#########

أبحاث

أهالي مضايا والزبداني من الحصار إلى إدلب


كُثّف القصف على الزبداني المحاصرة منذ عام 2013، بينما مضايا كانت هادئة عبر هدنة داخلية، وبعد نحو أسبوعين من قصف الزبداني بدأ القصف الجوِّي والبرِّي على مضايا، بالتزامن مع منع سيَّارات الغذاء من الوصول لمضايا، أو الخروج منها

28 / شباط / فبراير / 2019


أهالي مضايا والزبداني من الحصار إلى إدلب

 

 

 

                                                     انتهاكات بحقهم وظروف معيشية قاسية
 
*عائشة صبري- مع العدالة

 

لم يتسنَ لسُكَّانُ بلدتي مضايا وبقين ومدينة الزبداني غربي دمشق، أن ينعموا بالعيش بعد وصولهم مع عوائلهم إلى محافظة إدلب، فبعد الموت جوعًا وبردًا، تتنوَّع أساليبُ المعاناة في المأوى الجديد، ابتداءً من التهميش الحقوقي لهم، وليس انتهاءً من مخاوف الابتزاز المالي عبر الخطف، أو الاعتقال في سجون الفصائل.

 

* مع العدالة التقت خمسة مهجّرين من هذه المناطق، وجميعهم أكدوا أنَّ الهم الأكبر للمهجّرين هو الحصول على عمل لتوفير سبل عيش كريمة مع مخاوف من قول أو فعل أيّ شيء ينتقد ظروفهم الصعبة.

“أحمد عماد الدين” أحد مهجّري بلدة مضايا قال في حديثه لموقع مع العدالة: إنَّ المهجَّرين بعد وصولهم للشمال يُحاولون إعادة بناء حياتهم من جديد على الصعيد الشخصي والمادي، وربّما على الصعيد الاجتماعي كتجمُّعات ثوريَّة، أو هيئات مدنيَّة خاصة بالمهجّرين من أهل مضايا، لكن هذا الأمر لم يعد موجودًا، ويتحمَّل مسؤوليته أهالي مضايا أنفسهم، فالتجمُّعات والهيئات تفكَّكت تمامًا، ولم يبقَ شيئًا يجمع أهل مضايا المهجّرين، فليس هناك أيّ جهة حاليًّا تُطالب بحقوقهم، أو حتى عندها إحصائيات أو تُتابع ملفاتهم الحقوقيَّة.

بينما أشار “محمد القلموني” الاسم مستعار وهو مُهجّر من الزبداني إلى وجود هيئة مهجّري دمشق وريفها بالإضافة إلى مكاتب مناطقية كل مكتب يتولى شؤون منطقة مهجّرة على حِدة.

 


الانتهاكات في إدلب:

أوضح ” أحمد عماد الدين”؛ أنَّ معظم أسباب الانتهاكات جاءت بسبب الصراع الفصائلي بالدرجة الأولى، وآثار من مشاكل حصار مضايا، بالإضافة إلى قضية اعتقال هيئة تحرير الشام خمسة ناشطين من مضايا على خلفية تصويرهم فيلم مع قناة الـ”BBC” البريطانيَّة يتحدَّث عن انتهاكات الهيئة، بتاريخ 18/12/2017، وقد أفرجت الهيئة عنهم ما عدا “أمجد المالح”.

 

“أحمد ناصر”، طلب التحدّث لموقع مع العدالة باسم مستعار لدواعٍ أمنيّة، وذكر ثلاثة أسباب للاعتقال بحقَّ مهجّري مضايا والزبداني، أولها، عند وصول المهجّرين إلى إدلب بدأ الأهالي بتقديم الشكوى للجيش الحرّ على الأشخاص المسؤولين عن رفع الأسعار في الحصار، والذين بقي العدد الأكثر منهم في مضايا.

السبب الثاني للاعتقالات، هو قيام عدد من الأشخاص من مضايا بالتواصل مع النظام بُغية تنظيم العودة إلى بلدتهم وتم تسجيل أسماء العوائل الراغبين بذلك، وقد عادت دفعتان أو ثلاثة عبر المصالحات إلى بلدتهم، وتم إيقاف الأمر بعد اعتقالهم من قبل هيئة تحرير الشام، وعددهم ثمانية أشخاص من مضايا بينهم ستة عسكريين وهم: (ربيع فتحي ناصيف – محمد علي محرز – منير النموس – أحمد عبد الغني أفندر – سومر عبد الوهاب – محمود سيف الدين وهو كبير بالعمر – أحمد الغصن – محمد عيسى)، وذلك بتاريخ 19/8/2017 في مدينة إدلب، و ذكرت الهيئة حينها أنّ الاعتقال بهدف التحقيق معهم إزاء وصول معلومات تُفيد بأنّهم يقومون بالتنسيق مع نظام الأسد، بهدف تسوية أوضاعهم و العودة إلى مضايا.

أمّا السبب الثالث للاعتقال، فهو بحقّ النشطاء من مضايا بسبب نشر الانتهاكات والتجاوزات التي حصلت في مضايا والزبداني، وكانت التهم مختلفة بحقّهم، فمثلًا المجموعة التي اُعتقلتْ مع “أمجد المالح” كانت التهمة هي تصوير مقرّات للهيئة في مدينة إدلب وتمّ رصد التصوير في هواتفهم المحمولة.

 

 

لكن سبب اعتقال أمجد بحسب مقرَّبين منه، هو أنَّه كان يعمل على إنشاء مركز للمطالبة بحقوق المهجّرين والمطالبة بوقف عمليَّات التهجير دوليًّا، وتوجيه الاتهام لهيئة تحرير الشام، وللأطراف الذين أداروا اتفاق البلدات الأربعة، ومحاولة جلب تعويضات للمهجّرين، وبدايةً كان سبب الاعتقال هو فتح مكتب بلا ترخيص، أمَّا أثناء فترة اعتقاله فتفاوتت التهم ما بين التخابر مع دول أجنبية والتواصل مع التحالف الدولي، وإعداد تقارير لوكالات أجنبية، حيث صدر بحقه حكم الإعدام بتاريخ 10/12/2018، وألغي الحكم بعد الضغط على الهيئة من قبل مركز دراسات وطني عبر مفاوضات مع تحرير الشام تم تهديدهم خلالها بوثائق تُدين قادة الهيئة.

وأشار “ناصر” إلى أنّه ومن الانتهاكات والضغوطات التي مارسها النظام السوري على مهجرّي مضايا والزبداني في إدلب، هي احتكار ممتلكاتهم هناك بموجب القانون رقم 10، وبات من الصعب جدًا بل من المستحيل أن يستطيع المهجّر التصرّف بأملاكه.

وذكر “عماد الدين”، انتهاكات أخرى حصلت، ومنها حادث وقع بتاريخ 2/8/2018، وهو تعرُّض مبنى تسكنه عائلات أغلبها من مهجّري مضايا للتفجير بسيَّارة مفخخة مركونة، كانت مستهدفة مبنى مقابل له وهو لحكومة الإنقاذ، أسفر عن مقتل سيّدة بشظية في الرأس، كانت تتناول الطعام مع بناتها وأحفادها، وجميعهم أصيبوا مع آخرين في المبنى، كما قُتل عدد من المهجّرين إثر قصف النظام وروسيا على إدلب.

 


الانتهاكات في الحصار:

“بديعة الحبش” مهجّرة من مضايا، تحدّثت عن وصول ثمن أيّ كيلو غرام من الطعام أثناء الحصار إلى 200 دولار أمريكي، وشريحة كبيرة من السكان لا تمتلك دولارًا واحدًا، فمات السكان من الجوع، ومن يمتلك شيئًا للبيع باع كلّ ما يملك فقط ليأكل كلّ ثلاثة أيام ربع وجبة كي لا يموت من الجوع، والمساعدات الأمميَّة التي كانت تصلنا كلّ خمسة شهور مرّة واحدة، انقطعت قبل تهجيرنا إلى إدلب بنحو ثمانية شهور، فميليشيا حزب الله اللبناني حاربتنا بلقمة أولادنا، عدا عن القصف والرعب الذي عشناه طول فترة وجودنا في مضايا.

وأضافت “الحبش”: أنّها اضطرت لتعلُّم مهنة التمريض خلال فترة الحرب في مضايا، وعُرفت باسم “أم علي” إذ لم يكن هناك سوى طبيب بيطري “محمد يوسف” وطبيبي أسنان أحدهما طالب سنة أولى والآخر طالب سنة ثالثة، “حسين أسعد -محمد درويش”، والمواد الطبيَّة كانت معدومة، مع انعدام وجود كادر طبّي مختص، وعندما يرد للنقطة الطبيَّة إصابات كان الدكتور “يوسف” يتواصل مع أطباء على الهاتف يشرح لهم الحالة، ويقولون له ما يتوجب فعله، وعملنا عمليَّات جراحيَّة كثيرة بوسائل بدائيَّة.

 

“أحمد ناصر” يقول: عند بداية الحملة استطعنا تهريب العوائل من الزبداني عبر الأنفاق إلى مضايا، وبعد أسبوع من الحملة تم تفجير الأنفاق من قبل جيش النظام، وطريق أوتوستراد دمشق -الزبداني كان تحت سيطرة النظام، وبعد فصل المنطقتين، بقي في الزبداني نحو ثلاثين عائلة مع مقاتلي الثوار، ومن وسائل الضغط جلب العوائل النازحة من مناطق محيطة بالزبداني مثل بلودان والروضة وزجّها داخل مضايا، لتكثير العدد واستمرّ ذلك مدة شهر، وعائلتي تم سوقها من بلودان إلى مضايا وأخبرها حزب الله “سنأخذكم لسجن كبير وحصار ومجاعة”.

وتابع حديثه: بعدها كُثّف القصف على الزبداني المحاصرة منذ عام 2013، بينما مضايا كانت هادئة عبر هدنة داخلية، وبعد نحو أسبوعين من قصف الزبداني بدأ القصف الجوِّي والبرِّي على مضايا، بالتزامن مع منع سيَّارات الغذاء من الوصول لمضايا، أو الخروج منها، ولا حتى الموظفين والطلاب، ومع نهاية شهر تموز / يوليو 2015، تزامنًا مع شهر رمضان، بدأت المواد بالنفاد من الأسواق، وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، وبدأ التجار بالاحتكار، وهنا اشتد الحصار على مصراعيه، ونازحو الزبداني لم يكن لديهم طعام أو ملابس ولا مأوى، وكان من أصعب الانتهاكات “تجار الدم”، لدرجة وصل الأمر إلى عرض النظام على المحاصرين بأنَّ من يُسلِّم نفسه له سيتم إخراج عائلته من الحصار، وبسبب تأزم الأمور اضطرت البعض من العائلات إلى التضحية بأبنائها من أجل الهرب من الموت جوعًا.

 

 

“سامي العمر” مهجّر من الزبداني ويعيش في مدينة إدلب، طلب الحديث لموقع مع العدالة باسم مستعار لدواعٍ أمنيّة، قال: إنَّ الحياة كانت معدومة في مدينة الزبداني من قبل فرض الحصار كونها منطقة عسكريَّة، وفي نهاية عام 2014، انتقل للعيش في بلدة مضايا كونها منطقة مدنيَّة، فتفاجأ بالحركة المعيشيَّة مثل تواجد الأهالي في شوارع البلدة، وافتتاح المحال التجاريَّة، ومجيء التيَّار الكهربائي، فهذه أمور باتت غريبة على سكان الزبداني، باستثناء الاشتراك في القصف وخاصة عبر البراميل المتفجرة، وبعدها بدأ النظام الحملة العسكريَّة على الزبداني مطلع عام 2015، وأغلقت الطرقات مع مضايا، وبدأت معاناة الحصار المعروفة لدى الجميع، والتي لم يكن أحد أن يتخيلها من قبل حيث توفي الكثيرون من الجوع بعد أن أصبحوا هياكلًا عظميةً، وكان من المزمع إخراج الثوار وعائلاتهم منذ مطلع عام 2016 عبر اتفاق البلدات الأربعة إلا أنَّه، ولأسباب غير معروفة لديَّ لم يتم الخروج إلا للشهر الرابع عام 2017.

 

الوضع المعيشي الحالي:

” فاطمة الشامي-الاسم مستعار” ناشطة من الزبداني، تحدثت لموقع مع العدالة عن الوضع الاقتصادي، إذ لا يمتلك المهجرون خلفيَّةً ماديَّةً يستندون عليها لفتح باب رزق، فقد قدموا من حصار، ولا يحملون شيئًا معهم، وهناك نسبة كبيرة منهم تُقدَّر بنحو 40 % مرضى ولديهم إعاقات حرب.

وبالنسبة للوضع الأمني، فذكرت أنَّ فصيلًا عسكريَّا مسؤول عن الثوار، ويتولى أمورهم، ومجمّع إداري لمهجّري الزبداني يُدير شؤون المدنيين كون الأعراف في المنطقة لا تسمح بإنشاء مجلس محلّي، وهذا المُجمَّع يتواجد فيه قسم صحِّي يضم طبيبَ أسنانٍ، وصيدلي، وقابلة قانونيَّة، وطبيب عام، ويتولى إخراج الحالات المستعصيَّة إلى مشفى باب الهوى أو مشفى دركوش مجانًا.

أمّا قطاع التعليم، فأوضحت أنَّ أهالي الزبداني عندما وصلوا إلى بلدة معرة مصرين شمالي إدلب، افتتحوا مدرسة خاصة بأبنائهم كونهم لم يتلقوا تعليمًا لأكثر من عامين بسبب الحصار، مع إعطائهم دورات مكثفة من قبل منظمات معنية بالتعليم، مشيرةً إلى وجود 600 عائلة في معرة مصرين و200 عائلة بإدلب المدينة من مهجّري الزبداني.

بدورها، “بديعة الحبش” قالت: إنَّ المهجّرين عندما وصلوا إلى إدلب، الجميع وقف إلى جانبهم، ولم يتعرّض فصيل من الفصائل لهم، لكن وضع أهالي مضايا والزبداني المعيشي “سيئ جدًا” لعدم توفّر فرص عمل في إدلب، بالإضافة إلى أجار المنزل، وتكاليف الكهرباء، والماء، فالحياة معدومة بإدلب، ولا يوجد عمل يؤهلهم لدفع هذه المصاريف ما عدا تأمين الطعام، مشيرةً إلى أنّها بعد مكوثها في إدلب مدة عام هاجرت إلى تركيا، منذ ستة أشهر، وذكرت أنَّ نسبة الذين خرجوا بعد وصولهم لإدلب إلى تركيا تبلغ قرابة 10%.

ويُوافق “أحمد ناصر” كلام “الحبش” بالقول: إنَّ المهجّرين وضعهم المادي “تحت الصفر”، وأجار المنزل يُمثّل الكاهل الأكبر على عاتقهم، فالمساعدات مؤقتة، وعند الأشهر الثلاثة الأولى من وصولنا إلى إدلب، كانت المساعدة تُقدَّم كلّ شهر مرّةً، وبعدها أصبحت المساعدة تصل كلّ سبعة أشهر مرّةً، وكافة المنظّمات تُقدِّم ذات النوعيَّة مثل (إسفنجات وحرامات ومؤونة)، وهناك أشياء أخرى ضروريَّة لم يتم تقديمها، لذلك المساعدة الأكثر الفعاليَّة هي القسيمة الماليَّة التي لم تقدَّم سوى مرّة واحدة.

وأضاف “ناصر”: أنّه ومن الصعوبات التي واجهها المهجّرون تتعلّق بالجانب العسكري، وعند وصول مقاتلي الزبداني شكلوا مع عدد من الكتائب من الغوطة الغربية وداريا تجمعًا واحدًا تحت اسم “تجمع دمشق” وهو الآن ضمن كوادر الجبهة الوطنية للتحرير، لكنهم لم يستطيعوا أخذ موقعهم بسبب الاقتتال الداخلي مع الفصائل كون أيّ فصيل يطلب منهم الدخول في هذا الاقتتال، وهم في منأى عنه، وبقوا عامًا كاملًا بلا راتب أو دعم مادي.

 

 

بينما “سامي العمر” وصف إدلب، بـ “الجنة” مقارنةً بالنقلة النوعيَّة بين الحياة سابقًا في الزبداني ومضايا وبين إدلب، موضحًا، أنَّ وضع المهجّرين من الزبداني ومضايا والذين يعيشون في مدينة إدلب وبلدتي معرة مصرين والفوعة شمالها، كحال بقية الأهالي في المناطق المحرّرة، وهمُّ الجميع الحصول على لقمة العيش وأجار المنزل، وعمومًا مشاكلهم تتعلَّق بالمادة، والعمل وهو حديثهم الشاغل، حسب اطلاعه الشخصي.

يُذكر أنَّ اتفاق البلدات الأربع (كفريا والفوعة – مضايا والزبداني) قد تم إدخال حي مخيم اليرموك جنوب دمشق إليه، ليصبح اتفاق البلدات الخمس، وتمّت المرحلة الأولى من الاتفاق في 21/ 4/ 2017، بتهجير ثوار مضايا والزبداني إلى إدلب مُقابل إخراج نصف عدد سكان ومقاتلي الفوعة وكفريا “الشيعيتين” شمالي إدلب إلى حلب، بينما انتهت المرحلة الثانية من الاتفاق بتاريخ 20/ 7/ 2018، بإجلاء من تبقى من سكّان وميليشيات “كفريا والفوعة” مُقابل إفراج النظام عن 1500 معتقل من سجونه، وتبيّن أنَّ معظمهم ليس لهم أيَّ صلة بالعمل الثوري، بل منهم موالي أو شبيح للنظام، بسبب تلاعب النظام بالقوائم التي تم إرسالها من قبل طرف التفاوض “هيئة تحرير الشام” مما أثار غضب الأهالي في إدلب الذين ينتظرون أبناءهم المعتقلين منذ سنوات على خلفية الثورة.