تم تفسير خطوة (الرئيس السوري) على أنها جزء من التنافس بين روسيا وإيران في سورية
18 / تموز / يوليو / 2019
*ترجمة: مع العدالة
نشرت شبكة الأخبار البريطانية “ميدل إيست آي-Middle East Eye” مقالاً للكاتب “بول خليفة” حول التغييرات الأخيرة في هيكلية أجهزة الأمن العسكري والاستخبارات السورية التي قام بها “نظام الأسد”، وأهمّها إقالة مجرم الحرب الشهير” جميل الحسن”، واستبداله بمجرم آخر وهو “غسان إسماعيل” الذي كان يعتبر اليد اليمنى للــ”حسن”، وأحد مجرمي الحرب في سورية.
وبحسب المقال أن إعادة هيكلة جهاز الأمن السوري الذي أعلن في 8 تموز/يوليو تشكل التغيير الأكثر شمولاً للمؤسسات العسكرية والأمنية من قبل “بشار الأسد” منذ تفجير مقر الأمن القومي في دمشق قبل حوالي سبع سنوات.
وكان من بين القتلى في الهجوم الذي وقع في 18 تموز/يوليو 2012 اللواء “حسن تركماني”، رئيس ما تسمى بـ”خلية الأزمة” التابعة للأمن القومي (والتي تعاملت مع قمع الانتفاضة السورية عام 2011)؛ ووزير الدفاع “داود راجحة”؛ واللواء “آصف شوكت”، صهر الرئيس؛ ورئيس الأمن القومي “هشام بختيار”.
تغيير كبير
وكما يقول الكاتب “بول خليفة” وهذا ما يعرفه القاصي والداني، علاوة على السوريين: إنه بعد وقت قصير من التفجير، تم إجراء العديد من التعيينات في المناصب الرئيسة، حيث – تم استبدال أربعة منها في التعديل الأخير.
اللواء “جميل الحسن”، الذي كان منذ عام 2009 رئيساً لأجهزة المخابرات الجوية القوية (لكن صلاحياته الواسعة تغطي البلد بالكامل) قد تم استبداله بنائبه “غسان إسماعيل”. وتم استبدال اللواء”محمد ديب زيتون”، قائد الأمن القومي منذ عام 2012، باللواء”حسام لوقا”، الذي تم تكليفه بمنصب مدير الأمن السياسي السابق للواء “ناصر العلي”.
- وأهم تغيير هو ترقية اللواء “علي مملوك”، رئيس مكتب الأمن القومي، الذي أصبح الآن نائب (الرئيس) للشؤون الأمنية.
وقد أنشئ مكتب الأمن القومي بعد تفجير عام 2012 من أجل تنسيق ومراقبة الأجهزة الأمنية المتعددة ضد ثورة الربيع العربي، التي تحولت بعد أشهر عديدة من الاحتجاجات السلمية إلى ثورة مسلحة.
وكان “مملوك” بالفعل أحد أبرز الشخصيات “السنيّة” في النظام. وبعد ترقيته الأخيرة، أصبح الآن أقوى مسؤول “سني” في سورية. وقد نُسب منصبه السابق كرئيس لمكتب الأمن القومي إلى “محمد ديب زيتون”، وهو لواء بعثي “سُني” مقرب من (الرئيس الأسد).
ومن التغييرات الهامة الأخرى التي لم تلحظها وسائل الإعلام وهي ترقية “علي تركماني”، ابن رئيس خلية الأزمة المتوفى، إلى منصب مستشار الأمن الرئاسي. وكان هذا الطبيب قد أرسل مؤخراً إلى الخارج مراتٍ عديدة في الماضي من قبل “الأسد” واللواء “مملوك” في مهام رسمية.
منافسة بين إيران وروسيا؟
ويشير الكاتب إلى هذه التغييرات بأن الأخبار والتحليلات سيطرت على الصحافة العربية والدولية على حد سواء. وفسرت بعض المنابر الإعلامية هذه التغييرات بأنها جزء من منافسة أكبر بين روسيا وإيران حول السيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية السورية، وبالتالي هي جزء من إطار التنافس الجيوسياسي بين الدول الحليفة من الناحية النظرية.
وأشارت صحيفة “كومرسانت” الروسية إلى وجود صلة ضمنية بين إعادة التشكيل المؤسسي والاجتماع الأمني الثلاثي الذي عقد في الأراضي التي تحتلها (إسرائيل) في 24 حزيران/يونيو وضم – لأول مرة – مستشاري الأمن القومي (لإسرائيل)، التابعين للأمم المتحدة، والولايات المتحدة وروسيا.
وأشارت مصادر نقلتها الصحيفة الروسية إلى أن “إقالة” اللواء “جميل الحسن” تمت بعد اجتماع في القنيطرة (ضمن مرتفعات الجولان التي تحتلها إسرائيل) في حزيران/يونيو الماضي حضره القائد السوري، وأفراد من الجيش الروسي، ومندوبون من الفيلق الخامس (الذي يُزعم أنه قريب من روسيا)، ومن قبل ضباط إسرائيليين.
وعلى الرغم من أن دمشق وموسكو ولا تل أبيب أكدوا رسمياً أن الاجتماع قد تم، إلا أن اللواء “الحسن”، وفقاً للصحيفة الروسية، “لم يستجب لمطالب (إسرائيل) بأن تنسحب القوات الموالية لإيران من الحدود (الإسرائيلية) السورية”. وهذه التقارير مدعومة بمقال نشره موقع “المدن” اللبناني على شبكة الإنترنت، وهو وسيلة إعلامية قريبة من المعارضة السورية.
ويرى مطلعون آخرون من المعارضة السورية المقيمين في بيروت أن الروس هم “أكبر المستفيدين” من التغييرات التي أجراها (الأسد)، حيث إنها ستسمح لهم بتعزيز نفوذهم على حساب إيران “بعد أن فرضوا مرشحهم على رأس الجيش السوري”.
مرحلة جديدة
في مقابلة أجرتها “ميدل إيست آي-Middle East Eye”، أوضح الجنرال اللبناني السابق “إلياس حنا” أن التغييرات الأخيرة في سورية تمثل “حقبة جديدة تتميز بأولوية الأمن على السياسة”. وقال أيضاً إن هذه الخطوة “تعطي روسيا اليد العليا على حساب إيران” .
“تدخل سوريا مرحلة جديدة تتضمن ظهور شخصيات جديدة من المرجح أن تعزز مكانة روسيا وتضعف نفوذ إيران.
- الشخص الذي يعيد هيكلة الجيش السوري سيكون له الكلمة الأخيرة “.
وكما يقول الكاتب إن “حنّا” ركز بشكل خاص على ترقية “مملوك”، رغم أن هذا لا يعني بالضرورة أنه “خليفة محتمل لبشار الأسد” في سياق حل سياسي. وقدر أن “الرئيس الأسد مازال اللاعب الأساسي والشخص الذي يمنح الشرعية لكل من روسيا وإيران في سورية”.
وبحسب الشبكة، أن “أمين حطيط”، المحلل العسكري اللبناني والجنرال السابق في الجيش، رفض محاولات فهم تغييرات (الأسد) في إطار التنافس بين روسيا وإيران.
وذلك في مقابلة مع “ميدل إيست آي-Middle East Eye”، وصف “حطيط” أيضاً أن الأمر مثير للسخرية، بسبب هذه المعلومات التي تفيد بأن إقالة “جميل الحسن” جاءت بطلب من روسيا؛ حيث قال إن اللواء “الحسن” كان مريضاً منذ أكثر من عام، ولم يتمكن من أداء واجباته”.
غير متوقع واستثنائي
في الحقيقة، “حسن”، الضابط السوري (القوي) الذي كان مدرجاً في القائمة السوداء الأوروبية لدوره في قمع الانتفاضة السورية، يعاني من أزمة صحية. وفي شباط/فبراير الماضي، ظهرت تقارير تفيد بأنه نُقل إلى لبنان لتلقي العلاج الطبي.
وجاء في المقال أن السلطات الألمانية قد دعت إلى إلقاء القبض على “جميل الحسن” بسبب الاتهامات الموجهة إليه. وفي النهاية، تم إلغاء نقله إلى لبنان. وأضاف “حطيط” أن “استبدال “الحسن” بنائبه يعد علامة على الاستمرارية”.
ووفقاً للجنرال السابق، فإن إعادة الهيكلة، وخاصة إنشاء منصب نائب الرئيس للشؤون الأمنية، هي مؤشر على رغبة (الأسد) في تعديل أجهزته الأمنية نحو “مركزية أكبر وتنسيق أفضل”.
وأوضح “حطيط”: “من الآن فصاعداً، سيشرف “علي مملوك” على الأجهزة الأمنية، مما سيسمح (للرئيس الأسد) بالتركيز أكثر على القضايا السياسية وعلى إعادة إعمار البلاد”.
غير أن وسائل الإعلام وصفت هذه الخطوة بأنها غير متوقعة واستثنائية، إلا أنه لم يكن مفاجئاً للمحللين السوريين.
أولاً، لم تتم ترقية أي أرقام جديدة فجأة إلى المناصب العليا. وبدلاً من ذلك، لم يكن ما حدث سوى استبدال مديري الأجهزة الأمنية بنوابهم. وعلاوة على ذلك، تتبع هذه التدابير النمط السوري المعتاد، حيث تتقرر الترقيات والتقاعد بموجب مراسيم رئاسية كل سنة في كانون الثاني/يناير أو تموز/يوليو.
لا توجد أهداف مشتركة
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الروس والإيرانيين يشنون نفس الحرب ضد نفس (الأعداء)، فإنهم لا يشتركون بالضرورة في أهداف مشتركة أو يستخدمون نفس الأساليب. فعلى سبيل المثال، يمكن أن تختلف مواقفهم فيما يتعلق (بإسرائيل) أو العملية السياسية في سورية.
ويكمل “حطيط” بأن دبلوماسيين في بيروت أكدوا له هذه الاختلافات. ووفقاً لهم، فإن روسيا تود من (الرئيس الأسد) أن يقدم تنازلات سياسية، في حين يشجعه الإيرانيون على العناد والتمسك بمواقفه.
كما أنه من المعروف أن روسيا تفضل العمل مع وحدات محددة داخل الجيش السوري، مثل قوات “النمر” بقيادة “سهيل الحسن”، والفيلق الخامس في جيش النظام. ومن ناحية أخرى، يتمتع الإيرانيون بعلاقات ممتازة مع فرقة النخبة الرابعة في الحرس الجمهوري تحت قيادة “ماهر الأسد”، شقيق (الرئيس).
ولكن الادعاء، كما أشارت بعض التقارير، بأن هذين البلدين يفرضان مرشحيهما على المستويات العليا في الأجهزة الأمنية أو الوحدات العسكرية السورية.