لا توجد إحصائيات دقيقة حول أعداد الأطفال المجندين، من قبل مختلف الأطراف المسلحة التي تمارس القتل والعنف في سوريا دون استثناء، فيما يعتبر القانون الدولي تجنيد الأطفال، في صفوف القوات المسلحة جريمة حرب
24 / أيلول / سبتمبر / 2019
محمد برو – مع العدالة
صار من الواضح جداً ذلك التحول الحاد والنوعي، في ميكانيزمات الحرب عموماً، والدائرة في أرضنا سوريا على وجه الخصوص، حيث تحولت من حرب بين كتل متمايزة، ودول وجيوش بأدوات وأسلحة كبرى، إلى حربٍ من نوعٍ مختلفٍ، تتصارع فيها المكونات الاجتماعية، عبر حروبٍ بالوكالة، نيابةً عن متصارعين كبار، باتوا ينأون بأنفسهم عن التلوث المباشر، ببارود تلك الحروب، ويقتصر دورهم على خلق الأزمات وإدارتها، ببيع الأسلحة، وتكبيل تلك الدول بقروضٍ وعقودٍ طويلةٍ، واستيلاءٍ على مفاصل الاقتصاد والقوة في تلك الدول، وتكبيلها بالتزاماتٍ طويلةٍ، لا نهاية لها، وليس آخرها بالتأكيد رهن جيلٍ ناشئٍ برمته، من خلال رميه في أتون تلك الحرب، عبر ولاءاتٍ واستغلالٍ للحاجات، بحيث يصبح كل طفلٍ عرضةً لمساومة حفنةٍ الدولارات، التي سيعيل بها أسرته، عبر حمله للسلاح والقتال في تلك الجبهات، وغالبا الموت فيها.
بكل تأكيد هذا النمط المختلف من الحروب، يخرج المقاتلين عن نمط المواطنة والولاء للوطن، كما يفضي إلى انهيار الدولة، ويطلق العنان لمكبوتات الحقد الاجتماعي التاريخي، الذي يتم اذكاء ناره من جديد.
ولما كانت هذه الأنماط من الحروب، بحاجة للتغذية البشرية المستمرة، كونها تستهلك أفرادها ومقاتليها، بشكل يومي وطويل الأمد، فإن اللجوء إلى رفدها بدماء جديدة، من اليافعين الصغار والأطفال، الذين لم يبلغوا الثامنة عشرة من العمر أمر شديد الشيوع.
وهذا النمط كثير الانتشار في سوريا، حيث تحل الميليشيات والفصائل محل الجيش، ويحل أمراء الحرب محل القادة العسكريين، وتسود الشعارات الطائفية والدينية والمناطقية، محل شعارات حماية الوطن أو الثورة أو الشعب.
لقد شكلت ظاهرة تجنيد الأطفال، في الحرب الدائرة في سوريا، كارثة إنسانية بكل المقاييس، يشترك في جرميتها جميع المتحاربين، بينما يقف المجتمع الدولي بمنظماته، وهيئاته الحقوقية والإنسانية، عاجزاً عن احتوائها ومنع اتساعها، ولهذا فإن الأطفال في سوريا، يدفعون ثمن هذا التجنيد حالياً في قتل البراءة والمستقبل المنوط بهم، وتحويلهم إلى مجرمين يغتالون انسانيتهم أولاً، ويفتحون على المستقبل أبغض الاحتمالات.
وبغض النظر عن التقديرات التي يصعب حصرها، إلا أن أعداد الأطفال السوريين، المنخرطين في الحرب الدائرة، بمختلف الجهات التي تقوم بتجنيدهم، كبيرة جداً ونذيرة بخرابٍ وانتشارٍ للعنف والإرهاب، الذي بات سمةً عولميةً طاغية.
وتتنوع أساليب الميليشيات والفصائل المسلحة، في تجنيد الأطفال، فداعش بصفتها سيطرت على مدنٍ ومساحاتٍ جغرافيةٍ واسعة، تعتمد سياسة التجويع والضغط على الأهالي، ترغيباً وترهيباً، لإرسال أطفالهم مقابل المال، كما هو الحال مع أهالي الرقة ومنبج، ودير الزور وغيرها كثير.
وتتميز داعش عن سواها، بقدرتها على دفع تعويضٍ ماليٍ كبير جداً، قياساً للآخرين، حيث يتقاضى أهالي الطفل المنخرط في صفوفهم، مبلغاً يتراوح بين 400 و1000 دولار أمريكي شهرياً، ويعتمد آخرون ما يسمى بالمخيمات الدعوية، حيث يتم شحن هؤلاء الأطفال بزخم ديني، ومنحهم الألقاب الرنانة، وربطهم بأحقاد تاريخية تعود إلى زمن الحسين ومعاوية.
علاوة على تمكينهم من السلاح، وإتاحة اللعب به، مع معرفة ما يمثله هذا العبث الخطير، من إغراء للأطفال في هذه السن.
وكثيراً ما يتم خطف مئات الأطفال، المتسربين من المؤسسات التعليمية، أو الذين تشردوا وانتشروا في أسواق العمل السوداء، إما بسبب فقد ذويهم وافتقارهم لأي حاضنةٍ اجتماعية، أو لعجز الأهل عن توفير الموارد، فيتم دفع الأطفال إلى هذه الأتون التي لا ترحم.
وليس خافياً ما تفعله المواقع الإلكترونية، التي أصبحت الموطن الحقيقي لهؤلاء الأطفال، فهم يعكفون عليها الساعات الطويلة، حيث يتم الوصول إليهم عبرها، وعبر شبكات التواصل التي أصبحت من أخطر سرطانات العصر.
ويتم هناك تدريبهم، والإفادة من يفاعتهم في سرعة التدريب والتعلم، كما توكل إليهم أخطر الاعمال الانتحارية والتجسسية، حيث يسهل عليهم الاختفاء، ولا يثيرون حفيظة المراقبين.
وليس بعيداً ذلك الدور الخطير، الذي تلعبه مئات وربما الاف المدارس الدينية، التي تمثل فكر داعش بشقيه العربي والفارسي، أو تحاكيه في غسل آلاف العقول الناشئة، وجعلهم مادة خام ليتم تجنيدهم بكل سهولة لمن أراد أو قدر.
لا توجد إحصائيات دقيقة حول أعداد الأطفال المجندين، من قبل مختلف الأطراف المسلحة التي تمارس القتل والعنف في سوريا دون استثناء، فيما يعتبر القانون الدولي تجنيد الأطفال، في صفوف القوات المسلحة جريمة حرب، كما أن القانون الدولي يحظر تجنيد الأطفال دون السن الـ 18، في صفوف القوات المسلحة، ويشكل تجنيد الأطفال دون سن الـ 15، سواء بشكل طوعي أو إجباري «جريمة حرب» والمعتمد الآن هو دون سن الـ 18 وليس الـ 15 في نصوص القانون الدولي.
وقريباً سيصحو العالم على عقابيل هذا الموقف المتخاذل والمهزوم مما يجري في سوريا بينما يقوم القتلة بتجنيد آلاف الأطفال السوريين للقيام بالقتل والإرهاب، ويفرخون أجيالاً جديدة من الإرهابيين، فهؤلاء الأطفال الذين ترعرعوا على رائحة الدم والبارود وصوت القنابل والبراميل المتفجرة والقتل اليومي سيكونون محض ضحايا وأشواه ترى في القتل والعنف حدثاً يومياً طبيعياً.