أشار أحد الباحثين المصريّين المهتمّين بأوضاع اللاّجئين في مصر، رفض ذكر اسمه لاعتبارات أمنيّة، إلى أنّ "احتجاز اللاّجئين في ظروف صعبة ومنعهم من التواصل مع أسرهم وعدم تقديم الرعاية الصحيّة إليهم، تعتبر تعذيباً"
26 / تشرين أول / أكتوبر / 2019
المصدر: المونيتور
حالة من الرعب تسود عائلات سوريّة، بعد تهديدات من قبل السلطات المصريّة بالترحيل إلى سوريا، بعد القبض عليها في ظروف في غاية الخطورة أثناء محاولاتها الدخول إلى مصر. وكشفت المفوضيّة المصريّة للحقوق والحريّات، وهي إحدى منظّمات المجتمع المدنيّ التي تهتمّ بأوضاع اللاّجئين في مصر، عن تعرّض عشرات السوريّين خلال الأشهر الثلاثة الماضية حتّى مطلع تشرين الأوّل/أكتوبر الجاري، لاعتقالات على الحدود المصريّة – السودانيّة.
وكشفت المفوضيّة في بيان عن تفاصيل ظروف الاحتجاز السيّئة التي يتعرّض لها السوريّون المعتقلون، سواء أكان من مسنّين أم أطفال أم سيّدات، إضافة إلى تهديدات بمزيد من الانتهاكات أو الترحيل إلى سوريا وتسليمهم إلى نظام الرئيس السوريّ بشّار الأسد.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تجرّم فيه القوانين والاتفاقيّات الدوليّة الموقّعة عليها مصر، ترحيل أيّ لاجئ – حتّى ولو حاول الدخول إلى البلد بطريقة غير رسميّة، إلى بلده الذي هرب منه، بسبب ما قد ينطوي على ذلك من خطورة على حياته.
وقالت المفوضيّة في بيانها حول اعتقال اللاّجئين: “قامت السلطات باحتجازهم في ظروف رعاية سيّئة، وخصوصاً السيّدات والأطفال، إضافة إلى تهديدهم بترحيلهم قسريّاً إلى سوريا”.
وطالبت من السلطات المصريّة “الإفراج الفوريّ عنهم وضمان سلامتهم الجسديّة ومعاملتهم بما يضمن كرامتهم الإنسانيّة، وعدم ترحيلهم قسريّاً إلى سوريا، والسماح لهم بالوصول والتواصل مع مكتب مفوضيّة الأمم المتّحدة للاّجئين في مصر”.
وبلغ عدد السوريّين المعتقلين حوالى 23 معتقلاً ينتمون إلى 5 عائلات، مقسّمين إلى 13 طفلاً و6 سيّدات و4 رجال، بعضهم في ظروف صحيّة سيّئة ويحتاجون إلى رعاية علاجيّة لا تتوافر لهم.
وتحرّر للمعتقلين محاضر في أقسام الشرطة حملت أرقام 6429 لعام 2019، 6806 لعام 2019، و7715 لعام 2019، ووجّهت لهم السلطات المصريّة اتّهامات في هذه المحاضر بمحاولة التسلّل والدخول إلى الأراضي المصريّة بطرق غير قانونيّة، بحسب المفوضيّة المصريّة.
وأشار أحد الباحثين المصريّين المهتمّين بأوضاع اللاّجئين في مصر، رفض ذكر اسمه لاعتبارات أمنيّة، إلى أنّ “احتجاز اللاّجئين في ظروف صعبة ومنعهم من التواصل مع أسرهم وعدم تقديم الرعاية الصحيّة إليهم، تعتبر تعذيباً”، وقال: “التعذيب ليس فقط هو الاعتداءات الجسديّة، ولكن المنع من التواصل مع المحامين والأسر يعتبر تعذيباً، حجب الأدوية الصحيّة اللاّزمة يعتبر تعذيباً، التهديد بالترحيل إلى سوريا حتّى ولو يحدث ذلك يعتبر تعذيباً نفسيّاً شديد القسوة، وذلك ما حدث مع اللاّجئين المحتجزين”.
وبموجب اتفاقيّة سنة 1951 الخاصّة بوضع اللاّجئين، يمنع طرد اللاّجئين أو إعادتهم إلى بلدهم، الذي فرّوا منه.
وتنصّ المادّة 33 من اتفاقيّة سنة 1951 على الآتي: “لا يجوز لأيّة دولة متعاقدة أن تطرد لاجئاً أو تردّه بأيّة صورة من الصور إلى حدود الأقاليم التي تكون حياته أو حريّته مهدّدتان فيها بسبب عرقه أو دينه أو جنسيّته أو انتمائه إلى فئة اجتماعيّة معيّنة أو بسبب آرائه السياسيّة، على أنّه لا يسمح بالاحتجاج بهذا الحقّ لأيّ لاجئ تتوفر دواع معقولة لاعتباره خطراً على أمن البلد الذي يوجد فيه أو لاعتباره يمثّل، نظراً لسبق صدور حكم نهائيّ عليه لارتكابه جرماً استثنائيّ الخطورة، خطراً على مجتمع ذلك البلد”. وذلك إضافة إلى المادّة 31 من الاتفاقيّة نفسها، التي تمنع بأيّ شكل من الأشكال فرض عقوبات قانونيّة على اللاّجئين الذين دخلوا إلى البلاد بطرق غير قانونيّة، إذ تنصّ المادّة على الآتي: “تمتنع الدول المتعاقدة عن فرض عقوبات جزائيّة، بسبب دخولهم أو وجودهم غير القانونيّ، على اللاّجئين الذين يدخلون إقليمها أو يوجدون فيه دون إذن، قادمين مباشرة من إقليم كانت فيه حياتهم أو حريّتهم مهدّدة بالمعنى المقصود في المادّة 1، شريطة أن يقدّموا أنفسهم إلى السلطات دون إبطاء وأن يبرهنوا على وجاهة أسباب دخولهم أو وجودهم غير القانونيّ”.
من جهتها، أشارت منسّقة الهيئة العامّة لشؤون اللاّجئين السوريّين في مصر هالة حسن درويش خلال تصريحات خاصّة لـ”المونيتور” إلى أنّ السوريّين في مصر “يتعرّضون للعديد من المضايقات، خصوصاً في ما يتعلّق بالإقامة في مصر أو العمل أو لمّ الشمل. ولذلك، قد يلجأ البعض إلى الدخول بطرق غير قانونيّة، اعتماداً على المادّة التي تحميهم من الحبس في اتفاقيّة 1951”.
وانتقدت هالة حسن درويش دور المفوضيّة السامية للأمم المتّحدة، في ما يخصّ ظروف احتجاز السوريّين على الحدود، وقالت: “من المفترض أن تتولّى المفوضيّة السامية حمايتهم، لكنّها أصبحت لا تتدخّل في أمورهم، رغم أنّها الجهة المختصّة بتقديم الدعم والمساعدة إليهم، ودلوقتي لو عندي مشكلة وطلبت منهم محامي أو مساعدة بيقولولي اتصرّف لوحدي”.
ولفتت إلى أنّ “المفوضيّة كانت في البداية ترسل لهم معونات، لكن تمّ تقليصها بنسبة 70 في المئة منذ عام 2015″، مشيرة إلى أنّ المعونات متمثّلة في راتب شهريّ ووجبة لكلّ أسرة، إضافة إلى منح دراسيّة ومنح خاصّة للحوامل والمرضعات لتغطية نفقاتهنّ”.
وطالبت درويش في نهاية تصريحاتها، السلطات المصريّة بالإفراج الفوريّ عن السوريّين المحتجزين على الحدود المصريّة – السودانيّة، قائلة: “إنّهم يمرّون في ظروف إنسانيّة صعبة جدّاً، وفي حاجة إلى مكان يحتويهم، اتركوهم ولا تهدّدوا حياتهم”.
وروى الشاب السوريّ قصي عمران تجربته مع الترحيل من مصر في وقت سابق، مشيراً في حديث لـ”المونيتور” إلى أنّ في مطلع عام 2017 اعتقلته قوّات الأمن المصريّة أثناء السير في أحد الشوارع، وقال: “تمّ نقلي إلى أحد أقسام الشرطة وتهديدي بتلفيق قضايا سياسيّة وتخابر. وبعد احتجاز دام 9 أيّام في ظروف صعبة وانتهاكات متعدّدة، خيّروني بين الاستمرار في الحبس أو السفر إلى تركيا والإعلان أمام أصدقائي في القاهرة أنّ هذه هي رغبتي. وبالطبع، وافقت على السفر، مقابل الحريّة والخروج من الاحتجاز”.