تكشف العديد من التقارير أن الاتجار بالأعضاء البشرية في سوريا استهدفت معتقلين معارضين للنظام وحتى عناصر نظام الأسد والميليشيات المساندة له
10 / كانون الثاني / يناير / 2019
*فراس العلي -مع العدالة
للوهلة الأولى، يظن القارئ من خلال الاطلاع على الملفات والتقارير الصحفية المنتشرة عبر محركات البحث والتي تتحدث عن “الاتجار بالأعضاء البشرية” أن معظم هذه الانتهاكات حصلت في المناطق الخارجة عن سيطرته بسبب عدم وجود رقابة أمنية، في الوقت الذي تؤكد فيه حقائق أن أكثر عصابات الاتجار بالأعضاء البشرية منتشرة في مناطق النظام، لا بل هناك شخصيات مقربة من نظام الأسد.
مع انتشار الحروب والمعارك وتردي الأوضاع الاقتصادية يسيطر الفقر المدقع على طبقة واسعة من أي مجتمع، ما يزيد من فرص مستغلي الأزمات فتنشط تجارتهم ويكسبون المزيد من المال عبر طرق غير قانونية وأبرزها حركة بيع السلاح والأعضاء البشرية.
ولعل ما زاد من ظاهرة انتشار الاتجار بالأعضاء البشرية في سوريا خلال السنوات الماضية عبر دخول شبكات وعصابات ومافيات بالتعاون مع رجال أعمال مؤيدين للنظام بهذا المجال.
وتكشف العديد من التقارير أن الاتجار بالأعضاء البشرية في سوريا استهدفت معتقلين معارضين للنظام وحتى عناصر نظام الأسد والميليشيات المساندة له.
تجارة على العلن!
انتشرت ظاهرة الاتجار بالأعضاء البشرية في وضح النهار ضمن مناطق النظام، وازدادت الإعلانات التي تطلب التبرع بكلية وعلقت على جدران كثيرة في شوارع المدن الخاضعة لسيطرة النظام.
ولم تقتصر الإعلانات على من يحتاج إلى كلية أو قرنية ليطبع منشورات ويلصقها على الجدران في المناطق المكتظة بالمارة، بل امتدت إلى إعلان مواطنين عن استعدادهم للتبرع بأحد أعضائهم.
نادراً ما يعلن نظام الأسد عبر فروعه الأمنية أنه ألقى القبض على عصابات أو شبكات تعمل بذات المجال، فيما تذكر تقارير أن العديد من الشبكات يديرها رجال أعمال مؤيدون للنظام وعناصر وضباط أمن لديهم صلاحيات واسعة، وتحصل تجارات عابرة للحدود.
وفي تقرير للمدن اللبنانية، أكدت عبر مراسلها أن هناك مافيات يقودها ضباط المخابرات ورجال أعمال مقربون من رأس النظام، وشهدت كل من مستشفى 601 العسكري وتشرين العسكري ومشافٍ ميدانية أخرى عمليات عديدة لاستخراج أعضاء بشرية.
وأضاف التقرير، أن طبيباً شهد على عمليات استخراج أعضاء بشرية من معتقلين وهم على حافة الموت، بينهم معتقلو المعارضة، من المدنيين وعناصر لدى النظام والميليشيات الموالية له إضافة لمقاتلين في المعارضة اعتقلهم النظام.
وحسب التقرير، فإن أهم عرابي الاتجار بالأعضاء البشرية في الساحل السوري منذر حافظ الأسد وأيمن جابر بالتعاون مع تاجر دمشقي معروف باسم محمد بوز العسل وهو اسم مستعار، مستغلين أعمالهم الأساسية التي تتركز على عمليات التهريب والتخليص الجمركي، أما أكثر عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية فكانت تحصل عن طريق التاجر بين سوريا ولبنان.
ولا تقتصر اللائحة على هذه الأسماء فقط بل هناك العديد من العصابات المتخفية التي تعمل بشكل سري في مجال الاتجار بالأعضاء البشرية، وهذا الأمر واضح من خلال الإعلانات الكثيرة التي يمكن رؤيتها فقط في شوارع دمشق المكتظة بالمارة، حيث يطلب خلال الإعلان التبرع بكلية دون تحديد زمرة دم واحدة ما يعني أنهم يطلبون أكثر من كلية.
لاتوجد إحصائية حقيقية ودقيقة توضح حجم الانتهاكات التي حصلت إثر انتشار جرائم “الاتجار بالأعضاء البشرية” في سوريا، فيما يدّعي مسؤولون لدى نظام الأسد أن معظم عمليات بيع وشراء الأعضاء البشرية من سوريا تحصل في تركيا والعراق ولبنان دون ذكر جرائم الاتجار وسرقة الأعضاء البشرية التي حصلت بالمدن السورية ومعتقلات نظام الأسد.
وفي إحدى الإحصائيات المتعلقة بالموضوع، أكدت هيئة الطب الشرعي التابعة للنظام في سوريا، أن بيع أعضاء السوريين بالسوق السوداء طالت 15 ألف سوري، وحصلت في تركيا ولبنان والعراق مع ادعاءات أن عمليات الاتجار بالأعضاء حصلت بمناطق حدودية بعيدة عن رقابة نظام الأسد.
قانونياً
من المعروف أن الاتجار بالأعضاء البشرية هي عملية غير قانونية في معظم بلدان العالم، لكن صادقت بعض الدول على قوانين تتيح زراعة الأعضاء مثل استراليا وسنغافورة.
لكن رغم القوانين والمراسيم التي تحظر العمل في هذا المجال وتفرض العقوبات الجزائية المختلفة على من يتم ضبطهم، إلا أن هناك عالماً خفياً تديره العديد من المنظمات العابرة للقارات والتي تعمل بنقل الأعضاء البشرية والأنسجة أو أجزاء أخرى من الجسم بغرض زراعتها لشخص آخر.
وتحصل معظم عمليات الاتجار بالأعضاء البشرية بنقلها من الدول الفقيرة إلى الدول المتقدمة حيث يزداد الطلب عليها، لكن رغم المحاولات الدولية لتقنين هذه التجارة إلا أنها ما زالت نشطة، فيما لا توجد إحصائيات دقيقة توضح كمّ عمليات نقل وزرع الأعضاء البشرية في العالم.
والتزمت العديد من الدول بالبرتوكولات والقوانين الدولية الخاصة بحماية ضحايا الاتجار بالبشر وإلحاق العقاب بالأشخاص الذين يمارسون مثل هذه الأعمال، ومن بين هذه الاتفاقيات اتفاقية “باليرمو” الدولية والبروتوكولات التي عالجت عدة مواضيع منها منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص وخاصة النساء والأطفال، ودخلت حيز التنفيذ منذ عام 2003، وصادقت عشرات الدول على الاتفاقية ومن بينها سوريا.
وفي عام 2003، حددت عقوبة الاتجار بالأعضاء البشرية وفق المرسوم 30 والذي تضمن قانون حول عمليات نقل وغرس الأعضاء أو الأحشاء البشرية، وفي المادة السابعة منه نص على أنه:
“يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من يتاجر بنقل الأعضاء البشرية” لكن لم يطبق هذا الأمر على العديد من الشخصيات المقربة من النظام والتي تعمل دون خوف أو حذر بسبب الصلاحيات المطلقة التي تتمتع بها وتستمدها من رأس النظام بسبب القرابة أو الصداقة.
وشددت العقوبة في سوريا بعد المرسوم التشريعي رقم 3 الصادر عام 2010 والخاص بمكافحة الاتجار بالأشخاص، حيث شددت العقوبة على الجريمة إن كانت دولية أو ارتكبت بحق سيدة أو طفل، ليتم تطبيق المادة الثامنة منه والتي تقضي بما يلي:
“عند وجود سبب تشديد، تشدد العقوبة من الثلث إلى النصف” ورغم أن القوانين الجزائية في سوريا تتضمن عقوبات شديدة، إلا أن مثل هذه الجرائم والانتهاكات مستمرة.
هل بالإمكان التوثيق؟
تعمل معظم شبكات الاتجار بالأعضاء البشرية بشكل سري في سوريا وينتمي أعضاؤها لبلدان عديدة، بينما تنقسم الاختصاصات بين أطباء وعناصر أمنية وأصحاب سوابق ومسوقين على الانترنت، وتجري معظم العمليات في أماكن مغلقة وساعات متأخرة من الليل.
ورغم أن توثيق انتهاكات الاتجار بالأعضاء البشرية في سوريا أمر صعب للغاية خاصة مع العوائق التي تواجه الموثق أثناء العمل مثل عدم تجاوب البائع معه وعدم كشف المشتري لهويته خوفاً من إلقاء القبض عليه، إلا أنه يمكن البدء بتوثيق ذلك من الإعلانات التي يمكن ملاحظتها بشوارع المدن الخاضعة لسيطرة نظام الأسد.
لكن ما يستحيل التعامل معه هو انتقال فرق التوثيق إلى أماكن سيطرة نظام الأسد، بالتحديد كوادر المنظمات الحقوقية المحلية، خاصة أن معظم كوادرهم مطلوبون للنظام بسبب توثيق انتهاكاته عبر السنوات الماضية.
في تحقيق استقصائي نشر على موقع أريج عام 2015، تناول موضوع الاتجار بالأعضاء البشرية، وفي إحدى فقراته راسل معدا التحقيق منظمات دولية للاطلاع على تفاصيل الانتهاكات الحاصلة بمجال “الاتجار بالأعضاء البشرية” لكن لم تتوفر أية تقارير حقوقية ترصد هذه الانتهاكات في سوريا.
وأكد معدا التحقيق بعد تواصلهما مع العديد من الجهات الحقوقية أن منظمات دولية بارزة مثل منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش، لم يتوفر لديهما معلومات عن الظاهرة، بينما هناك الكثير من القصص التي وردت بوسائل إعلامية تؤكد أن هناك حركة نشطة بمجال الاتجار بالأعضاء البشرية في سوريا.
ورصد التحقيق 12 حالة اتجار بالأعضاء البشرية عن طريق إعداد لقاءات معهم في سوريا وإسطنبول وبيروت، سبعة أشخاص باعوا طوعاً بدافع اقتصادي وثلاث حالات سرقت أعضاءها أثناء تلقي العلاج، بينما رصد التحقيق حالة واحدة نجت من محاولة سرقة وحالة أخرى تجسدت باحتيال بحجة طبية.
وتعتبر العصابات المنظمة التي تعمل في ذات المجال من أخطر الشبكات التي ارتكبت انتهاكات في سوريا، بينما توثيق هذه الانتهاكات يعتبر من الأمور الصعبة خاصة أن العاملين ضمن هذه العصابات يستخدمون أسماءً وهمية ويعملون ضمن أجواء سرية.
المزيد للكاتب ⇐ هنا