري للعدالة والمساءلة
سجن صيدنايا هو سجن عسكري سيئ السمعة ويقع خارج دمشق، وقد أشار إليه معتقلون سابقون بأنه “المكان الذي تُنقل إليه لتموت”. في الشهر الماضي، أصدرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا (ADMSP) تقريراً جديداً، “الاحتجاز في صيدنايا: تقرير حول إجراءات وتبعات الاعتقال السياسي”، يقدّم معلومات جديدة عن انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في السجن. وتحدث المركز السوري للعدالة والمساءلة مع مدير رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، دياب سرية، حول نتائج التقرير. وتم إجراء المقابلة باللغة العربية وترجمتها إحدى عضوات فريق المركز السوري للعدالة والمساءلة.
قال دياب: “يوجد لدى الكثير من الذين تمت مقابلتهم آراء وخلفيات سياسية مختلفة”. ولأغراض هذا التقرير، أجرت رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا مقابلات مع 400 معتقل سابق من سجن صيدنايا. وشملت العينة معتقلين من قبل الثورة وبعدها. وعلى غرار النتائج التي توصلت إليها تقارير سابقة، وجدت الرابطة معدلات عالية من التعذيب الجسدي والنفسي، فضلاً عن العنف الجنسي، وشهدت كل هذه المعدلات ارتفاعاً من حيث الشدة والنطاق بعد الثورة. حيث أفاد ثلث المعتقلين السابقين أنهم أصيبوا بجروح جسدية أثناء الاحتجاز لدرجة أن إصاباتهم لا تزال تعرقل قدرتهم على عيش حياة طبيعية بعد إطلاق سراحهم. وقال دياب إن زيادة التعذيب يمكن أن تكون وسيلة لترهيب المجتمعات وترسل رسالة مفادها: “عندما يُعاد المعتقلون السابقون إلى عائلاتهم، سواء أحياء أو جثث، توجد علامات تعذيب على أجسادهم. هذا يبعث برسالة إلى المجتمع مفادها أنه إذا انخرطت في سلوكيات معينة، فإن الحكومة السورية سترد بطريقة معينة”. وبالإضافة إلى الظروف داخل السجن، يلقي التقرير الضوء أيضاً على آثار الاعتقال الأقل فهماً، بما في ذلك التكاليف الاقتصادية على العائلات ومصادرة الممتلكات وندوباً نفسية دائمة.
ابتزاز أفراد العائلة
تم توقيف معظم المعتقلين الذين انتهى بهم المطاف في صيدنايا من خلال أحد فروع الأمن المحلية، ويذكر التقرير أن “الغالبية العظمى من المعتقلين مرّوا بأكثر من فرع أمني واحد”. وإن هذه التنقلات المعقدة بين فروع الأمن وصيدنايا تجعل من الصعب على العائلات أن تحاول تتبّع أماكن تواجد أحبائها. وأوضح دياب أنه قبل الثورة، كان هناك احتمال أكبر بأن تعرف العائلات مكان احتجاز أحبائها. ولكن منذ عام 2011، غالباً ما تفقد العائلات الاتصال بالشخص المعتقل فور اعتقاله. وتخضع العائلات للابتزاز وتضطر أن تدفع أموالاً الشرطة أو فروع الأمن أو المخابرات من أجل معرفة وضع أحبائها المعتقلين، ومحاولة ترتيب زيارة للشخص المعتقل. وقال دياب: “يحدث [الابتزاز] عادة عندما يكون المعتقل في الفرع الأمني وليس في صيدنايا. حيث دفعت بعض العائلات مبالغ كبيرة من المال – أكثر من 10,000 دولار – ونادراً جداً ما نجحت تلك المساعي. ومن بين أولئك الذين دفعوا هذا المبلغ، قال 32% إنهم استطاعوا الحصول على معلومات عن الشخص المعتقل وقال 21.17% إن الأموال التي دفعوها أدت إلى إطلاق سراح المعتقل من صيدنايا”. وتشكّل هذه الدفعات المبتزة عبئاً اقتصادياً كبيراً على العائلات، وغالباً ما تتفاقم بسبب فقدان مصدر الدخل الذي كان يكسبه الشخص المعتقل سابقاً.
مصادرة الممتلكات
تزداد التكاليف الاقتصادية للاعتقال عندما تصادر السلطات السورية الأصول التي يملكها المعتقلون. وفي حين أفاد ثلث الذين شملهم الاستطلاع بأن ممتلكاتهم قد صودرت، ارتفع هذا المعدل إلى 50% بالنسبة لأولئك المعتقلين بعد عام 2011. وقال دياب إن السلطات تتبع أسلوباً استراتيجياً بشأن الأصول التي تصادرها عند اعتقال شخص ما. “إذا اعتقلوا سائق سيارة أجرة، فسيقومون أيضاً بمصادرة ملكية سيارته، التي تُعتبر مصدر رزقه الأساسي”. وأشار دياب إلى أن الحكومة قد تصادر أيضاً العمل التجاري للشخص المعتقل أو منزل عائلته. وقال “لا تقوم السلطات لاحقاً بتبليغ الشخص أو عائلته بمكان وجود الممتلكات المصادرة أو كيفية استعادة الملكية. ويزيد هذا من صعوبة إعالة الفرد أو العائلة نفسها مالياً”.
آثار الاعتقال على المدى الطويل
وفقاً للتقرير، شعر أكثر من 40% من المعتقلين أن الاعتقال في صيدنايا أثر على حالتهم المدنية وعلاقاتهم. وأوضح دياب أن تجربة المعتقلين في صيدنايا قبل الثورة تختلف عن تجربة المعتقلين بعدها، حيث قال: “أولئك الذين قضوا فترة عقوبة أطول في صيدنايا – وهم عادة معتقلون قبل الثورة – لديهم قضايا عائلية عند إطلاق سراحهم. حيث دخل هؤلاء الأفراد إلى السجن عندما كان لديهم أطفال صغار، ولم يعودوا قادرين على التعرّف عليهم الآن”. كما ذكر دياب الآثار التي تركها الاعتقال على زوجات المعتقلين، الذين ربما قد أجبروا على تولي جميع مسؤوليات الأبوين وربما أصبحوا المعيل الرئيسي للعائلة. “في هذه الحالات، لا يعرف المعتقل السابق كيفية القيام بدوره في الحياة العائلية وفي المجتمع”. وقال دياب إن هناك حالات لمعتقلين من قبل الثورة انفصلوا عن زوجاتهم ولكنهم غير مطلقين، وعزا السبب في ذلك إلى فترة المحكومية الطويلة بالسجن وتأثيراتها السلبية على المعتقل والعائلة.
وأصبحت أحكام السجن الطويلة هذه أقل شيوعاً بعد الثورة. ولكن أفاد 96% من المعتقلين بعد عام 2011 أنهم لم يبلَّغوا بفترة المحكومية، وأن هناك احتمال أقل بأن يعرف أفراد عائلاتهم مكان وجودهم. والأهم من ذلك، أن العديد من المعتقلين في صيدنايا بعد الثورة لا يخرجون أحياء. ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة العفو الدولية حول سجن صيدنايا، أظهرت أدلة عمليات شنق جماعية للمعتقلين قبل نقل المتوفين إلى مقابر جماعية، ويقدّر عدد القتلى بنحو 13,000 بين عامي 2011 و2015.
بينما يقدّم هذا التقرير تفاصيل جديدة مهمة عن الاعتقال في صيدنايا، فإنه يعزز أيضاً توثيقات سابقة متعلقة بمراكز الاعتقال الحكومية والحاجة إلى الدعم الاقتصادي والنفسي للمعتقلين السابقين وعائلات المفقودين. وينبغي أن يكون إطلاق سراح المعتقلين وإنشاء برنامج للأشخاص المفقودين يَعِد بالتحقيق في مصير المفقودين حجر الزاوية في أي اتفاق سلام في المستقبل، ويجب تصميم هذه الجهود من خلال التعاون الوثيق مع معتقلين سابقين وأفراد عائلاتهم.
يمكن الوصول إلى التقرير الكامل هنا.